mohamadamin
حكيم المنتدى
آلة المصطلحات الصهيونية: الأرض والحقائق الجديدة
د. عبد الوهاب المسيري
مفكر - مؤلف الموسوعة الصهيونية
صحيفة الاتحاد 25/5/2003
تتسم المصطلحات الصهيونية، كما سبقت الإشارة في مقالاتٍ سابقة، بالمراوغة وبتجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا، بل وأبسط مبادئ المنطق السليم في بعض الأحيان، وهو الأمر الذي يجعل من الضروري على الكتاب والباحثين العرب النظر بإمعانٍ في هذه المصطلحات وإخضاعها دوماً لعملية تفكيك وإعادة تركيب وصياغة مصطلحاتٍ مضادة، ومن ثم عدم التوقف عند نقد المصطلح أو إدانته، بل تجاوز ذلك إلى تعرية المفاهيم الكامنة خلفه، بما يتيح التصدي لها فكرياً وعملياً. ومن المفيد، في هذا السياق، إلقاء الضوء على طائفةٍ من المصطلحات المترابطة التي تتواتر في كتابات وتصريحات الساسة والكتاب الصهاينة، ومحاولة كشف ما تنطوي عليه من رؤى.
إرتس يسرائيل: يستخدم الصهاينة هذا المصطلح، ويصرون على إشاعته، للإشارة إلى فلسطين المحتلة، وهو ترجمة دينية إثنية للتصور القائل إن فلسطين هي مجرد أرضٍ بلا شعب. وقد أكد مناحم بيجين في خطابٍ لأعضاء أحد الكيبوتسات أنهم لو اعتبروا تسمية (إرتس يسرائيل) مرادفةً لاسم فلسطين فإنهم بذلك سيكونون غزاة ولصوصاً، ولذلك فعليهم أن يصروا على أنها (إرتس يسرائيل) وليست فلسطين. وتغيير اسم البلد الذي يغزوه الإنسان الأبيض نمط متكرر، فزيمبابوي أصبحت تُسمى روديسيا، وأراضي فلسطين التي احتُلت بعد عام 1967 أي الضفة الغربية، صار يُطلق عليها اسم يهودا والسامرة.
يهودا والسامرة: يحاول الصهاينة دائماً محو فلسطين من الخرائط ومن الذاكرة، ولذا فهم يشيرون إليها بالمصطلح التوراتي (إرتس يسرائيل). وتسمية (يهودا والسامرة) هي تعبير عن الاتجاه نفسه، فبدلاً من الإشارة إلى الضفة الغربية التي تستدعي إلى الذاكرة الوجود العربي، يستخدم الصهاينة كلمة يهودا للإشارة إلى جنوب الضفة والسامرة (أو شومرون) للإشارة إلى شمالها.
تحرير القدس وتوحيدها: يستخدم الصهاينة هذا المصطلح انطلاقاً من مفهوم أن فلسطين هي (إرتس يسرائيل) وأرض الميعاد والوطن القومي اليهودي، ومن ثم يكون احتلال القدس هو تحرير لها، ويكون ضم القدس الشرقية هو توحيدها.
إعلان استقلال "إسرائيل": ينطلق هذا المصطلح، شأنه شأن المصطلح السابق، من المفهوم الصهيوني المتحيز القائل إن فلسطين هي (إرتس يسرائيل)، ومن ثم يكون العرب غزاة ومحتلين لهذه الأرض. وحينما يحضر اليهود من كل أنحاء العالم فإنهم يقومون بـتحريرها من هؤلاء الغزاة ومن ثم يكون احتلالها هو إعلان استقلالها. وانطلاقاً من هذا المفهوم يمكن الادعاء بأن الصهيونية هي حركة تحرير الشعب اليهودي.
خلق الحقائق الجديدة - خلق حقائق على الأرض: تتواتر عبارة خلق حقائق جديدة أو خلق حقائق على الأرض في عبارات الخطاب الصهيوني. وقد وردت العبارة في أقوال وايزمان وجابوتنسكي وموشيه ديان بعد حرب عام 1967. والعبارة تجسد مفهوماً أساسياً كامناً في الفكر الصهيوني والفكر الإمبريالي عامة، فهو فكر لا يؤمن بأية قيم أخلاقية ولا يحتكم إلى أية منظومات معرفية، وهو فكر دارويني صلب وبراجماتي مرن في ذات الوقت، فبراجماتيته هي مجرد آلية، أي تحقيق الأهداف النهائية بالتدريج وليس دفعة واحدة. والهدف النهائي هو الاستيلاء على كامل أرض فلسطين عن طريق استخدام القوة.
وتتبدى خاصية المراوغة في الخطاب الصهيوني في عبارة خلق حقائق جديدة. فالصهيونية عقيدة تتضمن أطروحتها الأساسية (أن فلسطين هي إرتس يسرائيل، وطن اليهود القومي) مسألة طرد العرب والاستيلاء على أراضيهم وتأسيس دولة يهودية خالصة. ولكن لأسباب عملية عديدة لم يتمكن الصهاينة من الإعلان عن أهدافهم وأعلنوا أنه لا توجد لديهم أية أطماع توسعية، بل وأنهم يرحبون بوجود العرب داخل الدولة الصهيونية، وكأن هذا أمر ممكن بالفعل. ولكنهم كانوا يعلمون أنه حين تتغير موازين القوة وحين تحين اللحظة فبإمكانهم التحرك لتحقيق الأهداف الكامنة (طرد العرب- الاستيلاء على أراضيهم) فيغيرون الوضع القائم ويخلقون حقائق جديدة لدعم الوضع القائم الجديد المبني على العنف، ويتم تعديل الأهداف الصهيونية المعلنة بما يتفق مع الوضع الجديد.
وهذا ما فعله الصهاينة بالضفة الغربية بعد عام 1967، فقبل ذلك التاريخ لم يكن هناك من يتحدث عن ضم الضفة الغربية إلا بعض المتطرفين الذين لا يُؤخذ كلامهم على محمل الجد، إذ كان الهدف المعلن هو العيش في سلام مع العرب داخل حدود 1948. ولكن بعد أن تم ضم الضفة الغربية قام الصهاينة بتكثيف الاستيطان لخلق حقائق جديدة حتى يواجهوا العالم الخارجي بأمر واقع جديد ويتم حينذاك إعادة تعريف السلام، فيصبح الانسحاب من بعض أجزاء الضفة الغربية فحسب وهو الحد الأقصى الممكن.
توغل: حينما يصدر بيان عسكري إسرائيلي يتحدث عن توغل القوات الإسرائيلية في مناطق السلطة الفلسطينية فهو يعني في واقع الأمر إعادة احتلال هذه المناطق والهجوم على الممتلكات والبشر واغتيال بعض القيادات الفلسطينية.
صِدَام: تقول الصحف الإسرائيلية إنه حدث صدام بين القوات الإسرائيلية وبعض الفلسطينيين (وعادةً ما يُوصفون بأنهم إرهابيون). وهو مصطلح يصور المسألة كما لو كانت مواجهةً بين طرفين متعادلين في القوة وليست مواجهة بين شعب صاحب حق يقاوم من جهة، وقوة احتلال مغتصبة من جهة أخرى.
دائرة العنف: يحاول هذا المصطلح مرة أخرى إظهار أن الصراع العربي- الإسرائيلي هو صراع لا يمكن حسمه، فهو بمثابة دائرة ما أن تنتهي حتى تبدأ مرة أخرى، وهي تدور لأسباب غير مفهومة. فليس هناك سبب أو نتيجة. ولأنها دائرة تدور بقوة الدفع الذاتي فلا يمكن أن تتوقف إلا بتدخل قوة خارجية. والصراع كما نراه نحن ليس دائرة عنف وإنما هو ظاهرة مفهومة لها سبب وهو قيام الصهاينة باغتصاب الأرض الفلسطينية، والنتيجة هي أن أصحاب الأرض نظموا أنفسهم وقاوموا المحتل. وهي ليست دائرة تدور إلى ما لا نهاية، فمن معرفتنا بالتاريخ، عادةً ما تنتهي هذه المواجهة بانتصار المستضعفين كما حدث في الجزائر وجنوب أفريقيا واليابان
د. عبد الوهاب المسيري
مفكر - مؤلف الموسوعة الصهيونية
صحيفة الاتحاد 25/5/2003
تتسم المصطلحات الصهيونية، كما سبقت الإشارة في مقالاتٍ سابقة، بالمراوغة وبتجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا، بل وأبسط مبادئ المنطق السليم في بعض الأحيان، وهو الأمر الذي يجعل من الضروري على الكتاب والباحثين العرب النظر بإمعانٍ في هذه المصطلحات وإخضاعها دوماً لعملية تفكيك وإعادة تركيب وصياغة مصطلحاتٍ مضادة، ومن ثم عدم التوقف عند نقد المصطلح أو إدانته، بل تجاوز ذلك إلى تعرية المفاهيم الكامنة خلفه، بما يتيح التصدي لها فكرياً وعملياً. ومن المفيد، في هذا السياق، إلقاء الضوء على طائفةٍ من المصطلحات المترابطة التي تتواتر في كتابات وتصريحات الساسة والكتاب الصهاينة، ومحاولة كشف ما تنطوي عليه من رؤى.
إرتس يسرائيل: يستخدم الصهاينة هذا المصطلح، ويصرون على إشاعته، للإشارة إلى فلسطين المحتلة، وهو ترجمة دينية إثنية للتصور القائل إن فلسطين هي مجرد أرضٍ بلا شعب. وقد أكد مناحم بيجين في خطابٍ لأعضاء أحد الكيبوتسات أنهم لو اعتبروا تسمية (إرتس يسرائيل) مرادفةً لاسم فلسطين فإنهم بذلك سيكونون غزاة ولصوصاً، ولذلك فعليهم أن يصروا على أنها (إرتس يسرائيل) وليست فلسطين. وتغيير اسم البلد الذي يغزوه الإنسان الأبيض نمط متكرر، فزيمبابوي أصبحت تُسمى روديسيا، وأراضي فلسطين التي احتُلت بعد عام 1967 أي الضفة الغربية، صار يُطلق عليها اسم يهودا والسامرة.
يهودا والسامرة: يحاول الصهاينة دائماً محو فلسطين من الخرائط ومن الذاكرة، ولذا فهم يشيرون إليها بالمصطلح التوراتي (إرتس يسرائيل). وتسمية (يهودا والسامرة) هي تعبير عن الاتجاه نفسه، فبدلاً من الإشارة إلى الضفة الغربية التي تستدعي إلى الذاكرة الوجود العربي، يستخدم الصهاينة كلمة يهودا للإشارة إلى جنوب الضفة والسامرة (أو شومرون) للإشارة إلى شمالها.
تحرير القدس وتوحيدها: يستخدم الصهاينة هذا المصطلح انطلاقاً من مفهوم أن فلسطين هي (إرتس يسرائيل) وأرض الميعاد والوطن القومي اليهودي، ومن ثم يكون احتلال القدس هو تحرير لها، ويكون ضم القدس الشرقية هو توحيدها.
إعلان استقلال "إسرائيل": ينطلق هذا المصطلح، شأنه شأن المصطلح السابق، من المفهوم الصهيوني المتحيز القائل إن فلسطين هي (إرتس يسرائيل)، ومن ثم يكون العرب غزاة ومحتلين لهذه الأرض. وحينما يحضر اليهود من كل أنحاء العالم فإنهم يقومون بـتحريرها من هؤلاء الغزاة ومن ثم يكون احتلالها هو إعلان استقلالها. وانطلاقاً من هذا المفهوم يمكن الادعاء بأن الصهيونية هي حركة تحرير الشعب اليهودي.
خلق الحقائق الجديدة - خلق حقائق على الأرض: تتواتر عبارة خلق حقائق جديدة أو خلق حقائق على الأرض في عبارات الخطاب الصهيوني. وقد وردت العبارة في أقوال وايزمان وجابوتنسكي وموشيه ديان بعد حرب عام 1967. والعبارة تجسد مفهوماً أساسياً كامناً في الفكر الصهيوني والفكر الإمبريالي عامة، فهو فكر لا يؤمن بأية قيم أخلاقية ولا يحتكم إلى أية منظومات معرفية، وهو فكر دارويني صلب وبراجماتي مرن في ذات الوقت، فبراجماتيته هي مجرد آلية، أي تحقيق الأهداف النهائية بالتدريج وليس دفعة واحدة. والهدف النهائي هو الاستيلاء على كامل أرض فلسطين عن طريق استخدام القوة.
وتتبدى خاصية المراوغة في الخطاب الصهيوني في عبارة خلق حقائق جديدة. فالصهيونية عقيدة تتضمن أطروحتها الأساسية (أن فلسطين هي إرتس يسرائيل، وطن اليهود القومي) مسألة طرد العرب والاستيلاء على أراضيهم وتأسيس دولة يهودية خالصة. ولكن لأسباب عملية عديدة لم يتمكن الصهاينة من الإعلان عن أهدافهم وأعلنوا أنه لا توجد لديهم أية أطماع توسعية، بل وأنهم يرحبون بوجود العرب داخل الدولة الصهيونية، وكأن هذا أمر ممكن بالفعل. ولكنهم كانوا يعلمون أنه حين تتغير موازين القوة وحين تحين اللحظة فبإمكانهم التحرك لتحقيق الأهداف الكامنة (طرد العرب- الاستيلاء على أراضيهم) فيغيرون الوضع القائم ويخلقون حقائق جديدة لدعم الوضع القائم الجديد المبني على العنف، ويتم تعديل الأهداف الصهيونية المعلنة بما يتفق مع الوضع الجديد.
وهذا ما فعله الصهاينة بالضفة الغربية بعد عام 1967، فقبل ذلك التاريخ لم يكن هناك من يتحدث عن ضم الضفة الغربية إلا بعض المتطرفين الذين لا يُؤخذ كلامهم على محمل الجد، إذ كان الهدف المعلن هو العيش في سلام مع العرب داخل حدود 1948. ولكن بعد أن تم ضم الضفة الغربية قام الصهاينة بتكثيف الاستيطان لخلق حقائق جديدة حتى يواجهوا العالم الخارجي بأمر واقع جديد ويتم حينذاك إعادة تعريف السلام، فيصبح الانسحاب من بعض أجزاء الضفة الغربية فحسب وهو الحد الأقصى الممكن.
توغل: حينما يصدر بيان عسكري إسرائيلي يتحدث عن توغل القوات الإسرائيلية في مناطق السلطة الفلسطينية فهو يعني في واقع الأمر إعادة احتلال هذه المناطق والهجوم على الممتلكات والبشر واغتيال بعض القيادات الفلسطينية.
صِدَام: تقول الصحف الإسرائيلية إنه حدث صدام بين القوات الإسرائيلية وبعض الفلسطينيين (وعادةً ما يُوصفون بأنهم إرهابيون). وهو مصطلح يصور المسألة كما لو كانت مواجهةً بين طرفين متعادلين في القوة وليست مواجهة بين شعب صاحب حق يقاوم من جهة، وقوة احتلال مغتصبة من جهة أخرى.
دائرة العنف: يحاول هذا المصطلح مرة أخرى إظهار أن الصراع العربي- الإسرائيلي هو صراع لا يمكن حسمه، فهو بمثابة دائرة ما أن تنتهي حتى تبدأ مرة أخرى، وهي تدور لأسباب غير مفهومة. فليس هناك سبب أو نتيجة. ولأنها دائرة تدور بقوة الدفع الذاتي فلا يمكن أن تتوقف إلا بتدخل قوة خارجية. والصراع كما نراه نحن ليس دائرة عنف وإنما هو ظاهرة مفهومة لها سبب وهو قيام الصهاينة باغتصاب الأرض الفلسطينية، والنتيجة هي أن أصحاب الأرض نظموا أنفسهم وقاوموا المحتل. وهي ليست دائرة تدور إلى ما لا نهاية، فمن معرفتنا بالتاريخ، عادةً ما تنتهي هذه المواجهة بانتصار المستضعفين كما حدث في الجزائر وجنوب أفريقيا واليابان