المتحابون في الله

nanci taha

New Member


المتحابون في الله


أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟
اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي ) .

وأخرج الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
قال الله عز وجل :
( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور
يغبطهم النبيون والشهداء ) .

معاني المفردات
بجلالي : بعظمتي وطاعتي لا لأجل الدنيا .
يغبطهم : الغبطة تمني
مثل نعمة الغير دون تمني زوالها عنه .

فضل الحب في الله
الحب في الله رابطة من أعظم الروابط ،
وآصرة من آكد الأواصر ، جعلها سبحانه
أوثق عرى الإسلام والإيمان
، فقال - صلى الله عليه وسلم - :
( أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله ،
والحب في الله والبغض في الله عز وجل )
رواه الطبراني وصححه الألباني .

بل إن الإيمان لا يكمل إلا بصدق هذه العاطفة ،
وإخلاص هذه الرابطة قال صلى الله عليه وسلم :
( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله
ومنع لله فقد استكمل الإيمان ) رواه أبو داود .

ومن أراد أن يشعر بحلاوة الإيمان ،
ولذة المجاهدة للهوى والشيطان فهذا هو السبيل ،
ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله
ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء
لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر
كما يكره أن يقذف في النار ) .

والمرء يفضل على صاحبه بمقدار ما يكنه
له من المحبة والمودة والإخاء ،
قال - صلى الله عليه وسلم - :
( ما تحاب اثنان في الله تعالى
إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه )
رواه ابن حبان وصححه الألباني .

وأما الجزاء في الآخرة فهو ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله ، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم -
أن من بين السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم
لا ظل إلا ظله : ( رجلان تحابا في الله اجتمعا
عليه وتفرقا عليه ) أخرجاه في الصحيحين .

محبة في الله

والأصل في الحب والبغض أن يكون لكل ما يحبه الله
أو يبغضه ، فالله يحب التوابين والمتطهرين ،
والمحسنين ، والمتقين ، والصابرين ، والمتوكلين
والمقسطين ، والمقاتلين في سبيله صفا ،
ولا يحب الظالمين والمعتدين والمسرفين
والمفسدين ، والخائنين ، والمستكبرين .

ولهذا فإن شرط هذه المحبة أن تكون لله وفي الله ،
لا تكدِّرها المصالح الشخصية ، ولا تنغصها المطامع
الدنيوية ، بل يحب كل واحد منهما الآخر لطاعته لله ،
وإيمانه به ، وامتثاله لأوامره ، وانتهائه عن نواهيه
، ولما سئل أبو حمزة النيسابوري عن المتحابين في الله
عز وجل من هم ؟ فقال : " العاملون بطاعة الله ،
المتعاونون على أمر الله ، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم " .

والمحبة في الله هي المحبة الدائمة الباقية إلى يوم الدين
، فإن كل محبة تنقلب عداوة يوم القيامة إلا ما كانت
من أجل الله وفي طاعته ، قال سبحانه :
{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين }
(الزخرف 67) ، وقد روى الترمذي أن أعرابياً
جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال :
يا محمد ، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم ، فقال
- صلى الله عليه وسلم - : ( المرء مع من أحب ) .

وأما من أحب شخصا لهواه ، أو لدنياه ،
أو لمصلحة عاجلة يرجوها منه ،
فهذه ليست محبة لله بل هي محبة لهوى النفس ،
وهى التى توقع أصحابها فى الكفر
والفسوق والعصيان عياذاً بالله من ذلك .

أمور تعظم بها المحبة

وهناك أمور تزيد في توثيق هذا الرباط العظيم وتوطيده
، حث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها :
إعلام الأخ - الذي له في نفسك منزلة خاصة ،
ومحبة زائدة عن الأخوة العامة التي لجميع المؤمنين
بأنك تحبه ، ففي الحديث :
( إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره
أنه يحبه لله ) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني
وفي رواية مرسلة عن مجاهد رواها ابن أبي الدنيا
وحسنها الألباني
( فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة ) .

ومنها تبادل العلاقات الأخوية ،
والإكثار من الصلات الودِّية ، فكم أذابت الهدية
من رواسب النفوس ،
وكم أزال البدء بالسلام من دغل القلوب ، وفي الحديث
( تصافحوا يذهب الغل ، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ) رواه مالك في الموطأ ، وحسنه ابن عبد البر في التمهيد .

وقال - صلى الله عليه وسلم - :
(لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا
، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟
أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم .

حقوق المحبة

وهناك حقوق بين المتحابين توجبها وتفرضها هذه المحبة ، ويُسْتَدل بها على صدق الأخوة وصفاء الحب ، منها :
أن تحسب حساب أخيك فيما تجره إلى نفسك من نفع ، أو ترغب بدفعه عن نفسك من مكروه ، وقد أوصى
النبي- صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة بقوله :
( وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحبه لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، تكن مؤمنا )
رواه ابن ماجة وحسنه الألباني .

ومنها ما تقدمه لأخيك من دعوات صالحات
حيث لا يسمعك ولا يراك ، وحيث لا شبهة للرياء
أو المجاملة ، قال - صلى الله عليه وسلم - :
( دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ،
عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال
الملك الموكل به : آمين ولك بمثل ) رواه مسلم ،
وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه ،
دعا لأخيه بتلك الدعوة ،
لأنها تستجاب ويحصل له مثلها .

ومنها الوفاء والإخلاص والثبات على الحب إلى الموت
، بل حتى بعد موت الأخ والحبيب ببر أولاده وأصدقائه
، وقد أكرم النبي - صلى الله عليه وسلم -
عجوزاً جاءت إليه ،
وقال : ( إنها كانت تغشانا أيام خديجة ، وإن حسن العهد
من الإيمان ) رواه الطبراني ، ومن الوفاء أن لا يتغير الأخ على أخيه ، مهما ارتفع شأنه ، وعظم جاهه ومنصبه .

ومنها التخفيف وترك التكلف ، فلا يكلِّفْ أخاه
ما يشق عليه ، أو يكثر اللوم له ، بل يكون خفيف الظل
، قال بعض الحكماء : " من سقطت كلفته دامت ألفته
، ومن تمام هذا الأمر أن ترى الفضل لإخوانك عليك ،
لا لنفسك عليهم ، فتنزل نفسك معهم منزلة الخادم " .

ومنها بذل المال له ، وقضاء حاجاته والقيام بها ،
وعدم ذكر عيوبه في حضوره وغيبته ، والثناء عليه
بما يعرفه من محاسن أحواله ،
ودعاؤه بأحب الأسماء إليه .

ومنها التودد له والسؤال عن أحواله ،
ومشاركته في الأفراح والأتراح ، فيسر لسروره ،
ويحزن لحزنه .

ومن ذلك أيضاً بذل النصح والتعليم له ،
فليست حاجة أخيك إلى العلم والنصح بأقل من حاجته
إلى المال ، وينبغي أن تكون النصيحة سراً من غير توبيخ .

وإن دخل الشيطان بين المتحابين يوماً من الأيام ،
فحصلت الفرقة والقطيعة ، فليراجع كل منهما نفسه ،
وليفتش في خبايا قلبه فقد قال عليه الصلاة والسلام :
( ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني .

هذه بعض فضائل المحبة في الله وحقوقها ،
وإن محبة لها هذا الفضل في الدنيا والآخرة لجديرة بالحرص عليها ، والوفاء بحقوقها ، والاستزادة منها ،
(والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا
الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) الحشر
 


.

إبداع في الطرح الراقي والمتميز
أَن تُضَيِّف شَيْئا لِدُّنْيَا الْإِبْدَاع وَالْتَأَلُّق [ ديليجنت ] ..

فَإِنَّه شَيْء جَمِيـل وْكِلِّي فَخُر بِأَضَافَتِي الْمُسَاهَمَة بمواضيعَكُم ..
وَمَن لَم يَزِد شَيْئا إِلَى هَذِه الْمَسِيرَة فَهُو زَائِد عَلَيْهَا .. !
خَالِص الْوُد وَالْتَّقْدِيْر ,, DeleGnT

.
 


post-121126-1266946184.gif
 
عودة
أعلى