د. عبد الله الحريري
يعرف علماء النفس والاجتماع بأن هناك عوامل عدة للتربية ويصنفون الأسرة والمدرسة والمجتمع من أهم تلك العوامل، وإن كانت هناك عوامل تؤثر في التربية لا تقل أهمية إلا أن العوامل الثلاثة تعد عند بعض العلماء رئيسة، وغني عن القول أن الأسرة هي أقدم المؤسسات التربوية، وهي البيئة التي يفتح الطفل عينيه وسطها ويتلقى من خلالها حروفه الأولى، وبوساطتها يحكم على محيطه وكيفية نظرته إلى العالم الخارجي، ووسطها ينمو تفكيره وتتحدد معالم شخصيته. ولم يغفل العلماء هذا الدور المهم فتم وضع الدراسات والبحوث والعديد من النظريات، وجميعها تستهدف محاولة دراسة مخرجات الأسر المضطربة أو تلك القويمة، وعلى امتداد التاريخ بات هناك فهم واضح وحقيقة ملموسة متجذرة مفادها هذا الدور الخطير الذي تقوم به الأسرة والمتمثل في قدرتها على إنتاج نساء ورجال أسوياء فاعلين منتجين صالحين في مجتمعاتهم أو العكس عندما نشاهد ممارسات أخلاقية سيئة وعبثية تصدر من بعض الشباب في المواقع العامة كالأسواق أو الملاعب أو المتنزهات وغيرها، وقد يمتد هذا الجنوح ليصل إلى الانحراف والجريمة بكل تفاصيلها المؤلمة، ومرة أخرى فإن كثير من الدراسات التي أجريت في دور الأحداث والإصلاحيات على عدد من المراهقات والمراهقين والتي استهدفت معرفة الأسباب التي أدت بهذا الطفل أو المراهق إلى الانحراف تظهر دون ضبابية الأسرة ككيان مؤثر في تربيته التربية الأخلاقية القويمة ثم دورها في هذا الجنوح بتفككها أو إهمالها الجسيم وعدم تزويده بقيم وتدريبه على احترام حقوق الآخرين وخصوصياتهم بل وعدم زرع القيم النبيلة والمبادئ العظيمة في عقل وكيان طفلهم.
لنلقي نظرة متجردة وعامة على بعض الممارسات التي يقوم بها بعض شبابنا على الطرقات، والتي هي - في ظني - بداية الجنوح والانحراف، ولنسأل أنفسنا: كم واحدا منا تعرض لمضايقة أثناء سيره بمركبته في الشارع من مراهق أو حتى من ناضج لا يحترم الإشارة الضوئية ولا يقيم أي وزن للأنظمة المرورية؟ وكم منا من شاهد شابا يتجاوز جميع السيارات المتوقفة عند الإشارة ثم يعرض سيارته أمامهم دون مبالاة أو احترام وتقدير لا للأنظمة ولا لمن في داخل تلك المركبات من الناس والذي قد يكون أحدهم في سن والده. فضلا عن ممارسات محزنة جدا عند مشاهدتها كمن يلقي النفايات من زجاج السيارة. هناك أيضا مشاهد تعطي دلالة على سوء التربية الأخلاقية نتاج إهمال أسري مثل أن تكون في صف طويل في انتظار خدمة، وتفاجأ بأحدهم يتجاوز هذا الصف دون أي خجل أو تردد، بل قد يدخل في ملاسنة وعراك مع الآخرين فيشتم ويسب بكل المصطلحات ''الشوارعية'' التي تعلمها. كما تبدو هناك فوارق وخلل بين العبادة والأخلاق، ويظهر ذلك جليا في أوقات رمضان، حيث تزداد التجاوزات والانحرافات والتعدي على حقوق الآخرين، قد يقول البعض إن هذه ممارسات بسيطة ولا تعد جريمة كبرى، أو انحرافا خطيرا، ومع الاحترام لهذا التبسيط فإن هذه الممارسات خطيرة وتحمل دلالات كبيرة ومؤشرات واضحة على بداية انحراف أخلاقي وسلوكي وفي الوقت نفسه هي مؤشر على انحراف فكري لدى من يمارسها فهو يحتقر أبناء مجتمعه ولا يؤمن بحقوقهم ولا يقيم أي وزن أو قيمة لهم ولا لأنظمة وقوانين المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا دون مواربة سلوك سيئ خطير. ينبع لك سؤال كبير: كيف تربى من يمارس هذه السلوكيات؟ كيف كان يتلقى تربيته من أبيه أو أمه؟ ما هو أثر القيم الدينية في السلوك؟ أعتقد أنه ما دامت هذه هي الحال فإن على المجتمع ممثلا في مؤسساته الأخرى كالمدرسة والجامعة، والمؤسسات النظامية كجهات تطبيق النظام العام، أن تتدخل للقيام بإعادة هيكلة الدور التربوي والسلوكي في تقويم هذا الخلل ومعالجة مثل هذه الانحرافات التي يراها البعض بسيطة والتي تظهر لنا في سلوكيات تخدش الذوق العام وتربك الآخرين، لكنها سلوكيات لا تبشر بالخير في دولة تسعى إلى التطور ومواكبة الحضارة الإنسانية وقد تمتد وتصل إلى الإجرام بكل أصنافه وأنواعه. أعتقد أننا نحتاج تدخلا مبكرا للوقاية، يبدأ بالأطفال منذ السنوات الأولى، وأيضا تدخلا علاجيا مع الراشدين لمن هم في المرحلة الجامعية والعمل، وأعتقد أيضا أننا لا يجب أن نعول على القيم الدينية في التغيير وكبح هذه السلوكيات فلم تمارس هذه القيم الدور الرادع بل أجدها تزداد في رمضان على سبيل المثال وبعد أداء الصلوات وفي عدم وجود رقيب، فمفهوم ''الإحسان'' كتعامل وسلوك يمر بمرحلة من الانفصام في شخصية أولئك، فالكل يعرف أهمية الإحسان في العلاقة مع الله والكل يحفظه ولكن عندما نأتي إلى التطبيق نجد العكس، وهذا يعطي دلالة على الانفصام بين العبادة والأخلاق.
يعرف علماء النفس والاجتماع بأن هناك عوامل عدة للتربية ويصنفون الأسرة والمدرسة والمجتمع من أهم تلك العوامل، وإن كانت هناك عوامل تؤثر في التربية لا تقل أهمية إلا أن العوامل الثلاثة تعد عند بعض العلماء رئيسة، وغني عن القول أن الأسرة هي أقدم المؤسسات التربوية، وهي البيئة التي يفتح الطفل عينيه وسطها ويتلقى من خلالها حروفه الأولى، وبوساطتها يحكم على محيطه وكيفية نظرته إلى العالم الخارجي، ووسطها ينمو تفكيره وتتحدد معالم شخصيته. ولم يغفل العلماء هذا الدور المهم فتم وضع الدراسات والبحوث والعديد من النظريات، وجميعها تستهدف محاولة دراسة مخرجات الأسر المضطربة أو تلك القويمة، وعلى امتداد التاريخ بات هناك فهم واضح وحقيقة ملموسة متجذرة مفادها هذا الدور الخطير الذي تقوم به الأسرة والمتمثل في قدرتها على إنتاج نساء ورجال أسوياء فاعلين منتجين صالحين في مجتمعاتهم أو العكس عندما نشاهد ممارسات أخلاقية سيئة وعبثية تصدر من بعض الشباب في المواقع العامة كالأسواق أو الملاعب أو المتنزهات وغيرها، وقد يمتد هذا الجنوح ليصل إلى الانحراف والجريمة بكل تفاصيلها المؤلمة، ومرة أخرى فإن كثير من الدراسات التي أجريت في دور الأحداث والإصلاحيات على عدد من المراهقات والمراهقين والتي استهدفت معرفة الأسباب التي أدت بهذا الطفل أو المراهق إلى الانحراف تظهر دون ضبابية الأسرة ككيان مؤثر في تربيته التربية الأخلاقية القويمة ثم دورها في هذا الجنوح بتفككها أو إهمالها الجسيم وعدم تزويده بقيم وتدريبه على احترام حقوق الآخرين وخصوصياتهم بل وعدم زرع القيم النبيلة والمبادئ العظيمة في عقل وكيان طفلهم.
لنلقي نظرة متجردة وعامة على بعض الممارسات التي يقوم بها بعض شبابنا على الطرقات، والتي هي - في ظني - بداية الجنوح والانحراف، ولنسأل أنفسنا: كم واحدا منا تعرض لمضايقة أثناء سيره بمركبته في الشارع من مراهق أو حتى من ناضج لا يحترم الإشارة الضوئية ولا يقيم أي وزن للأنظمة المرورية؟ وكم منا من شاهد شابا يتجاوز جميع السيارات المتوقفة عند الإشارة ثم يعرض سيارته أمامهم دون مبالاة أو احترام وتقدير لا للأنظمة ولا لمن في داخل تلك المركبات من الناس والذي قد يكون أحدهم في سن والده. فضلا عن ممارسات محزنة جدا عند مشاهدتها كمن يلقي النفايات من زجاج السيارة. هناك أيضا مشاهد تعطي دلالة على سوء التربية الأخلاقية نتاج إهمال أسري مثل أن تكون في صف طويل في انتظار خدمة، وتفاجأ بأحدهم يتجاوز هذا الصف دون أي خجل أو تردد، بل قد يدخل في ملاسنة وعراك مع الآخرين فيشتم ويسب بكل المصطلحات ''الشوارعية'' التي تعلمها. كما تبدو هناك فوارق وخلل بين العبادة والأخلاق، ويظهر ذلك جليا في أوقات رمضان، حيث تزداد التجاوزات والانحرافات والتعدي على حقوق الآخرين، قد يقول البعض إن هذه ممارسات بسيطة ولا تعد جريمة كبرى، أو انحرافا خطيرا، ومع الاحترام لهذا التبسيط فإن هذه الممارسات خطيرة وتحمل دلالات كبيرة ومؤشرات واضحة على بداية انحراف أخلاقي وسلوكي وفي الوقت نفسه هي مؤشر على انحراف فكري لدى من يمارسها فهو يحتقر أبناء مجتمعه ولا يؤمن بحقوقهم ولا يقيم أي وزن أو قيمة لهم ولا لأنظمة وقوانين المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا دون مواربة سلوك سيئ خطير. ينبع لك سؤال كبير: كيف تربى من يمارس هذه السلوكيات؟ كيف كان يتلقى تربيته من أبيه أو أمه؟ ما هو أثر القيم الدينية في السلوك؟ أعتقد أنه ما دامت هذه هي الحال فإن على المجتمع ممثلا في مؤسساته الأخرى كالمدرسة والجامعة، والمؤسسات النظامية كجهات تطبيق النظام العام، أن تتدخل للقيام بإعادة هيكلة الدور التربوي والسلوكي في تقويم هذا الخلل ومعالجة مثل هذه الانحرافات التي يراها البعض بسيطة والتي تظهر لنا في سلوكيات تخدش الذوق العام وتربك الآخرين، لكنها سلوكيات لا تبشر بالخير في دولة تسعى إلى التطور ومواكبة الحضارة الإنسانية وقد تمتد وتصل إلى الإجرام بكل أصنافه وأنواعه. أعتقد أننا نحتاج تدخلا مبكرا للوقاية، يبدأ بالأطفال منذ السنوات الأولى، وأيضا تدخلا علاجيا مع الراشدين لمن هم في المرحلة الجامعية والعمل، وأعتقد أيضا أننا لا يجب أن نعول على القيم الدينية في التغيير وكبح هذه السلوكيات فلم تمارس هذه القيم الدور الرادع بل أجدها تزداد في رمضان على سبيل المثال وبعد أداء الصلوات وفي عدم وجود رقيب، فمفهوم ''الإحسان'' كتعامل وسلوك يمر بمرحلة من الانفصام في شخصية أولئك، فالكل يعرف أهمية الإحسان في العلاقة مع الله والكل يحفظه ولكن عندما نأتي إلى التطبيق نجد العكس، وهذا يعطي دلالة على الانفصام بين العبادة والأخلاق.