الشجرة الطيبة وعطاء المسلم
بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوس إذ أتي بجمار نخلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
[ إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم ]. فظننت أنه يعني النخلة ، فأردت أن أقول : هي النخلة
يا رسول الله ، ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم فسكت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
[ هي النخلة ] .
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5444
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
من بدائع التوجيهات النبوية ضرب المثل للمسلم بشجرة النخل لغرس الفضائل في نفوس
الصحابة رضي الله عنهم بأسلوب مشوق مستمد من أمثلة محسوسة وواقع مألوف لديهم .
ولو تأملنا هذا المثل لوجدنا أوجها كثيرة للتشبه بين النخلة والمسلم .
النخلة شجرة من أجود الشجر وأعلاها مرتبة من كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها
ووجوده على الدوام , فإنه من حين طلوعه لا يزال يؤكل أنواعا :
بلحا رطبا و تمرا وغير ذلك ..
وإذا يبست النخلة يتخذ منها منافع كثيرة فخشبها , وورقها وأغصانها , تستعمل جذوعا
وحطبا وعصيا ومخاصر وحبالا وأواني وغير ذلك .
ثم آخر شيء ينتفع به منها هو نواها
فإنه يتخذ علفا للإبل .
وكذلك المسلم أو المؤمن كله خير ونفع , وبركته عامة في جميع الأحوال , ونفعه مستمر
له ولغيره حتى بعد موته . فهو ذو عمل صالح
وقول حسن , كثير الطاعات على ألوانها
ما بين صائم , ومصل , وتال للقرآن , وذاكر لله ومذكر به ومتصدق , وآمر بالمعروف
وناه عن المنكر .
يخالط الناس ويصبر على أذاهم , آلف مألوف
ينفع ولا يضر , جميل المظهر والمخبر مكارم
أخلاقه مبذولة للناس يعطي ولا يمنع , ويؤثر
ولا يطمع , لا يزيد طول الأيام إلا بسوقا
وارتفاعا عن الدنايا , ولا تجد فيه الشدائد
والأهوال إلا رسوخا على الحق وثباتا عليه
وسموا إلى الخير والنفع , وشفوفا عن
السفاسف .
عمله صاعد إلى ربه بالقبول والرضوان , إن جالسته نفعك , وإن شاركته نفعك , وإن صاحبته نفعك , وإن شاورته نفعك , وكل شأن من شؤونه منفعة , وما يصدر عنه من العلوم فهو قوت للأرواح والقلوب , لا يزال مستورا بدينه , لا يعرى من لباس التقوى
ولا ينقطع عمله في غنى أو فقر , ولا في صحة أو مرض .
بل لا ينقطع عمله حتى بعد موته , إذا نظر من
حياته لآخرته , واغتنم من يومه لغده ينتفع بكل
ما يصدر عنه حيا وميتا , إذ مبعث تصرفاته
كلها الإيمان بالله , والنفع لعباد الله ما أعظم
المؤمن