إن الفتن واقعةٌ في أمة الإسلام لا محالة، وستموج بها كموج البحر كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ..
قال
"إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرًا لهم وينذرهم ما يعلمه شرًا لهم، وإن أمتكم هذه جُعِلَت عافيتُها في أولها وإن أخرهم يصيبهم بلاء وأمورٌ تنكرونها، ثم تجيء فتن يُرَقِّقُ بعضها بعضًا، فيقول المؤمن: هذه مُهلِكَتي، ثم تنكشف، ثم تجيء فتنة، فيقول المؤمن: هذه مُهلِكَتي، ثم تنكشف، فمن سرَّه أن يُزَحْزَحَ عن النار ويُدْخَلَ الجنة، فلتُدرِكهُ موتتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يأتوا إليه، ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يمينه، وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخرُ ينازعه، فاضربوا عنق الآخر" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]
وعن معاوية
قال: سمعت النبي
يقول "لم يبق من الدنيا إلا بلاءٌ وفتنة" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]
ومِن ثَمَّ فلا بد من التبصُّر بها، والاستعداد لها، والحذر منها ..
ولنصل لبرِّ الأمان، لا بد من الصبر على البلاء واعتزال الفتن بدلاً من الخوض فيها ..
عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله
يقول "إن السعيد لمن جُنِبَ الفتن، أن السعيد لمن جُنِبَ الفتن، إن السعيد لمن جُنِبَ الفتن، ولمن ابتلى فصبر فواها" [رواه أبو داوود وصححه الألباني]
وليس من الشجاعة التصدُّر للفتن؛ لأنها تذهب بالعقول والقلوب ..
ويقول ابن تيمية "وَالْفِتْنَةُ إِذَا وَقَعَتْ عَجَزَ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَنْ دَفْعِ السُّفَهَاءِ" [منهاج السنة النبوية (4:343)]
كان الحسن البصري يقول: "إن الفتنة إذا أقبلت عرفها العالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل" [حلية الأولياء (4:52)]
واعلم إنه لن يحفظك من الفتن إلا العلم بدينـــــك ..
فعليك أن تتعلَّم وتتفقَّه في أمور دينك .. وأن تتجنب جميع أسباب الفتن ولا تكن مُسعِّرًا لها،،
الأمور المعينة على السلامة من الفتن
فمن المعلوم أن زمان الفتن زمانٌ خطير يَكثُر فيه القيل والقال والجدال، ويحرص البعض على نقل الأخبار وإشاعة الأقوال دونما تثبُّت .. وفي وقت الفتن تنطق الرويبضة، أي: الرجل التافه الذي يتكلم في أمر العامة.
ولذلك علينا في هذا الوقت أن نتثبت عند سماع الأخبار والأقوال، ولا نتعجَّل في الحكم عليها حتى يتبيَّن لنا ثبوتها .. ثم بعد ذلك يقوم فيها بما أمر الله سبحانه وتعالى .. وإذا كان هذا أمرٌ واجبٌ على كل مسلم في حياته كلها في الرخاء والشدة، إلا إنه في وقت الفتنة آكد ..
بالأخص في زمن الفضائيات والإنترنت، التي صارت سببًا في نشر الشائعات التي تُشعِل الفتن ..
يقول الله عزَّ وجلَّ {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83]
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
"كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" [صحيح مسلم]
يقول الإمام الطحاوي "ونرى الجماعة حقًا وصوابًا، والفرقة زيغًا وعذابًا" [العقيدة الطحاوية] .. وقال ابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية "السُّنَّة: طريقة الرسول
والله تبارك وتعالى يقول {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]
عن عبد الله بن مسعود أنه قال "يا أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمرَ به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطاعة، هو خيرٌ مما تستحبون في الفُرقة" [تفسير الطبري]
فإن الاجتماع ولو على جور خيرٌ من التفرق وإن رُفِعَت رايــات الخير والعدل،،
حديث حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ
وفي رواية لمسلم قَالَ
يقول ابن حجر في شرح الحيث "وَقَالَ اِبْن بَطَّال : فِيهِ حُجَّة لِجَمَاعَةِ الْفُقَهَاء فِي وُجُوب لُزُوم جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ وَتَرْك الْخُرُوج عَلَى أَئِمَّة الْجَوْر، لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّائِفَة الْأَخِيرَة بِأَنَّهُمْ " دُعَاة عَلَى أَبْوَاب جَهَنَّم " وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمْ " تَعْرِف وَتُنْكِر " كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِينَ، وَهُمْ لَا يَكُونُونَ كَذَلِكَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى غَيْر حَقّ، وَأَمَرَ مَعَ ذَلِكَ بِلُزُومِ الْجَمَاعَة" [فتح الباري بشرح صحيح البخاري]
فالقول بلا علم من أعظم أسباب الفساد ومن أشد المُحرمات .. يقول تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]
وعن عمران بن حصين
فينبغي التفطُّن والتنبُّه لكثير من الناس الذين ينتسبون للعلم وقد يخدعون العامة بذلك ..
فاحرصوا وتثبتوا ولا تتعجلوا، ولا تَغُرَّنَّكُمُ المظاهر ..
واعلم أن الخروج عن الطريق على وجهين:
أما أحدهما فرجلٌ قد زلَّ عن الطريق وهو لا يريد إلا الخير .. فلا يُقتدى بزلته، فإنه هالك ..
ورجلٌ عاند الحق وخالف من كان قبله من المتقين .. فهو ضال مضل شيطان مريد في هذه الأمة، حقيقٌ على من عرفه أن يُحَذِر الناس منه ويبيِّن لهم قصته لئلا يقع في بدعته أحدٌ فيهلك" [شرح السُّنَّة (1:23)]
وقد أمرنا النبي
بعدم الخوض في أمر الفتن إلا بعلمٍ صحيح ..
وإلا فعلينا أن نلتزم الصمت ونعتزل الفتن ..
فهذا سبيـــل النجــاة من الفتن يا رعاكم الله::
1) الزم بيتك .. 2) املك عليك لسانك .. 3) عليك بما تعرف ودع ما تُنكِر .. 4) عليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة ..
فعادةً ما تبدأ الفتنة بكلمة وتنتهي بدماء لا يعلمها إلا الله، والتاريخ خير شاهد على ذلك .. لذلك على المؤمن أن يحذر من تتبع خطوات الشيطان وأن ينظر دائمًا إلى مآلات الأمور قبل الإقدام عليها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ
فعندما تختلط الأمور ولا يصير الحق واضحًا من الباطل، ويتفرق الناس أحزابًا كلٌ يطلب المُلك بشتى الوسائل ..
فعلى المسلم حينئذٍ أن يعتزل تلك الفرق كلها، وينجو بدينه ودمه ويحفظ لسانه ويده،،
فإنَّ من أعظم أسباب الفتن ظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ولا مخرج منها إلا بالتوبة لله عزَّ وجلَّ واعتراف كلٍ منا بذنبه ..
ولا شك أن العبادة من أسباب جلاء الفتنة ..
وعليك بالدعاء الذي أوصي به جبريل عليه السلام نبينا
اللهمَّ إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهمَّ اجعل بلادنا وسائر بلاد المسلمين أمانًا رخاءً،،
منقول