وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم أخي أبو عمر ، موضوع مميز كالعادة
والله مسألة (شراء) الخبرات أصبحت رائجة للغاية في الآونة الأخيرة، ولكن الظاهرة نفسها ليست بالجديدة مع اختلاف توظيف واستخدام تلك الخبرات (المشتراه) تبعا للهدف المنشود، سواء كان لرفع كفاءة المجال التابع له الخبراء أو استجلابهم لمجرد التباهي (نطلق عليها في مصرالمنظرة) ويوجد لفظ عامي آخر ولكن لا داعي لذكره
لو نظرنا للولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، سنجد أنها في المجال العلمي تحديدا قد قامت بشراء كثيرا من الخبرات ليس بالمال المباشر، ولكن أيضا عن طريق التجنيس (إعطائهم) الجنسية الأمريكية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، العالم ( نيكولاس تسلا Nikola Tesla) الرجل كرواتي الأصل ولكن بمجرد أن عرف عنه تفوقه الملحوظ، وبمجرد سفره إلى أمريكا قامت بإعطائة الجنسية حتي يذكر الرجل على أنه أمريكي (بالرغم من أن أديسون قام لاحقا بالاستيلاء على كثير من تجاربه وأفكاره ونسبها لنفسه بما فيها اختراع المصباح الكهربي)
ونفس الوضع بالنسبة لـ (ألبرت اينشتاين albert einstein) الرجل ألماني الأصل وبالرغم من أنه حصل على الجنسية الأمريكية قبل سنوات قليلة من وفاته، إلا أنه يذكر حتى الآن على أنه (العبقري الأمريكي!!!!) بل هو مصدر الفخر والتفوق العلمي للأمريكيين حينما يحدثونك عن تفوقهم العلمي!!!!
ثم كانت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اقتسمت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق العلماء الألمان فيما بينهم سواء ترغيبا أو ترهيبا حتى يكونوا في خدمة البحث العلمي في البلدين، وبالفعل تم الاستفادة والاعتماد عليهم كليا في بناء وتطوير مجال (الصواريخ) وعلوم الطيران، والذي تحول فيما بعد إلى تنافس محموم بين البلدين -أثناء الحرب الباردة- في مجالي الفضاء و الصواريخ البالستية العابرة للقارات، والذي لا يزال (الروس) والأمريكان يتفوقان فيهما حتى الآن، لاحظوا أن السلاح الأقوي لدى الولايات المتحدة هو سلاح الطيران.
ثم أخيرا وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي حدث إغراء مادي للعقول السوفيتية لكي تهاجر إلى دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وساهم هذا في نقل خبراتهم إلى تلك الدول خاصة في مجالي (الفضاء) و (الأبحاث النووية).
وطبعا لا ننسي عقولنا العربية المهاجرة التي فرت إلى الدول الغربية بحثا عمن يحترمها ويقدرها ويتيح لها الامكانيات العلمية والمادية والتي لم تجدها في الوطن الأم مع الأسف الشديد، ويعد هذا واحدا من أهم أسباب تخلفنا..
إذا تطرقنا للمجال الرياضي فالحديث فيه يطول، ولكن وبمناسبة الدورة الأوليمبية المقامة في لندن، لوحظت ظاهرة غريبة بعض الشيء هذا العام، وهي أن الصين وبعد نجاحها في التنظيم والفوز بالدورة التي أقيمت على أرضها (بكين 2008)، قد بدأت في تصدير لاعبيها لكي يلعبوا تحت رايات دول أخري.
الظاهرة موجودة في المجال الرياضي منذ زمن، ولكن الجديد هنا أن الصين قد نجحت في تكوين جيل جديد من الرياضيين ينافس بقوة في المجال خاصة مع الولايات المتحدة، ويحصد لها هذا الجيل الفوز وهي التي كانت مغمورة رياضيا منذ بضع سنوات، بل ويتكون لديها وفرة في المتفوقيين الرياضيين لكي تصدرهم إلى دول أخري لكي يلعبوا تحت أعلام تلك الدول!!!!!!!
ويبدو أن الظاهرة أثارت حقدا لدى الدول الغربية خاصة، فقامت على إثرها الصحف البريطانية بنشرتقارير موسعة حول سبب التفوق الصيني الملحوظ، خلصت فيه إلا أن هذا التفوق يرجع إلا أن الصين تقوم بتجميع واحتجاز اللاعبين وهم في سن الطفولة في معسكرات (تعذيب) يتم فيها تعذيبهم بدينا ونفسيا وغسل أدمغتهم بحيث يشب هذا الطفل (على حد زعمهم) على فكرة معينة وهي أنه مملوك (للدولة) ويجب أن يبذل كل ما في وسعه في سبيل رفعتها وحصد البطولات والميداليات لها وإلا اعتبر خائنا!!!!!!!!!!! ، وطبعا التقارير مطعمة بعدة صور لأطفال يقوم مدربيهم بمعاملتهم بمنتهى القسوة ووجوه الأطفال باكية تعبرعن أقسى آيات الألم!!!!
حسنا، كان هذا على الجانب الغربي الذي استقدم و(اشتري) العقول بطريقة أو بأخري، ولكنه في جميع الأحوال استفاد منهم استفادة حقيقة وعلى أعلى مستوى بحيث ساهموا في تقدمه بل واصبح ولاء تلك العقول له
أما على الجانب العربي، فالحال كارثي بكل المقاييس،
أولا تعاملنا معهم بمنطق أنهم سلعة تباع وتشتري فقط، وليس على أنهم عقول مفكرة ممكن الاستفادة منها، كما أننا تعاملنا معهم بمبدأ (أجنبي يتكلم غير العربية وذو شعر أشقر وعينان زرقاء، إذا هو عالم وخبير!!!!!)، وكانت النتيجة أن بلداننا إمتلأت بخبرات (شكلية) من هؤلاء، لاهم بخبراء ولا نحن نريد أن تستفيد منهم بل نضعهم فقط كقطعة زينة بالمؤسسة سواء كانت مؤسسة تعليمية أو جامعة أو مستشفي أو بنكا أو شركة حكومية كانت أو خاصة
لاحظوا البعثات الطبية الأجنبية التي تأتي إلى مستشفياتنا، لتجد أن مدير المستشفي يعلن أن الدكتور فلان (يكفي أن يقول أنه د.جون أو سميث أو أي اسم أجنبي) سوف يزور المستشفي وهو خبير (دائما هم خبراء لاحظوا هذا) في مجال كذا وهو هنا لمدة اسبوع واحد، لتجد أن آلاف البسطاء من المرضي قد تجمع في طوابير طويلة حتى يعرضوا حالاتهم البائسة على الدكتور الخبير الأجنبي، لتكون النتيجة أننا قد قدمنا للسيد المحترم الخبير مئات من فئران التجارب الذي ينفذ فيها عمليته الجديدة والتي لايجرؤ أن يقوم بها في دولته وإلا كان مصيره الطرد وسحب رخصة المزاولة والسجن والتعويض، وتزداد الكارثة إذا كانت المستشفي خاصة، حيث يقوموا بتحصيل مبالغ طائلة من المرضي لينتهي الحال بالمريض بالوفاة (في الغالب) والإفلاس أي ما نطلق علية بالمصري (موت وخراب ديار)، أو لو كان سعيد الحظ سوف يخرج بعاهة مستديمة فقط!!!!!!
تعالوا لخبراء التعليم، تجد أن جل ما يقومون به أخذ جولة سريعة في أروقة الكلية أو الجامعة ثم إلتقاط بعض الصور التذكارية مع العميد وكبار الأساتذة حتى تعلق الصور لاحقا ليتباهى بها العميد (أو رئيس الجامعة) فيما بعد بإنجازاته (من أن الكلية كان بها نشاط بحثي مشترك مع جامعات عالمية في عهده)، ثم تأتي اللحظة الذهبية والتي يتم فيها توقيع اتفاقية بين الجامعتين يتم بمقتضاها السماح للجامعة العربية بوضع شعار الجامعة العالمية على شهادات التخرج الخاصة بها!!!!!!!! وطبعا هذا التكرم والسماح بوضع (الشعار) يتم بمقابل مادي باااهظ.
و أخيرا دعوتهم للغداء أو العشاء، وهي غالبا وليمة من المأكولات (الشرقية) التي لا يجد الخبير المسكين مثلها في بلده وتكون عادة من اللحم المشوي (إن كان في دول الخليج)، أو (كباب وكفته) إن كان في (مصر)، وطبعا لا تنسوا الأهرامات وأبو الهول وركوب الجمل والتقاط بعض الصور في ملابس عربية بجواره حتى يرجع السيد الخبير لبلده بانطباع جيد من فضلكم.
وها نحن نضيف صورة جديدة من أشكال التفوق الظاهري لجامعاتنا بالمقال الذي لخصه لنا أخونا أبو عمر، وكأن الهدف هو وضع جامعاتنا في الترتيب!!!!!، غيرملتفتين إلى أن الوضع في الترتيب ليس هو الغاية في حد ذاته، ولكن المهم أن نكون قد بلغنا المستوى العلمي الحقيقي الذي يؤهلنا لكي نوضع في الترتيب.
ولوعرجنا على المجال الرياضي، هذا الموقف من الترتيب العالمي للجامعات ذكرني بموقف أحد الدول العربية (الخليجية) حينما أرادت أن تصل بفريقها لكرة القدم لكأس العالم، قامت باستقدام مدرب البرازيل الذي فازت معه بكأس العالم ليدرب منتخبها!!!!!!!! وكأن المدرب فقط هو الذي أوصل البرازيل للتصفيات ومن ثم الفوز بالكأس، وطبعا النتيجة كانت معروفة سلفا بخروجهم من الدور التمهيدي ( دور 32)، وإقالة المدرب (طبعا مش هو السبب؟؟)
هذه الواقعة هي تطبيق فعلي لأحد النكات المصرية الشهيرة، وهي أن سبعة إخوة قاموا بشراء سيارة أجرة (7 راكب) أي تستوعب سبعة ركاب، ولما كانوا لا يجيدون القيادة قاموا بتعيين سائق لها، ولكنهم شكوا في أن يسرق الأجرة، فقاموا بالركوب معه جميعا في جميع السفريات، وطبعا ظلوا يتسائلون لماذا يربح أصحاب السيارات الأخرى وهم لا، فقالوا علينا باستشارة إبن عمنا فهو المتعلم الخبير بأمور الحياة وبالتأكيد سيعطينا الرأي الصائب، فلما ذهبوا إليه وعرضوا عليه الموضوع، نظر الرجل إليهم مطولا واخذ يفكر بعمق ثم قال لهم، يا حمقى الحل بسيط جدا، استبدلوا السائق بسائق آخر ولازموه!!!!!!!!!!!!!!!!!!
وبالنسبة لسؤالك حول ما إذا كنت أوافق أم لا،
طبعا لا أوافق مطلقا على هكذا أمر سواء كنت في موضع المسئول عن الجامعة التي تشتري الاسم أو كنت العالم الذي يتم رشوته لكي يضع اسمه على شيء صوري مقابل المادة، فالعالم بغير شرفه هو لا شيء مهما بلغ من علو في الدرجة العلمية
هذا مثال عملي يوضح معنى قول الله تعالي:
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
فاليس كل من امتلك شهادة علمية يسمى عالما، بل يجب أن يخشي الله أولا ليستحق أن يكون عالما
إخواني، الموضوع يطول استعراضه وتفنيده، فهو نتاج القهر والظلم والجهل والعبودية التي عشنا في ظلها طوال عقود طويلة، لكن بفضل الله وحوله لقد نهضت الأمة ولن ترجع لسباتها العميق أبدا بإذن الله
{ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
صدق الله العظيم