كيف سيدرب الشاب المسلم للعمل في البيئات الأجنبية؟ ما هي تصوراته بالنسبة للمرأة؟ وما دوره تجاه وطنه والمجتمع المحلي والدولي؟ هذه الأسئلة وغيرها يجب مناقشتها قبل تطوير المنهج
دخلت أستاذة مادة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لقاعة المحاضرات في الفصل الدراسي الأول لهذا العام، وقامت بسؤال طالباتها في المرحلة الجامعية عن أبسط المعلومات في سيرته العطرة مثل التعريف بوالديه وأولاده لتفادي التكرار أثناء المحاضرات. بين الوجوه النعسة والجفون الثقيلة، كانت إجابة الطالبات لكل هذه الأسئلة، "يا أستاذة ما نعرف"! قد تعتبر هذه المعلومات بديهية لأي مسلم، لكن من الغريب جدا أن تجهلها طالباتنا وخريجات المدارس التي تشتهر بتركيزها على التربية الإسلامية بنسبة تفوق أي دولة أخرى في العالم.
لا يقتصر الجهل على المعلومات المتعلقة بالرسول الكريم، بل تظهر جذور المشكلة حين يبتعث الطالب السعودي للخارج مثلا ويسأل عن أسباب أبسط ممارسات دينه مثل الصوم والصلاة، ويقدم معلومات هشة بنيت على الحفظ والتلقين ولا تحترم عقلية الغربي الذي تعود على تقديم الحجة والدليل. قد يدفع ذلك الطالب للشك في عقيدته أو اللجوء للكتب التي تستهدف تشويه صورة الإسلام بأسلوب "مقنع" أو الضياع في قراءاته الفلسفية بنية الوصول إلى "الحقيقة".
للأسف أصبح لدينا طائفة جديدة من الشباب الذين يفتقرون لأبسط المعلومات الدينية، بل والمشككين في الدين وحتى الملحدين أيضا. يدل ذلك على الكثير من مواطن الخلل في فهم الشريعة الإسلامية بالرغم من أن الحصص الدينية تتفوق على كل المواد الأخرى في النصاب المدرسي. قد يعني ذلك أهمية تغيير الطرح والأسلوب المتبع في التدريس وعدم تفضيل الكمية على النوعية.
تخصيص أكبر قدر من النصاب المدرسي لتعليم الشريعة في السعودية يشار إليه بشكل سلبي في الأبحاث التعليمية التي تعنى بدراسة العائد الاقتصادي للمدرسة والاستثمار في الكادر البشري، بحجة عدم استغلال الوقت المتاح لتعليم المهارات العملية التي يحتاجها المواطن للمنافسة في سوق العمل. لكني لا أعتقد أن هذه النظرة للتعليم الديني يجب أن تكون الدافع الرئيس لأي تطوير منهجي، فذلك يجب أن ينبع من رغبتنا في إخراج شباب بهوية دينية أصيلة لا يقوم بتغييرها أو زعزعتها أي كتاب فلسفي أو مناظرة علمية. المطلوب هو بناء منهج جديد بطرح مختلف بعيد عن التلقين ويحترم عقل الطالب المسلم.
يوجد في علم تصميم المناهج العديد من النماذج التي قد تستخدم، فمثلا، في المنهج المبني على حل المشكلات، قد نقوم بطرح أي مشكلة اجتماعية ومن ثم مناقشة الأحكام الدينية المترتبة عليها والآيات القرآنية التي تتحدث عنها. في المنهج المبني على المشاريع يمكن جعل الدروس الدينية تفاعلية تعكس معاني الآيات والأحاديث من خلال مشاريع عملية. وفي آخر المنهج، بغض النظر عن النموذج المستخدم، تتاح للمعلم الفرصة لمناقشة مواضيع حرة من اختيار الطلاب للإجابة على الأسئلة القابعة في نفوسهم بدون أي إحراج. ولنا في رسول الله أسوة حيث إنه غرس العقيدة من خلال المواقف ومشاركة الأفراد وليس من خلال المحاضرات ودروس الوعظ فقط. من المهم أيضا دمج كافة مهارات التفكير في هذا المنهج بحيث يصل الطالب بنفسه إلى الحكم الشرعي المراد شرحه بعد تحليله للعوامل المؤدية إليه.
قد يعتقد البعض أن المناهج التي تركز على الناحية العملية لا تقوم بتأسيس قاعدة معلوماتية قوية لإنشاء جيل مسلم على دراية بكافة واجباته الدينية، لكن هذا الاعتقاد خاطئ في أكثر من ناحية، فالممارسة والمناقشة المبنية على أكثر من مهارة عقلية تثبت المعلومة وتجعل من السهل استرجاعها وتطبيقها. كما أن ذلك أيضا يحمي الطلاب من التشكيك في المعتقدات بمجرد التعرض لأي رؤية مختلفة تتحدى ما لديهم من المسلمات.
على القائمين بتطوير المناهج التفكير في رؤية دينية جديدة ومن ثم بناء المنهج عليها. لا يقصد بذلك ما يمس العقيدة، بل التصور والفلسفة العامة لتصرفات المسلم من عبادات، فكيف سيدرب المنهج الشاب المسلم للعمل في البيئات الأجنبية؟ ما هي تصورات هذا المسلم بالنسبة للمرأة؟
وما هو دوره تجاه وطنه والمجتمع المحلي والدولي؟
كل هذه الأسئلة وغيرها يجب مناقشتها قبل تطوير المنهج، فأي تمارين أو معلومات تقدم بدون معرفة الإطار العام والوجهة النهائية تؤدي إلى تشتت ذهن الطالب أو إدراكه للرسائل المتضاربة في المنهج وعدم تماشيها مع ممارسات المجتمع.
جهل الشباب بأبسط المعلومات الدينية مشكلة لا تمس الحصص الدينية فقط، فالمدرسة ليست "شمّاعة" نعلق عليها ما شئنا من المشاكل. تلعب الأسرة وكافة مؤسسات المجتمع المدني دورا كبيرا في تشكيل هوية الشباب.
فحتى لو كان المنهج الديني من أفضل المناهج ويقوم على تدريسه أفضل المعلمين، فلن نستطيع تحقيق الفائدة القصوى من هذا المنهج ما دامت خطب الجمعة لا تثير إلا النعاس، أو ما دامت الأسرة تربي أبناءنا أن (إن شاء الله) تعني مستحيلا وألا نأخذ من العبادات إلا قشورها ولا نحاسب إلا على ظواهرها. يجب على المجتمع اتخاذ خطوات إيجابية لنشر الوعي من خلال بناء متاحف تسرد سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأهم الأحداث التاريخية، بناء المكتبات الصغيرة في الأحياء وتشجيع القيام بمجموعات النقاش وغير ذلك من الخطوات.
لم نكن، منذ زمن قليل، نستطيع أن نتخيل وجود البعض من الشباب الذي يجهل أبسط أمور دينه أو أن نتحدث عن وجود ملحدين أو أن يسيء الأدب أحد شبابنا في خطابه عن الرسول. ربما لم يدق ناقوس الخطر بعد، وربما لا تعتبر "ظاهرة" متفشية بين أبنائنا، وربما يعتبر هؤلاء المشككون والجهلة بالفعل أقلية، لكن بوادر المشكلة ظاهرة منذ الآن ويجب علينا التحرك بما يحترم عقل الطالب الذي سيواجه العديد من التيارات التي قد لا يتمكن فهمه للدين في المدرسة من ترجمتها ومعرفة أبعادها.
دخلت أستاذة مادة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لقاعة المحاضرات في الفصل الدراسي الأول لهذا العام، وقامت بسؤال طالباتها في المرحلة الجامعية عن أبسط المعلومات في سيرته العطرة مثل التعريف بوالديه وأولاده لتفادي التكرار أثناء المحاضرات. بين الوجوه النعسة والجفون الثقيلة، كانت إجابة الطالبات لكل هذه الأسئلة، "يا أستاذة ما نعرف"! قد تعتبر هذه المعلومات بديهية لأي مسلم، لكن من الغريب جدا أن تجهلها طالباتنا وخريجات المدارس التي تشتهر بتركيزها على التربية الإسلامية بنسبة تفوق أي دولة أخرى في العالم.
لا يقتصر الجهل على المعلومات المتعلقة بالرسول الكريم، بل تظهر جذور المشكلة حين يبتعث الطالب السعودي للخارج مثلا ويسأل عن أسباب أبسط ممارسات دينه مثل الصوم والصلاة، ويقدم معلومات هشة بنيت على الحفظ والتلقين ولا تحترم عقلية الغربي الذي تعود على تقديم الحجة والدليل. قد يدفع ذلك الطالب للشك في عقيدته أو اللجوء للكتب التي تستهدف تشويه صورة الإسلام بأسلوب "مقنع" أو الضياع في قراءاته الفلسفية بنية الوصول إلى "الحقيقة".
للأسف أصبح لدينا طائفة جديدة من الشباب الذين يفتقرون لأبسط المعلومات الدينية، بل والمشككين في الدين وحتى الملحدين أيضا. يدل ذلك على الكثير من مواطن الخلل في فهم الشريعة الإسلامية بالرغم من أن الحصص الدينية تتفوق على كل المواد الأخرى في النصاب المدرسي. قد يعني ذلك أهمية تغيير الطرح والأسلوب المتبع في التدريس وعدم تفضيل الكمية على النوعية.
تخصيص أكبر قدر من النصاب المدرسي لتعليم الشريعة في السعودية يشار إليه بشكل سلبي في الأبحاث التعليمية التي تعنى بدراسة العائد الاقتصادي للمدرسة والاستثمار في الكادر البشري، بحجة عدم استغلال الوقت المتاح لتعليم المهارات العملية التي يحتاجها المواطن للمنافسة في سوق العمل. لكني لا أعتقد أن هذه النظرة للتعليم الديني يجب أن تكون الدافع الرئيس لأي تطوير منهجي، فذلك يجب أن ينبع من رغبتنا في إخراج شباب بهوية دينية أصيلة لا يقوم بتغييرها أو زعزعتها أي كتاب فلسفي أو مناظرة علمية. المطلوب هو بناء منهج جديد بطرح مختلف بعيد عن التلقين ويحترم عقل الطالب المسلم.
يوجد في علم تصميم المناهج العديد من النماذج التي قد تستخدم، فمثلا، في المنهج المبني على حل المشكلات، قد نقوم بطرح أي مشكلة اجتماعية ومن ثم مناقشة الأحكام الدينية المترتبة عليها والآيات القرآنية التي تتحدث عنها. في المنهج المبني على المشاريع يمكن جعل الدروس الدينية تفاعلية تعكس معاني الآيات والأحاديث من خلال مشاريع عملية. وفي آخر المنهج، بغض النظر عن النموذج المستخدم، تتاح للمعلم الفرصة لمناقشة مواضيع حرة من اختيار الطلاب للإجابة على الأسئلة القابعة في نفوسهم بدون أي إحراج. ولنا في رسول الله أسوة حيث إنه غرس العقيدة من خلال المواقف ومشاركة الأفراد وليس من خلال المحاضرات ودروس الوعظ فقط. من المهم أيضا دمج كافة مهارات التفكير في هذا المنهج بحيث يصل الطالب بنفسه إلى الحكم الشرعي المراد شرحه بعد تحليله للعوامل المؤدية إليه.
قد يعتقد البعض أن المناهج التي تركز على الناحية العملية لا تقوم بتأسيس قاعدة معلوماتية قوية لإنشاء جيل مسلم على دراية بكافة واجباته الدينية، لكن هذا الاعتقاد خاطئ في أكثر من ناحية، فالممارسة والمناقشة المبنية على أكثر من مهارة عقلية تثبت المعلومة وتجعل من السهل استرجاعها وتطبيقها. كما أن ذلك أيضا يحمي الطلاب من التشكيك في المعتقدات بمجرد التعرض لأي رؤية مختلفة تتحدى ما لديهم من المسلمات.
على القائمين بتطوير المناهج التفكير في رؤية دينية جديدة ومن ثم بناء المنهج عليها. لا يقصد بذلك ما يمس العقيدة، بل التصور والفلسفة العامة لتصرفات المسلم من عبادات، فكيف سيدرب المنهج الشاب المسلم للعمل في البيئات الأجنبية؟ ما هي تصورات هذا المسلم بالنسبة للمرأة؟
وما هو دوره تجاه وطنه والمجتمع المحلي والدولي؟
كل هذه الأسئلة وغيرها يجب مناقشتها قبل تطوير المنهج، فأي تمارين أو معلومات تقدم بدون معرفة الإطار العام والوجهة النهائية تؤدي إلى تشتت ذهن الطالب أو إدراكه للرسائل المتضاربة في المنهج وعدم تماشيها مع ممارسات المجتمع.
جهل الشباب بأبسط المعلومات الدينية مشكلة لا تمس الحصص الدينية فقط، فالمدرسة ليست "شمّاعة" نعلق عليها ما شئنا من المشاكل. تلعب الأسرة وكافة مؤسسات المجتمع المدني دورا كبيرا في تشكيل هوية الشباب.
فحتى لو كان المنهج الديني من أفضل المناهج ويقوم على تدريسه أفضل المعلمين، فلن نستطيع تحقيق الفائدة القصوى من هذا المنهج ما دامت خطب الجمعة لا تثير إلا النعاس، أو ما دامت الأسرة تربي أبناءنا أن (إن شاء الله) تعني مستحيلا وألا نأخذ من العبادات إلا قشورها ولا نحاسب إلا على ظواهرها. يجب على المجتمع اتخاذ خطوات إيجابية لنشر الوعي من خلال بناء متاحف تسرد سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأهم الأحداث التاريخية، بناء المكتبات الصغيرة في الأحياء وتشجيع القيام بمجموعات النقاش وغير ذلك من الخطوات.
لم نكن، منذ زمن قليل، نستطيع أن نتخيل وجود البعض من الشباب الذي يجهل أبسط أمور دينه أو أن نتحدث عن وجود ملحدين أو أن يسيء الأدب أحد شبابنا في خطابه عن الرسول. ربما لم يدق ناقوس الخطر بعد، وربما لا تعتبر "ظاهرة" متفشية بين أبنائنا، وربما يعتبر هؤلاء المشككون والجهلة بالفعل أقلية، لكن بوادر المشكلة ظاهرة منذ الآن ويجب علينا التحرك بما يحترم عقل الطالب الذي سيواجه العديد من التيارات التي قد لا يتمكن فهمه للدين في المدرسة من ترجمتها ومعرفة أبعادها.