nanci taha
New Member
بدأ يومها بمراقبة النافذة بجانب أمها .. تحمد الله وتسبحه .. وهي منبهرة بجمالها وصوتها الهتّان .. كانت تهدئةً لأعصابها .. لم تستطع المذاكرة بدون سبب يذكر .. يد على كتابها .. واليد الاخرى على قلبها .. تتمنى ان تسمع خبر تأجيل اختبارها أو الغائه الى اي وقت اخر .. ولكن .. تأتي الرياح بما لاتشتهيه السفن .. وصل الباص واتجهت بكل بطء وخوف .. وهي تدعو من الله ان يحرسها بملائكته وترجع الى بيتها بأقرب وقت..
تحت وقع الأمطار والرياح والبرق والرعد وأخيراً إنطفاء الكهرباء والظلام .. تقول المشرفة لايصيبنا إلا ماكتب الله لنا .. (حتى أنا عندي عيال وخايفة عليهم ) .. ترد عليها الفتاة وتقول :
يامشرفتي الفاضلة والتي لاذنبَ لكِ غير أنني أنا وأنتي وهنّ في عداد قافلة الأموات أو المحظوظات إن كتبَ لهُنّ عمراً جديد .. لدينا اختبار وسنحضر الاختبار .. لا حل لنا غير ذلك ..
وقد بلّغت الأرصاد الجوية عن أن في هذا اليوم ستهطل الأمطار بغزارة شديدة .. وهناك خطر على الجميع .. ومع هذا لم يعطي أي مسؤول من هذه الجامعة اي اهتمام أو حتى أي خوف على أرواح هؤلاء الطالبات .. ووعودهم بأن كل شيء مطمئن ، وأن هناك مبنى للطواريء .. وكان من المعيب والمحزن أن يكون مبنى الطوارئ هوَ المبنى الأول الذي تبدأ منه رحلة البحث عن ملجأ آمن .. هم يعرفون أنهم ناقصوا عقلاً ودين وذمة وضمير .. ولم يكن بيد هؤلاء الطالبات حلا لهذه المهزلة .. غير انهم مجبورين على المضي قدما وراء أكاذيبهم المعهودة ..
بدأت الرحلة .. وهم في طريقهم الى الجامعة .. أخذتهم مناظر المياه من حولهم .. وأبحروا منذهلين لما يروه أمامهم .. ونسوا الكتب اللي بين أيديهم .. ويسألون أنفسهم كيف سنصل الى الجامعة .. وهل سنكمل الطريق سباحة الى الجامعة .. أمتلأ الخوف الباص .. الى ان وصل الى الجامعة .. بالفعل هيَ جامعة الموت .. وفور وصولهم وجدو أحد المسؤولات تقول لهم : اصعدوا الى الادوار العليا من المبنى .. فقد كانت الأدوار العليا في المبنى هيَ التي تضخ المياه للأدوار السفلى إذاً قاعدة الأمان الأولى وأن نصعد الأدوار العليا .. مجرد قاعدة تطبق في الدول المتحضرة .. والمتخلفة وبفضلهم لن ولن تطبق ..
حزينة على صراخ والدها في الهاتف ( أطلعواا فوووق) تبكي أم تنتحر بنفسها وتصعد للأعلى حتى تخبر والدها أنها في أمان .. حرمهم الله طعم الأمان يامن تسبب فيما هن فيه ..
لم (نطلع فوق) .. بل عبروا بحار الجامعة .. ياإلهي .. كيف يعقل أن يبنى صرح تعليمي في مكان معروف بأنه وادي ....؟؟ وأن لايعدونه للأمطار والسيول بل كل شيء فيه يساعد على الموت ببرود ..
إشارة لروحها برغبة عارمة في القتل .. نعم .. تقتل من تسبب في غرق سيارة والدها ودموع أمها وإخوتها وعائلتها انتظاراً لقدومها حيةً ترزق .. نعم .. يستحق القتل..
جلوسهم متمركزين في مكاتبهم .. إجتماعاتهم حتى يقررون مصيرنا .. تسيبهم … إطمئنانهم على أهاليهم لدرجة إنعدام تفكيرهم بأنّ لنا أهلٌ ونحنُ بشر مثلهم إلاّ أننا من فصيلة المدنيين ذو الحض الأدنى ، وذو البطاقة الوطنية التي تشير أننا من عامة الشعب .. وحقوقنا نبتلها ونغرق معها .. والهجرة هي السبيل للإغتسال من أمثالهم ..
دخلوا رجالاً وعمالاً للجامعة .. بدا وجودهم مثل عدمه ، وبدوا في غاية الإستمتاع ..بعضهم مهتم .. وأغلبهم متهم بالتخلف والتسيب كغيره .. إلا أنهم هم من يصدر الأوامر العشوائية بنقلهم من مبنى لآخر دون سبب يذكر إلا أنهم أمروا بذلك .. تحت المطر المستمر والبرد والرياح .. لكم أن تتخيلوا المسافات التي عبروها .. وحالة أقدامهم وأجسادهم وملابسهم وشنطهم تحمل الماء لتثقلهم أكثر وأكثر …
كانت آخر محطة هي المكتبة .. سقط جزءٌ من سقفها في الأدوار العليا .. وألتجأو لها بعد أن أكدوا أن السيل أو أقصد (الموت) قادم ..
كانت تعدُ الخطوات بتأني وتنظر للخلف .. الكل يجري .. ليستُ متأكدة إن كان خلفهم سيل كما يدعون .. إلا أن المطر لازال مستمراً .. ولازالت السماء تخبيء الشمس .. وإرادة الله وقدره لازالو يعيشوه ..
اثنان من المباني كانت رائحتها تدل على أنّ ماس كهربائي في الطريق .. لكن لامحذر ولا نداء ولا خبر لمن يمر من هناك أو يلجأ للمبنى .. واحترق المبنى بالكهرباء .. نكبةٌ أخرى تزيد الهول .. أعتقد أن المبنى الثالث عشر هو أول من بدأ فيه الماس الكهربائي..
تحركو في الباص الأخير بعد ماأقنعوهم أنه لامجال للخروج من الجامعة إلاّ للسكن الجامعي .. من ثم مشوا أمتاراً مهولة حتى وصلو لكلية الطب .. من المفترض المكان الذي سيلجأو له مستعد لهم على الأقل من ناحية الأكل واللبس .. لاااااااااا أحد فكر فيهم وفي ملابسهم التي تقطر ماءا من المطر .. الكلية بااااااااردة .. وجلسوا على الأرض كما لو أنهم في أفقرِ الدول على وجه الأرض .. شكلهم محزن .. طلبو من المشرفة سجادة ليصلوا .. لتجيب ( إيش الدلع هذا صلي في السيب قدامك ) ..
وطلبو شاحن لجاولاتهم حتى يطمئنوا أهاليهم بعد مافرغت بطارية جولاتهم لتُجيب المشرفة عليهم ( لااااا كمان ، باللهِ لو سمحتو كونوا شوية ديسينت (محتشمين فيما معناه مؤدبات ) .. أي أنهم قليلات أدب .. ياللأسف .. كلمات تصعد من شخص متعلم ومثقف .. اعتقد أنهم بغرقهم هذا أحسن منها تعليماً وذوقاً واللهُ أعلم في ماذا أيضاً ..
كانت هيَ العامل الذي جعلتها تكره تلك السويعات هناك .. كيف يتم نقلهم لهذا المكان مع صفر من المؤونة .. صفر من التعامل معهم .. صفر صفر من كل شيء .. لو كانَ صفراً واحداً أو اثنين لصبروا .. لكن أن يقابلو بعدم من الأخلاق .. عدم من الإستعداد ، شيء من المفترض أن يكونوا تعلموه وحفظوه منذُ المراحل الإبتدائية..
مافعلوه الأنصارُ الكرام مع المهاجرين ، فتحوا بيوتهم وقلوبهم وآثروا وأكرموا ..
في هذا المكان المنكوب أعلن جوالها الإنفصال عن العالم .. عن من كان يسأل ويتصل .. كل ماتعرفه هوَ رقم والدها ، وأنتهت البطارية وهي تكلم أخوها الذي أعتقد أنه سيستطيع العبور للجامعه مع صديقه تاركين عملهما ، لكنهما لم يستطيعان ..
من بعدها طلبت من الأمن أن تدخل السكن .. لها صديقة هناك .. رفضوا .. وأخبرتهم على الأقل تدخل مطعمهم تأكل شيئاً .. لم يكن يبدو أن اليوم سينتهي هناك .. عليها أن تتزود .. ساعات أسوء تنتظرها ولن يكون الأكل والشرب خياراً لها حينها ..
أستاذة طيبة أو بالأحرى كما سمتها (ملاكُ الأرض) دلتها على صديقة لها في السكن تأوي إليها .. بعد أن ذهب قسم من البنات لغرفة صديقاتهم الصغيرة .. يالله هُنا وكما قالت لها أستاذتها أنّ بنات السكن لن يقصروا معهم وسيكونون كالأنصار تماماً وهجرتهم إليهم ستكون كما يحبون ويريدون .. لو بإستطاعتهم أن ينسخن من أستاذتهم نسخة واحدة فقط على الأقل لفعلوا ، ستصلحُ الجامعة فالعرب فالعالم .. سيصلحُ كل شيء ..
من كان مع الله قلباً وقالباً .. ومن يؤدي عمله بأمانة .. ستصلحُ الدُنيا به ، ومدينتهم غرقت وفسدت لأن مواطنيها الصالحين ليس لهم مثيل عندَ بطانة المليك .. لأنّ تلك البطانة على مستوى وقدر كبير من دنو الأخلاق والدين والتعامل …
بالفعل في الوقت الذي لم تكن فيه واحدة من المسؤولات تُعطيهم أدنى إهتمام .. أو حتى على الأقل حُسن الخلق في التعامل .. أو أن تفتح عيونها أكثر لترى أشكالهم وحالتهم ..
في السكن عُاشت تجربة من المفترض أن تكتب عنها تدوينة منفصلة .. لكن المختصر لها .. أنها لو كتب الله لها أن تدرس بعيداً عن أهلها .. وتوفر لها صديقات سكن بأخلاقِ هؤلاء .. لن تتردد ولو لثانية … تحركن مسرعات هي وصديقاتها لبقالة السكن الواقعة في مكان عجيب تحت الأرض .. عجيبٌ لما رأت .. عالم زُمردة كما وصفته (سبيس تون ) .. البنات يبتاعون طحيناً .. عيشاً ولحماً .. فهُنّ عازبات ومسؤلات عن أنفسهنّ بحق .. يلعبن التنس هُناك .. ويحفظن ويذاكرن هنا .. ويقرأن كتاب هناك … كان عالماً خالياً من وجود ضلع للرجل فيه .. ومع كامل إحترامها للرجل الذي هوَ أبيها وأخيها وزوجها مستقبلاً وأستاذها .. الخ .. كان ذلك العالم مثالياً مثالياً ساحراً ..
الآن بدأت حملات ( أرجع بيتك على مسؤوليتنا .. وكل طالبة بنوصلها لحد بيتها سالمة غانمة .. وراح يجي معاكم رجل الأمن فلان الفلاني ) توكلوا على الله .. استغفروا وكبروا وسبحوا مع كل خط يعبرونه .. من هُنا رجعو .. ومن هُنا عبرو .. وفي الأخير تقابلو مع الخط السريع المنكوب .. ليعلمهم رجل الأمن أنه عليهم الرجوع لسكن الجامعة ليخلي مسؤوليته .. فليس بيده حيله ولايستطيع المجازفة بخطوط فيها من الحفر مالايعدّ ولايحصى ..
رجعوا الى السكن .. انتظرو دقائق ليركبو باص أكبر .. مع رجل أمن آخر .. ومشوار وخطة مجهولة جديدة .. لاأخفيكم عن مواقف ربما كانت مُخففة للتوتر في الباص .. تتحدث الفتاة مع والدها الذي يحاول أن يكلم العمليات ليدلوهم على الطريق .. وتخبر رجل الأمن بما يقول والدها ليريها هوَ الآخر أنّ والدها الذي تحرك منذُ الظهر وحُبسَ في الطرقات حتى وصلَ للجامعة لايعلم ولايرى الذي يراه هو .. بالفعل يخبرها والدها بشارع معين أن يسلكوه .. وتراه أمامها مقفلاً تماماً .. كل مرة تكلمه تشعر بأسى .. تمنت لو أنه لم يتحرك من البيت .. في النهاية لم يكن والدها خلفهم .. ولم تكن هي أمامه .. وعاود القفص الهوائي يتكسر بصمت بداخلها ..
كانت الخطة كالتالي ( أن يتركو الخطوط الرئيسية .. ويتحركو للخطوط المجهولة والمدمرة ) كانت المناظر قاتلة .. محطمة لكل أمل كانت تتمسك فيه كي تصل للبيت..
وهي في الباص وبما أنه ليس لديها إلا جوال صديقتها .. اتصلت بأمها .. حاولت أن تتمالك نفسها وأن لاتبكي حتى تطمئن .. لكن لم تستطع .. كانتُ تسكت تارة .. وترد بنعم ولا تارةً أخرى .. يالله صوتها كانت تفكر وهي في هذا الظلام الدامس وبين هذه البحار .. هل ستراها ..؟ انتهت من مكالمتها لتكلمها أختها المسكينة المرعوبة في المدينة الاخرى .. طمئنتها وأغلقت وهم يبكون ..
الشيء الذي يزعج كثيراً كلما طلبت واحدة من الفتيات بالوقوف في مكانٍ ما حتى يأخذها أبوها أو أخوها .. يطلب رجل الأمن الهوية .. يالله يالله ماذا إن أضاعها والدها لن تذهب مثلاً معه وهو الذي جرفته السيول والأمطار حتى يصل إلها … كيف يعقل أن تكون في حالة خوف ورعب ومرض وألم وتذهب مع مجهول .. لن يحدث ذلك أبداً وإن حدث ، فكل طالبة عليها مسؤولية أكبر من مسؤوليتك تجاهها .. أن تتقي الله في سرها وعلانيتها .. لذلك كفى تخلف .. كفى تخلف .. وألتزموا بإجرائات الطواريء لا الأمن القومي للرجعية والتخلف .. وهناك اخر 4 بنات طلبوا ان ينزلن عند صديقاتهن بعد أن وضعوهم في اماكن عامة .. سبحان الله كان من مسؤوليته عندما دخل الباص معرفاً عن نفسه أن يوصلهم حتى باب البيت .. فجأة أصبحت مسؤوليته أن يرمي البنات في هذه الاماكن .. رفضن البنات أن ينزلن وفضلن أن يذهبن مع صديقاتهن لأنّ أهل صديقاتهم قدموا ليأخذوهم .. رفض رجل الأمن .. هل يعقل ان هذا المكان العام آمن على هؤلاء البنات أكثر من بيوت صديقاتهم .؟؟؟ بكين المسكينات حتى قرر السماح لهم بالذهاب بعد الحلفان والوعد بإحضار لجنة لبيت صديقاتهم تؤكد أن البنات كن على معرفة بهذه الفتاة .. ورجعن الصباح لبيوتهن .. يالله يالله كمية تخلف لم يستطع عقلي أن يفهمها .. ربما أكون معقد فيما يخص الأخلاقيات والتعامل وأسسه والظروف المحيطة كيف ومتى ولماذا ؟؟؟ .. لأنها ببساطة لانقاش وجدال فيها .. للطواريء استثنائات أيها الرجل المسؤول .. إن لم تعرفها سأخبر أصغر المواطنين الأفاضل عمراً ليخبرك ببعضها .. تذكرت جملة أخرى قالها رجل الامن للطالبات في الباص ( ياااااابنات قفلوا الشبابيك .. الشباب بيسوون لنا مشاكل دحين ) .. أستغفر الله العظيم .. باصهم محشور والمكيفات لاتؤدي الغرض .. فتح النوافذ مطلوب .. ولم يفتحوها بالكامل حتى نصف نافذتين ربما .. والشباب يساعدون هُنا .. ويسحبون سياراتهم من هناك.. يتذكرون شئ غير موجود وإن وجد فهوَ بفضل جهودهم بالتذكير أن المرأة فتنة فاحذروها ..
توقف الباص في أحد النقاط بعد أن أخبرت فتاة قصتنا رجل الأمن أن والدها سيكون هُنا بعد دقائق .. ليصيح ويقول ( لو طّول بنكمل الطريق للمول الفلاني وياخذك من هناك ) فصاحت به وقالت ..: لو طول بنزل أستناه وأوقف وأتكسر ولاأمشي عشانه ياعديم الإحساس .. ياكاذب .. كل ماتتذكره إنه قال بنوصلكم لباب بيوتكم .. منظر سكينة في يدها وعلى رقبته قليلة فيه … كاذب كاذب كاذب ..
يالله كان والدها في الخط المقابل ، سمعت صوته يصيح ( هييييييييي هيييييييييي ) … كُانتَ ستبكي فرحاً .. وستبكي حُزناً عليه .. تقدمت للأمام ونزلت حتى تستقبله من الجهة الأخرى .. ليعاود رجل الأمن ذو الصفر من الأخلاق كلامه اللئيم في الوقت والظرف غير المناسبين ( أطلعي الباص حتى يجي ولي أمرك وأطابق هويتك معاه) .. قالت له ..: والدي لايعلم بالتخلف الذي ستعرضه أمامه .. ولن يراك وأنتَ خلف الباص تقدم له حتى يراك على الأقل .. ويرد بكل برود ( خليه هوه يلف هنااا) .. تقدم والدها و طابق الهوية .. ركبت السيارة بهدوء .. لتستوعب المكان والزمان .. كانت الساعة الثامنة مساءا تقريباً .. سيلٌ من الإتصالات منعها من الحديث عن ماحدث وعن مارأت لأبيها .. شاكرة بحق لأهلها وناسها وأصدقائها ..
عندما قربت من المنزل .. أعتقدت أن الوضع هناك أفضل .. كانت السيارات مرتصة على الأرصفة .. يبدو أن المحركات توقفت .. أخيراً رأت سيارة للدفاع المدني .. طوال رحلتها وطوال إحتياجها لمساعدة لم تراهم .. كانت هناك سيارة غارقة تماماً .. وحافلة نقل تسحبها .. والدها يتحرك على مهل .. المياة انتصفت السيارة .. عاود الشعور بالخوف وعدم الإستقرار في قلبها .. تحركت وهي تدعي ( يارب ماتطفي السيارة )..
فتحتُ باب بيتها .. شعور لايوصف هي التي لم تكن يوماً في ليلة كاملة خارج بيتها ودون أحد من أهلها معها .. لوحدها دونهم .. معها الله وصديقاتها .. وكانت أول مرة لها أن تعيش حياة الليل مع صديقاتها .. تمنت أنهم لم يبكوا فور دخولها خاصةً أمها .. لن تنسى ماحييت دموعها وشكلها المرعوب وقلبها المفجوع .. قالت لها..: أمي أرجعيني جنيناً في بطنك إن كنتِ تخافين بهذا القدر عليّ .. آآآآآآآآآآآسفة أمي آسفة حتى تجف دموع أهالي مدينتنا ..
انفجعَ والدها من لون قدمها .. أبيض بياض جسد ميت .. جسد بقي تحت الماء لمدة طويلة ( أو كما قالت لصديقاتها .. كان أطول حمام شاور لها وتجعدت أجسادهم لدرجة عجيبة .. للأسف الماء ليسَ نظيفاً ) فالماء يحمل بين جزيئاته أرواح من ماتوا ، ويحمل أكثرُ من ذلك وأكثر .. أتمنى أن تكون ١٠ استحمامات متتالية بالديتول والمعقمات والمنظفات المطهرات كفيلة بأن تنسى أنها كانت في ذلك الوضع والمكان الذي لاتعرف كيف صمدت فيه .. كانت هذ اخر كلمات سمعتها منها قبل ان تنام في فراشها الدافئ .. وهي الظلام والخوف ..
تحت وقع الأمطار والرياح والبرق والرعد وأخيراً إنطفاء الكهرباء والظلام .. تقول المشرفة لايصيبنا إلا ماكتب الله لنا .. (حتى أنا عندي عيال وخايفة عليهم ) .. ترد عليها الفتاة وتقول :
يامشرفتي الفاضلة والتي لاذنبَ لكِ غير أنني أنا وأنتي وهنّ في عداد قافلة الأموات أو المحظوظات إن كتبَ لهُنّ عمراً جديد .. لدينا اختبار وسنحضر الاختبار .. لا حل لنا غير ذلك ..
وقد بلّغت الأرصاد الجوية عن أن في هذا اليوم ستهطل الأمطار بغزارة شديدة .. وهناك خطر على الجميع .. ومع هذا لم يعطي أي مسؤول من هذه الجامعة اي اهتمام أو حتى أي خوف على أرواح هؤلاء الطالبات .. ووعودهم بأن كل شيء مطمئن ، وأن هناك مبنى للطواريء .. وكان من المعيب والمحزن أن يكون مبنى الطوارئ هوَ المبنى الأول الذي تبدأ منه رحلة البحث عن ملجأ آمن .. هم يعرفون أنهم ناقصوا عقلاً ودين وذمة وضمير .. ولم يكن بيد هؤلاء الطالبات حلا لهذه المهزلة .. غير انهم مجبورين على المضي قدما وراء أكاذيبهم المعهودة ..
بدأت الرحلة .. وهم في طريقهم الى الجامعة .. أخذتهم مناظر المياه من حولهم .. وأبحروا منذهلين لما يروه أمامهم .. ونسوا الكتب اللي بين أيديهم .. ويسألون أنفسهم كيف سنصل الى الجامعة .. وهل سنكمل الطريق سباحة الى الجامعة .. أمتلأ الخوف الباص .. الى ان وصل الى الجامعة .. بالفعل هيَ جامعة الموت .. وفور وصولهم وجدو أحد المسؤولات تقول لهم : اصعدوا الى الادوار العليا من المبنى .. فقد كانت الأدوار العليا في المبنى هيَ التي تضخ المياه للأدوار السفلى إذاً قاعدة الأمان الأولى وأن نصعد الأدوار العليا .. مجرد قاعدة تطبق في الدول المتحضرة .. والمتخلفة وبفضلهم لن ولن تطبق ..
حزينة على صراخ والدها في الهاتف ( أطلعواا فوووق) تبكي أم تنتحر بنفسها وتصعد للأعلى حتى تخبر والدها أنها في أمان .. حرمهم الله طعم الأمان يامن تسبب فيما هن فيه ..
لم (نطلع فوق) .. بل عبروا بحار الجامعة .. ياإلهي .. كيف يعقل أن يبنى صرح تعليمي في مكان معروف بأنه وادي ....؟؟ وأن لايعدونه للأمطار والسيول بل كل شيء فيه يساعد على الموت ببرود ..
إشارة لروحها برغبة عارمة في القتل .. نعم .. تقتل من تسبب في غرق سيارة والدها ودموع أمها وإخوتها وعائلتها انتظاراً لقدومها حيةً ترزق .. نعم .. يستحق القتل..
جلوسهم متمركزين في مكاتبهم .. إجتماعاتهم حتى يقررون مصيرنا .. تسيبهم … إطمئنانهم على أهاليهم لدرجة إنعدام تفكيرهم بأنّ لنا أهلٌ ونحنُ بشر مثلهم إلاّ أننا من فصيلة المدنيين ذو الحض الأدنى ، وذو البطاقة الوطنية التي تشير أننا من عامة الشعب .. وحقوقنا نبتلها ونغرق معها .. والهجرة هي السبيل للإغتسال من أمثالهم ..
دخلوا رجالاً وعمالاً للجامعة .. بدا وجودهم مثل عدمه ، وبدوا في غاية الإستمتاع ..بعضهم مهتم .. وأغلبهم متهم بالتخلف والتسيب كغيره .. إلا أنهم هم من يصدر الأوامر العشوائية بنقلهم من مبنى لآخر دون سبب يذكر إلا أنهم أمروا بذلك .. تحت المطر المستمر والبرد والرياح .. لكم أن تتخيلوا المسافات التي عبروها .. وحالة أقدامهم وأجسادهم وملابسهم وشنطهم تحمل الماء لتثقلهم أكثر وأكثر …
كانت آخر محطة هي المكتبة .. سقط جزءٌ من سقفها في الأدوار العليا .. وألتجأو لها بعد أن أكدوا أن السيل أو أقصد (الموت) قادم ..
كانت تعدُ الخطوات بتأني وتنظر للخلف .. الكل يجري .. ليستُ متأكدة إن كان خلفهم سيل كما يدعون .. إلا أن المطر لازال مستمراً .. ولازالت السماء تخبيء الشمس .. وإرادة الله وقدره لازالو يعيشوه ..
اثنان من المباني كانت رائحتها تدل على أنّ ماس كهربائي في الطريق .. لكن لامحذر ولا نداء ولا خبر لمن يمر من هناك أو يلجأ للمبنى .. واحترق المبنى بالكهرباء .. نكبةٌ أخرى تزيد الهول .. أعتقد أن المبنى الثالث عشر هو أول من بدأ فيه الماس الكهربائي..
تحركو في الباص الأخير بعد ماأقنعوهم أنه لامجال للخروج من الجامعة إلاّ للسكن الجامعي .. من ثم مشوا أمتاراً مهولة حتى وصلو لكلية الطب .. من المفترض المكان الذي سيلجأو له مستعد لهم على الأقل من ناحية الأكل واللبس .. لاااااااااا أحد فكر فيهم وفي ملابسهم التي تقطر ماءا من المطر .. الكلية بااااااااردة .. وجلسوا على الأرض كما لو أنهم في أفقرِ الدول على وجه الأرض .. شكلهم محزن .. طلبو من المشرفة سجادة ليصلوا .. لتجيب ( إيش الدلع هذا صلي في السيب قدامك ) ..
وطلبو شاحن لجاولاتهم حتى يطمئنوا أهاليهم بعد مافرغت بطارية جولاتهم لتُجيب المشرفة عليهم ( لااااا كمان ، باللهِ لو سمحتو كونوا شوية ديسينت (محتشمين فيما معناه مؤدبات ) .. أي أنهم قليلات أدب .. ياللأسف .. كلمات تصعد من شخص متعلم ومثقف .. اعتقد أنهم بغرقهم هذا أحسن منها تعليماً وذوقاً واللهُ أعلم في ماذا أيضاً ..
كانت هيَ العامل الذي جعلتها تكره تلك السويعات هناك .. كيف يتم نقلهم لهذا المكان مع صفر من المؤونة .. صفر من التعامل معهم .. صفر صفر من كل شيء .. لو كانَ صفراً واحداً أو اثنين لصبروا .. لكن أن يقابلو بعدم من الأخلاق .. عدم من الإستعداد ، شيء من المفترض أن يكونوا تعلموه وحفظوه منذُ المراحل الإبتدائية..
مافعلوه الأنصارُ الكرام مع المهاجرين ، فتحوا بيوتهم وقلوبهم وآثروا وأكرموا ..
في هذا المكان المنكوب أعلن جوالها الإنفصال عن العالم .. عن من كان يسأل ويتصل .. كل ماتعرفه هوَ رقم والدها ، وأنتهت البطارية وهي تكلم أخوها الذي أعتقد أنه سيستطيع العبور للجامعه مع صديقه تاركين عملهما ، لكنهما لم يستطيعان ..
من بعدها طلبت من الأمن أن تدخل السكن .. لها صديقة هناك .. رفضوا .. وأخبرتهم على الأقل تدخل مطعمهم تأكل شيئاً .. لم يكن يبدو أن اليوم سينتهي هناك .. عليها أن تتزود .. ساعات أسوء تنتظرها ولن يكون الأكل والشرب خياراً لها حينها ..
أستاذة طيبة أو بالأحرى كما سمتها (ملاكُ الأرض) دلتها على صديقة لها في السكن تأوي إليها .. بعد أن ذهب قسم من البنات لغرفة صديقاتهم الصغيرة .. يالله هُنا وكما قالت لها أستاذتها أنّ بنات السكن لن يقصروا معهم وسيكونون كالأنصار تماماً وهجرتهم إليهم ستكون كما يحبون ويريدون .. لو بإستطاعتهم أن ينسخن من أستاذتهم نسخة واحدة فقط على الأقل لفعلوا ، ستصلحُ الجامعة فالعرب فالعالم .. سيصلحُ كل شيء ..
من كان مع الله قلباً وقالباً .. ومن يؤدي عمله بأمانة .. ستصلحُ الدُنيا به ، ومدينتهم غرقت وفسدت لأن مواطنيها الصالحين ليس لهم مثيل عندَ بطانة المليك .. لأنّ تلك البطانة على مستوى وقدر كبير من دنو الأخلاق والدين والتعامل …
بالفعل في الوقت الذي لم تكن فيه واحدة من المسؤولات تُعطيهم أدنى إهتمام .. أو حتى على الأقل حُسن الخلق في التعامل .. أو أن تفتح عيونها أكثر لترى أشكالهم وحالتهم ..
في السكن عُاشت تجربة من المفترض أن تكتب عنها تدوينة منفصلة .. لكن المختصر لها .. أنها لو كتب الله لها أن تدرس بعيداً عن أهلها .. وتوفر لها صديقات سكن بأخلاقِ هؤلاء .. لن تتردد ولو لثانية … تحركن مسرعات هي وصديقاتها لبقالة السكن الواقعة في مكان عجيب تحت الأرض .. عجيبٌ لما رأت .. عالم زُمردة كما وصفته (سبيس تون ) .. البنات يبتاعون طحيناً .. عيشاً ولحماً .. فهُنّ عازبات ومسؤلات عن أنفسهنّ بحق .. يلعبن التنس هُناك .. ويحفظن ويذاكرن هنا .. ويقرأن كتاب هناك … كان عالماً خالياً من وجود ضلع للرجل فيه .. ومع كامل إحترامها للرجل الذي هوَ أبيها وأخيها وزوجها مستقبلاً وأستاذها .. الخ .. كان ذلك العالم مثالياً مثالياً ساحراً ..
الآن بدأت حملات ( أرجع بيتك على مسؤوليتنا .. وكل طالبة بنوصلها لحد بيتها سالمة غانمة .. وراح يجي معاكم رجل الأمن فلان الفلاني ) توكلوا على الله .. استغفروا وكبروا وسبحوا مع كل خط يعبرونه .. من هُنا رجعو .. ومن هُنا عبرو .. وفي الأخير تقابلو مع الخط السريع المنكوب .. ليعلمهم رجل الأمن أنه عليهم الرجوع لسكن الجامعة ليخلي مسؤوليته .. فليس بيده حيله ولايستطيع المجازفة بخطوط فيها من الحفر مالايعدّ ولايحصى ..
رجعوا الى السكن .. انتظرو دقائق ليركبو باص أكبر .. مع رجل أمن آخر .. ومشوار وخطة مجهولة جديدة .. لاأخفيكم عن مواقف ربما كانت مُخففة للتوتر في الباص .. تتحدث الفتاة مع والدها الذي يحاول أن يكلم العمليات ليدلوهم على الطريق .. وتخبر رجل الأمن بما يقول والدها ليريها هوَ الآخر أنّ والدها الذي تحرك منذُ الظهر وحُبسَ في الطرقات حتى وصلَ للجامعة لايعلم ولايرى الذي يراه هو .. بالفعل يخبرها والدها بشارع معين أن يسلكوه .. وتراه أمامها مقفلاً تماماً .. كل مرة تكلمه تشعر بأسى .. تمنت لو أنه لم يتحرك من البيت .. في النهاية لم يكن والدها خلفهم .. ولم تكن هي أمامه .. وعاود القفص الهوائي يتكسر بصمت بداخلها ..
كانت الخطة كالتالي ( أن يتركو الخطوط الرئيسية .. ويتحركو للخطوط المجهولة والمدمرة ) كانت المناظر قاتلة .. محطمة لكل أمل كانت تتمسك فيه كي تصل للبيت..
وهي في الباص وبما أنه ليس لديها إلا جوال صديقتها .. اتصلت بأمها .. حاولت أن تتمالك نفسها وأن لاتبكي حتى تطمئن .. لكن لم تستطع .. كانتُ تسكت تارة .. وترد بنعم ولا تارةً أخرى .. يالله صوتها كانت تفكر وهي في هذا الظلام الدامس وبين هذه البحار .. هل ستراها ..؟ انتهت من مكالمتها لتكلمها أختها المسكينة المرعوبة في المدينة الاخرى .. طمئنتها وأغلقت وهم يبكون ..
الشيء الذي يزعج كثيراً كلما طلبت واحدة من الفتيات بالوقوف في مكانٍ ما حتى يأخذها أبوها أو أخوها .. يطلب رجل الأمن الهوية .. يالله يالله ماذا إن أضاعها والدها لن تذهب مثلاً معه وهو الذي جرفته السيول والأمطار حتى يصل إلها … كيف يعقل أن تكون في حالة خوف ورعب ومرض وألم وتذهب مع مجهول .. لن يحدث ذلك أبداً وإن حدث ، فكل طالبة عليها مسؤولية أكبر من مسؤوليتك تجاهها .. أن تتقي الله في سرها وعلانيتها .. لذلك كفى تخلف .. كفى تخلف .. وألتزموا بإجرائات الطواريء لا الأمن القومي للرجعية والتخلف .. وهناك اخر 4 بنات طلبوا ان ينزلن عند صديقاتهن بعد أن وضعوهم في اماكن عامة .. سبحان الله كان من مسؤوليته عندما دخل الباص معرفاً عن نفسه أن يوصلهم حتى باب البيت .. فجأة أصبحت مسؤوليته أن يرمي البنات في هذه الاماكن .. رفضن البنات أن ينزلن وفضلن أن يذهبن مع صديقاتهن لأنّ أهل صديقاتهم قدموا ليأخذوهم .. رفض رجل الأمن .. هل يعقل ان هذا المكان العام آمن على هؤلاء البنات أكثر من بيوت صديقاتهم .؟؟؟ بكين المسكينات حتى قرر السماح لهم بالذهاب بعد الحلفان والوعد بإحضار لجنة لبيت صديقاتهم تؤكد أن البنات كن على معرفة بهذه الفتاة .. ورجعن الصباح لبيوتهن .. يالله يالله كمية تخلف لم يستطع عقلي أن يفهمها .. ربما أكون معقد فيما يخص الأخلاقيات والتعامل وأسسه والظروف المحيطة كيف ومتى ولماذا ؟؟؟ .. لأنها ببساطة لانقاش وجدال فيها .. للطواريء استثنائات أيها الرجل المسؤول .. إن لم تعرفها سأخبر أصغر المواطنين الأفاضل عمراً ليخبرك ببعضها .. تذكرت جملة أخرى قالها رجل الامن للطالبات في الباص ( ياااااابنات قفلوا الشبابيك .. الشباب بيسوون لنا مشاكل دحين ) .. أستغفر الله العظيم .. باصهم محشور والمكيفات لاتؤدي الغرض .. فتح النوافذ مطلوب .. ولم يفتحوها بالكامل حتى نصف نافذتين ربما .. والشباب يساعدون هُنا .. ويسحبون سياراتهم من هناك.. يتذكرون شئ غير موجود وإن وجد فهوَ بفضل جهودهم بالتذكير أن المرأة فتنة فاحذروها ..
توقف الباص في أحد النقاط بعد أن أخبرت فتاة قصتنا رجل الأمن أن والدها سيكون هُنا بعد دقائق .. ليصيح ويقول ( لو طّول بنكمل الطريق للمول الفلاني وياخذك من هناك ) فصاحت به وقالت ..: لو طول بنزل أستناه وأوقف وأتكسر ولاأمشي عشانه ياعديم الإحساس .. ياكاذب .. كل ماتتذكره إنه قال بنوصلكم لباب بيوتكم .. منظر سكينة في يدها وعلى رقبته قليلة فيه … كاذب كاذب كاذب ..
يالله كان والدها في الخط المقابل ، سمعت صوته يصيح ( هييييييييي هيييييييييي ) … كُانتَ ستبكي فرحاً .. وستبكي حُزناً عليه .. تقدمت للأمام ونزلت حتى تستقبله من الجهة الأخرى .. ليعاود رجل الأمن ذو الصفر من الأخلاق كلامه اللئيم في الوقت والظرف غير المناسبين ( أطلعي الباص حتى يجي ولي أمرك وأطابق هويتك معاه) .. قالت له ..: والدي لايعلم بالتخلف الذي ستعرضه أمامه .. ولن يراك وأنتَ خلف الباص تقدم له حتى يراك على الأقل .. ويرد بكل برود ( خليه هوه يلف هنااا) .. تقدم والدها و طابق الهوية .. ركبت السيارة بهدوء .. لتستوعب المكان والزمان .. كانت الساعة الثامنة مساءا تقريباً .. سيلٌ من الإتصالات منعها من الحديث عن ماحدث وعن مارأت لأبيها .. شاكرة بحق لأهلها وناسها وأصدقائها ..
عندما قربت من المنزل .. أعتقدت أن الوضع هناك أفضل .. كانت السيارات مرتصة على الأرصفة .. يبدو أن المحركات توقفت .. أخيراً رأت سيارة للدفاع المدني .. طوال رحلتها وطوال إحتياجها لمساعدة لم تراهم .. كانت هناك سيارة غارقة تماماً .. وحافلة نقل تسحبها .. والدها يتحرك على مهل .. المياة انتصفت السيارة .. عاود الشعور بالخوف وعدم الإستقرار في قلبها .. تحركت وهي تدعي ( يارب ماتطفي السيارة )..
فتحتُ باب بيتها .. شعور لايوصف هي التي لم تكن يوماً في ليلة كاملة خارج بيتها ودون أحد من أهلها معها .. لوحدها دونهم .. معها الله وصديقاتها .. وكانت أول مرة لها أن تعيش حياة الليل مع صديقاتها .. تمنت أنهم لم يبكوا فور دخولها خاصةً أمها .. لن تنسى ماحييت دموعها وشكلها المرعوب وقلبها المفجوع .. قالت لها..: أمي أرجعيني جنيناً في بطنك إن كنتِ تخافين بهذا القدر عليّ .. آآآآآآآآآآآسفة أمي آسفة حتى تجف دموع أهالي مدينتنا ..
انفجعَ والدها من لون قدمها .. أبيض بياض جسد ميت .. جسد بقي تحت الماء لمدة طويلة ( أو كما قالت لصديقاتها .. كان أطول حمام شاور لها وتجعدت أجسادهم لدرجة عجيبة .. للأسف الماء ليسَ نظيفاً ) فالماء يحمل بين جزيئاته أرواح من ماتوا ، ويحمل أكثرُ من ذلك وأكثر .. أتمنى أن تكون ١٠ استحمامات متتالية بالديتول والمعقمات والمنظفات المطهرات كفيلة بأن تنسى أنها كانت في ذلك الوضع والمكان الذي لاتعرف كيف صمدت فيه .. كانت هذ اخر كلمات سمعتها منها قبل ان تنام في فراشها الدافئ .. وهي الظلام والخوف ..