العمل في الإسلام
لما كانت حياة الأمة و عزتها و كرامتها ترتبط بتنظيم اقتصادها و من أهم أسس الاقتصاد العمل و لما كان الاكتفاء الذاتي لا يتحقق على الوجه المطلوب إلا بالغمل فقد حض الإسلام على العمل و وضع له نظاما يكفل مصلحة الأمة و مصلحة أفرادها اتحقيق سيادة الأمة و حريتها و عزتها
و فيمايلي نتحدث عن هذا النظام
نظرة الإسلام إلى العمل :
تتجلى نظرة الإسلام إلى العمل في الأمور التالية :
1- إيجاب العمل :فقد أوجب الإسلام العمل على الإنسان لأنه من لوازم الحياة و بقاء النوع و مقتضى الفطرة .. و الإسلام في كل ما شرع متجاوب مع الفطرة السليمة و منسجم معها قال تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور ) و قال تعالى ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله )
2- جعل العمل عبادة : إن كل عمل صالح يقوم به الإنسان مبتغيا وجه الله سبحانه هو عبادة تقرب الإنسان من خالقه و تجعله أهلا لمرضاة الله و غفرانه سواء كان هذا العمل فكريا أم صناعيا أم تجاريا أم زراعيا .
و قد رتب الإسلام الجزاء على طبيعة النية حسنا أو سوءا قال صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى )
3- جعل العمل جهادا في سبيل الله : أصل الجهاد بذل الجهد في مرضاة الله تعالى و العمل الصالح من الجهاد ففي الحديث أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من جلده و نشاطه فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله و إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين فهو في سبيل الله و إن كان خرج يسعى رياء و مفاخرة فهو في سبيل الشيطان )
4- تحريم المساءلة :لأن التسول لا يتفق مع حقيقة الإسلام و هو دين العزة و الكرامة فلا يتيح للفرد أن يعيش كلا و عالة على غيره قال عليه الصلاة و السلام ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) و قال عليه السلام ( ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة و ليس من وجهه مزعة لحم )
و لذا أوجب الإسلام اتخاذ حرفة و لو بسيطة تحفظ ماء الوجه من الاستجداء قال صلى الله عليه و سلم ( لأن يأخذ أحدكم حبلة يم يأتي الحبل قيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله به وجهه خيرا له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه )
تقرير مبدأ تكافؤ الفرص :
من المبادئ التي نادى بها الإسلام في تنظيم العمل مبدأ تكافؤ الفرص و قد حرص الإسلام على تحقيق هذا المبدأ لجميع أفراد الأمة القادرين على قدم المساواة هذا المبدأ الذي يعد صورة من العدالة الاجتماعية في الإسلام
و يقوم مبدأ تكافؤ الفرص في الإسلام على الأسس التالية :
1- العمل حق للفرد و واجب على الدولة توفيره : و لايجوز للدولة أن تتقاعس عن أداء هذا الواجب الاجتماعي الخطير حتى لا تتعطل طاقات الأفراد و نشاطاتهم و تحرم الأمة من جهودهم و مواهبهم و لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعين من لاعمل له على تأمين العمل
2- لا امتياز لأحد في نوع معين من العمل : بالنظر لغناه او ثراء أسرته أو نفوذها و إنما فرص العمل يجب أن تكون مهيأة للجميع كل على حسب كفاءته وقدرته و موهبته
و من هنا وجب على الدولة أن تختار القيام بوظائفها الأصلح و الأكفأ قال صلى الله عليه و سلم ( من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا و في الأمة من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله )
و لذا كان لابد من التزام مبدأ التخصص لتتم الكفاءة و الإتقان فيما تقتضيه كل وظيفة بحسب طبيعتها
3- المساواة في فرص العمل لا تعني المساواة في ثمرات العمل : فالناس متفاوتون في مواهبهم و في طاقاتهم و في عملهم و هذا أمر ثابت لا سبيل إلى إنكاره أو تجاهله ألا ترى أن الدولة أو المؤسسة العامة أو الشركة أو المدرسة لا ينتظم أمرها إلا إذا وجد الرئيس أو المدير أو الموظفون في تسلسلهم الهرمي على حسب كفاءاتهم و هذا التفاوت الطبيعي في الكفاءات و الخبرات و الأعمال و ما يترتب عليه من تفاضل في العطاء لا يمس تماسك المجتمع و لا يورث العداوة و البغضاء بين أفراده بل هو الذي يستقيم به أمر المجتمع و لكن السبب في ذلك هو تقديم غير الكفء على الكفء أو بخس العاملين أجرهم أو إعطاء من لا يستحق أجر المستحق أو تسوية الناس في الجزاء أو الثمرة على الرغم من تفاوتهم الفطري و تفاوتهم في المهارات التي بذلوا جهدا كبيرا للوصول إليها .
إن ذلك الظلم الذي يقوض مبدأ العدل و يورث المجتمع التفكك و التباغض و يخمد مواهب أفراده و يقضي على مصلحة الأمة .
و لما كان الإسلام يتحرى العدل أينما وجد فقد أقر هذا الواقع الفطري و قرر أن جزاء كل فرد يجب ان يكون على قدر ما يقوم به من عمل و مل يبذله من جهد قال تعالى ( و لكل درجات مما عماوا ) و قال أيضا ( و الله فضل بعضكم على بعض في الرزق )
إن هذا ليس إعراضا عن مبدأ المساواة بل هو العدل المنطقي إذ ليس من المعقول و لا من العدل أن يستوي في الرزق كسول و مجد و نشيط و خامل
4- لا طبقية في العمل : أي أن الإسلام لا يفرق بين العمل اليدوي أو الفكري أو التجاري أو الزراعي أو الصناعي ما دام العامل مخلصا باذلا كل ما لديه من كفاءة في إنجاز عمله على أحسن وجه فالناس متساوون في الكرامة و الاعتبار الإنساني و لا دخل لنوعية العمل الذي يمارسه اإنسان في رفعة الإنسان أو خفضه ما دام العمل مشروعا قال تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
و قد ورد في النصوص الشرعية ما يدل على أن داوود عليه السلام كان يصنع الدروع السابغات و أن نوحا عليه السلام كان نجارا يصنع الفلك و أن موسى عليه السلام رعى الغنم في مدين و أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة و السلام رعوا الغنم
قال عليه الصلاة و السلام ( ما بعث الله من نبي إلا رعى الغنم قالوا : حتى أنت يارسول الله قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة )
و كذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعملون فأبو بكر الصديق كان يعمل بزازا ( بائع ثياب ) و عثمان بن عفان كان يعمل تاجرا و كذلك كان عبد الرحمن بن عوف تاجرا و عمرو بن العاص كان جزارا و قتيبة بن مسلم القائد المشهور جمالا و المهلب بن أبي صفرة بستانيا
حقوق العمال و واجباتهم
من أهداف الإسلام أن تكون العلاقة بين رب العمل و العمل القائم على أساس من التعاون في حو إنساني طيب لذا شرع للعمال حقوقا تضمن لهم الحياة الكريمة كما رتب عليهم التزامات تجاه العمل و صاحب العمل يجب أن يقوموا بها خير قيام
أولا حقوق العمال
ما هي حقوق العمال و التزماتاهم في نظر الإسلام ؟
1- حق العمل : و هذا حق مشروع لكل قادر على العمل و على الدولة أن تؤمن له العمل حسب استعداداته و مهاراته حتى لا تتبدد طاقات أبناء الأمة و نشاطهم و لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه الذين يطلبون الصدقة إلى العمل حتى يكسبوا رزقهم بعملهم و جهدهم
2- الأجر المجزي : سجب أن يعطى العامل أجرا على قدر جهده الذاتي لا و كس فيه و لا شطط قال تعالى ( و لا تبخسوا الناس أشياءهم ) و قال صلى الله عليه و سلم ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة و من كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر و رجل باع حرا فأكل ثمنه و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه و لم يعطه أجره )
و إعطاء العمال أجرهم سبب مهم من الأسباب التي تحول دون نشوء طبقة مترفة في المجتمع و قضاء على الاستغلال و إقامة للعدالة و إيجاد جو التعاون
و انتقاص أجر العامل استغلال لجهوده دون مقابل و هو أكل لأموال الناس بالباطل
3- وفاء العامل أجره في الموعد المحدد : و هذا واجب دون تاخير أو مماطلة قال صلى الله عليه وسلم ( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه )
4- عدم إرهاق العامل : فمن حق العامل ألا يرهق في عمله أو يكلف فوق طاقاته قال تعالى ( لا تكلف نفسا إلا وسعها ) و قال عليه السلام ( أكلفوا من العمل ما تطيقون فإن خير العمل أدومه و إن قل ) و في الحديث إشارة إلى أن الإرهاق لا يزيد في الإنتاج بل على العكس يوقفه أو يقطعه فالاستمرار في العمل إنما بالاعتدال فيه
و من هنا كان لا مانع من تحديد ساعات العمل للعمال حتى يكون ذلك مساعدا لهم على تجديد نشاطهم و يوفر لهم وقتا ينظرون فيه في شؤون أنفسهم و عيالهم
5- ضمان حاجة العامل و عائلته عند العجز و الشيخوخة :فغذا عجز العامل لأي سبب كالشيخوخة أو إصابات العمل أو العاهة المستديمة أو أصيب بكارثة وجب ضمان حاجته و حاجة عياله
6- ضمان حاجة عائلة العامل بعد وفاته : فإن من حق زوجة العامل و أولاده بعد وفاته إذا كانوا قاصرين أو عاجزين عن العمل و لا مال لهم أن تؤمن الدولة لهم ما يكفيهم بالمعروف قال عليه الصلاة و السلام ( من ترك مالا فلورثته و من ترك كلا فإلينا ) أي ترك ضعيفا محتاجا فنحن نكفله
ثانيا واجبات العمال
1- القوة : تختلف القوة باختلاف العمل فقد تكون كفاءة علمية في العلوم النظرية او العملية أو قوة بدنية أو فنية في أعمال أخرى فلا يجوز أن يتولى العامل عملا لا يأنس من نفسه الكفاءة أو القدرة على القيام به لما يترتب على ذلك من الغش و العبث و تفويت المصلحة العامة .
و لقد نهى الرسول عليه الصلاة و السلام عن إسناد الأعمال إلى غير الأكفاء قال عليه الصلاة و السلام ( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) معنى وسد أي أسند إلى غير كفؤ
و على الدولة أن تراعي ذلك فلا تسند العمل إلا لمن يحسنه قال عليه الصلاة و السلام ( من ولي من أمر المسلمين شيئل فتولى رجلا و هو يجد من أصلح منه للمسلمين فقد خان الله و رسوله )
2- الأمانة : و هذا الالتزام في الواقع من مقتضيات إتقان العمل و تجويده هو الإخلاص و طهارة النفس و بذل أقصى الجهد و عفة اليد و الأمانة أكبر عامل على نجاح العمل و بلوغ جني الثمرات و هي ضرورية لإتقان العمل و قد وجه الإسلام العامل إلى إتقان عمله قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) و يقول عليه السلام ( يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما و دخل الشيطان ) و المعية تهني توفيقه و مجيئ الشيطان يعني وقوع التنازع و الخسران والإخفاق
3- التعويض و الضمان : و ذلك إذا أهمل العامل القيام بعمله أو قصر أو خان فترتب على ذلك ضرر بصاحب العمل فيجب عليه ضمان الضرر و التعويض لصاحب العمل
4- الاستمرار في العمل : يجب على العامل الاستمرار في العمل إذا كانت الأمة بحاجة إلى ذلك و على الدولة أن تجبر العامل على متابعة العمل على ألا يبخس حقه في الأجر و في ذلك رعاية لحقه و حق المجتمع في آن واحد
المرأة و العمل في الإسلام
إن إعطاء المرأة حق العمل منبثق عن نظرة الإسلام الشاملة إلى المرأة فأحكام الإسلام جميعها متناسقة متكاملة لا اختلاف فيها و لا تناقض فما نظرة اإسلام إلى المرأة ؟ ثم ما موقف الإسلام من عمل المرأة ؟
نظرة الإسلام إلى المرأة :
تتلخص هذه النظرة فيمايلي :
المرأة مساوية للرجل :
1- الوجود الإنساني و الكرامة قال تعالى ( بعضكم من بعض ) و قوله تعالى ( خلقكم من نفس واحدة )
2- التكاليف الشرعية و الجزاء و الثواب قال تعالى ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )
3- أهلية التملك قال تعالى ( و آتوا النساء صدقاتهن نحلة )
4- حق إبداء الرأي في الشؤون العامة و الخاصة قال تعالى ( و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض )
5- حق التعلم قال صلى الله عليه وسلم ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )
موقف الإسلام من عمل المرأة :
من خلال نظرة الإسلام الشاملة إلى المرأة نستطيع أن نتبين موقفه من ممارستها العمل و يتلخص موقف الإسلام في الأمور التالية :
1- إن الإسلام يبيح العمل للمرأة بل يوجب عليها أن تعمل في المجالات التي لها ارتباط بشؤون المرأة كالقبالة والتمريض و التدريس و تربية الطفقال
2- إن الإسلام و إن كان قد فرض نفقة المرأة على زوجها أو قريبها فلا يمانع في ممارستها العمل لا سيما إذا كان المجتمع بحاجة لجهودها او لم يكن من يعيلها
3- إن المهمة الأساسية للمرأة هي قيامها بشؤون بيتها و إشرافها على تنشئة أولادها تنشئة صالحة فلا يحق لها أن تعمل خارج بيتها إذا كات هذا العمل مما يخل بهذا الواجب العظيم
4- إن افسلام يشترط على المرأة عند مزاولتها العمل خارج المنزل مراعاة الآداب افسلامية و لا سيما عدم التبرج و الخلوة بالاجنبي و الابتعاد عن مواطن الربية و الالتزام بالعفة لأن التهاون بهذه الآداب هو إساءة في استعمال الحق و تقويض لبناء المجتمع
5- إن الإسلام يشترط أن لا تكلف المرأة القيام بالأعمال الشاقة التي لا تتناسب مع طبيعتها و وظيفتها الأساسية كالعمل في مناجم الفحم او تنظيف الشوارع
أسباب تخلف المجتمع العربي
لقد عانى المجتمع العربي الإسلامي من ظاهرة التخلف زمنا طويلا فما أسباب هذه الظاهرة مع أن الإسلام قد وقف من العمل موقفا إيجابيا في جميع مجالات الحياة و مرافقها ؟
في الواقع هناك عوامل مختلفة داخلية و خارجية قد تضافرت على إيجاد ظاهرة التخلف و سنبين هنا أهم هذه العوامل :
الجهل في الدين و مقاصده الأساسية في الحياة :
لعل أهم ظاهرة ترتد إليه ظاهرة التخلف في مجتمعنا و لا سيما في الميدان الاقتصادي هو هذه النظرة السطحية إلى الإسلام فقد عمد بعضهم إلى تفسير بعض النصوص الشرعية تفسيرا لا يتوافق هو ومبادئ الإسلام و مقاصده ونظرته لإلى الحياة
فقد قصروا معنى العبادة في قوله تعالى : ( و ما خلقت الجن و الأنس إلا ليعبدون ) على العبادات المخصوصة من صلاة وصيام و زكاة و حج و فهموا منها أن السعي في الحياة الدنيا يتنافى مع صدق العبودية لله و تقواه . و جهلوا أن معنى العبادة الحقيقي هو معرفة الله و طاعته و الإخلاص له في أي عمل من الأعمال دنيوية أو أخروية و جهلوا أيضا أن من المقاصد الأساسية في الإسلام إقامة حياة إنسانية كاملة بمختلف جوانبها في هذه الدنيا واتخاذ هذه الحياة وسيلة للحياة الآخرة . و لقد ولد هذا الفهم روحا سلبية متخاذلة منطوية على ذاتها تنظر إلى الحياة نظرة داكنة تنم عن عزوف عن كل نشاط منتج و تعده لهوا يصرف عن الله و الحياة الآخرة فقضت بذلك على مواهب الفرد و ملكاته و حالت دمن تنميتها حتى نضبت فيه منابع الفكر و انطفأت شعلة الطاقات فأدى ذلك إلى ضعف الأمة و انهيارها و تخلفها .
الفهم المنحرف لمعنى التوكل :
ساد مفهوم غير صحيح للتوكل في المجتمع الإسلامي ففهمه بعض الناس أنه ترك الأسباب و القعود عن طلب الرزق معتقدين أن الله قد تكفل بالرزق و عن الرزق سيأتي إليهم من غير سعي و لا عمل و توهموا أن قوله تعالى ( و ما من دابة على الرض إلا ور زقها على الله ) و قوله صلى الله عليه وسلم ( لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا ) و غيرها من النصوص يدل على هذا الفهم الخاطئ فأدى ذلك إلى تفتيت العزائم و تبديد الطاقات و إخماد بواعث العمل و إماتة روح الطموح و أدى بالتالي إلى التخلف في جميع ميادين الحياة و خاصة في الميدان الاقتصادي .
و لبيان المعنى الحقيقي للتوكل على الله في الإسلام لا بد من إيضاح النقاط التالية :
1- الإسلام فرق بين الأسباب و المسببات : فلقد أقام الله سبحانه هذا الكون على سنن ثابتة لا يعتريها تبديل إلا بإرادة الله سبحانه قال تعالى ( و لن تجد لسنة الله تبديلا ) و معنى هذا أنه لا رزق بلا سبب و سبب الرزق هو السعي فترك الأخذ بالأسباب جري على غير سنة الله تعالى
2- دعوة الإسلام إلى العمل و إيجابه : دليل على خطأ مافهمه هؤلاء من معنى التوكل الوارد في النصوص الشرعية و ذلك لأن مبادئ الدين لا يمكن أن تتناقض
3- كون العمل من لوازم الفطرة : و ضروة لبقاء النوع الإنساني دليل على خطأ ما فهمه هؤلاء من معنى التوكل الوارد في النصوص الشرعية و ذلك لأن كل ما جاء به الإسلام هو استجابة لدواعي الفطرة الإنسانية
و بناءا على ذلك فإن المعنى الصحيح للتوكل على الله هو ارتباط النفس الإنسانية بخالقها و الاعتماد عليه في تحقيق الغايات لأنه مناط الثقة المطلقة و معقد الرجاء و مبعث الأمل و مثابة الأمن مع مباشرة الأسباب المشروعة .
و من هذا التعريف يتضح الفرق بين التوكل الذي دعا إليه الإسلام و بين التواكل الذي فهمه أولئك . و التوكل بالمعنى الصحيح لا يمكن أن يكون مدعاة إلى التخلف بل هو قضاء على التخلف و دعوة صارخة إلى التقدم لأنه استشعار دائم لعظمة الله تعالى . ومظهر للروح القوية التي لا تنهار إذا ما أصابها شر أو أخفقت في مجال من المجالات و لا تبطر أو تقتر إذا ما أصابت خيرا و استئصال لشأفة الغرور الإنساني و الصنف و التكبر و الاستعلاء و الحسد تلك الصفات التي هي آفة البشرية .
الفهم المنحرف لمعنى الزهد :
فهم بعض الناس الزهد على أنه العزوف عن الحياة و احتقار الدنيا والابتعاد عن اللذائذ المباحة بحجة أن ذلك كله صارف عن عبادة الله سبحانه .
و لبيان حقيقة معنى الزهد في الإسلام لا بد من إيضاح النقاط التالية :
1- دعوة القرآن الكريم إلى التمتع بلذائذ الحياة المباحة من غير إسراف و استنكاره على من حرم ذلك قال تعالى ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين أمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة )
2- الإسلام دين الفطرة و من متطلبات الفطرة الإنسانية السليمة مراعاة مطالب كل من الروح و الجسد و الزهد الذي فهمه أولئك مناقض لتحقيق مطالب الجسد التي نادى الإسلام بتحقيقها
3- هناك فرائض لا يتأتى أداؤها إلا بإنفاق المال كالزكاة و الجهاد و الحج وقد جعل الإسلام الإنفاق من الخصائص الأساسية للمؤمنين قال تعالى ( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون )
4- جعل الإسلام المال قوام الحياة و عماد الأمة قال تعالى ( و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ) فكيف يمكن ان يدعوا إلى احتقار المال و التقاعس عن طلبه و تحصيله و التهاون بالمحافظة عليه و تنميته
المعنى الحقيقي للزهد :
يمكن أن نستخلص على ضوء ما تقدم المعنى الصحيح للزهد بأنه :
التخلص من العبودية لمتاع الحياة الدنيا من مال و شهرة و لذة وولد لتكون العبودية خالصة لله وحده
و يترتب على هذا التعريف مايلي :
1- القناعة بالدخل المحدود بعد بذل أقصى الجهود في السعي فيرضى الإنسان بما يحصله من رزق غير حاقد و لا حاسد و لا متبرم بالحياة بعد بذله أقصى جهد في سبيل تحصيله .
2- التعفف عن الحرام و الاحتياط للشبهة فلا يكتسب المال إلا من طرق الحلال و لا ينفق إلا في الوجوه الشرعية
3- أن تكون الدنيا و متاعها في يد الإنسان لا في قلبه إي أن يكون سيد نفسه و حاله لا عبد شهواته و اهوائه
4- ليس الزهد بالفقر و الاستجداء و الرضى بالذل و سوء الحال بل هو التضحية بالمال و النفس في سبيل الله
و لعل هذا هو المعنى الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيانه لمن سأله عن الزهد إذ قال ( أما إنه – أي الزهد – ما هو بتحريم الحلال و لا إضاعة المال و لكن الزهد في الدنيا أن تكون بما في يد الله أغنى منك بما في يدك )
و على هذا فالزهد في الإسلام قوة دافعة للإنسان إلى البذل و التضحية و الإيثار بكل شيء مهما غلا قدره في سبيل مرضاة الله
الاستعمار :
ابتليت الأمة العربية بالاستعمار الأجنبي البغيض الذي جثم على صدرها ردحا طويلا من الزمن و كان وجوده عدوانيا لئيما على الأمة العربية الإسلامية في كيانها السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي و قد اتجهت سياسته إلى بسط نفوذه على أداة الحكم ليضمن بيقاءه في هذه البلاد المغلوبة على أمرها و إقامة وطن يهودي على الآرض العربية في فلسطين و لم يكن للبلاد العربية في ظل الاستعمار شخصية دولية يمثلها رجالها في المجتمع الدولي ترعى مصالحها و تدافع عن حقوقها و حال دون أخذ الأمة بأسباب التحرر السياسي و الاقتصادي و استغل الطبقة العاملة و أقام الاحتكارات التي سيطرت عليها الشركات الأجنبية و استغل الدين من أجل بقاء نفوذه فقد أبعد المستنيرين و أصحاب الفكر من رجال الدين الذين كانوا يحملون مشعل التحرر و الدعوة إلى مقاومة الاستعمار و قرب ذوي النفوس الضعيفة لتشةيه حقائق الإسلام على نحو يفتت فيهم عزيمة الكفاح و العمل فأخذوا يوهمون العامة بأن الإسلام دين الزهد و احتقار الدنيا لأنها لهو و متاع الغرور و لا يضر المسلمين الفقر و سوء الحال في الدنيا لأن لهم الآخرة
وعمل الاستعمار كل ما من شأنه أن يضعف الشعوب العربية و الإسلامية ويبقيها متخلفة ليرفع من مستوى شعوبه على حساب الشعوب المستضعفة و هذا هو الإجرام الدولي في حق الإنسانية و من هنا كان الاستعمار شر ما تمنى به الشعوب لأنه يقضي على شخصيتها السياسية و الاقتصادية و الروحية و الثقافية و يتركها هكذا هملا تتحكم فيها شريعة الغاب فكان الاستعمار بذلك مناقضا لأهداف الشرائع السماوية جميعا و سببا من أسباب تأخر المسلمين و العرب
لما كانت حياة الأمة و عزتها و كرامتها ترتبط بتنظيم اقتصادها و من أهم أسس الاقتصاد العمل و لما كان الاكتفاء الذاتي لا يتحقق على الوجه المطلوب إلا بالغمل فقد حض الإسلام على العمل و وضع له نظاما يكفل مصلحة الأمة و مصلحة أفرادها اتحقيق سيادة الأمة و حريتها و عزتها
و فيمايلي نتحدث عن هذا النظام
نظرة الإسلام إلى العمل :
تتجلى نظرة الإسلام إلى العمل في الأمور التالية :
1- إيجاب العمل :فقد أوجب الإسلام العمل على الإنسان لأنه من لوازم الحياة و بقاء النوع و مقتضى الفطرة .. و الإسلام في كل ما شرع متجاوب مع الفطرة السليمة و منسجم معها قال تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور ) و قال تعالى ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله )
2- جعل العمل عبادة : إن كل عمل صالح يقوم به الإنسان مبتغيا وجه الله سبحانه هو عبادة تقرب الإنسان من خالقه و تجعله أهلا لمرضاة الله و غفرانه سواء كان هذا العمل فكريا أم صناعيا أم تجاريا أم زراعيا .
و قد رتب الإسلام الجزاء على طبيعة النية حسنا أو سوءا قال صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى )
3- جعل العمل جهادا في سبيل الله : أصل الجهاد بذل الجهد في مرضاة الله تعالى و العمل الصالح من الجهاد ففي الحديث أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من جلده و نشاطه فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله و إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين فهو في سبيل الله و إن كان خرج يسعى رياء و مفاخرة فهو في سبيل الشيطان )
4- تحريم المساءلة :لأن التسول لا يتفق مع حقيقة الإسلام و هو دين العزة و الكرامة فلا يتيح للفرد أن يعيش كلا و عالة على غيره قال عليه الصلاة و السلام ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) و قال عليه السلام ( ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة و ليس من وجهه مزعة لحم )
و لذا أوجب الإسلام اتخاذ حرفة و لو بسيطة تحفظ ماء الوجه من الاستجداء قال صلى الله عليه و سلم ( لأن يأخذ أحدكم حبلة يم يأتي الحبل قيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله به وجهه خيرا له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه )
تقرير مبدأ تكافؤ الفرص :
من المبادئ التي نادى بها الإسلام في تنظيم العمل مبدأ تكافؤ الفرص و قد حرص الإسلام على تحقيق هذا المبدأ لجميع أفراد الأمة القادرين على قدم المساواة هذا المبدأ الذي يعد صورة من العدالة الاجتماعية في الإسلام
و يقوم مبدأ تكافؤ الفرص في الإسلام على الأسس التالية :
1- العمل حق للفرد و واجب على الدولة توفيره : و لايجوز للدولة أن تتقاعس عن أداء هذا الواجب الاجتماعي الخطير حتى لا تتعطل طاقات الأفراد و نشاطاتهم و تحرم الأمة من جهودهم و مواهبهم و لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعين من لاعمل له على تأمين العمل
2- لا امتياز لأحد في نوع معين من العمل : بالنظر لغناه او ثراء أسرته أو نفوذها و إنما فرص العمل يجب أن تكون مهيأة للجميع كل على حسب كفاءته وقدرته و موهبته
و من هنا وجب على الدولة أن تختار القيام بوظائفها الأصلح و الأكفأ قال صلى الله عليه و سلم ( من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا و في الأمة من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله )
و لذا كان لابد من التزام مبدأ التخصص لتتم الكفاءة و الإتقان فيما تقتضيه كل وظيفة بحسب طبيعتها
3- المساواة في فرص العمل لا تعني المساواة في ثمرات العمل : فالناس متفاوتون في مواهبهم و في طاقاتهم و في عملهم و هذا أمر ثابت لا سبيل إلى إنكاره أو تجاهله ألا ترى أن الدولة أو المؤسسة العامة أو الشركة أو المدرسة لا ينتظم أمرها إلا إذا وجد الرئيس أو المدير أو الموظفون في تسلسلهم الهرمي على حسب كفاءاتهم و هذا التفاوت الطبيعي في الكفاءات و الخبرات و الأعمال و ما يترتب عليه من تفاضل في العطاء لا يمس تماسك المجتمع و لا يورث العداوة و البغضاء بين أفراده بل هو الذي يستقيم به أمر المجتمع و لكن السبب في ذلك هو تقديم غير الكفء على الكفء أو بخس العاملين أجرهم أو إعطاء من لا يستحق أجر المستحق أو تسوية الناس في الجزاء أو الثمرة على الرغم من تفاوتهم الفطري و تفاوتهم في المهارات التي بذلوا جهدا كبيرا للوصول إليها .
إن ذلك الظلم الذي يقوض مبدأ العدل و يورث المجتمع التفكك و التباغض و يخمد مواهب أفراده و يقضي على مصلحة الأمة .
و لما كان الإسلام يتحرى العدل أينما وجد فقد أقر هذا الواقع الفطري و قرر أن جزاء كل فرد يجب ان يكون على قدر ما يقوم به من عمل و مل يبذله من جهد قال تعالى ( و لكل درجات مما عماوا ) و قال أيضا ( و الله فضل بعضكم على بعض في الرزق )
إن هذا ليس إعراضا عن مبدأ المساواة بل هو العدل المنطقي إذ ليس من المعقول و لا من العدل أن يستوي في الرزق كسول و مجد و نشيط و خامل
4- لا طبقية في العمل : أي أن الإسلام لا يفرق بين العمل اليدوي أو الفكري أو التجاري أو الزراعي أو الصناعي ما دام العامل مخلصا باذلا كل ما لديه من كفاءة في إنجاز عمله على أحسن وجه فالناس متساوون في الكرامة و الاعتبار الإنساني و لا دخل لنوعية العمل الذي يمارسه اإنسان في رفعة الإنسان أو خفضه ما دام العمل مشروعا قال تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
و قد ورد في النصوص الشرعية ما يدل على أن داوود عليه السلام كان يصنع الدروع السابغات و أن نوحا عليه السلام كان نجارا يصنع الفلك و أن موسى عليه السلام رعى الغنم في مدين و أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة و السلام رعوا الغنم
قال عليه الصلاة و السلام ( ما بعث الله من نبي إلا رعى الغنم قالوا : حتى أنت يارسول الله قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة )
و كذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعملون فأبو بكر الصديق كان يعمل بزازا ( بائع ثياب ) و عثمان بن عفان كان يعمل تاجرا و كذلك كان عبد الرحمن بن عوف تاجرا و عمرو بن العاص كان جزارا و قتيبة بن مسلم القائد المشهور جمالا و المهلب بن أبي صفرة بستانيا
حقوق العمال و واجباتهم
من أهداف الإسلام أن تكون العلاقة بين رب العمل و العمل القائم على أساس من التعاون في حو إنساني طيب لذا شرع للعمال حقوقا تضمن لهم الحياة الكريمة كما رتب عليهم التزامات تجاه العمل و صاحب العمل يجب أن يقوموا بها خير قيام
أولا حقوق العمال
ما هي حقوق العمال و التزماتاهم في نظر الإسلام ؟
1- حق العمل : و هذا حق مشروع لكل قادر على العمل و على الدولة أن تؤمن له العمل حسب استعداداته و مهاراته حتى لا تتبدد طاقات أبناء الأمة و نشاطهم و لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه الذين يطلبون الصدقة إلى العمل حتى يكسبوا رزقهم بعملهم و جهدهم
2- الأجر المجزي : سجب أن يعطى العامل أجرا على قدر جهده الذاتي لا و كس فيه و لا شطط قال تعالى ( و لا تبخسوا الناس أشياءهم ) و قال صلى الله عليه و سلم ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة و من كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر و رجل باع حرا فأكل ثمنه و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه و لم يعطه أجره )
و إعطاء العمال أجرهم سبب مهم من الأسباب التي تحول دون نشوء طبقة مترفة في المجتمع و قضاء على الاستغلال و إقامة للعدالة و إيجاد جو التعاون
و انتقاص أجر العامل استغلال لجهوده دون مقابل و هو أكل لأموال الناس بالباطل
3- وفاء العامل أجره في الموعد المحدد : و هذا واجب دون تاخير أو مماطلة قال صلى الله عليه وسلم ( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه )
4- عدم إرهاق العامل : فمن حق العامل ألا يرهق في عمله أو يكلف فوق طاقاته قال تعالى ( لا تكلف نفسا إلا وسعها ) و قال عليه السلام ( أكلفوا من العمل ما تطيقون فإن خير العمل أدومه و إن قل ) و في الحديث إشارة إلى أن الإرهاق لا يزيد في الإنتاج بل على العكس يوقفه أو يقطعه فالاستمرار في العمل إنما بالاعتدال فيه
و من هنا كان لا مانع من تحديد ساعات العمل للعمال حتى يكون ذلك مساعدا لهم على تجديد نشاطهم و يوفر لهم وقتا ينظرون فيه في شؤون أنفسهم و عيالهم
5- ضمان حاجة العامل و عائلته عند العجز و الشيخوخة :فغذا عجز العامل لأي سبب كالشيخوخة أو إصابات العمل أو العاهة المستديمة أو أصيب بكارثة وجب ضمان حاجته و حاجة عياله
6- ضمان حاجة عائلة العامل بعد وفاته : فإن من حق زوجة العامل و أولاده بعد وفاته إذا كانوا قاصرين أو عاجزين عن العمل و لا مال لهم أن تؤمن الدولة لهم ما يكفيهم بالمعروف قال عليه الصلاة و السلام ( من ترك مالا فلورثته و من ترك كلا فإلينا ) أي ترك ضعيفا محتاجا فنحن نكفله
ثانيا واجبات العمال
1- القوة : تختلف القوة باختلاف العمل فقد تكون كفاءة علمية في العلوم النظرية او العملية أو قوة بدنية أو فنية في أعمال أخرى فلا يجوز أن يتولى العامل عملا لا يأنس من نفسه الكفاءة أو القدرة على القيام به لما يترتب على ذلك من الغش و العبث و تفويت المصلحة العامة .
و لقد نهى الرسول عليه الصلاة و السلام عن إسناد الأعمال إلى غير الأكفاء قال عليه الصلاة و السلام ( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) معنى وسد أي أسند إلى غير كفؤ
و على الدولة أن تراعي ذلك فلا تسند العمل إلا لمن يحسنه قال عليه الصلاة و السلام ( من ولي من أمر المسلمين شيئل فتولى رجلا و هو يجد من أصلح منه للمسلمين فقد خان الله و رسوله )
2- الأمانة : و هذا الالتزام في الواقع من مقتضيات إتقان العمل و تجويده هو الإخلاص و طهارة النفس و بذل أقصى الجهد و عفة اليد و الأمانة أكبر عامل على نجاح العمل و بلوغ جني الثمرات و هي ضرورية لإتقان العمل و قد وجه الإسلام العامل إلى إتقان عمله قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) و يقول عليه السلام ( يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما و دخل الشيطان ) و المعية تهني توفيقه و مجيئ الشيطان يعني وقوع التنازع و الخسران والإخفاق
3- التعويض و الضمان : و ذلك إذا أهمل العامل القيام بعمله أو قصر أو خان فترتب على ذلك ضرر بصاحب العمل فيجب عليه ضمان الضرر و التعويض لصاحب العمل
4- الاستمرار في العمل : يجب على العامل الاستمرار في العمل إذا كانت الأمة بحاجة إلى ذلك و على الدولة أن تجبر العامل على متابعة العمل على ألا يبخس حقه في الأجر و في ذلك رعاية لحقه و حق المجتمع في آن واحد
المرأة و العمل في الإسلام
إن إعطاء المرأة حق العمل منبثق عن نظرة الإسلام الشاملة إلى المرأة فأحكام الإسلام جميعها متناسقة متكاملة لا اختلاف فيها و لا تناقض فما نظرة اإسلام إلى المرأة ؟ ثم ما موقف الإسلام من عمل المرأة ؟
نظرة الإسلام إلى المرأة :
تتلخص هذه النظرة فيمايلي :
المرأة مساوية للرجل :
1- الوجود الإنساني و الكرامة قال تعالى ( بعضكم من بعض ) و قوله تعالى ( خلقكم من نفس واحدة )
2- التكاليف الشرعية و الجزاء و الثواب قال تعالى ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )
3- أهلية التملك قال تعالى ( و آتوا النساء صدقاتهن نحلة )
4- حق إبداء الرأي في الشؤون العامة و الخاصة قال تعالى ( و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض )
5- حق التعلم قال صلى الله عليه وسلم ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )
موقف الإسلام من عمل المرأة :
من خلال نظرة الإسلام الشاملة إلى المرأة نستطيع أن نتبين موقفه من ممارستها العمل و يتلخص موقف الإسلام في الأمور التالية :
1- إن الإسلام يبيح العمل للمرأة بل يوجب عليها أن تعمل في المجالات التي لها ارتباط بشؤون المرأة كالقبالة والتمريض و التدريس و تربية الطفقال
2- إن الإسلام و إن كان قد فرض نفقة المرأة على زوجها أو قريبها فلا يمانع في ممارستها العمل لا سيما إذا كان المجتمع بحاجة لجهودها او لم يكن من يعيلها
3- إن المهمة الأساسية للمرأة هي قيامها بشؤون بيتها و إشرافها على تنشئة أولادها تنشئة صالحة فلا يحق لها أن تعمل خارج بيتها إذا كات هذا العمل مما يخل بهذا الواجب العظيم
4- إن افسلام يشترط على المرأة عند مزاولتها العمل خارج المنزل مراعاة الآداب افسلامية و لا سيما عدم التبرج و الخلوة بالاجنبي و الابتعاد عن مواطن الربية و الالتزام بالعفة لأن التهاون بهذه الآداب هو إساءة في استعمال الحق و تقويض لبناء المجتمع
5- إن الإسلام يشترط أن لا تكلف المرأة القيام بالأعمال الشاقة التي لا تتناسب مع طبيعتها و وظيفتها الأساسية كالعمل في مناجم الفحم او تنظيف الشوارع
أسباب تخلف المجتمع العربي
لقد عانى المجتمع العربي الإسلامي من ظاهرة التخلف زمنا طويلا فما أسباب هذه الظاهرة مع أن الإسلام قد وقف من العمل موقفا إيجابيا في جميع مجالات الحياة و مرافقها ؟
في الواقع هناك عوامل مختلفة داخلية و خارجية قد تضافرت على إيجاد ظاهرة التخلف و سنبين هنا أهم هذه العوامل :
الجهل في الدين و مقاصده الأساسية في الحياة :
لعل أهم ظاهرة ترتد إليه ظاهرة التخلف في مجتمعنا و لا سيما في الميدان الاقتصادي هو هذه النظرة السطحية إلى الإسلام فقد عمد بعضهم إلى تفسير بعض النصوص الشرعية تفسيرا لا يتوافق هو ومبادئ الإسلام و مقاصده ونظرته لإلى الحياة
فقد قصروا معنى العبادة في قوله تعالى : ( و ما خلقت الجن و الأنس إلا ليعبدون ) على العبادات المخصوصة من صلاة وصيام و زكاة و حج و فهموا منها أن السعي في الحياة الدنيا يتنافى مع صدق العبودية لله و تقواه . و جهلوا أن معنى العبادة الحقيقي هو معرفة الله و طاعته و الإخلاص له في أي عمل من الأعمال دنيوية أو أخروية و جهلوا أيضا أن من المقاصد الأساسية في الإسلام إقامة حياة إنسانية كاملة بمختلف جوانبها في هذه الدنيا واتخاذ هذه الحياة وسيلة للحياة الآخرة . و لقد ولد هذا الفهم روحا سلبية متخاذلة منطوية على ذاتها تنظر إلى الحياة نظرة داكنة تنم عن عزوف عن كل نشاط منتج و تعده لهوا يصرف عن الله و الحياة الآخرة فقضت بذلك على مواهب الفرد و ملكاته و حالت دمن تنميتها حتى نضبت فيه منابع الفكر و انطفأت شعلة الطاقات فأدى ذلك إلى ضعف الأمة و انهيارها و تخلفها .
الفهم المنحرف لمعنى التوكل :
ساد مفهوم غير صحيح للتوكل في المجتمع الإسلامي ففهمه بعض الناس أنه ترك الأسباب و القعود عن طلب الرزق معتقدين أن الله قد تكفل بالرزق و عن الرزق سيأتي إليهم من غير سعي و لا عمل و توهموا أن قوله تعالى ( و ما من دابة على الرض إلا ور زقها على الله ) و قوله صلى الله عليه وسلم ( لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا ) و غيرها من النصوص يدل على هذا الفهم الخاطئ فأدى ذلك إلى تفتيت العزائم و تبديد الطاقات و إخماد بواعث العمل و إماتة روح الطموح و أدى بالتالي إلى التخلف في جميع ميادين الحياة و خاصة في الميدان الاقتصادي .
و لبيان المعنى الحقيقي للتوكل على الله في الإسلام لا بد من إيضاح النقاط التالية :
1- الإسلام فرق بين الأسباب و المسببات : فلقد أقام الله سبحانه هذا الكون على سنن ثابتة لا يعتريها تبديل إلا بإرادة الله سبحانه قال تعالى ( و لن تجد لسنة الله تبديلا ) و معنى هذا أنه لا رزق بلا سبب و سبب الرزق هو السعي فترك الأخذ بالأسباب جري على غير سنة الله تعالى
2- دعوة الإسلام إلى العمل و إيجابه : دليل على خطأ مافهمه هؤلاء من معنى التوكل الوارد في النصوص الشرعية و ذلك لأن مبادئ الدين لا يمكن أن تتناقض
3- كون العمل من لوازم الفطرة : و ضروة لبقاء النوع الإنساني دليل على خطأ ما فهمه هؤلاء من معنى التوكل الوارد في النصوص الشرعية و ذلك لأن كل ما جاء به الإسلام هو استجابة لدواعي الفطرة الإنسانية
و بناءا على ذلك فإن المعنى الصحيح للتوكل على الله هو ارتباط النفس الإنسانية بخالقها و الاعتماد عليه في تحقيق الغايات لأنه مناط الثقة المطلقة و معقد الرجاء و مبعث الأمل و مثابة الأمن مع مباشرة الأسباب المشروعة .
و من هذا التعريف يتضح الفرق بين التوكل الذي دعا إليه الإسلام و بين التواكل الذي فهمه أولئك . و التوكل بالمعنى الصحيح لا يمكن أن يكون مدعاة إلى التخلف بل هو قضاء على التخلف و دعوة صارخة إلى التقدم لأنه استشعار دائم لعظمة الله تعالى . ومظهر للروح القوية التي لا تنهار إذا ما أصابها شر أو أخفقت في مجال من المجالات و لا تبطر أو تقتر إذا ما أصابت خيرا و استئصال لشأفة الغرور الإنساني و الصنف و التكبر و الاستعلاء و الحسد تلك الصفات التي هي آفة البشرية .
الفهم المنحرف لمعنى الزهد :
فهم بعض الناس الزهد على أنه العزوف عن الحياة و احتقار الدنيا والابتعاد عن اللذائذ المباحة بحجة أن ذلك كله صارف عن عبادة الله سبحانه .
و لبيان حقيقة معنى الزهد في الإسلام لا بد من إيضاح النقاط التالية :
1- دعوة القرآن الكريم إلى التمتع بلذائذ الحياة المباحة من غير إسراف و استنكاره على من حرم ذلك قال تعالى ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين أمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة )
2- الإسلام دين الفطرة و من متطلبات الفطرة الإنسانية السليمة مراعاة مطالب كل من الروح و الجسد و الزهد الذي فهمه أولئك مناقض لتحقيق مطالب الجسد التي نادى الإسلام بتحقيقها
3- هناك فرائض لا يتأتى أداؤها إلا بإنفاق المال كالزكاة و الجهاد و الحج وقد جعل الإسلام الإنفاق من الخصائص الأساسية للمؤمنين قال تعالى ( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون )
4- جعل الإسلام المال قوام الحياة و عماد الأمة قال تعالى ( و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ) فكيف يمكن ان يدعوا إلى احتقار المال و التقاعس عن طلبه و تحصيله و التهاون بالمحافظة عليه و تنميته
المعنى الحقيقي للزهد :
يمكن أن نستخلص على ضوء ما تقدم المعنى الصحيح للزهد بأنه :
التخلص من العبودية لمتاع الحياة الدنيا من مال و شهرة و لذة وولد لتكون العبودية خالصة لله وحده
و يترتب على هذا التعريف مايلي :
1- القناعة بالدخل المحدود بعد بذل أقصى الجهود في السعي فيرضى الإنسان بما يحصله من رزق غير حاقد و لا حاسد و لا متبرم بالحياة بعد بذله أقصى جهد في سبيل تحصيله .
2- التعفف عن الحرام و الاحتياط للشبهة فلا يكتسب المال إلا من طرق الحلال و لا ينفق إلا في الوجوه الشرعية
3- أن تكون الدنيا و متاعها في يد الإنسان لا في قلبه إي أن يكون سيد نفسه و حاله لا عبد شهواته و اهوائه
4- ليس الزهد بالفقر و الاستجداء و الرضى بالذل و سوء الحال بل هو التضحية بالمال و النفس في سبيل الله
و لعل هذا هو المعنى الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيانه لمن سأله عن الزهد إذ قال ( أما إنه – أي الزهد – ما هو بتحريم الحلال و لا إضاعة المال و لكن الزهد في الدنيا أن تكون بما في يد الله أغنى منك بما في يدك )
و على هذا فالزهد في الإسلام قوة دافعة للإنسان إلى البذل و التضحية و الإيثار بكل شيء مهما غلا قدره في سبيل مرضاة الله
الاستعمار :
ابتليت الأمة العربية بالاستعمار الأجنبي البغيض الذي جثم على صدرها ردحا طويلا من الزمن و كان وجوده عدوانيا لئيما على الأمة العربية الإسلامية في كيانها السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي و قد اتجهت سياسته إلى بسط نفوذه على أداة الحكم ليضمن بيقاءه في هذه البلاد المغلوبة على أمرها و إقامة وطن يهودي على الآرض العربية في فلسطين و لم يكن للبلاد العربية في ظل الاستعمار شخصية دولية يمثلها رجالها في المجتمع الدولي ترعى مصالحها و تدافع عن حقوقها و حال دون أخذ الأمة بأسباب التحرر السياسي و الاقتصادي و استغل الطبقة العاملة و أقام الاحتكارات التي سيطرت عليها الشركات الأجنبية و استغل الدين من أجل بقاء نفوذه فقد أبعد المستنيرين و أصحاب الفكر من رجال الدين الذين كانوا يحملون مشعل التحرر و الدعوة إلى مقاومة الاستعمار و قرب ذوي النفوس الضعيفة لتشةيه حقائق الإسلام على نحو يفتت فيهم عزيمة الكفاح و العمل فأخذوا يوهمون العامة بأن الإسلام دين الزهد و احتقار الدنيا لأنها لهو و متاع الغرور و لا يضر المسلمين الفقر و سوء الحال في الدنيا لأن لهم الآخرة
وعمل الاستعمار كل ما من شأنه أن يضعف الشعوب العربية و الإسلامية ويبقيها متخلفة ليرفع من مستوى شعوبه على حساب الشعوب المستضعفة و هذا هو الإجرام الدولي في حق الإنسانية و من هنا كان الاستعمار شر ما تمنى به الشعوب لأنه يقضي على شخصيتها السياسية و الاقتصادية و الروحية و الثقافية و يتركها هكذا هملا تتحكم فيها شريعة الغاب فكان الاستعمار بذلك مناقضا لأهداف الشرائع السماوية جميعا و سببا من أسباب تأخر المسلمين و العرب