الأوزان عند العرب

mohamadamin

حكيم المنتدى
الأوزان عند العرب
mks_icon.gif

لما استولت العرب على ما استولوا عليه من مملكة القياصرة ومملكة الأكاسرة اعتبروا ما وجدوه من الأقيسة وصنج الوزن والمكاييل من دون أن يغيروا شيئا من ذلك، فكانت نقود الرومانيين ونقود فارس هي المتعامل بها في جزيرة العرب وفي غيرها من الممالك، وحفظت كل جهة أوزانها وأقيستها، وقد تقدم أن برهنا على أن ما كان موجوداً في مملكة الأكاسرة وفي مملكة القياصرة أصله مصري ومنسوب إلى الأقيسة المصرية الفرعونية، والعرب بعد إشراق نور الإسلام لم يغيروا شيئاً من ذلكفصار ما تكلم عليه علماء الإسلام في كتبهم هو مصري، ثم إنا خصصنا في الخطط التوفيقية جزءاً بأكمله للنقود الإسلامية، وتكلمنا على الدرهم والدينار، وبينا أن درهم النقد غير درهم الوزن أو الكيل، يعني الجاري به التعامل، ومن تكلم من العلماء لا يفرق بين الدرهمين ولا بين الدينار والمثقال، وفيما كتبوه يعنون غالبا الدينار ويسمونه عرفا المثقال، لكن الدينار هو غير المثقال، وهو أكبر نقود الذهب، وكانت قيم الأشياء تقدر به، فيقال : قيمة كذا 100 دينار، أو أكثر، أو أقل، كما كان يقدر كذلك بدرهم النقد، فكان يقال : قيمة كذا من الأشياء كذا درهماً، وكان المثقال صنجة وزن، فيقال : وزن كذا من الأشياء 100 مثقال، أو أكثر، أو أقل، كما يقال : وزن كذا من الأشياء كذا درهماً، أو أوقية، أو رطلاً.
وحيث إن معرفة مقدار الدرهم والدينار والمثقال مهم للوقوف على حقيقة ما قصده العلماء في مؤلفاتهم الشرعية وغيرها لزمنا أن نأتي بملخص ما ذكرناه بخصوص ذلك في الخطط، مع زيادة ما يلزم زيادته لتمام الفائدة، فنقول :
قال في تاريخ البلاذري عن محمد بن سعيد عن الواقدي عن سعيد بن مسلم بن بابك عن عبدالرحمن بن سابط الجمحي : كانت لقريش أوزان في الجاهلية فدخل الإسلام فأقرت على ما كانت عليه، وكانت قريش تزن الفضة بوزن تسميه درهماً، وتزن الذهب بوزن تسميه ديناراً، فكل 10 من أوزان الدرهم 7 من أوزان الدنانير، وكان لهم وزن الشعيرة واحداً من ستين من وزن الدرهم، وكانت لهم الأوقية وزن 40 درهما، والنش وزن 20 درهماً، وكانت لهم النواة وزن 5 دراهم، وكانوا يتبايعون بالتبر على هذه الأوزان، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة [ بعد الفتح ] أقرهم على ذلك ا.هـ.
قلت : استفدنا من هذه العبارة أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أقر الأوزان على ما كانت عليه في الجاهلية، وأن الدرهم ستون حبة شعير، والعشرة دراهم هي 600 حبة = 7 دنانير، فيكون حب الدينار 85 و5/7 من الحبة ، فمتى علم الدرهم علم الدينار والأوقية وباقي الأوزان، وسيأتي ذلك مفصلاً إن شاء الله.
وقال ابن عبدالبر : كانت الدراهم بأرض العراق والمشرق كلها كسروية عليها صورة كسرى واسمه فيها مكتوب بالفارسية وزن كل درهم منها مثقال ا.هـ.
وقال المقريزي في رسالته للنقود : اعلم أن النقود التي كانت للناس على وجه الدهر على نوعين : السوداء الوافية، والطبرية العتقاء، وهما غالب ما كان البشر يتعاملون به، فالوافية وهي البغلية هي دراهم فارس، الدرهم وزنه وزن المثقال الذهب، والدراهم الجواز تنقص في العشرة ثلاثة، فكل 7 بغلية 10 بالجواز، وكان لهم أيضاًً دراهم تسمى جوارقية، وكانت نقود العرب في الجاهلية الذهب والفضة، لا غير، ترد إليها من الممالك دنانير الذهب قيصرية من قبل الروم، ودراهم فضة على نوعين : سوداء وافية وطبرية عتقاء، وكان وزن الدراهم والدنانير في الجاهلية مثل وزنها في الإسلام مرتين ا.هـ.
وقال ابن الرفعة : المتفق عليه بين أصحابنا فيما وقفت عليه من كلامهم أن المثقال من حين وضع لم يختلف جاهلية ولا إسلاما.
وقال في موضع آخر : وكان ما يتعامل به من أنواع الدراهم في عصره - صلى الله عليه وسلم - وفي الصدر الأول من بعده نوعين، منها الطبري والبغلي.
وقال البندنيجي والروياني : وكانت الزكاة تجب في صدر الإسلام في 200 منها، فلما كان في زمن بني أمية أرادوا ضرب الدراهم فنظروا فإن ضربوا أحدهما بمفرده أضروا بأرباب الأموال وأهل السهمان من الزكاة، فجمعوهما وقسموهما درهمين فخرج من ذلك كل درهم ستة دوانق، والدانق على المشهور من حبات الشعير الموصوف 2/5 8 حبة، وزعم بعضهم أن الدانق كالمثقال لم يختلف جاهلية ولا إسلاماً وعزى مثله لابن سريج في الدرهم.
وكافة العلماء متفقون على أنه لم يتعرض أحج لوزن الدرهم إلى زمن عبد الملك بن مروان فضرب السكة الإسلامية وأبطل غيرها وبقيت السكة الإسلامية مستعملة على ما كانت عليه غير أنه حصل التغير في نقشها، ويقال : أول من فعل ذلك أبو جعفر المنصور، وعبدالملك بن مروان جعل للدنانير مثاقيل من زجاج لئلا تتغير أو تتحول إلى زيادة أو نقص، وكانت قبل ذلك من حجارة ا.هـ.
وقال ابن الأثير : كان الناس لا يعرفون الوزن، إنما يزنون الأشياء بعضها ببعض فوضع سمير اليهودي لعبدالملك الصنج ا.هـ.
وقال الرافعي : أجمع أهل العصر الأول على أن الدرهم ستة دوانق كل 10 دراهم 7 مثاقيل ولم يتغير الحال جاهلية ولا إسلاماً ا.هـ.
وقال في المجموع : الصحيح الذي يتعين اعتماده واعتباره أن الدرهم المطلق في زمنه - صلى الله عليه وسلم - كان معلوما بالوزن معروف المقدار وبه تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشرعية، ولا يمنع هذا من كونه كان هناك دراهم أخرى أقل أو أكثر من هذا المقدار، فإطلاقه - صلى الله عليه وسلم - الدرهم محمول على المفهوم عند الإطلاق، وهو ما كل درهم 6 دوانق، وكل 10 دراهم 7 مثاقيل، وأجمع أهل العصر الأول ومن بعدهم إلى يومنا هذا عليه، ولا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمنه وزمن خلفائه الراشدين ا.هـ.
وقال المقريزي : قد تقرر أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال : إن النقود في الإسلام على ما كانت عليه، وأبوبكر لم يتعرض لها، وكذا عمر، غير أنه في سنة ثماني عشرة هجرية وضع الجريب والدرهم، وضرب عمر الدراهم على نقش الدراهم الكسروية وشكلها وأعيانها وجعل وزن كل 10 دراهم وزن 6 مثاقيل، وعثمان لم يضرب دراهم في خلافته، ولما اجتمع الأمر لمعاوية وجمع لزياد الكوفة والبصرة قال : ياأمير المؤمنين، إن العبد الصالح صغر الدرهم وكبر القفيز، فضرب معاوية السود الناقصة من 6 دوانق فتكون 15 قيراطاً تنقص حبة أو حبتين، وضرب دنانير عليها تمثال متقلد سيفاً، ولما قام ابن الزبير بمكة ضرب الدراهم مدورة، وضرب أخوه مصعب دراهم بالعراق، وجعل كل 10 دراهم 7 مثاقيل، ثم لما آل الملك لعبدالملك ضرب الدراهم والدنانير سنة 76 هجرية، وزن الدينار 22 قيراطاً إلا حبة بالشامي، وجعل وزن الدرهم 15 قيراطاً والقيراط 4 حبات والدانق 2.5 قيراط، وجعل عبدالملك الذي ضربه دنانير على المثقال الشامي وعمدإلى درهم واف فإذا هو 8 دوانق وإلى درهم من الصغار فإذا هو 4 دوانق، وجعل من الاثنين درهمين كل واحد ستة دوانق، واعتبر المثقال، فإذا هو لم يبرح في إبان الدهور مؤقتاً محدوداً كل 10 دراهم وزن 7 مثاقيل ولم يتعرض لتغييره ا.هـ.
ونقل البلاذري في تاريخه : قال محمد بن سعيد : وزن الدرهم من دراهمنا هذه 14 قيراطاً من قراريط مثقالنا الذي جعل 20 قيراطاً وهو وزن 15 قيراطاً من 21 قيراط وثلاثة أسباع قيراط، وقوله واحد وعشرين وثلاثة أسباع يوافق العشرة سبعة كما هو المتبع في كتب الفقه، بخلاف قول المقريزي 22 قيراطاً إلى حبة فإن العشرة لا تكون سبعة، وسيجيء لذلك توضيح.
وتلخص من هذه الأقوال أن الدراهم التي كانت في عصره - صلى الله عليه وسلم - على نوعين : درهم واف وزنه وزن المثقال وهو 8 دوانق وآخر وزنه 4 دوانق، وأن وزن الدراهم والدنانير في الجاهلية مثل وزنها في الإسلام مرتين، وأن الدرهم كان معلوم الوزن والمقدار، وأن ذلك لم تغيره الخلفاء الراشدون ومن بعدهم، والكل متفق على أن 10 دراهم 7 مثاقيل، وفي زمن عمر العشرة دراهم ستة مثاقيل، ودرهم معاوية خمسة عشر قيراطاً إلا حبة، أو حبتين ، ودرهم عبد الملك 15 قيراطا ، وديناره 22 قيراطا إلا حبة ، على قول المقريزي، فهو 87 حبة، وعلى قول ابن سعيد 21 وثلاثة أسباع قيراط فهو 85 حبة وخمسة أسباع حبة.
إلى هنا ليس علينا إلا بيان مقدار الدرهم والدينار.
 
عودة
أعلى