mohamadamin
حكيم المنتدى
درة سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه وارضاه
من الأمور التي اشتهر بها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أول من حمل الدِّرَّة -بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ- وهي عبارة عن سوط صغير، كان يستخدمها في تأديب المخطئين والمنحرفين من رعيته، ومن الطرائف التي ذكرها العلامة الدَّمِيرِيِّ عن بعض شيوخه: أَنَّ تلك الدِّرَّة كَانَتْ مِنْ نَعْلِ رَسُولِ الله صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ مَا ضُرِبَ بِهَا أَحَدٌ عَلَى ذَنْبٍ وَعَادَ إلَيْهِ! وكأنما أراد أولئك الشيوخ أن يقولوا: إن ما كانت تلك الدِّرَّة تحدثه من آثار عملية إيجابية في ردع المخطئين وتقويم المعوجين كان بسبب البركة النبوية، ومع التقدير لمثل هذا فإنني أرى أن البركة لم تكن لهذا السبب إن صح –ولا أراه يصح- وإنما كانت البركة فعلا فيما استمسك به عمر رضي الله عنه من إقامة الحق وبسط العدل ومنع الجور والميل، ومن الحرص على الاستهداء بتعاليم القرآن العظيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَالله أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ والتطبيق العملي لهذه العدالة دون أدنى تأثر بالمشاعر الشخصية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، يعني: إذا قمتم بالشهادة لإنسان أو عليه، فقولوا فيها بالعدل، ولو كانت شهادتكم على أنفسكم وآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم، ولا يحملنكم غِنَى من شهدتم له أو فقره أو قرابته ورَحِمُه منكم أو بغض من تشهدون له أو عليه؛ على الشهادة له أو عليه بالزور، ولا على ترك الشهادة له أو عليه بالحق، وعلى هذا استقامت سيرة عمر الذي فاق الناس بإقامة العدل والصرامة في أمر الله من غير أن يخاف في الله لومة لائم، واستحق لقب الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وجعل الله الحق على لسانه وقلبه، وقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»، ولهذا لم يكن يصيب بدِرَّتِه مظلوما، فحققت على صغرها وضعفها من الأمن والهيبة ما لم تصنعه السيوف القاطعة ولا الأسواط اللاهبة، فكان لها عند الجناة والمخطئين من الهيبة ما لا فوقه، حتى قال إمام التابعين عامرالشَّعْبِيُّ: «كَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ أَهْيَبُ مِنْ سَيْفِ الْحَجَّاجِ»، ذلك أن عمرلم تغيره الولاية والرئاسة، ولم تُبْطِرْه النعمةُ، ولا استطال على الشعب بلسانه، ولا قصر في التلطف بالأرامل والمساكين، وإعانة الفقراء والمحتاجين، ولا حابي أحداً في الحق لمنزلته، فلم يطمع الشريف في حَيْفِه، ولم ييأس الضعيف من عدله، وسوَّى نفسه وآل بيته ببقية المسلمين، وكان رضي الله عنه للأمة بمنزلة الوالد المعلم، يعطف ويشفق، ويؤدِّب ويشدِّد، وقد عرفوا له ذلك، فكانت هيبتُهم لدِرَّتِه فرعاً عن هيبتهم له وتقديرهم لعدله، حتى إن ابن عباس يقول عنه: «إنه كان مهيباً، فهِبْتُه».
وحين رأى انحرافا في الفهم لدى البعض كانت دِرَّتُه حاضرة للتقويم والتصحيح، فقد رأى قوما قابعين في ركن المسجد بعد صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون على الله، فعلاهم بِدِرَّتِهِ ونهرهم وقال: «لا يَقْعُدْ أحدُكمِ عن طَلب الرِّزق ويقول: اللهم ارزُقْني، وقد عَلِم أن السَّماءَ لا تُمْطِرُ ذَهَباً ولا فِضة؛ وإنّ الله تعالى إنما يَرْزق الناسَ بعضهم من بعض، وتلا قولَ الله جلّ وعلا: ﴿فإذا قُضيت الصَلاةُ فانتشروا في الأرْض وابْتَغُوا مِنْ فَضْل الله واذْكُرُوا الله كثيراً لَعَلَّكُم تُفلحُون﴾.
وحين رأى رجلاً متماوتاً في إظهار النسك والتخشع الزائف علاه بالدِّرَّة وقال: «لا تُمِتْ علينا ديننا!»، فليس في الإسلام تماوت ولا ضعف، بل قوة وعزة، وليس فيه طأطأة ولا مسكنة، بل فيه إخبات وتواضع مع قوة إيمان وعزة.
وَحين رأى نائحة تمتهن النياحة بالأجرة أرسل درته تأديبا ووعظا، فقد حَكَى الأوْزَاعِيُّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ سَمِعَ صَوْتَ بُكَاءٍ، فَدَخَلَ وَمَعَهُ غَيْرُهُ، فَمَالَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا حَتَّى بَلَغَ النَّائِحَةَ، فَضَرَبَهَا حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا، فَقَالَ: اضْرِبْ فَإِنَّهَا نَائِحَةٌ وَلا حُرْمَةَ لَهَا، إنَّهَا لا تَبْكِي لِشَجْوِكُمْ، إنَّهَا تُهْرِيقُ دُمُوعَهَا عَلَى أَخْذِ دَرَاهِمِكُمْ، وَإِنَّهَا تُؤْذِي مَوْتَاكُمْ فِي قُبُورِهِمْ وَأَحْيَاءَكُمْ فِي دُورِهِمْ، إنَّهَا تَنْهَى عَنْ الصَّبْرِ وَقَدْ أَمَرَ الله بِهِ، وَتَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.
ولما جيء بالهُرْمُزان، ملك خوزستان إلى عمر رضي الله عنه، وافق ذلك غيبتَه من منزله؛ فما زال الهُرْمُزان يقتفي أثر عمر رضي الله عنه حتى عثر عليه في بعض المساجد نائماً، متوسداً دِرَّتَه. فلما رآه الهرمزان قال: هذا والله المُلْك الهَنِيء؛ عدلتَ فأمنتَ فنِمْتَ!، والله إني خدمت أربعةً من ملوكنا الأكاسرة أصحاب التيجان. فما هِبْتُ أحداً منهم هَيْبَتي لصاحب هذه الدِّرَّة.
من الأمور التي اشتهر بها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أول من حمل الدِّرَّة -بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ- وهي عبارة عن سوط صغير، كان يستخدمها في تأديب المخطئين والمنحرفين من رعيته، ومن الطرائف التي ذكرها العلامة الدَّمِيرِيِّ عن بعض شيوخه: أَنَّ تلك الدِّرَّة كَانَتْ مِنْ نَعْلِ رَسُولِ الله صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ مَا ضُرِبَ بِهَا أَحَدٌ عَلَى ذَنْبٍ وَعَادَ إلَيْهِ! وكأنما أراد أولئك الشيوخ أن يقولوا: إن ما كانت تلك الدِّرَّة تحدثه من آثار عملية إيجابية في ردع المخطئين وتقويم المعوجين كان بسبب البركة النبوية، ومع التقدير لمثل هذا فإنني أرى أن البركة لم تكن لهذا السبب إن صح –ولا أراه يصح- وإنما كانت البركة فعلا فيما استمسك به عمر رضي الله عنه من إقامة الحق وبسط العدل ومنع الجور والميل، ومن الحرص على الاستهداء بتعاليم القرآن العظيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَالله أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ والتطبيق العملي لهذه العدالة دون أدنى تأثر بالمشاعر الشخصية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، يعني: إذا قمتم بالشهادة لإنسان أو عليه، فقولوا فيها بالعدل، ولو كانت شهادتكم على أنفسكم وآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم، ولا يحملنكم غِنَى من شهدتم له أو فقره أو قرابته ورَحِمُه منكم أو بغض من تشهدون له أو عليه؛ على الشهادة له أو عليه بالزور، ولا على ترك الشهادة له أو عليه بالحق، وعلى هذا استقامت سيرة عمر الذي فاق الناس بإقامة العدل والصرامة في أمر الله من غير أن يخاف في الله لومة لائم، واستحق لقب الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وجعل الله الحق على لسانه وقلبه، وقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»، ولهذا لم يكن يصيب بدِرَّتِه مظلوما، فحققت على صغرها وضعفها من الأمن والهيبة ما لم تصنعه السيوف القاطعة ولا الأسواط اللاهبة، فكان لها عند الجناة والمخطئين من الهيبة ما لا فوقه، حتى قال إمام التابعين عامرالشَّعْبِيُّ: «كَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ أَهْيَبُ مِنْ سَيْفِ الْحَجَّاجِ»، ذلك أن عمرلم تغيره الولاية والرئاسة، ولم تُبْطِرْه النعمةُ، ولا استطال على الشعب بلسانه، ولا قصر في التلطف بالأرامل والمساكين، وإعانة الفقراء والمحتاجين، ولا حابي أحداً في الحق لمنزلته، فلم يطمع الشريف في حَيْفِه، ولم ييأس الضعيف من عدله، وسوَّى نفسه وآل بيته ببقية المسلمين، وكان رضي الله عنه للأمة بمنزلة الوالد المعلم، يعطف ويشفق، ويؤدِّب ويشدِّد، وقد عرفوا له ذلك، فكانت هيبتُهم لدِرَّتِه فرعاً عن هيبتهم له وتقديرهم لعدله، حتى إن ابن عباس يقول عنه: «إنه كان مهيباً، فهِبْتُه».
وحين رأى انحرافا في الفهم لدى البعض كانت دِرَّتُه حاضرة للتقويم والتصحيح، فقد رأى قوما قابعين في ركن المسجد بعد صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون على الله، فعلاهم بِدِرَّتِهِ ونهرهم وقال: «لا يَقْعُدْ أحدُكمِ عن طَلب الرِّزق ويقول: اللهم ارزُقْني، وقد عَلِم أن السَّماءَ لا تُمْطِرُ ذَهَباً ولا فِضة؛ وإنّ الله تعالى إنما يَرْزق الناسَ بعضهم من بعض، وتلا قولَ الله جلّ وعلا: ﴿فإذا قُضيت الصَلاةُ فانتشروا في الأرْض وابْتَغُوا مِنْ فَضْل الله واذْكُرُوا الله كثيراً لَعَلَّكُم تُفلحُون﴾.
وحين رأى رجلاً متماوتاً في إظهار النسك والتخشع الزائف علاه بالدِّرَّة وقال: «لا تُمِتْ علينا ديننا!»، فليس في الإسلام تماوت ولا ضعف، بل قوة وعزة، وليس فيه طأطأة ولا مسكنة، بل فيه إخبات وتواضع مع قوة إيمان وعزة.
وَحين رأى نائحة تمتهن النياحة بالأجرة أرسل درته تأديبا ووعظا، فقد حَكَى الأوْزَاعِيُّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ سَمِعَ صَوْتَ بُكَاءٍ، فَدَخَلَ وَمَعَهُ غَيْرُهُ، فَمَالَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا حَتَّى بَلَغَ النَّائِحَةَ، فَضَرَبَهَا حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا، فَقَالَ: اضْرِبْ فَإِنَّهَا نَائِحَةٌ وَلا حُرْمَةَ لَهَا، إنَّهَا لا تَبْكِي لِشَجْوِكُمْ، إنَّهَا تُهْرِيقُ دُمُوعَهَا عَلَى أَخْذِ دَرَاهِمِكُمْ، وَإِنَّهَا تُؤْذِي مَوْتَاكُمْ فِي قُبُورِهِمْ وَأَحْيَاءَكُمْ فِي دُورِهِمْ، إنَّهَا تَنْهَى عَنْ الصَّبْرِ وَقَدْ أَمَرَ الله بِهِ، وَتَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.
ولما جيء بالهُرْمُزان، ملك خوزستان إلى عمر رضي الله عنه، وافق ذلك غيبتَه من منزله؛ فما زال الهُرْمُزان يقتفي أثر عمر رضي الله عنه حتى عثر عليه في بعض المساجد نائماً، متوسداً دِرَّتَه. فلما رآه الهرمزان قال: هذا والله المُلْك الهَنِيء؛ عدلتَ فأمنتَ فنِمْتَ!، والله إني خدمت أربعةً من ملوكنا الأكاسرة أصحاب التيجان. فما هِبْتُ أحداً منهم هَيْبَتي لصاحب هذه الدِّرَّة.