إن الذين آإمنوآإ وعملوآإ الصآإلحآإت

nanci taha

New Member
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


v52.gif


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أما بعد : موضوع الكلمة عن آية من كتاب الله عز وجل في أواخر وخواتم سورة مريم وهو قول الله سبحانه { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً }

وهذه الآية الكريمة فيها بيان ثمرة عظيمة من ثمار الإيمان وأثر مبارك من آثاره العظام ، ألا وهو أن الله عز وجل يجعل للمؤمن الذي يعمل الصالحات وُدا في قلوب عباده ، وتأمل قول الله عز وجل في هذه الآية الكريمة { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ } ، فهذا مَنُّ الله عز وجل وفضله وتوفيقه سبحانه وهو كما قدمت أثر من آثار الإيمان والأعمال الصالحات .

وفوائد الإيمان لا حصر لها وقد كتب فيها أهل العلم كتابات نافعة ومن أميز ذلك ما كتبه العالم المحقق الشيخ عبد الرحمن إبن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه ( التوضيح والبيان لشجرة الإيمان) حيث عقد فيه فصلاً في بيان فوائد الإيمان وثماره وآثاره وهذه الفائدة التي دلت عليها هذه الآية الكريمة { سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً } يبينها الحديث الذي في صحيح مسلم حديث أبي هريرة -رضي الله عنه - وقد أورده عامة المفسرين عند هذه الآية الكريمة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلاناً فأَحبه ، فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبّوه ، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القَبول في الأرض " ( يوضع ) تأمل هنا ، وفي الآية قال ( سيجعل ) لهم الرحمن ، فالأمر بيده جل وعلا قال : " وإن الله إذا أبغض عبداً نادى جبريل إني أُبغض فلاناً - نسأل الله لنا جميعاً العافية - إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ، ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه ، فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض " وهذا الحديث لما خرَّجه مسلم في صحيحه وذكر له بعض الطرق ، ذكر في بعض طرقه - طريق سهيل إبن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - ذكر قصة وهي :

أن سهيل بن أبي صالح يقول : كنا وقوفاً في عرفة فمر عمر بن عبد العزيز فأقبل الناس عليه ينظرون إليه ( أي نظرة حب وتقدير ومودة ) فأخذ الناس ينظرون إليه ، فقلت يا أبي : إني أرى أن الله يحب عمر بن عبد العزيز فقال : وما ذاك يا بني؟ قلت : لِما أرى من إقبال قلوب الناس عليه أي الناس تحبه قال بأبي أنت( والده يقول له ) سمعت أبا هريرة يُحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله إذا أحب عبداً .. " ذكر الحديث .

وجاء عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه كتب إلى مَسلمة إبن مُخَلَّد - رضي الله عنه - وكان وَلِيَ مصر فقال له : ( سلام عليك أما بعد فإن العبد إذا أطاع الله أحبّه الله وإذا أحبه الله حبَّبه إلى عباده وإن العبد إذا عصى الله أبغضه الله وإذا أبغضه الله بغَّضه إلى عباده ) وهذه البُغضة التي تكون من نصيب من يعصي الله - سبحانه وتعالى - توضع في قلوب العباد ولهذا يجد الإنسان العاصي وحشة بينه وبين الصالحين من عباد الله خاصة ويجد نفسه نافرة منهم ، وأنه ليس منهم وليسوا منه ولا يحرص على مجالستهم ،وهذا كله من شؤم المعصية وآثارها السيئة وعواقبها الوخيمة على الإنسان في هذه الحياة الدنيا ، ثم إن المؤمن عندما يقوم بالأعمال الصالحات يجب عليه أن يقوم بها مبتغياً بها وجه الله ، راجياً بها ثواب الله ، لا يقوم بها تزلُّفاً للمخلوقين وتصنُّعاً للعباد ومراءاة للناس فإن المراءاة والتصنُّع والتزلُّف للناس لا تزيد الإنسان عند الله إلا بعداً وفي قلوب الناس لا يزداد إلا مقتا ، والعبادة لا يُتقرب بها إلا إلى الله ولا يطلب بها إلا ثواب الله ولا يرجى من ورائها إلا نيل رحمة الله - سبحانه وتعالى - { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أما من يقوم بالعبادات من أجل الناس تصنعاً وتزلفاً ومراءاة فهذا لا يُحصَّل ما أمَّل ويحرم نفسه ثواب تلك الأعمال وأجورها ، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه "

ومما يُروى في هذا المقام ما رواه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري - رحمه الله تعالى - قال : إن رجلاً قال لأعبدن الله عبادة أُذكر بها - أنظر إلى النية - قال لأعبدن الله عبادة أُذكَر بها ثم أخذ يجتهد في العبادة ، فكان لا يُرى إلا قائماً يصلي ، قال : وكان أول داخل للمسجد وأخر خارج منه ، لكن النية ما هي ؟؟ عبادة أُذكر بها ، قال فلم يُعظَّم وكان كلما مر بقوم قالوا : انظروا هذا المرائي ، لأن الإنسان مهما حاول أن يُخبِّئ خفاياه يفضحه الله - سبحانه وتعالى - ولا يجعل له قبولاً أو محبة في قلوب العباد ، ولهذا ننتبه مرة ثانية لقوله ( سيجعل ) وأيضاً لقوله( يوضع ) له ، هذا أمر بيد الله - سبحانه وتعالى - قال : فكان لا يمر بقوم إلا قالوا ( أنظروا إلى هذا المرائي ) فقال : ما أراني أذكر عند الناس إلا بشر ، واربط هذا بقوله في بداية الكلام عبادة أذكر بها فأصبح لا يذكر عند الناس إلا بشر ، عومل بنقيض قصده ،حتى الشيء الذي كان يطمع فيه في دنياه ما حصله ، قال : فلما رأى هذه الحال ، قال : لأجعلن عملي كله لله ، وقلب نيته ، قال فما أن قلب نيَّته ولم يزد عن العمل الذي كان يعمل حتى كان لا يمر على قوم إلا قالوا : رحم الله فلاناً ، يعني أصبح في ألسنة الناس الدعاء له ، ثم تلى الحسن قول الله سبحانه { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } والعبد ينبغي أن يسعى في هذه الحياة في نيل محبة الله ،ونيل محبة عباد الله .

وقد جاء في ابن ماجه وغيره عن سهل ابن سعد - رضي الله عنه - أن رجلاً قال يا رسول الله : " دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ، قال : إزهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس " فالشاهد أن الإنسان يجتهد في هذه الحياة في نيل محبة الله - تبارك وتعالى - ولن ينال هذه المحبة بمجرد الأماني { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ } بل لهذا علامة وبيِّنة بينها الله - سبحانه وتعالى - في قوله : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ } ومن الدعاء المأثور عن نبينا صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بهذا المقام " اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربني إلى حبك "

و ليكُن هذا الدُّعاء ختام هذا الّلقاء ، و الله أعلم و صلى الله و سلَّم على رسول الله .



v52.gif



كلمة في قوله { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا }

 


/ / /

نسعد بمواضيعك المتميزة والمتجددة دوماً وأبداً


نستقبلها بباقات من الورود المعطره التي يفوح عطرها بعطآئك اللامنتهي

ننتظر بوح قلمك وشماعاته التي تنير لنا DeleGnT لتغرد بسماؤه من احلى الكلام واجزله

ونتمنى أن لا يجف قلمك النابض معنا دوماً وأبداً

/ / /
 
عودة
أعلى