العودة

shababkobani

New Member
أصواتٌ صاخبةٌ, عويلٌ مضطرب, نحيب وضجةٌ شديدة وحركة.....وأنا في غُرفتي المنزويةِ نائمٌ, أو أتصنعُ النوم .... قد يكونُ حُلماً مُزعِجاً أو كابوساً... لكن الأصواتَ تتتالى, وتتعالى أكثر ......لم أجد بداً إلا أن أقوم.......وأن افهم ما يحدث...
وأخيراً وبعد طولِ تأمل, وإدراكي حقيقة إن الأمر أكبر من أن يكون خيالاً أو حُلماً, حملتُ نفسي, وأنا انظر الساعة التي تقاربُ الرابعة صباحاً..... وخرجتُ استفسرُ عن سّر كل هذا التمثيل.
كانت حركة غريبة, حرقة شديدة, الجميع في دوامة يتهافتون.......الوجوه كانت مليئة بالأسى, فيما العيون تَنفَجِرُ دمعاً والسواد يوشّّح المكان والزمان. من كل هؤلاء؟ وماذا يفعلونَ في منزلنا؟ في هذه الساعة المتأخرة. أسئلةٌ كنت أجهل إجابتها!
خرجتُ أشقُ طريقاً بين الجموع غير مُتفهمٍ لسر هذه الطقوس. كل الأقرباء أراهم هنا عمي الذي بالكاد اعرفه أيضا أراه ! لقد كان بعيدا عنا كل هذه السنوات, وما كان يكلمنا أو يراسلنا حتى, بل كان يعادينا ويسئ دائما إلى أبي, ويبعث إليه بأنواع التهديد والوعيد. وذاك الشخص الجالس هناك, بصمت يلفُ سيجارته أيضاً أراهُ .....لكنهُ كان يكره أبي, ويعادينا كثيراً...ما الذي أتى بهم؟
وجوهٌ عديدةٌ غريبة ألمحها للمرة الأولى في حركاتٍ لولبية, وتصرفاتٍ غريبة رجلٌ كهل يكويه الوقار تلفه عباءة بيضاء وشالاً مُطرزاً, وبيده مصبحٌ طويل, وعلى رأسه عباءة عريضة, يدخل ليُهَلِلَ به الجميع في سكون, ووقار وليوسعوا له مكاناً وهو ينطق بكلمات لم أفهمها . ولكن أمي أين تكون ؟وإخوتي لماذا هم ليسوا قريبين هنا؟ أليس هذا منزلنا؟.....ما كل هذه الفوضى ! وهذا الغموض! وارتفعت مجدداً أصوات النساء, وتعالتْ من الغرفة البعيدة. عندها وفي لحظة نسيان شعرت بقشعريرة تهز كياني, وألمٍ دفين يُسَربِلْ قوامي ويُشِّلُ حركتي ويُقعدني.
جلستُ بعد أن فقدت القدرة على البقاء, واقفاً وأنا تائه في هذه الفوضى, وهذا التلاطم العجيب. ازداد اضطرابي وأنا داخل هذه الدوامة الغريبة, ورحت استفسر. لكن لا احد يرد فالجميعُ مُنْهَمِكٌ وفي ماذا لا ادري.
ما الذي يحدث؟ مازلتُ غير قادرٍ على التبصر, أو الإجابة عن أي شيء .......ما كل هذه الفوضى؟ وهذا الضياع؟ ولما كل هذا الصمت الملوث بالبكاء. أين هم أهلي؟ وأين تكون أمي وإخوتي؟ لما هم غائبون؟ وما هذا الاضطراب في بيتنا؟ وجوهٌ قديمةٌ كانت غائبة بشكلها وحاضرة بألاعيبها وإساءتها ووجوه جديدة ذائبة تيهاً في بحرٍ من الدموع.
لا احد يكترثُ لصغيرٍ مثلي فكرتُ في ألعابي ....ألعابي .....أين تكون, وهل سيأخذونها أيضاً معهم. ذهبتُ إلى الغرفة الخلفية. لا احد هنا ....جيد ....دخلت.... شعرتُ بِسكونٍ تام، بحثت عن ألعابي لكن لم أجدها أين تكون إذا.......لمحتُ صندوقاً كبيراً مستطيلاً غامق اللون ممدداً وسط الغرفة .... أثار الفضول في نفسي.......ما هذا؟......التففتُ حولهُ.......لامستهُ......حركتهُ......فوجدته ثقيلاً ...إذا أمي الحبيبة قد خبأت كل ألعابي ها هنا....... شيءٌ جميل.
حاولت عبثا فتحهُ مراراًً ...لكنه موصود بعناية ... وأخيراً نجحتُ في فتحهِ....... رائحةٌ ذكيةٌ تَسَرَبَتْ إليّ منه .... قماش أبيضَ اللون....فَتَشتُ بعناية .........لم أجد ألعابي. لفني اليأس والحزن.........أين تكون ألعابي....ورحت في غيظٍ أمزقُ القماش شيئاً فشيئاً.... بدا لي وكأن شخصاً ما كان يخبأ نفسه فيه، أمعنت النظر فيه, وبدأت أحركه, وأتلمسهُ........أنه شبيه أبي.......لا.......انه أبي ....أبي لقد عُدْتَ أخيراً.........آه كم أنا سعيد.
نعم انه أبي ....الذي كان مسافراً يا أبي شكراً لأنك عدت هيا لقد احتلوا دارنا..........كلُ من كنتَ تَغارُ علينا منهم أنهم هناك وكل من كنتَ على خلاف معهم إنهم اليوم أيضاً مجتمعون بدارنا, وأنت مُختبئٌ, ونائمٌ هنا في صمتِ هذه الغرفة.
أفق يا أبي لأني أخاف البقاء وحيداً بينهم. لقد هَرَبتُ إليك خائفاً من وجوههم القاتمة. احبكَ جداً أبي, وارغب أن لا أبقى إلا معك لم تُسعفنا اللحظاتُ الماضية حينها أن نلعب معاً أو أن نتبادل حديثاً كهذا فقد كنت دائما غائباً عنا في رحلات العمل.
نعم أتذكركَ انك كنت دائماً تجلس قبالةَ تلك النافذة, وتقول الحياةُ جميلةٌ ورائعة لكن الأيام القادمة ستحملُ لنا الكثير من الضياع. وفي الصباح التالي لم نراك لتقول, والدتنا انك قد سافرتَ إلى مكانٍ بعيد جداً وانكَ ستعودُ قريباً.
وتتالت ثلاثةُ أعوام أو أكثر وأنت بعيدٌ وغائب وأنا دائماً أستذكرُ جلستك تلك, وأقول متى يعود أبي؟ كانت أمي تبكي دائماً, وتُغني بعودتكَ لقد تركتَ فراغاً, وحزناً كبيرين خلفك, ولكنك اليومَ تعودُ لتعود إلينا السعادة ونعود نحن بك.
آن الأوان أن أنام هنيء البال في كنفك يا أبي....وسعتُ مكاناً لي بين ذراعيه... ولففتُ يداي حولُ عُنُقِهِ, ويداه حول عنقي ... وبدأتُ أقَبِلُ وجنتيهِ النديتين الباردتين, واللتينِ كنت أفكرُ بهما كل تلك الأيام.
Ededegelede
 
عودة
أعلى