Samir Aser
New Member
Sammora كِدَه ! مِيَّه مِيَّه
رن الهاتف قُبيل صلاة الفجر ؛ مد يده فى الظلام فاصطدمت بالتليفون فوقع على الأرض فقام يشعل النور وأمسك بالسماعة ؛ وكعادته انتبهت حواسه كلها : - أفندم
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . - وعليكم السلام مين ؟
- أنا الشيخُ عبدُ المُنعِم . - أهلاً أهلاَ سِيدْنا الشيخ خير ؛ رمِيت عليها يمين الطلاق تانى ؟
وتأتيه ضحكات الشيخ عبد المنعم الوقورة : - هاه... هاه... هاه... هاه ؛ لا تؤاخذنى فى إتصالى بك فى ساعة متأخرة من الليل يا أخى ؛ للضرورةِ أحكامُها ؛ أستاذ Sammora لاتشرب الماءَ مِن الصُنبورِ... الماءُ به سمٌ قاتل . ابتسم بمرارة ساخرة ( والله انت فايق ورايق ياشيخ عبد المنعم ) : - بتقول ايه ياسِيدْنا ؛ أكيد شوفت الفيلم بتاع عماد حمدى ( من حكمدار العاصمة إلى أحمد ابراهيم ؛ القاطن بدير النحّاس ؛ لاتشرب الدواء ؛ الدواء به سمٌ قاتل ) . ويرد الشيخ عبد المنعم بجدية : - أنا لا أشاهد هذه المساخر ياأخى ؛ إننى أحذرك ؛ فالماء به سمٌ قاتل وقد أبلغت المساجد والزوايا ليحذروا الناس من المآذن .
ويتساءل Sammora : - سم ايه ياشيخ عبد المنعم.... الحكاية ايه ؟ . ويتابع الشيخ حديثه : - هناك حالات تسمم كثيرة بالمشفى ؛ وواجبى حتّم على أن أتصل بك ؛ لاتشرب الماءَ من الصُنبور ؛ الماءُ به سمٌ قاتل . - الله !.... فيه حالات فعلا فى المستشفى ؟ .
- نعم يا أخى ؛ وقد حاولت الإتصال بالمشفى العام أكثر من مرة بلا جدوى ؛ الخطُ مشغولٌ دائما ؛ وأستأذنك علىّ الإتصال بكل معارفى ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
- وعليكم السلام ؛ اتفضل ياعم الشيخ ؛ متشكرين قوى .
وضع سماعة التليفون وهو غير مصدق ما أخبره به الشيخ عبد المنعم ؛ فلا مصداقية له عنده من يوم أن ألقى يمين الطلاق على زوجته وأنكر وهو يقسم بأغلظ الأيمان ؛ ثم عاد وأقر يمينه ؛ وطلب من Sammora بصفاقة اتخاذ كل الحيل القانونية لسلب حق طليقته فى حضانة طفلها ؛ وتدخل Sammora حتى عادت المياه لمجاريها ؛ وردها لعصمته .
ضحك وهو يردد طريقة الشيخ عبد المنعم فى نطقه الفصيح المُتقعّر ( أستاذ Sammora لاتشرب الماءَ من الصُنبور... الماءُ به سمٌ قاتل ) ؛ ولكنه مالبث أن قام ناحية الحمَّام وفتح الصنبور وتدفقت المياه ؛ أخذ ينظر إليها فى حيرة وقلق ؛ ُثم تناول بعضها فى كفه يتشممها ؛ لم يشعربتغيير ما ؛ ولكنه أعاد الكرة تلو الكرة ؛ أغلق الصنبور ووضع يده على بطنه فقد أحس بألم خفيف فى أعلى معدته ...ورن جرس التليفون
- أفندم . ويأتيه صوت أخته مشوباً بالفزع :
- Sammora ؛ كويس انك صاحى ياخويا ؛ موش عارفه اتصل بـ حد م العيله .
- خير ياأختى فيه ايه ؟ ...... جوزك ضربك تانى ؟! .
- لأ الحمد لله احنا كويسين ؛ أوعى تشرب م الحنفيه يا Sammora المَيَّه مُسمَّمَه ياخويا بيقولوا فيها سُمِّيات ؛ وأهم بيذيعوا فى الجامع اللى جنبنا أهم... سامعهم ؟ . ( عملتها ياشيخ عبد المنعم )
- ياساتر ؛ دا أنا شربت الليله ميّه بالهَبَلْ ؛ وانتى عارفه مابشربش إلاّ م الحنفيه ؛ المَيَّه الساقعه بتتعبنى .
- ربنا يُستر يا Sammora ؛ دُول بيقولوا المستشفى مليانه ناس متسممين ؛ إلاّ المَيَّه يا Sammora أنا مُش عارفه غضب ايه ده اللى نازل علينا ؛ أنا مُش هودِّى العيال المدرسه ؛ الحمد لله الخزّان فيه مَيَّه من امبارح ؛ اتصل بالعيله واحد واحد وحذرهم .
- حاضر . وضع سماعة التليفون وتحسَّس بطنه فقد ازداد مايشعر به من ألم ؛ وتضاربت الأفكار فى رأسه ؛ كان على يقين من كذب الخبر ؛ فلو صح لقامت هيئة المياه من فورها باعلام الناس بوجه رسمى... هذا واجبها.. ياللهيئة اللعينة !
وتناهى إلى سمعه صوت الشيخ عبد المنعم يدوِّى بالميكروفونات الأربعة للجامع المجاور ؛ يُعلِنها للناس كافة أن غضب الله قد حاق بهم لشرورهم وفساد ذممهم وتفشى الفجور بينهم و ؛ و ؛ و..... فارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة ؛ وجد الشيخ ضالته فى صب لعناته على الناس . ولكنه مالبث أن ذهب مرة ثانية وفتح الصنبور ؛ وتدفقت المياه ؛ تناول بعضها فى كفه وعاد يتشمّمها من جديد ؛ وبدى له تغييرا طفيفاً فى رائحتها ؛ أغلق الصنبور ؛ وأخذ يجفف يده بعناية وهو يتشمّمها من آن لآخر...... ورن الهاتف : - أفندم
- صباح الخير يا أستاذ Sammora . وميّز صوت صديقه رياض
- أهلا رياض . وبحرج واضح وبصوت حيِى : - معلش انِى بكلمك فى الوقت ده.... أنا مُش عايزك تنزعج . ويقطع Sammora عليه الحديث :
-هتقولى المَيَّه مُسمَّمَه ... هَهْ ؟ . - أيوه... دِى مَيّه ؛ وأنا ماقدرش مابلّغكْش .
ويتساءل Sammora فى اهتمام : - بس الخبر وصلكم ازّاى يارياض ؟ ؛ داحنا ف بلد وانتم فى بلد تانيه . - ماهِى محطة المياه واحده .
- آآآه ... قل لى يارياض ايه الحكايه بالظبط ؟... ايه اللى انت سمعته بالضبط ؟.
- والله الناس هايجه ؛ وبيقولوا المَيَّه مُسمَّمَه وفيه حالات كتيره فى المستشفى .
- عندكم انتم كمان ؟. - أيوه ؛ بس أنا اتصلت بالمستشفى ؛ وقالوا لى مافيش أى حاجه من دِى وحاولت اتصل بأى حَدْ من المسئولين ؛ مافيش ... الظاهر كُلهم بيصَيِّفوا فى مارينا . ويرد Sammora بجدية : - من يوم ماخصخصوا هيئة المياه ؛ والبلاوى نازلة علينا تِرِفْ ؛ فيه حَدْ يحوّل مرفق حيوى زَىْ دَه لقطاع خاص... بس أنا متأكد يارياض إن الموضوع ده اشاعه . ويتعالى صوت السيمفونية التاسعة لبيتهوفن ؛ ويضحك رياض : - الظاهر فيه حد بيضرب جرس الباب عندك يا أستاذ Sammora . ويرتفع صوت Sammora : - أيوه ثانيه واحدة ؛ خليك معايا يارياض . وينحى سماعة التليفون جانبا ؛ وتتتابع الطرقات على الباب الخشبى لتتناغم مع الموسيقى الكلاسيكية . ويصيح Sammora بصبر نافذ : - حاضر ؛ حاضر ؛ جاى أهوه .
ويفتح الباب ؛ واذا بجمهرة من الجيران يقفون فى وجوم أمام الباب ؛ ينظر إليهم بقلق وتدور عينيه تتصفحهم ؛ وبلهجة الواثق يقول : - الكلام اللى سمعتوه ده كلام فاضى .. كُله كلام فاضى .... دِى اشاعات . وينبرى له أحدهم : - اشاعات إزَّاى يا أستاذ ... دا الجوامع كُلها بتذيع فى الميكروفونات ؛ والمستشفى فيها ناس يَامَا . ويُحرّك Sammora اصبعه أمام وجهه بتوتر متسائلا : - انت شُفْتُهُم بعينيك ؛ رُحْت بنفسك وشُفتهم ؟ . - لأ بس الجوامع هتِكْدِبْ . ويصيح Sammora فى رجاء يائس : - ياناس اشربوا ميّه عادى.... أهُهْ . وتناول زجاجة ماء وجعل يشرب منها أمامهم . وتبتعد امرأة منكوشة الشعر، قابضة على طفلها النائم بين يديها : - ياعم اشرب ؛ انت حُر ف روحك ؛ لا وراك عَيِّل ولا تيِّل . ويأمره أحدهم : - لأ اشرب م الحنفية ... العجرودى عايز يسمِّمْنا ؛ ماعرفش يسرقنا عايز يسمِّمْنا ... العجرودى عايز يسمِّمْنا . وتعالت الأصوات فى نفس واحد : أيوه العجرودى عايز يسمِّمْنا . ويصيح Sammora : - عجرودى مين اللى عايز يسمِّمْنا ؟! . وانعقد لسانه وبلع ريقه بصعوبة وهو يسمع أحدهم يتهمه : - أيْوَه دافع عنه ماهو برضه نسِيبك . وينفض الجمع رويدا رويدا وهم يتراشقون العبارات مابين مصدق ومُكذب ؛ وعاد Sammora ورفع السماعة : - مَعَلِش يا رياض . ويرد رياض : - أنا سمعت كل حاجة ؛ عجرودى مين ده ؟ . وبقرف يرد Sammora : - دا رئيس هيئة مياه الشرب الجديد بعد ماخصخصوها ياسيدى ؛ بقت عزبته الخاصة ؛ استغل ان عدادات المياه ف البلد معظمها بايظ ؛ وبيطالب الناس بمبالغ جزافية خرافية ؛ والناس موش قادرة تدفع ؛ وأنا رافع لهم قضايا ضد الهيئة . ثم صمت قليلا واسترسل : - والله ممكن يكون عملها العجرودى الكلـ ...مش بعيد يكون هُوَّه مصدر الإشاعة ...... بقول لك ايه يارياض ؛ أنا قرأت خبر فى الجزيرة ان فيه مظاهرات فى مصر... تكونش الحكومة بتلهينا... بتأدّبنا ؟! .
- ربنا يُستر ... ما استبعدش يكون فيها سياسة ؛ على كل حال دى ميّه ؛ وكان من واجبى أبلغك . - شكرا يارياض.... شكرا .
وضع سماعة التليفون ؛ وازداد الألم فى معدته ؛ وجلس حائرا لايدرى ماذا يصنع ؛ وقد تسلل إلى يقينه بعض الشك ؛ تناول التليفون وهَمَّ بالاتصال برئيس هيئة المياه ؛ إلاّ أنه تراجع ووضع السماعة ثانية . وتذكَّر صديقه حسن بك بشرطة النجدة ؛ فرفع سماعة التليفون بسرعة : - آلو حسن بك .
- أهلا أستاذ Sammora انت فين يا راجل ؟ .
- الحمد لله إنك فى النوباتجية... بقول لك ايه يا حسن بيه . - أأمر خير .
- فيه اشاعات ماليه البلد ان الميّه مُسمَّمَه... الحكاية دى ايه ؟ .
- ميّة ايه ؟!
- الميّه اللى فى الحنفيات يا حسن .
- انت بتتكلم جَدْ .... . - آى والله .... مافيش بلاغات عن حالات تسمم وصلتكم ؟
- لا أبدا أنا فى النوباتجية من امبارح ؛ أنا معسكر هنا يا سيدى ؛ أم هيثم مع الأولاد فى المصيف وأنا قاعدلهم هنا . - يعنى مافيش حاجة . - أيوه يا أخى... انت مش مصدقنى ولاّ ايه ؟ على كل حال ممكن تسأل نسيبك العجرودى بيه .
- يوووووه .
- ياعم Sammora كبَّر دماغك ومشِّى حالك فيه حَدْ عاقل بَرضُهْ ياخد القطار بالحُضن ؛ البلد اتْبَاعِتْ خلاص....هاوِدْنِى و الْحَقْ لكْ حِتَّه . - بقولك ايه ياحسن ؛ بَلاش الأسلوب دَه مَعايا .
- أنت حُر بُكره تندم يا جميل . - على كل حال الحمد لله ؛ متشكر قوى ياحسن بيه .
وضع سماعة التليفون ( اذن فقد صدق حدسه ) ؛ وابتسم فى مكر ؛ وفتح فهرست أرقام التليفونات ؛ وبدأ يتصل بأسماء منتقاة اختارها بعناية :
- آلو فلان بيه أنا Sammora ... معلش ماتنزعجش ؛ بلاش تشرب الميّه من الحنفيه أحسن بيقولوا مُسمّمه ؛ أنا مُش مُتأكد من الحكاية دى ؛ بس دى ميّه ؛ وواجب عليّه أبلغك .... آلو فلان بيه... معلش ماتنزعجش.......... آلو فلان بيه ...
ولم ينته إلاّ بعد أن أفحمه أحدهم بقوله : - ومين قال لك ان احنا بنشرب ميَّه من الحنفية .
ثم أخلد إلى النوم .
وفى عصر ذلك اليوم ؛ اتضحت الأمور ؛ وأعلن العجرودى بك رئيس هيئة مياه الشرب ؛ أن مياه الشرب نظيفة مائة بالمائة ، وظهر على شاشة التليفزيون بالقناة المحلية ؛ وهو يميل برأسه ويفتح فمه عن آخره أسفل صنبور ماء يشرب منه مسرورا ويضرب على كرشه المرتفع بيديه بثقة ؛ وتُعلن المُذيعة أن بلدنا بخير ؛ وتحذر الناس من الإشاعات المُغرضة التى تستهدف أمن الوطن والمواطن . وتتتابع الإعلانات المُوجَهَة... بادر أخى المواطن بدفع مُستحقات هيئة المياه ... حافظوا على قطرة الماء... الست سنية سايبه الميه ترخ ترخ من الحنفية . ابتسم Sammora وأغلق التليفزيون وخرج ليجلب جرائد اليوم ؛ فهاله الكم الهائل من العبوات البلاستيكية للمياه المعدنية والطبيعية والغازية المُلقاة بالشوارع ؛ وفتح الجريدة فاذا الصفحة الأولى تبشر بقوة اقتصاد البلاد ؛ وتُطرى على القطاع الخاص الوطنى قاطرة الإقتصاد ؛ وتتصدر الصفحات أخبار ارتفاع أسهم شركات تعبئة المياه الطبيعية والمعدنية والغازية ؛ وشركات المنتجات البلاستيكية والورقية ؛ و ؛ و ... ؛ وفى طريقها إلى توسيع نشاطها بطرح أسهم جديدة ؛ تنتعش بها سوق الأوراق المالية .
ومرّت أيام .
( يتبع )
رن الهاتف قُبيل صلاة الفجر ؛ مد يده فى الظلام فاصطدمت بالتليفون فوقع على الأرض فقام يشعل النور وأمسك بالسماعة ؛ وكعادته انتبهت حواسه كلها : - أفندم
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . - وعليكم السلام مين ؟
- أنا الشيخُ عبدُ المُنعِم . - أهلاً أهلاَ سِيدْنا الشيخ خير ؛ رمِيت عليها يمين الطلاق تانى ؟
وتأتيه ضحكات الشيخ عبد المنعم الوقورة : - هاه... هاه... هاه... هاه ؛ لا تؤاخذنى فى إتصالى بك فى ساعة متأخرة من الليل يا أخى ؛ للضرورةِ أحكامُها ؛ أستاذ Sammora لاتشرب الماءَ مِن الصُنبورِ... الماءُ به سمٌ قاتل . ابتسم بمرارة ساخرة ( والله انت فايق ورايق ياشيخ عبد المنعم ) : - بتقول ايه ياسِيدْنا ؛ أكيد شوفت الفيلم بتاع عماد حمدى ( من حكمدار العاصمة إلى أحمد ابراهيم ؛ القاطن بدير النحّاس ؛ لاتشرب الدواء ؛ الدواء به سمٌ قاتل ) . ويرد الشيخ عبد المنعم بجدية : - أنا لا أشاهد هذه المساخر ياأخى ؛ إننى أحذرك ؛ فالماء به سمٌ قاتل وقد أبلغت المساجد والزوايا ليحذروا الناس من المآذن .
ويتساءل Sammora : - سم ايه ياشيخ عبد المنعم.... الحكاية ايه ؟ . ويتابع الشيخ حديثه : - هناك حالات تسمم كثيرة بالمشفى ؛ وواجبى حتّم على أن أتصل بك ؛ لاتشرب الماءَ من الصُنبور ؛ الماءُ به سمٌ قاتل . - الله !.... فيه حالات فعلا فى المستشفى ؟ .
- نعم يا أخى ؛ وقد حاولت الإتصال بالمشفى العام أكثر من مرة بلا جدوى ؛ الخطُ مشغولٌ دائما ؛ وأستأذنك علىّ الإتصال بكل معارفى ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
- وعليكم السلام ؛ اتفضل ياعم الشيخ ؛ متشكرين قوى .
وضع سماعة التليفون وهو غير مصدق ما أخبره به الشيخ عبد المنعم ؛ فلا مصداقية له عنده من يوم أن ألقى يمين الطلاق على زوجته وأنكر وهو يقسم بأغلظ الأيمان ؛ ثم عاد وأقر يمينه ؛ وطلب من Sammora بصفاقة اتخاذ كل الحيل القانونية لسلب حق طليقته فى حضانة طفلها ؛ وتدخل Sammora حتى عادت المياه لمجاريها ؛ وردها لعصمته .
ضحك وهو يردد طريقة الشيخ عبد المنعم فى نطقه الفصيح المُتقعّر ( أستاذ Sammora لاتشرب الماءَ من الصُنبور... الماءُ به سمٌ قاتل ) ؛ ولكنه مالبث أن قام ناحية الحمَّام وفتح الصنبور وتدفقت المياه ؛ أخذ ينظر إليها فى حيرة وقلق ؛ ُثم تناول بعضها فى كفه يتشممها ؛ لم يشعربتغيير ما ؛ ولكنه أعاد الكرة تلو الكرة ؛ أغلق الصنبور ووضع يده على بطنه فقد أحس بألم خفيف فى أعلى معدته ...ورن جرس التليفون
- أفندم . ويأتيه صوت أخته مشوباً بالفزع :
- Sammora ؛ كويس انك صاحى ياخويا ؛ موش عارفه اتصل بـ حد م العيله .
- خير ياأختى فيه ايه ؟ ...... جوزك ضربك تانى ؟! .
- لأ الحمد لله احنا كويسين ؛ أوعى تشرب م الحنفيه يا Sammora المَيَّه مُسمَّمَه ياخويا بيقولوا فيها سُمِّيات ؛ وأهم بيذيعوا فى الجامع اللى جنبنا أهم... سامعهم ؟ . ( عملتها ياشيخ عبد المنعم )
- ياساتر ؛ دا أنا شربت الليله ميّه بالهَبَلْ ؛ وانتى عارفه مابشربش إلاّ م الحنفيه ؛ المَيَّه الساقعه بتتعبنى .
- ربنا يُستر يا Sammora ؛ دُول بيقولوا المستشفى مليانه ناس متسممين ؛ إلاّ المَيَّه يا Sammora أنا مُش عارفه غضب ايه ده اللى نازل علينا ؛ أنا مُش هودِّى العيال المدرسه ؛ الحمد لله الخزّان فيه مَيَّه من امبارح ؛ اتصل بالعيله واحد واحد وحذرهم .
- حاضر . وضع سماعة التليفون وتحسَّس بطنه فقد ازداد مايشعر به من ألم ؛ وتضاربت الأفكار فى رأسه ؛ كان على يقين من كذب الخبر ؛ فلو صح لقامت هيئة المياه من فورها باعلام الناس بوجه رسمى... هذا واجبها.. ياللهيئة اللعينة !
وتناهى إلى سمعه صوت الشيخ عبد المنعم يدوِّى بالميكروفونات الأربعة للجامع المجاور ؛ يُعلِنها للناس كافة أن غضب الله قد حاق بهم لشرورهم وفساد ذممهم وتفشى الفجور بينهم و ؛ و ؛ و..... فارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة ؛ وجد الشيخ ضالته فى صب لعناته على الناس . ولكنه مالبث أن ذهب مرة ثانية وفتح الصنبور ؛ وتدفقت المياه ؛ تناول بعضها فى كفه وعاد يتشمّمها من جديد ؛ وبدى له تغييرا طفيفاً فى رائحتها ؛ أغلق الصنبور ؛ وأخذ يجفف يده بعناية وهو يتشمّمها من آن لآخر...... ورن الهاتف : - أفندم
- صباح الخير يا أستاذ Sammora . وميّز صوت صديقه رياض
- أهلا رياض . وبحرج واضح وبصوت حيِى : - معلش انِى بكلمك فى الوقت ده.... أنا مُش عايزك تنزعج . ويقطع Sammora عليه الحديث :
-هتقولى المَيَّه مُسمَّمَه ... هَهْ ؟ . - أيوه... دِى مَيّه ؛ وأنا ماقدرش مابلّغكْش .
ويتساءل Sammora فى اهتمام : - بس الخبر وصلكم ازّاى يارياض ؟ ؛ داحنا ف بلد وانتم فى بلد تانيه . - ماهِى محطة المياه واحده .
- آآآه ... قل لى يارياض ايه الحكايه بالظبط ؟... ايه اللى انت سمعته بالضبط ؟.
- والله الناس هايجه ؛ وبيقولوا المَيَّه مُسمَّمَه وفيه حالات كتيره فى المستشفى .
- عندكم انتم كمان ؟. - أيوه ؛ بس أنا اتصلت بالمستشفى ؛ وقالوا لى مافيش أى حاجه من دِى وحاولت اتصل بأى حَدْ من المسئولين ؛ مافيش ... الظاهر كُلهم بيصَيِّفوا فى مارينا . ويرد Sammora بجدية : - من يوم ماخصخصوا هيئة المياه ؛ والبلاوى نازلة علينا تِرِفْ ؛ فيه حَدْ يحوّل مرفق حيوى زَىْ دَه لقطاع خاص... بس أنا متأكد يارياض إن الموضوع ده اشاعه . ويتعالى صوت السيمفونية التاسعة لبيتهوفن ؛ ويضحك رياض : - الظاهر فيه حد بيضرب جرس الباب عندك يا أستاذ Sammora . ويرتفع صوت Sammora : - أيوه ثانيه واحدة ؛ خليك معايا يارياض . وينحى سماعة التليفون جانبا ؛ وتتتابع الطرقات على الباب الخشبى لتتناغم مع الموسيقى الكلاسيكية . ويصيح Sammora بصبر نافذ : - حاضر ؛ حاضر ؛ جاى أهوه .
ويفتح الباب ؛ واذا بجمهرة من الجيران يقفون فى وجوم أمام الباب ؛ ينظر إليهم بقلق وتدور عينيه تتصفحهم ؛ وبلهجة الواثق يقول : - الكلام اللى سمعتوه ده كلام فاضى .. كُله كلام فاضى .... دِى اشاعات . وينبرى له أحدهم : - اشاعات إزَّاى يا أستاذ ... دا الجوامع كُلها بتذيع فى الميكروفونات ؛ والمستشفى فيها ناس يَامَا . ويُحرّك Sammora اصبعه أمام وجهه بتوتر متسائلا : - انت شُفْتُهُم بعينيك ؛ رُحْت بنفسك وشُفتهم ؟ . - لأ بس الجوامع هتِكْدِبْ . ويصيح Sammora فى رجاء يائس : - ياناس اشربوا ميّه عادى.... أهُهْ . وتناول زجاجة ماء وجعل يشرب منها أمامهم . وتبتعد امرأة منكوشة الشعر، قابضة على طفلها النائم بين يديها : - ياعم اشرب ؛ انت حُر ف روحك ؛ لا وراك عَيِّل ولا تيِّل . ويأمره أحدهم : - لأ اشرب م الحنفية ... العجرودى عايز يسمِّمْنا ؛ ماعرفش يسرقنا عايز يسمِّمْنا ... العجرودى عايز يسمِّمْنا . وتعالت الأصوات فى نفس واحد : أيوه العجرودى عايز يسمِّمْنا . ويصيح Sammora : - عجرودى مين اللى عايز يسمِّمْنا ؟! . وانعقد لسانه وبلع ريقه بصعوبة وهو يسمع أحدهم يتهمه : - أيْوَه دافع عنه ماهو برضه نسِيبك . وينفض الجمع رويدا رويدا وهم يتراشقون العبارات مابين مصدق ومُكذب ؛ وعاد Sammora ورفع السماعة : - مَعَلِش يا رياض . ويرد رياض : - أنا سمعت كل حاجة ؛ عجرودى مين ده ؟ . وبقرف يرد Sammora : - دا رئيس هيئة مياه الشرب الجديد بعد ماخصخصوها ياسيدى ؛ بقت عزبته الخاصة ؛ استغل ان عدادات المياه ف البلد معظمها بايظ ؛ وبيطالب الناس بمبالغ جزافية خرافية ؛ والناس موش قادرة تدفع ؛ وأنا رافع لهم قضايا ضد الهيئة . ثم صمت قليلا واسترسل : - والله ممكن يكون عملها العجرودى الكلـ ...مش بعيد يكون هُوَّه مصدر الإشاعة ...... بقول لك ايه يارياض ؛ أنا قرأت خبر فى الجزيرة ان فيه مظاهرات فى مصر... تكونش الحكومة بتلهينا... بتأدّبنا ؟! .
- ربنا يُستر ... ما استبعدش يكون فيها سياسة ؛ على كل حال دى ميّه ؛ وكان من واجبى أبلغك . - شكرا يارياض.... شكرا .
وضع سماعة التليفون ؛ وازداد الألم فى معدته ؛ وجلس حائرا لايدرى ماذا يصنع ؛ وقد تسلل إلى يقينه بعض الشك ؛ تناول التليفون وهَمَّ بالاتصال برئيس هيئة المياه ؛ إلاّ أنه تراجع ووضع السماعة ثانية . وتذكَّر صديقه حسن بك بشرطة النجدة ؛ فرفع سماعة التليفون بسرعة : - آلو حسن بك .
- أهلا أستاذ Sammora انت فين يا راجل ؟ .
- الحمد لله إنك فى النوباتجية... بقول لك ايه يا حسن بيه . - أأمر خير .
- فيه اشاعات ماليه البلد ان الميّه مُسمَّمَه... الحكاية دى ايه ؟ .
- ميّة ايه ؟!
- الميّه اللى فى الحنفيات يا حسن .
- انت بتتكلم جَدْ .... . - آى والله .... مافيش بلاغات عن حالات تسمم وصلتكم ؟
- لا أبدا أنا فى النوباتجية من امبارح ؛ أنا معسكر هنا يا سيدى ؛ أم هيثم مع الأولاد فى المصيف وأنا قاعدلهم هنا . - يعنى مافيش حاجة . - أيوه يا أخى... انت مش مصدقنى ولاّ ايه ؟ على كل حال ممكن تسأل نسيبك العجرودى بيه .
- يوووووه .
- ياعم Sammora كبَّر دماغك ومشِّى حالك فيه حَدْ عاقل بَرضُهْ ياخد القطار بالحُضن ؛ البلد اتْبَاعِتْ خلاص....هاوِدْنِى و الْحَقْ لكْ حِتَّه . - بقولك ايه ياحسن ؛ بَلاش الأسلوب دَه مَعايا .
- أنت حُر بُكره تندم يا جميل . - على كل حال الحمد لله ؛ متشكر قوى ياحسن بيه .
وضع سماعة التليفون ( اذن فقد صدق حدسه ) ؛ وابتسم فى مكر ؛ وفتح فهرست أرقام التليفونات ؛ وبدأ يتصل بأسماء منتقاة اختارها بعناية :
- آلو فلان بيه أنا Sammora ... معلش ماتنزعجش ؛ بلاش تشرب الميّه من الحنفيه أحسن بيقولوا مُسمّمه ؛ أنا مُش مُتأكد من الحكاية دى ؛ بس دى ميّه ؛ وواجب عليّه أبلغك .... آلو فلان بيه... معلش ماتنزعجش.......... آلو فلان بيه ...
ولم ينته إلاّ بعد أن أفحمه أحدهم بقوله : - ومين قال لك ان احنا بنشرب ميَّه من الحنفية .
ثم أخلد إلى النوم .
وفى عصر ذلك اليوم ؛ اتضحت الأمور ؛ وأعلن العجرودى بك رئيس هيئة مياه الشرب ؛ أن مياه الشرب نظيفة مائة بالمائة ، وظهر على شاشة التليفزيون بالقناة المحلية ؛ وهو يميل برأسه ويفتح فمه عن آخره أسفل صنبور ماء يشرب منه مسرورا ويضرب على كرشه المرتفع بيديه بثقة ؛ وتُعلن المُذيعة أن بلدنا بخير ؛ وتحذر الناس من الإشاعات المُغرضة التى تستهدف أمن الوطن والمواطن . وتتتابع الإعلانات المُوجَهَة... بادر أخى المواطن بدفع مُستحقات هيئة المياه ... حافظوا على قطرة الماء... الست سنية سايبه الميه ترخ ترخ من الحنفية . ابتسم Sammora وأغلق التليفزيون وخرج ليجلب جرائد اليوم ؛ فهاله الكم الهائل من العبوات البلاستيكية للمياه المعدنية والطبيعية والغازية المُلقاة بالشوارع ؛ وفتح الجريدة فاذا الصفحة الأولى تبشر بقوة اقتصاد البلاد ؛ وتُطرى على القطاع الخاص الوطنى قاطرة الإقتصاد ؛ وتتصدر الصفحات أخبار ارتفاع أسهم شركات تعبئة المياه الطبيعية والمعدنية والغازية ؛ وشركات المنتجات البلاستيكية والورقية ؛ و ؛ و ... ؛ وفى طريقها إلى توسيع نشاطها بطرح أسهم جديدة ؛ تنتعش بها سوق الأوراق المالية .
ومرّت أيام .
( يتبع )