Samir Aser
New Member
لِسَّهْ بَدْرِى عن التلاتين يا Sammora
القطار يشق طريقه بين أعمدة التلغراف المتطايرة ، تدوى عجلاته الحديدية بطرقاتها السريعة الرتيبة المتتابعة.... وتتتابع الرؤى..
طنطا... هذه المدينة العجائبية التى تضم بين جنباتها متحفاً حياً للبشرية منذ براءتها الأولى .
ابْتَسِم فى حيرة ، وتطن بأذنى أصوات تتناغم مع طرقات العجلات الحديدية تدنو فتعلو فوق الضجيج وتبتعد ( الله الله يابدوى جاب اليسرى ) ؛ وهى حكاية مشهورة عن ساكن طنطا القطب العارف بالله السيد/ أحمد البدوى ؛ فقد خلّص الأسرى المصريين وجَلَبَهم كعرش بلقيس .
جلست مع صديق لى ذات يوم ، وقد تبدّل حاله ، وأمسك بمسبحة يتمتم دوما على حباتها بهمهمات بدت لى كتعاويذ سحرية ، وينتفض جسده من آن لآخر صائحاً كالممسوس : ( شىء لله يابدوى ) ؛ ويتملكنى غيظ مكتوم وأحدث نفسى ( تخلف ... ماهذا الهراء ؟! ) ؛ ويلتفت لى كالملدوغ : ( الليلة هى الليلة الختامية لأبى العلمين سيدى/ أحمد البدوى ؛ مارأيك أن تصطحبنى بسيارتك لترى ... عسى أن تصيبك نفحة من نفحاته ) ؛ لم أكن رأيت من قبل احتفالا بمولد إلا على شاشات السينما ؛ فوافقت على الفور وأنا أقلد أمينة زوجة سى السيد فى الرواية المشهورة : ( دعانى لبيته ... دعانى لبيته ) . وبعد صلاة العشاء انطلقت بنا السيارة نحو طنطا . وكلما انتفض صديقى انتفاضته المعهودة ؛ ابتسم وأحوقل فى سرى.
وقُبيل طنطا بعدة كيلومترات ؛ أمسك صديقى بذراعى بيده المرتجفة ؛ وطلب منى الوقوف مستأذنا منى للسماح بركوب أخوات فى الله ؛ لم أكن قد انتبهت لوجودهن على الطريق على الرغم من جمالهن الفاتن الذى يجمع بين البراءة والإغواء ؛ امرأتين وفتاة يرتدين الملابس البلدية . نزل صديقى بأدب جم يفتح باب السيارة الخلفى ؛ جفلت الفتاة لرؤيتى وتراجعت للخلف قليلا ؛ بينما جذبتها احدى المرأتين لتركب هامسة : ( الدار أمان....معانا أخ ) .
تعلقت عيناى بمرآة السيارة أتأمل هذا الجمال الربانى وصحت بمكر : ( يابنت بِرِّى ! ( وهى امرأة كانت بارعة الجمال فتنت القوم وأخرجت الرجال أولياء الله من خلواتهم يتحلقون حولها ؛ وقد قهرها السيد/ أحمد البدوى ؛ وتابت على يديه وعاد الرجال إلى الخلوة . وانتابتنى رغبة محمومة أن أفتح كاسيت السيارة على احدى الأغنيات المشهورة ( سوف أحيا I will survive ) ؛ وأعبث فى مفتاح الصوت ؛ أعلّيه وأخفضه ؛ وأتراقص بالسيارة على النغمات ( دى هتبقى سهرة ممتعة ) . وزمجرت السيارة على أبواب طنطا ؛ وتحشرج صوت المحرك وهمد ؛ وقفت السيارة . نزل صديقى سريعا ؛ ودار دورة حول السيارة ، ثم فتح بابها الخلفى هامسا لضيوفه بحشمة : ( يالله ) فرددن : ( يالله ) ؛ وموجها الكلام لى : ( شوف فيه ايه وحصّلنا ) ؛ ومضى معهن بحميمية غريبة ، وسرعان مالفهم الظلام . وبقيت وحدى فى عجلة محمومة أحاول أن أدير السيارة بلا جدوى ؛ افتح غطاء المحرك وأنظر بالداخل بعينين زائغتين.... وتنشق الأرض عن بعض الأهالى بالناحية ؛ يسألوننى : ( ما الأمر ؟ ) ؛ ويتبرعون لإنقاذ الموقف ؛ يدفعون السيارة نحو احدى الضواحى على أطراف المدينة ؛ بينما أجلس صامتا على المقود ؛ وقد داخلنى مزيج من الرهبة والغربة ؛ يفتحون غطاء المحرك ؛ وأرى أشباحهم تتداول بجدية واهتمام دون أن أسمع حوارهم. وبعد قليل يطلبون منى ادارة المحرك ؛ فيدور كسابق عهده . أمد يدى ببعض الجنيهات فتبدو على وجوههم الشاحبة أمارات الخيبة والإمتعاض . كنت قد فقدت الإحساس بالمكان ؛ فسألتهم عن الطريق ، فأشاروا باشارات مبهمة وشكرتهم ؛ ومضيت بسيارتى حتى خرجت إلى الطريق العام ؛ وانطلقت كالسهم لألحق بصديقى وصحبته الرائعة ؛ وبعد أن قطعت عدة كيلومترات ؛ اكتشفت أننى أسير فى الإتجاه المعاكس نحو القاهرة ( ياللحظ السىء... لابأس ) ؛ ودرت بسيارتى عائدا فى اتجاه طنطا ؛ أنهب الأرض نهبا ؛ وبعد قليل تنعكس الأنوار على يافطة ارشادية بجانب الطريق ( مع السلامة - بلدية طنطا ) ؛ اذن أنا فى الطريق المعاكس ؛ وظللت ألف وأدور.... ضاعت السهرة ؛ واستسلمت مقهورا عائدا إلى القاهرة ..............................
انتبهت لصرير العجلات الحديدية ؛ وتوقف القطار ... ( ها قد وصلنا طنطا ) ؛ حملت حقيبتى باهتمام فهى تضم أوراق القضية ؛ ونظرت فى ساعتى ؛ وتحركت مع الركاب . نزلت من القطار ، وهبطت درجات السلم إلى نفق الخروج ؛ وخرجت لينفسح الفضاء أمامى ؛ ويلفت نظرى على امتداده عربات خشبية معلق بها أنواع مختلفة من تلك السبح المصنوعة من الخرز الملون ، وما ان فكرت أن أشترى بعضها حتى سمعت صوتا يأتينى من جانب الطريق : ( تعال يا أستاذ.. طلبك عندنا يا أستاذ ... نفعنا يابيه ) ؛ فلم ألتفت لمصدر الصوت فقد تعلقت عيناى بالعربة أمامى ؛ وأمضى فى طريقى ؛ واسمع ذات الصوت ينادينى بتنويعات مختلفة : ( Sammora - Samra - Samara - Samarmer ... ) ؛ فألتفت بكليتى واتجهت ناحية مصدر الصوت... كوخ صغير مبنى من الخشب الكالح والخيش المهترىء . تجلس أمامه امرأتان أمامهما وعاء فخارى متوسط الحجم تعبث العجوز بسيخ فى الرماد فتتوقد جمرات الفحم المشتعلة ؛ ووقفت بالقرب فتاة لم أتمكن من ملامحها ؛ أبدت فرحتها بقدومى ؛ فنهرتها المرأة الأخرى : ( ادخلى الوقت يا اعتكاف ) .
دنوت بثقة منهما ؛ وأدنيت رأسى بهدوء منهما : ( من منكما نادتنى بهذا الإسم ؟! ) ؛ انشغلت العجوز بسيجارة ملفوفة لفا يدويا ؛ ووضعت كنكة سوداء بها بعض الماء فوق الفحم المتقد ؛ وألقت بها كمية كبيرة من الشاى الجاف فتناثر بعضه على الفحم المشتعل ليتصاعد دخان صدم أنفى و دمعت له عيناى ؛ وتمتد يد من جانبى لتضع وعاءا آخر من الألمنيوم فوق الفحم الملتهب ؛ فألتفت فإذا بشاب ممصوص الوجه ذى شعر مهوش بجانبى ؛ يضع كمية كبيرة من البن فى إنائه قائلا لى : ( تعال أنا هشربك شوية بن ؛ يشيلوا أى فيروس عندك ) ؛ نطقها بانجليزية صحيحة Virus ؛ فقلت له بتلقائية : ( لأ أنا هشرب شاى من إللى بتعملة الست ) ؛ فاصطحبنى بلطف لأجلس على مصطبة خشبية فوقها حصير قديم نظيف ؛
جلست فى صمت كالمنوم وقد تعطلت حواسى الواعية أتأمل الجُهنمية التى تظللنى بفروعها المتدلية وأوراقها الحمراء . ويقف الشاب العجيب أمام وعاء صدىء بقوائم حديدية يرتفع إلى قامته ؛ ألقى فى الوعاء بكمية من قوالح الذرة الجافة وقليل من الكيروسين ؛ وأشعل النار ؛ فبدت رأسه المهوشة وكأن ألسنة اللهب تتصاعد منها ( مجوسى تجسد من أغوار التاريخ ) فكرت فى نفسى ؛ فإذا به ينتفض : ( الله هو ) ويمد هو بطريقة خاصة . أحول نظرى للمرأتين فى جلستهما ؛ فتبدوان لى كهنديتين ببشرتيهما النحاسية... إن العجوز تأكل بيسراها . وتفتح العجوز فاها وبصوت ممطوط : ( إللى خلق اليمين.. خلق الشمال )
ويصيح الفتى : ( الله الله يابدوى ) ؛ وتقابله المرأة الأخرى بصوتها : ( جاب اليسرى )
فيه ايه ؟! .... فيه ايه ؟!.... فيه ايه ؟! .
ويصيح الفتى : ( محكمة ! ) .
؛ وأنظر فى ساعتى كالملدوغ ، وانهض مسرعا متأبطا حقيبتى ؛ وانطلق نحو الطريق ابحث عن تاكسى لأصل به إلى المحكمة.... وصوت الفتى يلاحقنى : ( لسه بدرى عن التلاتين يا Sammora ) .
وأصل إلى المحكمة ؛ وأجلس قليلا فى قاعة المحكمة مبهور الأنفاس ( الحمد لله لم تبدأ جلسة المحكمة بعد ) ؛ وأتمتم ( أقضى باقى عمرى معهم لأتعلم من جديد ) ؛ ويخايلنى الخضر العبد الصالح ( لن تستطيع معهم صبرا ) .
وأسأل حاجب المحكمة عن دور قضيتى فى النظر ؛ فيجيبنى بصوت مرتفع : ( رول/30 .... لِسَّه بَدْرِى عن التلاتين يا..... أستاذ ) .
سمير عصر
القطار يشق طريقه بين أعمدة التلغراف المتطايرة ، تدوى عجلاته الحديدية بطرقاتها السريعة الرتيبة المتتابعة.... وتتتابع الرؤى..
طنطا... هذه المدينة العجائبية التى تضم بين جنباتها متحفاً حياً للبشرية منذ براءتها الأولى .
ابْتَسِم فى حيرة ، وتطن بأذنى أصوات تتناغم مع طرقات العجلات الحديدية تدنو فتعلو فوق الضجيج وتبتعد ( الله الله يابدوى جاب اليسرى ) ؛ وهى حكاية مشهورة عن ساكن طنطا القطب العارف بالله السيد/ أحمد البدوى ؛ فقد خلّص الأسرى المصريين وجَلَبَهم كعرش بلقيس .
جلست مع صديق لى ذات يوم ، وقد تبدّل حاله ، وأمسك بمسبحة يتمتم دوما على حباتها بهمهمات بدت لى كتعاويذ سحرية ، وينتفض جسده من آن لآخر صائحاً كالممسوس : ( شىء لله يابدوى ) ؛ ويتملكنى غيظ مكتوم وأحدث نفسى ( تخلف ... ماهذا الهراء ؟! ) ؛ ويلتفت لى كالملدوغ : ( الليلة هى الليلة الختامية لأبى العلمين سيدى/ أحمد البدوى ؛ مارأيك أن تصطحبنى بسيارتك لترى ... عسى أن تصيبك نفحة من نفحاته ) ؛ لم أكن رأيت من قبل احتفالا بمولد إلا على شاشات السينما ؛ فوافقت على الفور وأنا أقلد أمينة زوجة سى السيد فى الرواية المشهورة : ( دعانى لبيته ... دعانى لبيته ) . وبعد صلاة العشاء انطلقت بنا السيارة نحو طنطا . وكلما انتفض صديقى انتفاضته المعهودة ؛ ابتسم وأحوقل فى سرى.
وقُبيل طنطا بعدة كيلومترات ؛ أمسك صديقى بذراعى بيده المرتجفة ؛ وطلب منى الوقوف مستأذنا منى للسماح بركوب أخوات فى الله ؛ لم أكن قد انتبهت لوجودهن على الطريق على الرغم من جمالهن الفاتن الذى يجمع بين البراءة والإغواء ؛ امرأتين وفتاة يرتدين الملابس البلدية . نزل صديقى بأدب جم يفتح باب السيارة الخلفى ؛ جفلت الفتاة لرؤيتى وتراجعت للخلف قليلا ؛ بينما جذبتها احدى المرأتين لتركب هامسة : ( الدار أمان....معانا أخ ) .
تعلقت عيناى بمرآة السيارة أتأمل هذا الجمال الربانى وصحت بمكر : ( يابنت بِرِّى ! ( وهى امرأة كانت بارعة الجمال فتنت القوم وأخرجت الرجال أولياء الله من خلواتهم يتحلقون حولها ؛ وقد قهرها السيد/ أحمد البدوى ؛ وتابت على يديه وعاد الرجال إلى الخلوة . وانتابتنى رغبة محمومة أن أفتح كاسيت السيارة على احدى الأغنيات المشهورة ( سوف أحيا I will survive ) ؛ وأعبث فى مفتاح الصوت ؛ أعلّيه وأخفضه ؛ وأتراقص بالسيارة على النغمات ( دى هتبقى سهرة ممتعة ) . وزمجرت السيارة على أبواب طنطا ؛ وتحشرج صوت المحرك وهمد ؛ وقفت السيارة . نزل صديقى سريعا ؛ ودار دورة حول السيارة ، ثم فتح بابها الخلفى هامسا لضيوفه بحشمة : ( يالله ) فرددن : ( يالله ) ؛ وموجها الكلام لى : ( شوف فيه ايه وحصّلنا ) ؛ ومضى معهن بحميمية غريبة ، وسرعان مالفهم الظلام . وبقيت وحدى فى عجلة محمومة أحاول أن أدير السيارة بلا جدوى ؛ افتح غطاء المحرك وأنظر بالداخل بعينين زائغتين.... وتنشق الأرض عن بعض الأهالى بالناحية ؛ يسألوننى : ( ما الأمر ؟ ) ؛ ويتبرعون لإنقاذ الموقف ؛ يدفعون السيارة نحو احدى الضواحى على أطراف المدينة ؛ بينما أجلس صامتا على المقود ؛ وقد داخلنى مزيج من الرهبة والغربة ؛ يفتحون غطاء المحرك ؛ وأرى أشباحهم تتداول بجدية واهتمام دون أن أسمع حوارهم. وبعد قليل يطلبون منى ادارة المحرك ؛ فيدور كسابق عهده . أمد يدى ببعض الجنيهات فتبدو على وجوههم الشاحبة أمارات الخيبة والإمتعاض . كنت قد فقدت الإحساس بالمكان ؛ فسألتهم عن الطريق ، فأشاروا باشارات مبهمة وشكرتهم ؛ ومضيت بسيارتى حتى خرجت إلى الطريق العام ؛ وانطلقت كالسهم لألحق بصديقى وصحبته الرائعة ؛ وبعد أن قطعت عدة كيلومترات ؛ اكتشفت أننى أسير فى الإتجاه المعاكس نحو القاهرة ( ياللحظ السىء... لابأس ) ؛ ودرت بسيارتى عائدا فى اتجاه طنطا ؛ أنهب الأرض نهبا ؛ وبعد قليل تنعكس الأنوار على يافطة ارشادية بجانب الطريق ( مع السلامة - بلدية طنطا ) ؛ اذن أنا فى الطريق المعاكس ؛ وظللت ألف وأدور.... ضاعت السهرة ؛ واستسلمت مقهورا عائدا إلى القاهرة ..............................
انتبهت لصرير العجلات الحديدية ؛ وتوقف القطار ... ( ها قد وصلنا طنطا ) ؛ حملت حقيبتى باهتمام فهى تضم أوراق القضية ؛ ونظرت فى ساعتى ؛ وتحركت مع الركاب . نزلت من القطار ، وهبطت درجات السلم إلى نفق الخروج ؛ وخرجت لينفسح الفضاء أمامى ؛ ويلفت نظرى على امتداده عربات خشبية معلق بها أنواع مختلفة من تلك السبح المصنوعة من الخرز الملون ، وما ان فكرت أن أشترى بعضها حتى سمعت صوتا يأتينى من جانب الطريق : ( تعال يا أستاذ.. طلبك عندنا يا أستاذ ... نفعنا يابيه ) ؛ فلم ألتفت لمصدر الصوت فقد تعلقت عيناى بالعربة أمامى ؛ وأمضى فى طريقى ؛ واسمع ذات الصوت ينادينى بتنويعات مختلفة : ( Sammora - Samra - Samara - Samarmer ... ) ؛ فألتفت بكليتى واتجهت ناحية مصدر الصوت... كوخ صغير مبنى من الخشب الكالح والخيش المهترىء . تجلس أمامه امرأتان أمامهما وعاء فخارى متوسط الحجم تعبث العجوز بسيخ فى الرماد فتتوقد جمرات الفحم المشتعلة ؛ ووقفت بالقرب فتاة لم أتمكن من ملامحها ؛ أبدت فرحتها بقدومى ؛ فنهرتها المرأة الأخرى : ( ادخلى الوقت يا اعتكاف ) .
دنوت بثقة منهما ؛ وأدنيت رأسى بهدوء منهما : ( من منكما نادتنى بهذا الإسم ؟! ) ؛ انشغلت العجوز بسيجارة ملفوفة لفا يدويا ؛ ووضعت كنكة سوداء بها بعض الماء فوق الفحم المتقد ؛ وألقت بها كمية كبيرة من الشاى الجاف فتناثر بعضه على الفحم المشتعل ليتصاعد دخان صدم أنفى و دمعت له عيناى ؛ وتمتد يد من جانبى لتضع وعاءا آخر من الألمنيوم فوق الفحم الملتهب ؛ فألتفت فإذا بشاب ممصوص الوجه ذى شعر مهوش بجانبى ؛ يضع كمية كبيرة من البن فى إنائه قائلا لى : ( تعال أنا هشربك شوية بن ؛ يشيلوا أى فيروس عندك ) ؛ نطقها بانجليزية صحيحة Virus ؛ فقلت له بتلقائية : ( لأ أنا هشرب شاى من إللى بتعملة الست ) ؛ فاصطحبنى بلطف لأجلس على مصطبة خشبية فوقها حصير قديم نظيف ؛
جلست فى صمت كالمنوم وقد تعطلت حواسى الواعية أتأمل الجُهنمية التى تظللنى بفروعها المتدلية وأوراقها الحمراء . ويقف الشاب العجيب أمام وعاء صدىء بقوائم حديدية يرتفع إلى قامته ؛ ألقى فى الوعاء بكمية من قوالح الذرة الجافة وقليل من الكيروسين ؛ وأشعل النار ؛ فبدت رأسه المهوشة وكأن ألسنة اللهب تتصاعد منها ( مجوسى تجسد من أغوار التاريخ ) فكرت فى نفسى ؛ فإذا به ينتفض : ( الله هو ) ويمد هو بطريقة خاصة . أحول نظرى للمرأتين فى جلستهما ؛ فتبدوان لى كهنديتين ببشرتيهما النحاسية... إن العجوز تأكل بيسراها . وتفتح العجوز فاها وبصوت ممطوط : ( إللى خلق اليمين.. خلق الشمال )
ويصيح الفتى : ( الله الله يابدوى ) ؛ وتقابله المرأة الأخرى بصوتها : ( جاب اليسرى )
فيه ايه ؟! .... فيه ايه ؟!.... فيه ايه ؟! .
ويصيح الفتى : ( محكمة ! ) .
؛ وأنظر فى ساعتى كالملدوغ ، وانهض مسرعا متأبطا حقيبتى ؛ وانطلق نحو الطريق ابحث عن تاكسى لأصل به إلى المحكمة.... وصوت الفتى يلاحقنى : ( لسه بدرى عن التلاتين يا Sammora ) .
وأصل إلى المحكمة ؛ وأجلس قليلا فى قاعة المحكمة مبهور الأنفاس ( الحمد لله لم تبدأ جلسة المحكمة بعد ) ؛ وأتمتم ( أقضى باقى عمرى معهم لأتعلم من جديد ) ؛ ويخايلنى الخضر العبد الصالح ( لن تستطيع معهم صبرا ) .
وأسأل حاجب المحكمة عن دور قضيتى فى النظر ؛ فيجيبنى بصوت مرتفع : ( رول/30 .... لِسَّه بَدْرِى عن التلاتين يا..... أستاذ ) .
سمير عصر