●¦[ الــفـــارس ]¦●
Well-Known Member
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
بسم الله الرحمن الرحيم
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:-
قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } هذه الآية الكريمة جاءت في آخر سورة الحجر، خاتمة لمجموعة وصايا، أوصى بها الله تعالى نبيه - عليه الصلاة والسلام - منه تبع له.
واليقين هو الموت كما صح بذلك الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -(1) ،
وقال الحسن البصري - رحمه الله - : يا قوم المداومة المداومة، فإن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت(2) ، فلم يجعل الله في الآية الكريمة {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } حداً زمانياً، أو مكانياً، أو كمية من العمل، إذا وصل إليها العبد توقف عن العبادة وإنما جعل ذلك حتى الموت.
فالمداومة على العمل الصالح ،دون انقطاع حتى الموت، هي وصية الله - عز وجل - لعبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك. فقد وصفت عائشة - رضي الله عنها - عمله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: " كان عمله ديمة " (3) والديمة في كلام العرب تطلق على المطر إذا استمر نزوله فترة طويلة (4) أسبوع، أو عدة أيام، أو حتى عدة ساعات متصلة، ولا شك أن الديم من المطر أنفع للعباد، وللشجر، وللأرض وللمياه الجوفية، وأن نفعه أكثر من المطر الذي ينهمر بغزارة لدقائق، ثم ينقطع ، وكذلك العمل الدائم المستمر، نفعه للعبد، وفوائده أكثر من فوائد العمل الكثير، الذي ينقطع بسرعة،
فإن بعض الناس قد ينشط لنوع من أنواع العبادة، فيتحمس، ويبدأ بعمل كثير، وربما أصيب بالفتور؛ بسبب عدم إلفه، أو لعارض، فترك العمل، وربما لم يعد إليه بعد ذلك ، وأما المداومة ولو على القليل، فإن الغالب أنها لا تتعرض للانقطاع.
كما أنّ لها فوائد وثمرات كثيرة منها :
1- أنها أحب العمل إلى الله: فقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أحب العمل إلى الله تعالى فقال - صلى الله عليه وسلم - " أدومه وإن قل " (5)
2- أنها أحب العمل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقد أخبرت عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان يحب من العمل ما داوم عليه صاحبه ولو كان قليلاً (6).
3- أن الغالب أنّ العمل القليل مع المداومة والثبات عليه يزداد وينمو: بخلاف العمل الكثير في البداية، فإنه عرضة للانقطاع؛ لكونه قد يكون شاقاً في البداية، فيتركه العبد لأي عارض.
ومن النماذج المؤثرة في هذا الشأن: أن رجلاً كان يعاني من عدم محافظته على صلاة الوتر، فمرة يصليها ومرة لا يصليها ، ومرة يصليها واحدة وأخرى يصليها ثلاثاً ، فعاهد نفسه أن يصليها ركعة واحدة في ليالي الصيف، وخمساً في ليالي الشتاء، فلم يمر عليه عام حتى صار يصليها إحدى عشرة ركعة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
4- أن المداوم على العمل يكتب له أجر عمله إذا لم يتمكن من أدائه: فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً " (7)
5- أنها تعين العبد على العمل في مواسم الطاعات كرمضان وغيره؛ وذلك لأن المداوم على الطاعة، ولو كانت قليلة إذا جاءت تلك المواسم، استطاع أن يزيد من العمل، وأن يصبر عليه ولو كان كثيراً، لأنه تربى عليه طيلة العام، بل أنه يجد لذة ومتعة لا يجدها الآخرون، وهذا بخلاف من ليس عنده مداومة، فإنه سرعان ما يصاب بالفتور في مثل تلك المواسم، وبالتالي يضعف، وينقطع، ويخسر مواسم الخير؛ بسبب عدم إلفه للطاعة، وتربية نفسه عليها.
وينبغي أن يعلم أن المداومة ليست خاصة بالنوافل، بل هي مطلوبة في الفرائض أولاً، ففي الحديث القدسي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله تعالى " وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه " (8)
فهناك مرتبتان:
الأولى: الفرائض، وفيها قوله تعالى " وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه " وأحب صيغة تفضيل، وهي تفيد محبة زائدة.
الثانية: النوافل، وفيها قوله تعالى " ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه "
والنوافل مرتبة أدنى لكنها إذا اجتمعت مع الفرائض حققت للعبد شيئاً عظيماً " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به " فيصير مسدداً في أقواله، وأفعاله، وسمعه، وبصره، مستجاب الدعاء (9) - نسأل الله الكريم من فضله- ولا يعني هذا أن النوافل أفضل، كما أنه لا يعني أن المحبة حصلت بسببها لقوله: " وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه " ولذا قال ابن حجر - رحمه الله -: (المراد من النوافل: ما كانت حاوية للفرائض، ومشتملة عليها، ومكملة لها، ولذا قال بعض أهل العلم: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور). (10) أخي المسلم: هذا شيء من هدي نبيك - صلى الله عليه وسلم - في العبادة، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ( وقد أعطيت هذه الأمة ما لم تعطى بقية الأمم ببركة متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان أفضل الخلق وهديه أكمل الهدي - صلى الله عليه وسلم -) (11)
والحمد لله رب العالمين