الزواج في تريم

al_agel

New Member

copym.gif


حثّت الديانات السماوية كافة على الزواج؛ لأن به تستمر الحياة وعُمران الأرض، فلذا تتبادل الأجيال مسألة الخلافة في الأرض، فكلما ذهب جيل خلفه جيل آخر، وهكذا السنون والأعوام والقرون تمضي بأفرادها، فتعقبها سنون وقرون أُخر بأجيالها ومجتمعاتها.
وبما أن أمر الحياة لا بُد أن يستمر وجب على الخلق أمر الزواج والارتباط استعدادا لبذر الجيل الذي يأخذ زمام الأمر من بعدهم، بل إن عصرنا الإسلامي الأول وردت فيه كثير من القصص المتعلقة بمسألة الزواج، وقيمة المهر، ونوعيته، حيث لا يمكن للفرد أن يتخيلها بطبيعة حاله اليوم، إلا أنها قد حدثت!!


ولاختلافها بعض الشيء عمّا يحصل في العالم اليوم، تنظر "السياسية" وبعين الاستطلاع طقوس الخطوبة والزواج في مدينة "تريم" الغناء، حيث يكون أرخص مهرا في العالم، والأكثر ترابطا بين الأمم.


بداية إشعار:
عند ما ينوي الشاب الزواج، والكثير منهم نوايا الأب أو الوالدين، يخبر والديه بما ينوي أو العكس يفشي الأب إلى ولده سر نواياه، وبعد المشورة والموافقة على شريكة العُمر يخبر والد الشاب أو من يحل محله في حال غياب الأب، وخاصة الوفاة، والد البنت فيشاور والد البنت زوجته وأهله ويكون الرد بالموافقة أو العدم، وهذا كله قبل الخطوبة بشكل رسمي، إذ يعتبر كحجز فقط للبنت، من أن يختطفها شخص آخر.


طرح "البقش".. وغياب العريس:
"البقش": هي الكلمة العامية أو الدارجة لكلمة "الفلوس" أو النقود، فبعد الموافقة من قبل أهل البنت ووالدها يبدأ أهل الشاب بتحديد زمن وضع المهر، فيحضر أقارب الشاب من الرجال فقط مع ولي أمره إلى بيت أهل البنت حاملين معهم "شنطة" فيها بعض مستلزمات التجميل، بالإضافة إلى المهر كإعلان منهم "برد الجميل"، الذي قضى بالموافقة على الزواج.
فيجتمعون للتعرف على بعضهم البعض، إن لم يكونوا متعارفين من قبل أو يتحدثون في شأن الزواج وأهميته ووجوب تقدير الحياة الزوجية بين العروسين، كما تقدّم لهم الحلويات والمشروبات والمرطّبات اللذيذة؛ إكراما وتكريما لهم، وتستمر جلستهم في حدود الساعة، وفي نهاية الجلسة يرفع كبيرهم يديه للدعاء وقراءة الفاتحة لتيسير وإتمام أمر الزواج.


من 20- 50 ألفا:
إن من الأمور المتعارف عليها في مدينة تريم، وفي كل العالم -وهو واجب ديني قبل أن يكون طبيعي- حين الزواج يجب أن يعطي أهل الشباب لأهل الزوجة مبلغا من المال كمهر لها، ورغم أن الجشع انتشر في كثير من مناطق اليمن جعل البنت سلعة تباع وتشترى، إلا أن المهر في مدينة تريم له رأي ومنحى آخر، فهو في الغالب لا يقل عن عشرين ألف ريال يمني، ولا يزيد عن خمسين ألفا، صحيح أن البعض يطلب أكثر من هذا بقليل، خاصة إذا كان الزوج غريبا وليس من أهل البلد. أما إذا كان من أبناء المدينة فالمهر الواجب عليه لا يتعدى النطاق المذكور.


بينهما برزخ لا يجتمعان
من أكثر الأمور غرابة في تريم، أن الشاب منذ أن يعلن تقدمه لدى أسرة البنت تختفي البنت عن نظره بالكامل حتى وإن كان بينها وبينه قرابة صلة عائلية، بل وحتى إن كانا يعيشان في بيت واحد، فمن العيب أن يرى الخطيب مخطوبته بعد التقدّم إليها، ولا تنعم بها عيناه إلا بعد أول أيام زفافه (يوم الدخلة)، حيث تُزيّن له بأبهى حللها، وتُزف إليه بكامل جمالها.


قسوة وتهور
إن من أقسى المعطيات التي تحصل في الخطوبة والزواج بداخل تريم، هو تهور بعض الآباء الذين يزوجون بناتهم ذوات السن الصغير، ولا يأبهون للعواقب التي تتوالى على البنت نفسها وأسرتيها، ففي بعض الأحيان يخطب شاب بالغ بنتا في العاشرة أو الثانية عشرة، ويدخل بها بعد سنتين أو ثلاث من الخطوبة، ويدخل هذا الأمر في إطار الزواج المبكّر، صحيح أن نسبة الطلاق قليلة جراء هذا النوع من الزواج في مدينة تريم، غير أنها تحصل هناك بعض الأضرار والعواقب، ليس على العموم بل على سبيل المثال.


لا نقبل.. ولكن دين وحرية:
وعند ما سألنا بعض أولياء الأمور عن رأيهم في سرعة تزويج البنات في المدينة، وهل هم يقبلون ذلك أم لا؟ تحدثوا إلينا في البداية عن عدم رضاهم بالأمر، إلا أنهم أكدوا بأن لكل ولي أمر الحرية في ابنته.
سألناهم مرة أخرى حول الدوافع التي تجعل الرجل يضحي بابنته الصغيرة، فقالوا: "إن أهل البلد يخافون من أن تبقى ابنتهم عذراء كبيرة في البيت دون زواج ويشق عليهم ذلك مع حفاظهم عليها بشكل تام وإعطائها كامل حقوقها في المأكل والمشرب والملبس، فأول ما يأتي الشاب الذي تراه أسرة البنت مناسبا مع إخبارها يقبلون مباشرة خوفا أن يذهب إلى بنت أخرى، وتظل ابنتهم فيما بعد دون زواج، ولذا يلحقونها به وإن كانت صغيرة".


تحضير للزفاف
عند قرب الزفاف لأسرة ما في هذه المدينة، تبدأ أسرتا الشاب والبنت في حجز الطباخين والمنشدين أو الفنانين وغيرهم ممن لهم المشاركة في الأفراح أو العون للضيوف، كما تعمل الأسرتان وخاصة أسرة العريس جاهدة في بناء وتجهيز غرفة الزفاف، والتي تسمى بـ"المنزل" أو "المرواح"، حيث تجلب لها السرير وفرش الأرضية، وكل ما يزيّنه بإضاءة أو زينة لتكون ليلة الدخلة وسط أكنافه مع إصلاح وإحضار كل ما يمكن استخدامه في الزواج أو تقديمه للعروس من حلي وغيرها، كما تستعد أسرة البنت بتجهيز الملابس الخاصة بالزواج وجلب الذهب والمجوهرات التي ستُحلّى بها البنت حين زفافها، بالإضافة إلى تجهيز البيت وتزيينه.


حضور بارز
عقد القران بمدينة تريم يكون قبل الزواج بليلة، حيث يكتب مع دعوات الحضور للضيوف مكان وتاريخ العقد، وعادة ما يكون في المسجد بعد صلاة العشاء، فتلتقي جموع الناس الغفيرة من المدعوين والمصلين وغيرهم، فيحضر العريس بكامل زينته مع ولي أمره وأقاربه، كما يأتي ولي أمر البنت مع ذويه لتوثق عُرى الزواج بعقد القِرَان، الذي يعتبر ميثاقا صريحا في العالم الإسلامي باستحلال البنت لذلك الشاب والعكس، ومن الأشياء التي لا يمكن التهاون في إحضارها حين العقد في تريم هي المدخنة التي يفوح من دخانها عبق الدخان الطيّب، إذ توضع أيادي العريس وولي أمر مخطوبته على ذلك الدخان المتصاعد منها، وبعد انتهاء العقد يقبل الشاب العريس يد والد عروسه أو ولي أمرها، ومن حوله من كبار السن، ثم يأتي إليه الأصدقاء والشباب والرجال الحاضرون بالمسجد ليهنئوه على عقده ودخوله عش الزوجية، ويسألون له البركة في الزواج.


أما إذا لم يكن العقد في المسجد، فلا يكون إلا في بيت الزوجة، ولا يمكن أن يكون في بيت الزوج، إلا إذا كانا المتزوجين يعيشان في بيت واحد، فيلبي المدعوون الدعوة، ويحضرون إلى المكان وفي الموعد المحددين، إلا أن الزيادة في عقد البيت يقوم أهل العريس بجلب "السمسم"، الذي يدعى عندهم بـ"الفحيط"، إلى أهل العروس، ليقوموا بدورهم في توزيعه على الحاضرين كبركة وتقدير للحضور ومشاركة العريس الجديد عقد قرانه.


الطــرح
ومن العادات الراسخة في مدينة تريم إلى اليوم في الزفاف، أن المدعوين عند ما يأتون إلى بيت أهل العروس في اليوم الأول وخاصة المدعوين من قبل بيت العروس، يصحبون معهم ظروفا مغلقة فيها مبلغ من المال، يتفاوت ذلك المبلغ في الزيادة والنقصان من حيث القرابة الرحمية أو البُعد قليلا للصلة، ويكون كمثابة عون للأسرة فيما تخسره من نفقات في أيام الزواج، كما أن هذا الأمر ينطبق تماما في اليوم التالي عند العريس، لكن ليس الناس أنفسهم الذين أهدوا في اليوم الأول هم من يهدي في اليوم الثاني، وإنما المدعوون من جهة بيت العريس، إلا إذا كان العريسان أبناء عمومة فعلى العم أو القريب الثالث أن يهدي لكل من وليي أمر العروسين طرحه الخاص به.


غداء "حراوة" وعشاء سهرة

في اليوم التالي ليوم العقد، تبدأ مراسم الزواج عند أهل العروس، وأما العريس في الصباح ليس عنده شيء من مظاهر الزواج سوى التزيّن بالجميل والذهاب إلى بيت العروس لتناول طعام الغداء ويسمونه "غداء الحراوة"، ثم يعود العريس ومن معه من المدعوين من أهله وأقاربه إلى بيته بعد تناولهم الغداء، ويبدأون بدورهم في ترتيب وتجهيز عشاء السهرة، حيث يأتي عدد من أقارب العروس لتناوله في بيت العريس.


وفي ليلة ذلك اليوم، وبعد صلاة العشاء يحضر المدعوون إلى بيت العريس لتناول وجبة العشاء ومشاركة العريس سهرته وأفراحه، إذ تبدأ السهرة بعد العشاء وتستمر إلى ما شاء ربك من الليل، وفي تلك الأثناء من ساعات الليل المتأخرة تنقل العروس من بيت أهلها إلى بيت زوجها بكامل زينتها وجمالها، لتجلس منتظرة زوجها في غرفته (المنزل)، ليعود هو الآخر من سهرته بعد تزيينه وتطييبه، وهو كذلك من قبل، فيدخلونه عليها ويغلقان عليهما باب العش الزوجي الحديث ليقضيان أول وأفضل ليلة من ليالي العُمر بينهما، في جو يسوده المحبّة والألفة، مع مشاركة شيء من رجفات الجسم اللطيفة وخفقات القلب المتلهفة إلى اجتياز ذلك الحاجز الذي يشوبه بعض من قطرات الاستحياء بتجاذب أطيب عبارات الحديث وتبادل أحلى الابتسامات والضحكات الجذابة.


"صبحة".. و"تخاويد":

عقب ذلك اليوم الرومانسي، الذي يعيشه الزوجان مع بعضهما في غرفة مجهّزة بكل مظاهر الجمال ومدعّمة بجميع صنوف المشروبات والمرطبات، وغيرها مما لذّ وطاب، يخرج العريس، في ذلك الصباح إلى أهله وأقاربه بعد أن يتناول هو وزوجته الإفطار، إلى الذين باتوا عنده أو جاءوا في الصباح من الأقارب والأصدقاء ليشاركوا المعاونة معه، فيسلّم عليهم، ويتحدث معهم ويشاركهم العون بالكلام والبسمات لا بالفعل، فهو سيّد الموقف ولا يمكن أن يُبعد شيء أو يُؤتى بشيء إلا بعد أمره، والكل يحب أن يتعاون معه لأنه في ذلك اليوم عريس، ويريدون أن يجعلوه يحسّ بطعم الزواج الجميل.
وفي هذا اليوم يستعد العريس وأهله لتجهيز وليمة الغداء لمن سيأتي إليه من المدعوين، وخاصة أهل العروس الذين يأتون بأقاربهم وأرحامهم لتناول الغداء في بيت العريس، كما يتم بعد الغداء مباشرة "طرح التخاويد": وهي عادة يفعلها أهل تريم في أعراسهم، حيث يُعطى لأب الزوجة أو ولي أمرها وإخوانها، وأعمامها وأخوالها بعضا من الحلي الذهبية ليضعوه أمامها كهدية من أقرب الأقارب لها، لتقوم هي أو أمها بالدور فيما بعد بتعريف كل النساء ممن هذه الهدايا مع ذكر اسم كل من قدّمه.
وليس الأخوة فقط هم من "يتخودون"، وإنما ترتب أيضا فترة تكون عادة قبل الظهر للنساء الأقارب في تقديم ما لديهن من هدايا ذهبية أو غيرها من قطع القماش الفاخر، أو الأثواب الجديدة الجميلة.


"الخطرة" و"العقاد":

بعد يوم الصبحة مباشرة، وهو آخر أيام الزفاف، يدعو بيت العريس كل الأقارب والأرحام ذوي الصلة القريبة جدا كأهل زوجته وأقاربها وأقاربه من الأعمام والأخوال والخالات والعمّات ومن معهم من الأبناء والبنات، ومن في صفهم، لوجبة الغداء الخاصة في بيتهم، ويقدّمون لهم ألذّ الوجبات من نوع "صانة" اللحم، وتوابعها، من مستلزمات غذائية طيّبة لذيذة، ويطلق أهالي تريم على هذه الدعوة بـ"الخطرة" بفتح الخاء وتسكين الطاء.
ومن جانبهم يدعو أهل العروس أهل العريس وأقاربهم وأقاربه ويصنعون مثل تلك الوجبة الطيّبة، وذلك بعد مرور أسبوع تقريبا على دعوة أهل العريس ويطلقون عليها اسم "العقّاد"، حيث هناك عادة في هذا اليوم، إذ أن العريس يأتي قبل هذا اليوم بليلة ويبيت هو وزوجته في بيت أهلها في غرفة خاصة، وعند الصباح تتقدم أم الزوجة بالإفطار مع مسكها زمام الأمر في تقديم الشاي المتبوع بأطيب أنواع الحلويات والبسكويت والكيك (المعد خصيصا لهذا الغرض).


شهر العسل:
يعطي الكثير من الآباء حريّة كبيرة لأبنائهم بعد زواجهم، في الترويح عن النفس دون عمل سوى الخروج للتنزه والذهاب إلى الأصدقاء لزيارتهم، وقضاء الوقت الأطول عند الزوجة للتحدث معها لترتبط القلوب أكثر فأكثر، وتستمر هذه الفترة للكثير منهم -كما هو الحال لدى جميع المتزوجين الجدد في العالم- شهرا كاملا، والذي يسمونه بـ"شهر العسل"، إلا أن الشهر سرعان ما ينقضي لما به من متعة الحديث والعيش الرغيد الذي لا يتمنى زواله، لكنها الحياة والحياة مستمرة في جريان أيامها نحو الانتهاء، و"الأيام دول، فيوم لك ويوم عليك"
 


حيا الله اخوي العاقل

يا شيخ كل ناس بعاداتهم

انا دافع مهر قبل شهر تقريبا 200 الف ريال يمني

و الله يعين على الباقي
 
عودة
أعلى