اليوم، حمار ابني انتصر مرتين...

اليوم، حمار ابني انتصر مرتين...
بقلم: سمير الجندي.
حمار ابني اليوم غير ما كان عليه أمس وأول من أمس، اليوم هو يرقص على حافريه الخلفيتين، ويمضغ الشعير بتلذذ، وينهق نهقات من يحتفي.
سُعدت تماماً لفرحه، ولأنني رأيتُ ابني أيضاً سعيداً لسعادة حماره. بالأمس كان خائفاً وقلقاً عليه، كما أنني استغربتُ الأمر، ما حذا بي لسؤال الحمار عن سبب فرحته المفاجئة، فأجاب مستبشرا باشا: " لقد حقق الأسرى مطالبهم وتم لهم ما أرادوا، وانتصروا على الظلم بثباتهم، وبدعمنا نحن معشر الحمير"...
جلست على مقعدي الخشبي المفضل أمام الزريبة، اقرأ صحيفتي، وبين الفينة والأخرى ارقب ابني يداعب الحمار ويحضن رقبته، فجأة صاح ابني قائلا: " هذا ساعي البريد بالباب يا أبي"، دعه يدخل يا بني، قدم لي الساعي مغلفا مسجلا، قلت في نفسي اللهم اجعله خيرا، للحقيقة، لم يكن خيرا، فيه قرار بإخلائنا من البيت بسبب انزعاج "البيك" من نهيق حمار ابني، نغّص هذا الكتاب عليّ، فاسودتْ الدنيا بوجهي، ما جعل الحمار يلاحظ ذلك.
سألني الحمار: " ما بك واجما؟"
"البيك" يريد إخلاءنا من البيت.
حنق الحمار، وأخذ يضرب الأرض بحافره الأمامي، وصرخ قائلا: " ألا يكفي أنه يسرق قوت الشعب؟ ألا يكفي أنه يُطَبِّع مع المحتل؟ ويدعوهم إلى بيته، ويقيم لهم الولائم، ويزعجنا بضجيج موسيقاهم؟ ألا يكفي بأنه...؟" وأخذ ينهق نهيقا متواصلاً، جعل "البيك" يخرج إلى الشرفة نصف عاريا... وصرخ بصوت يكاد يعلو على نهيق الحمار قائلا: " اَسكت الحمار وإلا أَسكته برصاصة من مسدسي هذا - ملوحا بمسدس من النيكل يلمع من وهج الشمس- " همست بأذن الحمار ليسكت فسكت، ثم عاد ونهق، نهق بأعلى صوته، فخرج "البيك" بحالته السابقة نصف عار يلوح بمسدسه النيكل، وأطلق ثلاث رصاصات في الهواء، أنا خفت، لكن حمار ابني لم يظهر عليه الخوف، بل أخذ ينهق، وينهق وينهق، و"البيك" من فرط غضبه وقع على الأرض مغشيا عليه فبانت عورته، فسكت حمار ابني عن النهيق، وأخذ يأكل الشعير بتلذذ وفرح المنتصر...
 
عودة
أعلى