غريب
New Member
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه وبعد :
لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سيكون من كثرة الفتن قُرْبَ قيام الساعة وها نحن نرى ما أخبر به ، فقد عمت الفوضى في بلاد المسلمين ،
فدماءٌ تسفك وتُستباح ، وأرواح تُزهق ، وأموالٌ تسلب ،وما ذاكم إلا لبعد الناس عن تعاليم نبيهم صلى الله عليه وسلم ،
وإنك لتعجب مِنْ مَنْ يدعو الناس إلى المشاركة في هذه الفوضى التي عمت ، بل والأعجب من يصف
من لا يشارك في هذه الثورات و المظاهرات - التي لا تمت إلى الإسلام بصلة - ومن يحذر
منها بالجبن والضعف والسكوت عن الحق والمداهنة للحكام ،فأحببت أن أُبين
الحقائق لهؤلاء وأمثالهم ، و أن أقدم النصح لهم ، وأن ما يدعوننا إليه
إنما هو خلاف الحق ،وخلاف ما سار عليه سلفنا الصالح
رضوان الله عليهم .
الحقيقة الأولى
أن هذه الثورات والمظاهرات إنما هي أفعال غوغائية لن تجر على البلاد إلا الويلات ؛ على عكس ما يتوهمه البعض ؛ لا لشيء سوى أن هذه الطريقة ليست شرعية،
وما دامت كذلك فضررها أكبر من نفعها - إن كان ثمة نفع - والله تعالى عليم حكيم ؛ لطيف خبير؛ خلق الخلق ، وهو يعلم ما يصلحهم ، وما يفسدهم ؛
فلو كان شيء من هذا يصلحهم لأمر به ، ودعا إليه ، ونحن ندور مع الشرع حيث دار؛ نلتزم بأحكامه، ونتقيد بضوابطه،
ولو كانت على خلاف ما نهوى ، ونسلم للسنة ؛ فلا نضرب لها الأمثال ، ولا نطرح عليها الأسئلة ،
ولا نحاكمها إلى عقولنا القاصرة ، ولا إلى التجارب المعاصرة ؛ بل نقول:
صدق الله وصدق رسوله ؛ معتقدين أن الشارع الحكيم ما أمرنا
إلا بما فيه صلاحنا في ديننا ، ودنيانا ، وآخرتنا.
الحقيقة الثانية
إذا كانت هذه الثورات والمظاهرات ستُحدِثُ إصلاحات اقتصادية ، وتخفيفاً للضغوط الأمنية ؛ ففي مقابل ذلك ؛ ستشهد انفلاتاً في الحرية - وهذا مقتضى الديمقراطية
التي دعا إليها هؤلاء المتظاهرون ، ومن ثم سيرفع أرباب النحل الفاسدة، والعقائد الباطلة عقيرتهم مطالبين بإفساح المجال أمامهم للدعوة إلى أديانهم
أو مذاهبهم ؛ فلا حجر لفكر على فكر ، ولا لدين على آخر ، ولو كان دين الأغلبية ؛ فالحرية حرية أبدان وأديان معاً،
والجميع سواسية متساوون في الحقوق والواجبات ، أما أصحاب التوجهات الإسلامية على وجه العموم ،
والسلفيون على وجه الخصوص ؛ فلن يكون لهم نصيب من هذه الحريات المزعومة ؛
لأن الإسلام لا يلتقي مع الكفر ، فالديمقراطية - لو علم المروجون لها،
والمنادون بها - كفر بالله العظيم.
الحقيقة الثالثة
أن الخروج على الحكام ليس حلاً للنهوض بالإسلام؛ إنما الإصلاح يكون من القاعدة ؛ فلو كان الإخوان المفسدون، ومن نحا نحوهم يرغبون في الإصلاح حقاً ؛
لعمدوا إلى أنفسهم فأصلحوها ؛ فامتثلوا أحكام الإسلام ظاهراً وباطناً ، وأمروا الناس بذلك ، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه ؛ استعاضوا عن الدين
بالسياسة ؛ وفشلوا فيها فشلاً ذريعاً ، ومع ذلك فما زالوا يلبسون على الناس بانتسابهم للدين.
الحقيقة الرابعة
أَمرُ الشارع لنا بالصبر على جور الحاكم وظلمه ؛ ليس إقراراً منه بالظلم والجور، ولا محبة للحاكم ، و رضى بصنيعه ؛ بل لمصلحتنا نحن ؛ حفظاً لدمائنا ، وصوناً لأعراضنا ،
وأموالنا ؛ فهذه مقاصد عظيمة ينبغي عدم إغفالها عند إرادة إزالة الفساد والجور، والأمر قريب ، وغداً سيستريح بر، ويستراح من فاجر. على أنه لا ينبغي إغفال أن
الحاكم إفراز المجتمع ؛ فإذا كان المجتمع صالحاً كان الحاكم صالحاً، والعكس بالعكس ، قال علي رضي الله عنه لما ضربه ابن ملجم ، وسُئل أن يستخلف: مات
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف ؛ فوجد فينا خيراً فولى علينا أبا بكر ، وإن يعلم الله فيكم خيراً يولي عليكم من هو خير. ، وصدق رضي الله عنه
؛ فلما كانت الرعية فيها أمثال عمر وعثمان ، وبقية العشرة ، وسادة المهاجرين والأنصار ولى عليهم أبا بكر، وهذا مصداق قوله سبحانه وتعالى:
"إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً" ، وإذ ذلك كذلك ؛ فأي خير فينا حتى يتولى علينا من يخاف الله ويتقيه ؛ فيعدل في القضية ،
ويحكم بالسوية ؛ وقد بلغنا من الانحطاط الديني والأخلاقي ما لا يخطر على بال مؤمن , إن أنساً رضي الله عليه بكى على
غربته قائلاً: لو أن رجلاً من الصدر الأول خرج من قبره ما عرف من أمركم شيئاً إلا هذه الصلاة ، وحتى هذه
غيرتم فيها ؛ فماذا يقال عنا إذن ، وبم نصف حالنا ، وقد نزلنا تحت الحضيض بمراحل ؛ حتى صارت
اللحية والحجاب مصدراً للتهكم والتندر وممن؟ ممن يحسب على الإسلام والمسلمين ؛ لقد صارت
السطوة اليوم لأهل الباطل الذين ما فتئوا يلحدون في آيات الله ، ويحرفون سنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، ويقلبون الحقائق عن عمد ؛ حتى صار الشرك توحيداً ، والتوحيد شركاً
، والباطل حقاً ، والحق باطلاً .
الحقيقة الخامسة
أننا قبل أن يظلمنا غيرنا؛ ظلمنا أنفسنا بابتعادنا عن ديننا ، وتضييعنا لقيمنا ، وأخلاقنا ، وقد جرت سنة الله في خلقه ؛ أنه كما نكون يُولي علينا.
فيا من تطالبون بالتغيير؛ هل نبذتم شرككم ، ووحدتم ربكم ، وصليتم خمسكم ، وأخرجتم زكاة أموالكم ، وحجبتم نساءكم وبناتكم ،
وتخلقتم بأخلاق المسلمين ؛ أم أنكم غثاء كغثاء السيل لا خير فيكم ؛ فعلام إذن يولي ربكم عليكم من يخافه ويرحمكم ؛
هل عرفتموه في الرخاء حتى يعرفكم في الشدة؟ إن غاية أملكم ، ومبلغ علمكم هي الدنيا ؛ لذا كان غضبكم ،
وخروجكم من أجلها ، فبئس العبيد أنتم إن كان لهذا خروجكم قال عليه الصلاة والسلام:
( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم :
..... ، ورجل بايع إمامه لم يبايعه إلا لدنيا ، فإن أعطاه منها رضي ،
وإن لم يعطه منها سخط) .
الحقيقة السادسة
أننا لو صبرنا لكان في الصبر خيرٌ لنا ، وقد صبر سلفنا الصالح على الحجاج فكان خيراً لهم، ولما لم يصبر طائفة منهم ، وخرجوا مع ابن الأشعث كان
في ذلك شراً لهم ؛ مع أنهم خرجوا غضباً لدينهم، وغيرة لانتهاك حرمات الله ؛ ولما لم يصبر ابن حنظله الغسيل ؛ هو وابن مطيع العدوي على
ما بدر من يزيد بم معاوية ؛ افتُضت أبكار بنات المهاجرين والأنصار ، بخلاف تقتيل رجالهم ، وسلب أموالهم ، وصبروا على
المأمون والمعتصم والواثق مع دعوتهم الناس للكفر البواح ، وإزهاق أرواحهم ، وقطع أرزاقهم ، وعدم افتكاك أسراهم
من أيدي العدو ؛ بل طُوي على الإمام أحمد حصير ، وداسته أقدام الجند بأمر الخليفة ، وقتل غير واحد من
سادة المؤمنين ، وأئمة الدين، وصبروا ولم يخرجوا فكان خيراً لهم ، ورفع الله المحنة عنهم بعد
سنوات من الذل والقهر ؛ حتى لقد خشي بعض أهل العلم من اندراس معالم الدين ،
وقد كان بإمكانهم الخروج لا سيما وهم سادة مطاعون، وخروجهم من أجل
الله لا من أجل أنفسهم، فما فعلوا لعلمهم بالمفاسد
العظيمة المترتبة على ذلك.
الحقيقة السابعة
أن أحكام الشرع تبنى على الغالب ؛ فلو ظهر لأحد من الناس أن ما فعله طلاب الدنيا هؤلاء ؛ أسفر عن نتائج هامة ؛ على رأسها إقصاء الحاكم ، فليس هذا دليلاً
على صحة طريقتهم ، فإن هذا نادر والنادر لا حكم له ؛ على أن الأهم من ذلك تطبيق الشرع ، وهذا لم يحدث ، ولن يحدث لأنه ليس ضمن مطالب
المتظاهرين . ونحن لا نقل: إن الخروج لن يفلح ، ولن ينجح ؛ لأننا نعلم أنه ما من شر إلا وفيه خير ؛ فالخمر والميسر فيهما منافع للناس ؛
لكن إثمهما أكبر من نفعهما ؛ لذا حُرما ، والشيطان دل أبا هريرة رضي الله عنه على خير ؛ فالخروج قد يأتي ببعض الخير
الظاهر حسب اعتقاد الخارجين ؛ لكن الشريعة أحكامها تبنى على الغالب ؛ فما ترجح ضرره ، وكان شره أكثر
من خيره نهت عنه ، وحذرت منه ، وهكذا الخروج ؛ فإن المفاسد المترتبة عليه أعظم بكثير من
المصلحة المرجوة منه - لو وجدت - فضلاً عن كونها مظنونة؛ علماً بأن المصلحة
في نظر الخارجين؛ مفسدة في نظر أهل العلم والدين .
نسأل الله جلا وعلا أن يجنبنا وبلادنا وبلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
والله تعالى أعلى وأعلم .
حرر في يوم الخميس
21 من ربيع الأول لعام 1432 للهجرة
لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سيكون من كثرة الفتن قُرْبَ قيام الساعة وها نحن نرى ما أخبر به ، فقد عمت الفوضى في بلاد المسلمين ،
فدماءٌ تسفك وتُستباح ، وأرواح تُزهق ، وأموالٌ تسلب ،وما ذاكم إلا لبعد الناس عن تعاليم نبيهم صلى الله عليه وسلم ،
وإنك لتعجب مِنْ مَنْ يدعو الناس إلى المشاركة في هذه الفوضى التي عمت ، بل والأعجب من يصف
من لا يشارك في هذه الثورات و المظاهرات - التي لا تمت إلى الإسلام بصلة - ومن يحذر
منها بالجبن والضعف والسكوت عن الحق والمداهنة للحكام ،فأحببت أن أُبين
الحقائق لهؤلاء وأمثالهم ، و أن أقدم النصح لهم ، وأن ما يدعوننا إليه
إنما هو خلاف الحق ،وخلاف ما سار عليه سلفنا الصالح
رضوان الله عليهم .
الحقيقة الأولى
أن هذه الثورات والمظاهرات إنما هي أفعال غوغائية لن تجر على البلاد إلا الويلات ؛ على عكس ما يتوهمه البعض ؛ لا لشيء سوى أن هذه الطريقة ليست شرعية،
وما دامت كذلك فضررها أكبر من نفعها - إن كان ثمة نفع - والله تعالى عليم حكيم ؛ لطيف خبير؛ خلق الخلق ، وهو يعلم ما يصلحهم ، وما يفسدهم ؛
فلو كان شيء من هذا يصلحهم لأمر به ، ودعا إليه ، ونحن ندور مع الشرع حيث دار؛ نلتزم بأحكامه، ونتقيد بضوابطه،
ولو كانت على خلاف ما نهوى ، ونسلم للسنة ؛ فلا نضرب لها الأمثال ، ولا نطرح عليها الأسئلة ،
ولا نحاكمها إلى عقولنا القاصرة ، ولا إلى التجارب المعاصرة ؛ بل نقول:
صدق الله وصدق رسوله ؛ معتقدين أن الشارع الحكيم ما أمرنا
إلا بما فيه صلاحنا في ديننا ، ودنيانا ، وآخرتنا.
الحقيقة الثانية
إذا كانت هذه الثورات والمظاهرات ستُحدِثُ إصلاحات اقتصادية ، وتخفيفاً للضغوط الأمنية ؛ ففي مقابل ذلك ؛ ستشهد انفلاتاً في الحرية - وهذا مقتضى الديمقراطية
التي دعا إليها هؤلاء المتظاهرون ، ومن ثم سيرفع أرباب النحل الفاسدة، والعقائد الباطلة عقيرتهم مطالبين بإفساح المجال أمامهم للدعوة إلى أديانهم
أو مذاهبهم ؛ فلا حجر لفكر على فكر ، ولا لدين على آخر ، ولو كان دين الأغلبية ؛ فالحرية حرية أبدان وأديان معاً،
والجميع سواسية متساوون في الحقوق والواجبات ، أما أصحاب التوجهات الإسلامية على وجه العموم ،
والسلفيون على وجه الخصوص ؛ فلن يكون لهم نصيب من هذه الحريات المزعومة ؛
لأن الإسلام لا يلتقي مع الكفر ، فالديمقراطية - لو علم المروجون لها،
والمنادون بها - كفر بالله العظيم.
الحقيقة الثالثة
أن الخروج على الحكام ليس حلاً للنهوض بالإسلام؛ إنما الإصلاح يكون من القاعدة ؛ فلو كان الإخوان المفسدون، ومن نحا نحوهم يرغبون في الإصلاح حقاً ؛
لعمدوا إلى أنفسهم فأصلحوها ؛ فامتثلوا أحكام الإسلام ظاهراً وباطناً ، وأمروا الناس بذلك ، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه ؛ استعاضوا عن الدين
بالسياسة ؛ وفشلوا فيها فشلاً ذريعاً ، ومع ذلك فما زالوا يلبسون على الناس بانتسابهم للدين.
الحقيقة الرابعة
أَمرُ الشارع لنا بالصبر على جور الحاكم وظلمه ؛ ليس إقراراً منه بالظلم والجور، ولا محبة للحاكم ، و رضى بصنيعه ؛ بل لمصلحتنا نحن ؛ حفظاً لدمائنا ، وصوناً لأعراضنا ،
وأموالنا ؛ فهذه مقاصد عظيمة ينبغي عدم إغفالها عند إرادة إزالة الفساد والجور، والأمر قريب ، وغداً سيستريح بر، ويستراح من فاجر. على أنه لا ينبغي إغفال أن
الحاكم إفراز المجتمع ؛ فإذا كان المجتمع صالحاً كان الحاكم صالحاً، والعكس بالعكس ، قال علي رضي الله عنه لما ضربه ابن ملجم ، وسُئل أن يستخلف: مات
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف ؛ فوجد فينا خيراً فولى علينا أبا بكر ، وإن يعلم الله فيكم خيراً يولي عليكم من هو خير. ، وصدق رضي الله عنه
؛ فلما كانت الرعية فيها أمثال عمر وعثمان ، وبقية العشرة ، وسادة المهاجرين والأنصار ولى عليهم أبا بكر، وهذا مصداق قوله سبحانه وتعالى:
"إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً" ، وإذ ذلك كذلك ؛ فأي خير فينا حتى يتولى علينا من يخاف الله ويتقيه ؛ فيعدل في القضية ،
ويحكم بالسوية ؛ وقد بلغنا من الانحطاط الديني والأخلاقي ما لا يخطر على بال مؤمن , إن أنساً رضي الله عليه بكى على
غربته قائلاً: لو أن رجلاً من الصدر الأول خرج من قبره ما عرف من أمركم شيئاً إلا هذه الصلاة ، وحتى هذه
غيرتم فيها ؛ فماذا يقال عنا إذن ، وبم نصف حالنا ، وقد نزلنا تحت الحضيض بمراحل ؛ حتى صارت
اللحية والحجاب مصدراً للتهكم والتندر وممن؟ ممن يحسب على الإسلام والمسلمين ؛ لقد صارت
السطوة اليوم لأهل الباطل الذين ما فتئوا يلحدون في آيات الله ، ويحرفون سنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، ويقلبون الحقائق عن عمد ؛ حتى صار الشرك توحيداً ، والتوحيد شركاً
، والباطل حقاً ، والحق باطلاً .
الحقيقة الخامسة
أننا قبل أن يظلمنا غيرنا؛ ظلمنا أنفسنا بابتعادنا عن ديننا ، وتضييعنا لقيمنا ، وأخلاقنا ، وقد جرت سنة الله في خلقه ؛ أنه كما نكون يُولي علينا.
فيا من تطالبون بالتغيير؛ هل نبذتم شرككم ، ووحدتم ربكم ، وصليتم خمسكم ، وأخرجتم زكاة أموالكم ، وحجبتم نساءكم وبناتكم ،
وتخلقتم بأخلاق المسلمين ؛ أم أنكم غثاء كغثاء السيل لا خير فيكم ؛ فعلام إذن يولي ربكم عليكم من يخافه ويرحمكم ؛
هل عرفتموه في الرخاء حتى يعرفكم في الشدة؟ إن غاية أملكم ، ومبلغ علمكم هي الدنيا ؛ لذا كان غضبكم ،
وخروجكم من أجلها ، فبئس العبيد أنتم إن كان لهذا خروجكم قال عليه الصلاة والسلام:
( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم :
..... ، ورجل بايع إمامه لم يبايعه إلا لدنيا ، فإن أعطاه منها رضي ،
وإن لم يعطه منها سخط) .
الحقيقة السادسة
أننا لو صبرنا لكان في الصبر خيرٌ لنا ، وقد صبر سلفنا الصالح على الحجاج فكان خيراً لهم، ولما لم يصبر طائفة منهم ، وخرجوا مع ابن الأشعث كان
في ذلك شراً لهم ؛ مع أنهم خرجوا غضباً لدينهم، وغيرة لانتهاك حرمات الله ؛ ولما لم يصبر ابن حنظله الغسيل ؛ هو وابن مطيع العدوي على
ما بدر من يزيد بم معاوية ؛ افتُضت أبكار بنات المهاجرين والأنصار ، بخلاف تقتيل رجالهم ، وسلب أموالهم ، وصبروا على
المأمون والمعتصم والواثق مع دعوتهم الناس للكفر البواح ، وإزهاق أرواحهم ، وقطع أرزاقهم ، وعدم افتكاك أسراهم
من أيدي العدو ؛ بل طُوي على الإمام أحمد حصير ، وداسته أقدام الجند بأمر الخليفة ، وقتل غير واحد من
سادة المؤمنين ، وأئمة الدين، وصبروا ولم يخرجوا فكان خيراً لهم ، ورفع الله المحنة عنهم بعد
سنوات من الذل والقهر ؛ حتى لقد خشي بعض أهل العلم من اندراس معالم الدين ،
وقد كان بإمكانهم الخروج لا سيما وهم سادة مطاعون، وخروجهم من أجل
الله لا من أجل أنفسهم، فما فعلوا لعلمهم بالمفاسد
العظيمة المترتبة على ذلك.
الحقيقة السابعة
أن أحكام الشرع تبنى على الغالب ؛ فلو ظهر لأحد من الناس أن ما فعله طلاب الدنيا هؤلاء ؛ أسفر عن نتائج هامة ؛ على رأسها إقصاء الحاكم ، فليس هذا دليلاً
على صحة طريقتهم ، فإن هذا نادر والنادر لا حكم له ؛ على أن الأهم من ذلك تطبيق الشرع ، وهذا لم يحدث ، ولن يحدث لأنه ليس ضمن مطالب
المتظاهرين . ونحن لا نقل: إن الخروج لن يفلح ، ولن ينجح ؛ لأننا نعلم أنه ما من شر إلا وفيه خير ؛ فالخمر والميسر فيهما منافع للناس ؛
لكن إثمهما أكبر من نفعهما ؛ لذا حُرما ، والشيطان دل أبا هريرة رضي الله عنه على خير ؛ فالخروج قد يأتي ببعض الخير
الظاهر حسب اعتقاد الخارجين ؛ لكن الشريعة أحكامها تبنى على الغالب ؛ فما ترجح ضرره ، وكان شره أكثر
من خيره نهت عنه ، وحذرت منه ، وهكذا الخروج ؛ فإن المفاسد المترتبة عليه أعظم بكثير من
المصلحة المرجوة منه - لو وجدت - فضلاً عن كونها مظنونة؛ علماً بأن المصلحة
في نظر الخارجين؛ مفسدة في نظر أهل العلم والدين .
نسأل الله جلا وعلا أن يجنبنا وبلادنا وبلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
والله تعالى أعلى وأعلم .
حرر في يوم الخميس
21 من ربيع الأول لعام 1432 للهجرة