اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
أولاً/ الحث على التوادد والتراحم وإن لم يحصل الحب:
قال الله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )(1).
أي جعل بينكم بالمصاهرة مودة تتوادّون بها، وتتواصلون من أجلها،(وَرَحْمَةً) رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض ، من غير أن يكون بينكم سابقة معرفة ولا رابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم ، وإنما هذه المودة والرحمة من قبل الله تعالى ؛ فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمة بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك(2).
فليس الحب هو سر استمرار الحياة الزوجية وسعادتها ، وإنما المعاشرة بالمعروف والتوادد والتراحم . فمع تحريم الشرع الكذب ، وتشديده فيه ، غير أنه أباح طرفاً منه ليتألَّف كل زوج صاحبه ويستطيب نفسه ، ، فعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِى خَيْرًا ». قَالَت : وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ الْحَرْبُ وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا (3).
وهكذا فعل كل ما من شأنه تحقيق التآلف والتراحم بين الزوجين مما أحله الله تعالى .
(1) سورة الروم آية 20 .
(2) انظر : تفسير القرآن العظيم 6/309 ، الدر المنثور 7/56 ، فتح القدير 4/312 ، تفسير الطبري 20/86 .
(3) أخرجه مسلم باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه ح6800-8/28 وانظر شرح النووي 16/158
ثانياً/ التذكير بالمأموول من الخير وحسن العاقبة والخيرة:
قال سبحانه (... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً )(1).
أي لدمامة أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز ؛ فهذا يندب فيه إلى الاحتمال ، فعسى أن يؤول الأمر إلى أن يرزقه الله منها أولاداً صالحين.
قال ابن عباس: ربما رزق الله منهما ولدا فجعل الله في ولدها خيرا كثيراً .
وقال مكحول : سمعت ابن عمر يقول : إن الرجل ليستخير الله تعالى فيُخار له ، فيسخط على ربه عز وجل فلا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خير له(2).
وهذا كثير معاين في الواقع ، فكم من رجل كره امرأته فأمسكها وصبر فكانت عوناً له على أمر دينه ودنياه ، أو رُزق منها أولاداً بررة صالحين ، وغير ذلك من الفتوح .
قال العلامة ابن الجوزي رحمه الله :[ وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها ونبهت على معنيين أحدهما أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح فرب مكروه عاد محموداً ومحمود عاد مذموماً، والثاني أن الإنسان لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه ما يكره فليصبر على ما يكره لما يحب وأنشدوا في هذا المعنى ...
ومن لم يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
... ومن يتتبع جاهداً كل عثرة ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب ](3) .
(2) انظر الجامع في أحكام القرن للقرطبي 5/98 . وزاد المسير 2/42 .
(3) زاد المسير 2/42 .
ثالثاً/ النظر إلى الحسنات والغض عن السيئات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ». أَوْ قَالَ « غَيْرَهُ »(1) .
الفرك : هو بغض أحد الزوجين الآخر(2).
فلا ينبغي للرجل أن يبغضها إذا رأى منها ما يكره لأنه إن كره منها خلقاً رضي منها آخر فيقابل هذا بذاك .
ولا شكّ أن تركيز الفكر فيما يُرضي كل طرف عن صاحبه من الخلال الطيبة طريق للهناء والسرور ، فالكمال عزيز ، ولا تخلو امرأة من نقص ، كما هو الحال أيضاً بالنسبة للرجل .
وسلامة الدين أكبر غنيمة وأعظم نعمة ، وما دونه يهون ، وكما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم « فاظفر بذات الدين ».
وأخيراً ... أراد شعيب بن حرب أن يتزوج امرأة ، فقال لها : إني سيء الخلق، فقالت : أسوأ منك خلقاً مَن أحوجك أن تكون سيء الخلق، فقال : إذاً أنت امرأتي(3) .
(1) أخرجه مسلم باب الوصية بالنساء ح3721-4/178 .
(2) النهاية في غريب الأثر 3/840 .
(3) أحكام النساء ص82 .
رابعاً/ الحث على مداراة المرأة :
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها )(1) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا »(2).
وفي رواية ( استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء )(3) .
قال ابن حجر [قوله (وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه ) قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها ... وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها ، أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله .
قوله (فإن ذهبت تقيمه كسرته) قيل هو ضرب مثل للطلاق أي إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقها ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم (وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها )](4).
[ وفي هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم ](5).
(2) أخرجه مسلم باب الوصية بالنساء ح 3719-4/178 .
(3) أخرجه البخاري باب قول الله تعالى ( وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة ) ح3153-3/1212 .
(4) فتح الباري 6/368 .
(5) شرح مسلم للنووي 10/57 .
قال الغزالي رحمه الله : [ واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها ، والحلم عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوماً إلى الليل وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه في الكلام فقال : أتراجعيني يا لكعاء! فقالت : إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك](1)(2).
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة « إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَىَّ غَضْبَى ». قَالَتْ فَقُلْتُ وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ « أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ». قَالَتْ قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ(3).
وينبغي كذلك للزوج أن يتغاضى عما يراه من خطإ يبدر من زوجه ولا يتعقب الأمور صغيرها وكبيرها ما لم يكن في حق من حقوق الله تعالى ؛ فالخطأ من سمات البشر لا يسلم منه أحد .
وذلك ما يرشدنا إليه قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير )(4).
قال العلامة السعدي رحمه الله :[ قوله: { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } قال كثير من المفسرين: هي حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، أسرَّ لها النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا، وأمر أن لا تخبر به أحدًا، فحدَّثت به عائشة رضي الله عنهما، وأخبره الله بذلك الخبر الذي أذاعته، فعرَّفها صلى الله عليه وسلم ببعض ما قالت، وأعرض عن بعضه، كرمًا منه صلى الله عليه وسلم ، وحلمًا](5).
وأخيراً ...
ذكر ابن العربي بسنده عن أبي بكر بن عبد الرحمن حيث قال : كان الشيخ أبو محمد بن أبي زيد من العلم والدين في المنزلة والمعرفة، وكانت له زوجة سيئة العشرة وكانت تقصر في حقوقه وتؤذيه بلسانها ؛ فيقال له في أمرها ويُعذَل بالصبر عليها ، فكان يقول : أنا رجل قد أكمل الله علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يميني ، فلعلها بعثت عقوبة على ذنبي فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشد منها(6).
(2) إحياء علوم الدين 4/72 .
(3) أخرجه البخاري باب غيرة النساء ووجدهن ح4930-5/2004 ، ومسلم باب في فضل عائشة ح6438-7/134 .
(4) سورة التحريم آية 3 .
(5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص872 .
(6) الجامع في أحكام القرآن 5/98 .
سادساً/ اتخاذ عدة خطوات لتأديب المرأة:
قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً {34} وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً{35}}النساء(1) .
والنشوز هو العصيان ، ولعلاجه يتخذ الخطوات التالية :
الخطوة الأولى : الوعظ بالرفق واللين فإن لم ينفع فلينتقل إلى :
الخطوة الثانية : الهجر في المضجع وذلك بأن يولّيها ظهره في المضجع ، لكن ينبغي ألا يبلغ بالهجر في المضجع أربعة أشهر ، وينبغي أن يقصد من الهجر التأديب والاستصلاح لا التشفي والانتقام ، ولا يهجرها في الكلام أكثر من ثلاثة أيام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )(2) .
الخطوة الثالثة : الضرب غير المخوف، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادمًا ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نِيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه ، إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله فينتقم )(3) .
متى يجوز الضرب ؟ الآية على الترتيب فالوعظ عند خوف النشوز ، والهجر عند ظهور النشوز ، والضرب عند تكرره ، واللجاج فيه ، ولا يجوز الضرب عند ابتداء النشوز .
شروط الضرب : منها أن تصر على النشوز والعصيان حتى بعد تدرجه معها في التأديب على النحو الذي سبق ذكره .
ومنها أن يتناسب العقاب مع نوع التقصير، فلا يبادر إلى الهجر في المضجع في أمر لا يستحق إلا الوعظ والإرشاد ـ ولا يبادر إلى الضرب وهو لم يجرب الهجر في المضجع ، وذلك لأن العقاب بأكثر من حجم الذنب والتقصير ظلم .
ومنها أن يراعي أن المقصود من الضرب العلاج والتأديب والزجر لا غير، فيراعي التخفيف فيه على أبلغ الوجوه ، وهو يتحقق باللكزة ونحوها ، أو بالسواك ونحوه . وفي خطبة حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ )(4).
قال عطاء : قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح ؟ قال : السواك وشبهه يضربها به(5). قال الفقهاء: هو ألا يكسر فيها عضواً ولا يؤثر فيها شيئاً(6) .
ومنها أنها إذا ارتدعت وتركت النشوز فلا يجوز له بحال أن يتمادى في عقوبتها ، أو يتجنى عليها بقول أو فعل لقوله تعالى: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً }النساء34.
ومنها أن يكون الضرب نافعاً في الإصلاح فإن كان يترتب عليه مفسدة أكبر وفتنة أشد فلا ، وقد اتفق العلماء على أن ترك الضرب والاكتفاء بالتهديد أفضل لما رواه إياس بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ». فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ. فَرَخَّصَ فِى ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم « لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ »(7) .
قال ابن الجوزي:[ وليعلم الإنسان أن من لا ينفع فيه الوعيد والتهديد لا يردعه السوط ، وربما كان اللطف أنجح من الضرب فإن الضرب يزيد قلب المعرض إعراضاً ](8) .
الخطوة الرابعة : إذا استمر الشقاق بين الزوجين يلجآن إلى حكمين أحدهما من أهله والآخر من أهلها على أن يكونا مسلمين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين ، ويعرفان الجمع والتفريق ، فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه ، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب ، فإن لم يستطع أحدهما ذلك أقنعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق . ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلان عنه .
فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله ، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح فرقا بينهما .
(1) سورة النساء آية 34و35 .
(2) أخرجه البخاري ك الأدب باب ما ينهى عنه من التحاسد ح6065 – 10 / 481 مع الفتح .
(3) أخرجه مسلم ك الفضائل باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام ح2327 .
(4) أخرجه مسلم باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ح3009-4/39 مطولاً .
(5) تفسير الطبري 8/314 .
(6) تفسير ابن كثير 2/295 .
(7) أخرجه أبو داود باب في ضرب النساء ح2148-2/211 وصححه الألباني ، والنسائي في السنن الكبرى باب ضرب الرجل زوجته ح9167-5/371 ، والدارمي باب في النهي عن ضرب النساء ح2219-2/198 وصححه حسين سليم أسد ، وابن حبان باب معاشر الزوجين ح4189-9/499 وصححه الأرناؤوط ، والحاكم ك النكاح ح2765-2/205 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ، والحميدي ح876-2/386 ، والطبراني في المعجم الكبير ح784-1/270 .
(8) أحكام النساء ص82 .
سابعاً : بقليل من التنازلات وبمزيد من الإحسان تستقيم الحياة ؛ ويتغير الحال ، وتُحفظ الأسرة
فالإسلام يُرشد الزوجة إذا لمست من زوجها جفوة ، وأحست منه غلظة ، أن تُبادر إلى شيء من التنازل عن حقوقها حفظاً لأسرتها واستقرارها ، فعسى أن يؤول الحال إلى ما يسرّ ، ويحصل الصلح ، والصلح خير ، قال الله تعالى ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )( 1 )
ثم ذكر سبحانه ما قد يمنع من الصلح بقوله: ( وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحّ ) أي: جبلت النفوس على الشح، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان للآخرين ، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعاً، لا سيما مع شنآن النفوس وإعراضها ، وعندئذ لا يقتصر الشح على الأموال والأفعال ، بل يتجاوزه إلى الشح بالعواطف والكلمات ، وتكون المحاسبة الشديدة فيما له وفيما ناله من الحقوق ، ومع الشح لا يمكن الصلح (وإن تحسنوا وتتقوا) ببذل الحق الذي عليكم ، والاقتناع ببعض الحق الذي لكم ، يذهب شنآن نفوسكم ويتحقق الصلح .
ولعل في ذكر التقوى تذكير لأهميتها ؛ فغالباً ما تغيب عند حصول الخلاف ، ويحل الظلم ، ويُنسى الإحسان الذي ربما يكون قد دام سلفاً أطول من الإساءة .
ألا فليتقِ الله كل زوج وليتقه في الآخر ، وليَصر إلى العدل والإحسان ، ولينزِل كل واحد للآخر عن القليل من حقه تكرماً وفضلاً وحفاظاً على كيان الأسرة.
( 1 ) سورة النساء آية 128 . وانظر تفسيرها في تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/426 ، وتفسيسر الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 1/206 .
وفى الختام السلام