●¦[ الــفـــارس ]¦●
Well-Known Member
ضوابط الغضب لمحارم الله
بسم الله الرحمن الرحيم
محارم الله : هي الأمور التي حرمها الله تعالى ، وقد جاءت هذه اللفظة في قول عائشة رضي الله عنها عندما وصفت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل ) رواه مسلم ح4296 .
وأطلقت رضي الله عنها لفظة ( حرمة الله ) رواية أخرى عند الإمام مسلم ح4294 : (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل ) .
وفي صحيح البخاري ح 6288 أطلق عليها ( حرمات الله ) ، فعن عائشة رضي الله عنها قال : (ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله ) .
قال الإمام النووي رحمه الله : (وانتهاك حرمة الله تعالى هو ارتكاب ما حرمه ) .
إذا تقرر هذا ، فإنه يتقرر أيضاً من الأحاديث السابقة أن الغضب لمحارم الله - تعالى - التي تُنتهك محلُّ مدحٍ وثناءٍ في الشريعة بل هو مطلب شرعي .
وقد تمثل النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع المحمود من الغضب في عدة مواضع ومن ذلك [1] :
1. عن عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» رواه مسلم ح 4410 .
ففي هذا الحديث غضب الرسول صلى الله عليه وسلم عندما انتهكت حرمة الله وهي أن أسامة بن زيد رضي الله عنه شفع في حد من حدود الله ، وقد نبه أسامة رضي الله عنه فقال له معاتباً مع أنه حبه : أتشفع في حد من حدود الله ، ثم قام ونبه وخطب أصحابه فكان توجيهاً للأمة من بعدهم على عدم جواز الشفاعة في حدود الله .
2. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه، وتلّون وجهه وقال: «يا عائشة: أشدّ الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله»رواه مسلم ح 5527 ، القرام: الستر الرقيق.
وفي هذا الحديث غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى تلك التصاوير المحرمة .
3. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة كبعض ما كان يقسم فقال رجل من الأنصار والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله قلت أما أنا لأقولن للنبي صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو في أصحابه فساررته فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته ثم قال قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر ) رواه البخاري.
وكان غضب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة غضبة لله ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث : وفيه أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم .
( من هذا كله تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغضب وفي الوقت نفسه لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله لكن السؤال: ما حدود هذا الغضب؟ وهل هذا الغضب يخرج الإنسان عن القدرة على التوازن في التفكير، أو التعدي بالقول، أو العمل؟ لا شك أن المحلل لغضب النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف وهو بكامل عقله وتصرفاته؟
فالغضب المراد هنا أن لا يخرج الإنسان عن وضعه الطبيعي حال هدوئه فيتصرف تصرف الإنسان في حال طبيعته قبل غضبه فلا يتعدى بالقول أو الفعل، فهذا الغضب أفاد فوائد عدة منها:
أ - أنه أعطاه دفعة نفسية لتغيير هذا المنكر.
ب - أن تغير ملامح الإنسان بسبب هذا الغضب يدل على عظم هذا المنكر فليس أمرًا طبيعيًا.
ج - أن المشاهد والمستمع لهذا الغضبان يحرص على الاستجابة لما يرى من شدة تأثر المتكلم فيكون هذا الغضب دافعًا للاستجابة.
أما إذا خرج به الغضبان عن الحد الطبيعي وتجاوز الحدود الشرعية كأن [2]:
1. يتعدى في أحكامه، أو أقواله، أو تصرفاته.
2. أو لا يدري ماذا يقول فغطى عليه الغضب فلم يضبط ألفاظه .
3. أو يزيد في الكلام عن الأمر المراد .
4. أو يضرب أو يخرب .
5. أو يُرهب أو يقتل .
ما جاء في حديث أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((كان رجُلانِ في بني إسرائِيلَ مُتواخِيَين، فكان أحدُهما يُذنِبُ، والآخرُ مُجتهِدٌ في العِبادة، فكان لا يَزالُ المُجتهِدُ يرى الآخرَ على الذَّنب، فيقول: أقصِرْ، فوجده يومًا على ذنبٍ فقال له: أقصِرْ، فقال: خَلِّني وربِّي، أبُعِثتَ عليَّ رقِيبًا؟! فقال: واللهِ لا يغفِرُ الله لكَ، أو لا يُدخِلُك الله الجنَّة، فقَبضَ أرواحَهما، فاجتمعا عندَ ربِّ العالَمِين، فقال لهذا المُجتهد: كنتَ بي عالِمًا، أو كُنت على ما في يدي قادِرًا؟! وقال للمُذنب: اذهبْ فادخُل الجنَّة برحمتي، وقال للآخر: اذهبُوا به إلى النَّار، قال أبو هُريرةَ: والذي نفسِي بيده، لتكلَّم بكلمةٍ أوبقتْ دُنياهُ وآخرتَه))؛ رواه أبو داود.
يقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى -: \"فهذا غَضِبَ لله، ثم تكلَّم في حال غضبه لله بما لا يجوز، وحتَّم على الله بما لا يَعلمُ، فأحبط الله عملَه، فكيف بِمَن تكلَّم في غضبه لنفسِه ومتابعة هواه بما لا يجوز؟!\".
ثم إن من آكد الضوابط الغضب لمحارم الله ، معرفة فقه انكار المنكر وضوابطه والتي من أهمها [3]:
1. أن يكون المنكر منكر شرعاً مخالفا للدليل؛ لا من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإِذَا كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مِن مَسَائِل الاِجْتِهَادِ الَّتِي شَاعَ فِيهَا النِّزَاعُ لَمْ يَكُنْ لأَِحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الإِْمَامِ وَلاَ عَلَى نَائِبِهِ مِن حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلاَ يَنْقُضُ مَا فَعَلَهُ الإِْمَامُ وَنُوَّابُهُ مِن ذَلِكَ .
2. أن يكون المنكر ظاهراً غير مخفي.فمن ضوابط إنكار المنكر أن يكون ظاهراً معلناً غير مستخف به صاحبه أو مستتر به، ولأن تتبع عورات الناس من المنهي عنه شرعاً، وهذا أصل هام من أصول هذه الشعيرة.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله : واعلم أن الناس على ضربين أحدهما من كان مستورا لا يعرف بشيء من المعاصي فإذا وقعت منه هفوة أو زلة فإنه لا يجوز هتكها ولا كشفها ولا التحدث بها لأن ذلك غيبة محرمة .
3. أن لا يترتب على الإنكار منكر أعظم ، أو تفويت معروف أعظم منه ، وهذه من أعظم الضوابط ، والقاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
قال الإمام ابن القيم رحمه الله موضحاً لهذا الضابط: \"إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض على الله ورسوله فإنَّه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقالوا أفلا نقاتلهم فقال لا ما أقاموا الصلاة وقال من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينز عن يدا من طاعته ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو اكبر منه فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر ولهذا لم يأذن في ا لإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه .
4. أن يكون إنكار المنكر برفق ولين.فالواقع في المنكر يحتاج إلى لين ورفق حتى يقلع عن منكره ذلك، فالرفق مطلب شرعي في جميع الأحوال.
روى مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ».
--------------------------------------
[1] في هذا الباب ، كتب الشيخ : أبو إسلام أحمد بن علي ، كتابا أسماه : أربعون موقفاً غضب فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فليراجع عند الحاجة .
[2] لشيخنا الأستاذ الدكتور / فالح بن محمد الصغير وفقه الله ، شرحاً متميزا لحديث ( لاتغضب ) أجاد فيه وأفاد والرجوع إليه مهم في هذا الباب .
[3] للشيخ محمد الأنصاري دراسة موفقة في هذا الباب بعنوان (انكار المنكر وضوابطه ) فتلراجع عند الحاجة .
بسم الله الرحمن الرحيم
محارم الله : هي الأمور التي حرمها الله تعالى ، وقد جاءت هذه اللفظة في قول عائشة رضي الله عنها عندما وصفت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل ) رواه مسلم ح4296 .
وأطلقت رضي الله عنها لفظة ( حرمة الله ) رواية أخرى عند الإمام مسلم ح4294 : (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل ) .
وفي صحيح البخاري ح 6288 أطلق عليها ( حرمات الله ) ، فعن عائشة رضي الله عنها قال : (ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله ) .
قال الإمام النووي رحمه الله : (وانتهاك حرمة الله تعالى هو ارتكاب ما حرمه ) .
إذا تقرر هذا ، فإنه يتقرر أيضاً من الأحاديث السابقة أن الغضب لمحارم الله - تعالى - التي تُنتهك محلُّ مدحٍ وثناءٍ في الشريعة بل هو مطلب شرعي .
وقد تمثل النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع المحمود من الغضب في عدة مواضع ومن ذلك [1] :
1. عن عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» رواه مسلم ح 4410 .
ففي هذا الحديث غضب الرسول صلى الله عليه وسلم عندما انتهكت حرمة الله وهي أن أسامة بن زيد رضي الله عنه شفع في حد من حدود الله ، وقد نبه أسامة رضي الله عنه فقال له معاتباً مع أنه حبه : أتشفع في حد من حدود الله ، ثم قام ونبه وخطب أصحابه فكان توجيهاً للأمة من بعدهم على عدم جواز الشفاعة في حدود الله .
2. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه، وتلّون وجهه وقال: «يا عائشة: أشدّ الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله»رواه مسلم ح 5527 ، القرام: الستر الرقيق.
وفي هذا الحديث غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى تلك التصاوير المحرمة .
3. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة كبعض ما كان يقسم فقال رجل من الأنصار والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله قلت أما أنا لأقولن للنبي صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو في أصحابه فساررته فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته ثم قال قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر ) رواه البخاري.
وكان غضب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة غضبة لله ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث : وفيه أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم .
( من هذا كله تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغضب وفي الوقت نفسه لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله لكن السؤال: ما حدود هذا الغضب؟ وهل هذا الغضب يخرج الإنسان عن القدرة على التوازن في التفكير، أو التعدي بالقول، أو العمل؟ لا شك أن المحلل لغضب النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف وهو بكامل عقله وتصرفاته؟
فالغضب المراد هنا أن لا يخرج الإنسان عن وضعه الطبيعي حال هدوئه فيتصرف تصرف الإنسان في حال طبيعته قبل غضبه فلا يتعدى بالقول أو الفعل، فهذا الغضب أفاد فوائد عدة منها:
أ - أنه أعطاه دفعة نفسية لتغيير هذا المنكر.
ب - أن تغير ملامح الإنسان بسبب هذا الغضب يدل على عظم هذا المنكر فليس أمرًا طبيعيًا.
ج - أن المشاهد والمستمع لهذا الغضبان يحرص على الاستجابة لما يرى من شدة تأثر المتكلم فيكون هذا الغضب دافعًا للاستجابة.
أما إذا خرج به الغضبان عن الحد الطبيعي وتجاوز الحدود الشرعية كأن [2]:
1. يتعدى في أحكامه، أو أقواله، أو تصرفاته.
2. أو لا يدري ماذا يقول فغطى عليه الغضب فلم يضبط ألفاظه .
3. أو يزيد في الكلام عن الأمر المراد .
4. أو يضرب أو يخرب .
5. أو يُرهب أو يقتل .
ما جاء في حديث أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((كان رجُلانِ في بني إسرائِيلَ مُتواخِيَين، فكان أحدُهما يُذنِبُ، والآخرُ مُجتهِدٌ في العِبادة، فكان لا يَزالُ المُجتهِدُ يرى الآخرَ على الذَّنب، فيقول: أقصِرْ، فوجده يومًا على ذنبٍ فقال له: أقصِرْ، فقال: خَلِّني وربِّي، أبُعِثتَ عليَّ رقِيبًا؟! فقال: واللهِ لا يغفِرُ الله لكَ، أو لا يُدخِلُك الله الجنَّة، فقَبضَ أرواحَهما، فاجتمعا عندَ ربِّ العالَمِين، فقال لهذا المُجتهد: كنتَ بي عالِمًا، أو كُنت على ما في يدي قادِرًا؟! وقال للمُذنب: اذهبْ فادخُل الجنَّة برحمتي، وقال للآخر: اذهبُوا به إلى النَّار، قال أبو هُريرةَ: والذي نفسِي بيده، لتكلَّم بكلمةٍ أوبقتْ دُنياهُ وآخرتَه))؛ رواه أبو داود.
يقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى -: \"فهذا غَضِبَ لله، ثم تكلَّم في حال غضبه لله بما لا يجوز، وحتَّم على الله بما لا يَعلمُ، فأحبط الله عملَه، فكيف بِمَن تكلَّم في غضبه لنفسِه ومتابعة هواه بما لا يجوز؟!\".
ثم إن من آكد الضوابط الغضب لمحارم الله ، معرفة فقه انكار المنكر وضوابطه والتي من أهمها [3]:
1. أن يكون المنكر منكر شرعاً مخالفا للدليل؛ لا من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإِذَا كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مِن مَسَائِل الاِجْتِهَادِ الَّتِي شَاعَ فِيهَا النِّزَاعُ لَمْ يَكُنْ لأَِحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الإِْمَامِ وَلاَ عَلَى نَائِبِهِ مِن حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلاَ يَنْقُضُ مَا فَعَلَهُ الإِْمَامُ وَنُوَّابُهُ مِن ذَلِكَ .
2. أن يكون المنكر ظاهراً غير مخفي.فمن ضوابط إنكار المنكر أن يكون ظاهراً معلناً غير مستخف به صاحبه أو مستتر به، ولأن تتبع عورات الناس من المنهي عنه شرعاً، وهذا أصل هام من أصول هذه الشعيرة.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله : واعلم أن الناس على ضربين أحدهما من كان مستورا لا يعرف بشيء من المعاصي فإذا وقعت منه هفوة أو زلة فإنه لا يجوز هتكها ولا كشفها ولا التحدث بها لأن ذلك غيبة محرمة .
3. أن لا يترتب على الإنكار منكر أعظم ، أو تفويت معروف أعظم منه ، وهذه من أعظم الضوابط ، والقاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
قال الإمام ابن القيم رحمه الله موضحاً لهذا الضابط: \"إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض على الله ورسوله فإنَّه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقالوا أفلا نقاتلهم فقال لا ما أقاموا الصلاة وقال من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينز عن يدا من طاعته ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو اكبر منه فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر ولهذا لم يأذن في ا لإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه .
4. أن يكون إنكار المنكر برفق ولين.فالواقع في المنكر يحتاج إلى لين ورفق حتى يقلع عن منكره ذلك، فالرفق مطلب شرعي في جميع الأحوال.
روى مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ».
--------------------------------------
[1] في هذا الباب ، كتب الشيخ : أبو إسلام أحمد بن علي ، كتابا أسماه : أربعون موقفاً غضب فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فليراجع عند الحاجة .
[2] لشيخنا الأستاذ الدكتور / فالح بن محمد الصغير وفقه الله ، شرحاً متميزا لحديث ( لاتغضب ) أجاد فيه وأفاد والرجوع إليه مهم في هذا الباب .
[3] للشيخ محمد الأنصاري دراسة موفقة في هذا الباب بعنوان (انكار المنكر وضوابطه ) فتلراجع عند الحاجة .