كيف يحبك الله

حمدى السيد;153911 قال:
المنْهَجُ الذي يُوَصِّلُ العَبْدَ لِحُبِّ اللهِ لَهُ​
إن أجمل ما يتعلق به عامل لله وأسمى غاية يتجه إليها عارف لمولاه هي أن يحبه الله وكلنا بلا استثناء نتمنى ونشتاق ونريد أن يكرمنا الله فيحبنا ويكشف لنا في أنفسنا أو في غيرنا الدليل على محبته وكلنا نطمع أن ندخل في قوله:
[فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ]
فحبُّه سابق وحبُّنا لاحق ولولا حبُّه لنا ما أحببناه ولولا إعانته لنا ما عبدناه ولولا توفيقه لنا ما سلكنا طريق الهداة ، ولذلك طلب منا أن نقول في كل ركعة من ركعات الصلاة
[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ]
فإذا لم يوفق الله ويعين ، فماذا يفعل العبد في طاعته وعبادته لربِّ العالمين ونحن جميعاً نريد أن ندخل في محبة الله وأهل محبة الله يتولاهم الله بولايته ويمدهم بإمداد عنايته ويجعلهم دوماً تحت رعايته لأن الله آل على نفسه أن يكون هو حسبهم وهو كفيلهم وهو وكيلهم عزَّ وجلَّ إذن كيف يحبك الله ؟هذا هو السؤال؟ والإجابة : نقرأها في أحاديث الله القدسية التي أعلمنا بها خير البرية ما المنهج الذي يوصل العبد إلى أن يحبه الله؟ وقد قال في شأن ذلك الحب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{ وَإِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدَاً لَمْ يَضُرَّهُ ذَنْبٌ }[1]
لماذا ؟لأن الله سيحفظه من الذنب والعصمة للأنبياء والحفظ للأولياء والزلل والضلال والعياذ بالله للأشقياء والله تولى الإجابة بذاته : ليعرف البسيطة كلها الطريق إلى محبة الله فقال عزَّ شأنه في الحديث القدسي الصحيح الوارد في الروايات الكثيرة في صحيحي البخاري ومسلم
(وَمَا تَقَرَّبَ إِلَـيَّ عَبْدِي بشىءٍ أَحَبَّ إلـيَّ مِـمَّا افْتَرَضْتُ علـيهِ ومَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَـيَّ بالنوافلِ حَتَّـى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كنتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ويَدَهُ الَّتِـي يَبْطُشُ بِهَا ورِجْلَهُ الَّتِـي يَـمْشِي بِهَا وَلَئِنْ سَأَلَنِـي عَبْدِي أَعْطَيْتُهُ ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِـي لأُعِيذَنَّهُ )
الحديث طويل وقائله هو رب العزة عزَّ شأنه هذا الحديث يوضح منهج الصالحين السابقين والمعاصرين واللاحقين الذي ساروا عليه حتى نالوا محبة ربِّ العالمين ،وفيه المنهج الكامل بعد التوضيح والبيان فأحب ما يتقرَّب العبد به إلى ربه هو الفرائض المفترضات لذلك فإن سيدنا عبد الله بن مسعود قال:
يارسول الله{أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا}[2]
فأهم ركن وأول ركن في منهج القرب من الله ونيل محبة الله الصلاة لوقتها
[حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ]
وقانتين يعني عابدين ولكن بعد المحافظة على الصلاة وأي زيادة في العبادات وفي الأعمال الصالحات لا تصحُّ ولا تجوز إلا بعد إحكام الأساس الأول وهو المحافظة على الفرائض في وقتها والمحافظة على الصلاة تعني أن العبد يتجهز ويتأهل للصلاة وينتظر الآذان في بيت مولاه عزَّ وجلَّ ولا ينتظر حتى يؤذن المؤذن ويذهب لأنه بذلك سيذهب غير متأهل ولذلك تجد جُل الصالحين لا يؤذن عليهم الآذان إلا وهم في بيت الله مترقبين الصلاة وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:
{ لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ لاَ يَمْنَعَهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ انْتِظَارُ الصَّلاَةِ }[3]
لماذا؟ لأنني إذا تكلمت مع فلان أو فلان وأذن المؤذن سأذهب وأنا مشغول بما قيل وأفكر فيما أقول فكيف إذاَ يكون شكل هذه الصلاة ؟ لكنني قبل الصلاة يجب علىَّ أن أقطع كل الشواغل الكونية وكل المشاغل الدنيوية وأتطهَّر ظاهراً وباطناً وأذهب إلى بيت ربي وأشغل الدقائق المتبقية بذكر الله والاستغفار لله أو بتلاوة كتاب أو بالصلاة والتسليم على سيدنا رسول الله فيتجهز القلب للقاء مولاه والمناجاة وهذه هي صلاة الأوابين إذن لا بد وأن يجهز نفسه قبل الصلاة وكان يقول في ذلك الإمام سعيد بن المسيب :
"بقى لي أربعين عاماً ما أذن علىَّ المؤذن إلا وأنا في مسجد رسول الله فسألوه من الذي كان يصلي بجوارك ؟ قال " بقي لي أربعون عاما أصلي وما حدثت نفسي يوماً بمن على يميني ولا من على شمالي "
وذلك لأنه مشغول بـالله إذاً الفرائض في وقتها وخاصة الصلاة الشهودية التي قال فيها رب البرية
[وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ]
إنها صلاة شهود كنوز فضل الله وشهود خزن عطاءات الله وهي تفتح لعباد الله لأنه وقت توزيع الأرزاق الحسية والمعنوية على الصالحين من عباد الله ويكفي فيها قول الحبيب:
{من صلى لله أربعين يوماً في جماعةٍ يدرك التكبيرةَ الأُولى كُتِبَ لهُ براءَتَان: بَراءَةٌ مِنْ النَّار وبراءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ}وفى رواية(من صلَّى الفجر فى حماعة)[4]
وهذا تعهد من الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم وقد كنا في رمضان محافظين على الفجر في وقته وفي الأعمال كان أغلبنا يتوضأ ويتجهز قبل الصلاة وكنا محافظين على المواعيد لماذا كان ذلك في رمضان فقط ؟! نحن يا أحباب لسنا رمضانيين أي موسميين ومن معه عقد موسمي فليس له شيء عند الله فرمضان كشعبان وشوال بالنسبة لفرائض الله لأن ذلك هو باب الفتح الأعظم من الله للصالحين من عباده فيلزم أن نحافظ على الفرائض في وقتها والفرائض كما وضحت يلزم أن يتجهز لها المؤمن قبل الآذان وليس هناك عذر لمؤمن يمنعه من أداء الصلاة في وقتها يقدمه لربه ويقبله ربه إلا إذا كان مسافراً سفراً شرعيا ضروريا فله أن يقدم أو يؤخر أو إذا كان مريضاً منعه الطبيب المسلم من مغادرة فراشه ومعنى السفر الشرعي : هو أن يكون مسافراً إلى العمرة أو إلى الحج أو لطلب العلم أو لزيارة مريض أو لحضور جنازة مسلم أو لبر الوالدين هذه هي الأسفار الشرعية لكن لو كان هناك من يسافر للمصيف فلا عذر له أن يؤخر الصلاة عن وقتها أو يسافر لحضور مباراة فإن ذلك ليس بعذر شرعي لأنه يلزم أن يكون عذر شرعي تقره الشريعة فالأعذار يجب أن تكون من لائحة الأعذار التي وضعها النبي المختار ويقبلها العزيز الغفار عزَّ وجلَّ ولا يلتمس أحد من نفسه لنفسه الأعذار لأن هذه مصيبة المسلمين في هذا العصر فمثلا إذا زارني صديق أو إذا كنت أزور صديقا وحان وقت الصلاة ما علىَّ وما عليه إذا قلت له : يا أخي هيا بنا نصلي ثم نتم الحديث بعد الصلاة ؟وإذا استحييت أن أقول له ذلك فإن هذا حياء لا يحبه الله ويبغضه سيدنا رسول الله لأنه ليس بعذر وحتى لو كان على غير ديني - أي غير مسلم - وحان وقت الصلاة فيجب أن أظهر له تعظيمي لشعائر ديني فأقول : بعد إذنك سأصلي ثم آتي لأكمل معك الحديث فإنه بذلك سيحترمني ويعظمني عندما يجدني أعظم شعائر ديني لكن هل من الأعذار أن أتكلم مع واحد في بيتي أو على مقهى والآذان يؤذن ولا ألبي الآذان؟كلا فإن هذا ليس بعذر إذا كان الحبيب تقول في شأنه السيدة عائشة : كان يجلس معنا يحدثنا ونحدثه فإذا حان وقت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه فهذا فعله حتى مع أولاده وأهله لأنه عند الآذان يلبي الآذان ويجب علينا جميعاً أن ندرِّب أولادنا على ذلك فإذا أذّن المؤذن أقول لمن يتكلم منهم : إنتظر يا بني ولبِّ الآذان فإذا لم نعلّمهم نحن ؟ فمن إذاً الذي سيعلمهم ؟وإذ اتصل بي واحد بالتليفون عند الآذان ؟ فإن مثل ذلك لا يعرف أدب الإسلام فعلي أن أقول له إنتظر ثم اتصل بعد الآذان فوقت الله لا نسمح به لمخلوق سوى حضرة الله فهو الخالق الأعظم جل وعلا ، وهذا وقته وقد تعلمنا من الصالحين أنني إذا كنت مسافراً وسمعت الآذان فعلىَّ أن أردّد الآذان وإذا كنت في جماعة ولا أستطيع النزول أعتذر إلى ربي عن تأخير الصلاة حتى أصل إلى محطة الوصول أو إلى أقرب مكان وأقول سامحني يا رب لأنني مسافر إلى أن أصل لكن إذا كانت سيارتي ؟فعلي أن أنتظر وأصلي حتى أنهم كانوا يقولون لنا : صلِّ واركب لا تُنكب وهذه حكمة علمها لنا الصالحون فمن يصلي يكون في حفظ الله فمن أين تأتي له النكبات ؟لكن اقول سأصلي بعد أن أصل من أين أضمن أنني سأصل ؟فعلى أن أصلي أولا ثم أركب وبذلك أكون دخلت في قوله تعالى:
[هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ]
فهو الذي سيسيرني ويحفظني بحفظه عزَّ وجلَّ وكان أصحاب رسول الله كما ورد في شأنهم من فاتته تكبيرة الإحرام الأولى في الصلاة يتلقى العزاء منهم لما فاته من الأجر والثواب وفضل الله ثلاثة أيام ومن فاتته صلاة الجماعة الأولى مع الإمام يعزونه لمدة أسبوع وذلك للكرب الذي أصابه والغم الذي نزل عليه لأنه حُرم من فضل الله وكرمه الذي ينزله ويفرغه الله على المؤمنين الذين يؤدون الصلاة في أول وقتها فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم
{أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَوَسَطُ الْوَقْتِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَآخِرُ الْوَقْتِ عَفْوُ اللَّهِ}[5]
وهل يستوي من يصلي في وقت الرضوان ومن يصلي في وقت المغفرة ؟ كلا ووقت الرضوان يعني أنه سينهل من كنوز الرضوان
[وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ]
فهذا هو أول أمر في منهج محبة الله للعبد الذي يريد أن يحبه مولاه ومثل هذا يدخل في:
{ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ .......وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ }[7]
لأنه عندما ينتهى من الصلاة يكون معلقا بالصلاة الثانية ومترقبها ومنتظرها وبذلك يكون في صلاة طوال اليوم فعندما ينتهي من صلاة الظهر ينتظر صلاة العصر حتى وهو في عمله وعندما ينتهى من صلاة العصر ينتظر المغرب وهؤلاء يقول فيهم الله [:
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ]
ومثل هذا في صلاة دائمة لأنه في انتظار الصلاة ، ووقته كله مع مولاه جلَّ في علاه .
يتبع إن شاء الله
المصدر: كتاب (كيف يحبك الله) للأستاذ فوزي محمد أبوزيد
[1] الْقشيري في الرسالةَ وابنُ النَّجَّارِ عن أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ وأوله [التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ ،وإذا]
[2] رواه مسلم ،وتمامه [قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله» فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلاَّ إِرْعَاءً عَلَيْهِ]
[3] عن أَبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ فى .جامع الأحاديث و المراسيل .
[4] سنن الترمذى عن أنسٍ بنِ مالكٍ رضى الله عنه
[5] عن أَبي محذُورةَ رضيَ اللَّهُ عنه ُفى جامع الأحاديث و المراسيل .
[6] صحيح الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه

 
حكم السنن اللواحق مع الفرائض
ومن شدة اعتناء الحبيب الأعظم بأمر الفرائض جعل لها لواحقا وهي السنن القبلية أو البعدية ونحن نعتبرها سنناً والصالحين عندما وضحوا وبينوا هذا قالوا
{ما لا يتم الشيء إلا به فهو منه}
والمعنى :أن الجلباب لو حدث فيه خرق وأعطيته للرفّا ليصلحها بقطعة ثانية فبعد أن يرفيها تصبح هذه القطعة من الجلباب فقبل أن يرفيها بهذه القطعة كانت ليست منه ولكن بعد أن رفاها بها أصبحت منه فلا يوجد منا من يستطيع أن يصلي الصلاة التي من بدئها إلى ختامها حضور مع مولاه فلا بد من وجود السهو والغفلة والتقصير ولذلك علَّم النبي أصحابه أن يستغفروا بعد الانتهاء من الصلاة ويقول كل رجل منهم : أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات مم يستغفرون ؟ يستغفرون من التقصير والقصور والفتور الذي انتابهم في الصلاة لعل الله يجبر ذلك ويتقبل منهم إذن ما الذي يجبر التقصير؟قال صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الطويل
{إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، وَإنِ إنْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ يَكْمُلُ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَله على ذَلِك }[1] وفى رواية تميم الدارى فى جامع الأحاديث والمراسيل{ فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلاَّ قِيلَ : انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ ؟ فَأُكْملتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ فَإِنْ لَمْ تُكْمَلِ الْفَرِيضَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَطَوُّعٌ أُخِذَ بِطَرَفَيْهِ فَيُقْذَفُ بِهِ فِي النَّارِ}
إذن النوافل تجبر الفرائض وبذلك فهل تكون نوافلاً أم فرائض؟تكون فرائض إذن لمن تكون نوافل؟تكون للفذَّ الذي يقول النبي في شأنه
{صَلاةُ الجَمَاعَة تفضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بسبع وعشرينَ درجة}[2]
والفذُّ هو الذي ليس له نظير في عبادته ولا طاعته ولا تقواه ولا خشيته لمولاه وليس معنى الفذ من يصلي بمفرده فقط فالنوافل كلها بالنسبة لنا تعتبر فرائض إلى أن يمنَّ الله على الإنسان ويجبره ويشغل باله عن جميع المشاغل فيصلِّي صلاة العارفين هنا فقط تكون نوافله نوافل قرب من حضرة ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ إذن الفرائض هي الباب الأول الذي يجب على الإنسان أن يوليه جلَّ اهتمامه وأكثر عنايته ومن قصّر ؟فإنما يكون تقصيره تقليلاً في مقامه وتقليلاً من شأنه عند ربه وبعد أن يؤدي الإنسان الفرائض يزيد في النوافل وما النوافل التى كان يتعهدها الصالحون لكي يحبهم الله؟
[لا يزال عبدي يتقرَّبُ إلىَّ بالنوافل حتى أحبَّهُ]
هي نفس النوافل التي كان سيدنا رسول الله يقوم بها ويعملها لله عزَّ وجلّ والنوافل التي مع الفرائض المفترضات ورد فيها قوله فى معنى الحديث الشريف
{ من صلَّى عشْرَ ركعات في اليَومِ والليلة بُنِيَ لهُ قصرٌ في الجنة }
فقد كان النبى يصلى ركعتين قبل الصبح وركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وأربع قبل العصر واثنين بعد المغرب واثنين قبل العشاء واثنين بعدها فلو صلى الإنسان عشرة من هذه الركعات يبنى له قصر في الجنة وقد ورد في العشر ركعات روايات عديدة أشهرها عن نافع رضى الله عن ابن عمررضى الله عنهما قال
[3](عشرُ ركعاتٍ كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يداوم عليهنَّ: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر) وفى رواية أخرى مشهورة قال( حفِظتُ عن رسولِ الله عَشْرَ ركعاتٍ كان يصليها بالليلِ والنهارِ. - وذكر العشر ركعات)
والسنن المؤكدة التى كان النبى يتعهدها ويوصي بها أصحابه ما هي؟يقول فيها سيدنا أبو هريرة
{أوصاني خَليلي صلى الله عليه وسلم بثَلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ ورَكعتَيِ الضُّحى وأنْ أُوتِرَ قبل أنْ أنام}[4]
والوتر لا بد منه والنبي قال في شأنه مارواه عبد الله بن عمر رضى الله عنهما فى مستد الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه
{فأوتر بواحدة }
و فى الرواية الأخرى[
أوتروا ولو بواحدة ]
فإن كنت مشغولاً فأوتر بركعة المهم ألا تدع الوتر فإما أن أصليه قبل أن أنام وأما إذا كنت متحققا وضامناً لقيام الليل أؤخره إلى ما بعد القيام وحتى لو صليته قبل المنام وفتح الله علي في قيام الليل فلي أن أبدأ بركعة واحدة وهذه الواحدة مع الواحدة التي صليتها وترا سيكون الإثنين شفعا وأصلي ما شئت ثم أختم بالوتر وذلك لكي لا يكون هناك تعارض بين الأحاديث فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث آخر قال ابن عمر رضى الله عنهما
(من صلى بالليل فليجعلْ آخرَ صلاته وتراً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فإذا كان الفجرُ فقد ذهبتْ كلُّ صلاة الليل والوتر)
فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
{ أوْتِرُوا قَبْلَ الفَجْرِ } [5]
يعني آخر صلاة قبل الفجر هي الوتر وقال صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم في حديث آخر
{ لا وتران في ليلة }[6]
فلا يصحُّ أن أصلي الوتر مرتين أبيِّن ثانية وأقول : إن الصالحين جمعوا بين هذه الأحاديث بما يلي إذا كنت لن أقوم الليل فأوتر قبل أن أنام وإذا فتح الله علي أصلي ركعة ثم أصلي ما شئت ثم أختم بالوتر المهم أن يكون الوتر مرة واحدة ولا بد من صلاة الوتر ولذلك فإني أعجب من كثير من الناس الذين يتهاونون بصلاة الوتر ولا يصلونها إن الوتر من السنن المؤكدة وكان سيدنا رسول يوتر أحياناً بواحدة وأكثره ثلاثة عشر فكان أحياناً يصلي ثلاثة ركعات وأحياناً يصلي خمسة ركعات، وأحياناً يصلي سبعة وأكثر ما ورد عنه ثلاثة عشر ركعة .
يتبع إن شاء الله

[1] الترغيب و الترهيب عن أَبِي هُرَيْرَةَ رواه الترمذي
[2] صحيح البخاري عن ابن عمر رضى الله عنهما
[3]عن ابن عمر فى مسند الإمام أحمد بن حنبل والرواية الثانية فى سنن البيهقى الكبرى عنه كما رواه البخاري فـي الصحيح عن سلـيـمانَ بن حرب
[4] صحيح البخارى عن أبي هريرةَ
[5] عن ابن عمر فى مسند الإمام أحمد بن حنبل .
[6] عن طلق بن على رضى الله عنه ، فى جامع الأحاديث و المراسيل .

 
قيام الليل نور وشفاء
كان النبى يحافظ على القيام لأن الله قال له
[وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً]​
من يريد أن يكون له مقام محمود فعليه بقيام الليل وجعله الله عليه فرضا فقال له
[يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً]
ويقول في ذلك أحد الصالحين :
"ركعتان في جوف الليل الآخر خير من ألف ركعة بالنهار"
وسبحان الله إن العلم الحديث في أيامنا هذه كشف لنا عن سر صلاة التهجد وذلك في حديث {عليكم بقيام الليل} قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{عَلَـيْكُم بقـيامِ اللَّـيْلِ فإنَّهُ دأَبُ الصالـحينَ قَبْلَكُمْ وإنَّ قـيامَ اللَّـيْلِ قُرْبَةٌ إلـى الله تَعَالَـى وتَكْفِـيرٌ للسيئاتِ ومنهاةٌ عن الإثْمِ، ومَطْرَدَةٌ للدَّاءِ عن الـجَسَدِ }[1]
وهذا الحديث من معجزات النبى فالأطباء أثبتوا ذلك وقد كتب أحد أساتذة الأطباء في جريدة الأهرام المصرية نقلاً عن كتاب ألفه مجموعة من الأمريكيين جاء فيه "إن القيام من الفراش في أثناء الليل والحركة البسيطة داخل المنزل أو القيام بتدليك الأطراف بالماء – انظر هذا يشبه الوضوء – والقيام ببعض التمرينات الخفيفة -وهذا يشبه الصلاة – والتنفس بعمق –وهذا يكون في المناجاة- له فوائد صحية كبيرة "...قال الأستاذ الطبيب "والمتأمل لهذه النصائح يجد أنها تماثل تماماً حركات الوضوء والصلاة عند قيام الليل وقد سبق النبي كل هذه الأبحاث في الإشارة المعجزة على فوائد قيام الليل وذكر الحديث"
وعن هذه الفوائد قال: ثبت أن قيام الليل يؤدي إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزول وهو الكرتيزون الطبيعي للجسم خصوصا قبل الإستيقاظ بعدة ساعات ، وهو ما يتوافق زمنياً مع وقت السحر الثلث الأخير من الليل ، مما يقي من الزيادة المفاجئة في مستوى سكر الدم والذي يشكل خطورة على مرضى السكر ويقلل كذلك من الإرتفاع المفاجئ في ضغط الدم مما يقي من السكتة المخية والأزمات القلبية ويقلل قيام الليل من مخاطر تخثر الدم في وريد العين الشبكي الذي يحدث نتيجة لبطئ سريان الدم في أثناء النوم وزيادة لزوجة الدم بسبب قلة السوائل أو زيادة فقدانها أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفس ويؤدى قيام الليل إلى تحسن في حركة وليونة المفاصل خاصة في مرض إلتهابات المفاصل وهو علاج ناجح لما يعرف بمرض الإجهاد المزمن ويؤدى إلى تخلص الجسم من الجليسيرات الثلاثية – نوع من الدهون التي تتراكم في الدم وتزيد من مخاطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية ويقلل من خطر الوفيات من جميع الأسباب وينشط الذاكرة وينبه وظائف المخ الذهنية المختلفة لما فيه من قراءة وتدبر للقرآن وذكر للأدعية فيقي من أمراض الزهايمر وخرف الشيخوخة والإكتئاب وغيرها وكذلك يخفف من شدة مرض طنين الأذن لأسباب غير معروفة هكذا ذكر الطبيب وهناك ابحاث أخرى وصدق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
{ومطردة للداء عن الجسم }
وبالتالي في القيام دواء وشفاء ونور وجمال وكمال وبهاء ولذلك فسيدنا جبريل نزل في مرة لرسول الله بوصية عظيمة من حضرة الله قال فيها
{ يا محمدُ عِشْ مَا شِئْتَ فِانَّكَ مَيِّتٌ واعْمَلْ مَا شِئْتَ فَانَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ وأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَانَّكَ مُفَارِقُهُ واعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ وعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ}[2]
بعدها ارسل الحبيب رسالة(فاكس)لجميع الصالحين السابقين واللاحقين من الذي يريد أن يكون من الوجهاء والعظماء يوم الدين فلبت أرواحهم :نحن وكان فحوى أو مضمون هذه الرسالة
{ من َصَلَّى باللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ رفعت له يوم القيامة الأعلام }
وقال مرة أخرى:
{ بَشِّرِ الـمَشَّائِيْنَ فـي الظُلَـمِ إلـى الـمساجِدِ بالنورِ التَّامِّ يومَ القـيامةِ } [3]
[كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ]
فإن هذا هو الوقت الذي يتنزل الله فيه إلى السماء الدنيا والتنزل يعني يتنزل بفضله وكرمه وخيره وبره ورحمته وعنايته وليس معنى يتنزل أي يتنزل بذاته لأن الله لا يحيزه زمان ولا مكان وينادي فيه هل من تائب فأتوب عليه؟هل من مبتلى فأعافيه؟
هل من مسترزق فأرزقه؟هل من كذا هل من كذا حتى مطلع الفجر
سهام الليل صائبة المرامي إذا وترت بأوتار الخشوع
وسهام الليل أي الدعوات التي في جوف الليل الآخر لأنها سهام تصيب في النحور
سهام الليل صائبة المرامي إذا وترت بأوتار الخشوع
يصوبها إلى المرمى رجال يطيلون السجود مع الركوع
إذا أوترن ثم رمين سهما ما يغني التحصن بالدروع

فهذا هو وقت الفتح
إلهي بالتجلي في ساعة الأسحار ... إذْ أضاءت شموسه للسارى
فهذه أوقات مناجاة ولذلك فإن جميع الصالحين ينادى عليهم معسكر الجمع على حضرة الله في وقت الليل الآخر ولذلك كانت أم سيدنا سليمان بن داود عليه السلام تقول له: يا بني لا يكن الديك أفقه منك فإنه يقوم لله عزَّ وجلَّ في جوف الليل الآخر وكان الصالحون يقومون عند سماع الديكة وكانت هذه المنبهات التى تنبههم إن لم تكن المنبهات في الصدور ، ولذلك قال أحد الحكماء:
" من لم يكن له في بدايته قومه لم يكن له في نهايته جِلسة"
من يريد أن يكون له جلسه في مقعد صدق أو مع الذين اتقوا والذين هم محسنون لا بد أن تكون له قومه بالليل لأن هذا هو وقت الجمع على الله وهذه هي السنة التي كان عليها سيدنا رسول الله فقد كنا نصلي القيام في رمضان فيلزم يا إخواني أن نحافظ على القيام والصلاة ذكر لأنها شاملة لكل شيء فيها ذكر وفيها تلاوة قرآن وفيها تفكر وفيها تدبر وفيها خشوع وفيها خضوع وفيها رياضة بدنية إنها عبادة جامعة فخير الذكر ما كان في الصلاة
[وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي]
وخير التلاوة ما كانت في الصلاة
[إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ]
والتلاوة هنا في الصلاة
يتبـــــــــــــــــــع إن شاء الله
[1] حديث صحيح فى السنن الكبرى للبيهقى عن بلال وروايات أخرى الترمذي وغيره عن أبي أمامة .
[2] مجمع الزوائد عن سهلِ بنِ سعدٍ و روايات أخرى
[3] حازم عن سهل بن سعد الساعديِّ سنن البيهقى الكبرى و صحيح ابن خزيمة
 
جزاك الله خيراً أختنا الكريمة على هذا الموضوع القيم
جعل الله ما تبذلين من وقت وجهد في موازين حسناتك
ننتظر المزيد من مواضيعك المبدعة والمتميزة
تقبلي تحياتي وشكري تقديري
 
سبحة الضحى
والنفل الذي كان يتعهده ويحافظ عليه سيدنا ومولانا رسول الله هو ركعتا الضحى ووقتهم بعد شروق الشمس بثلث ساعة إلى قبل الظهر بثلث ساعة وأقلها ركعتان ولا حد لمنتهاها والحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم علل وبين سر تعهده لها فقال مما علمه ربه {يصبح على كل سّلامى من ابن آدم صدقة - وسلامة يعني فقارة- وعددها ثلاث مائة وستون فقَّارة- وسبحان الله لم تحصَ بهذا العدد إلا في العصر الحديث في علم التشريح وهي الفقرات التي بالظهر والفقارات التي في اليدين والفقارات التى في الجسم كله فكوني أستيقظ في الصباح وأجد أن هذه الفقارات تعمل من الذي لينها وشحمها لكي تؤدي عملها؟ الله عز وجل فلو لم يزيتها ملك الملوك أين أجد لها الزيت؟ هل يوجد هذا الزيت في أي صيدلية؟ من يحدث له خشونة من الذي يستطيع أن يزيت له هذه الخشونة؟ والذي يحدث عنده تيبس من الذي يستطيع أن يفك له هذا التيبس؟ لا يوجد ولذلك أنصح إخواني بهذه النصيحة التي اوصت بها جمعية الأطباء الأمريكيين حيث قالوا : ان المحافظة على الصلاة بالنظام الإسلامي تجعل الفرد لا يصاب بأي خلل في فقرات العمود الفقري وعندما أسمع الآن أن فلان مصاب بإنزلاق غضروفي أعلم أنه غير محافظ على الصلاة في وقتها لأن أي مؤمن سيحافظ على فرائض الله ونوافل رسول الله كيف يصاب بالإنزلاق الغضروفي أو التيبس؟ لا يأتيه مثل ذلك ابداً لأنها التحصينات الإلهية فإذا ترك هذه التحصينات فتح على نفسه الباب في الوقوع في هذه الأعراض وهذه الأمراض والنبي قال ذلك{يُصْبِح عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ - وعددها ثلاث مائة وستون -فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ فتحير الناس كيف يأتون بالثلاثمائة وستون صدقة؟فأشار إلى أنها سهلة ميسورة فقال وَيُجَزِىءُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى}[1] يعني إذا صليت ركعتي الضحى تكون قد شكرت الله على تشغيل كل الفقرات التى في جسمك وقدمت الشكر [لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ] كما قال الله جل في علاه فما الذي يضيرني بعد ان أفطر أن أتوضأ وأصلي ركعتى الضحى وأخرج إلى العمل وأنا على وضوء وأكون قد تسلحت بسلاح المؤمن الذي قال فيه رسول الله الوضوء سلاح المؤمن وفى الحديث (لايحافظ على الوضوء إلا مؤمن) [2] وإذا كنت مشغولا أتوضأ وبعد أن أصل إلى العمل انتهز أي فرصة وأصلي الركعتين وبذلك أكون باركت مكان العمل حتى يؤمنني الله فيه من الخطر والزلل ومن أهل الشر والمنافقين.. والصالحون قد عودوا أنفسهم على المداومة ونحن لا نستطيع المداومة فالإنسان غير الملتزم في العلاج الطبي يستمر على الدواء يومين أو ثلاثة ثم يتركه وهذا الأمر عينه طبقناه على الأدوية القرآنية والأشفية النبوية لكن الصالحين عباداتهم دائمة ولذلك لا يفرقون بين رمضان وغير رمضان[رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ]هل ذلك في رمضان أم في كل وقت آن؟باستمرار وعلى الدوام وهذه هي نوافل الصلاة والفريضة الأولى علينا جماعة المؤمنين هي الشهادتان ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ) وقد أمرنا الله أن نتلفظ بها في كل صلاة مرة أو مرتين في أثناء التشهد الأخير هل لها نوافل؟نعم [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً]فلا يكفي أن أنطق بالشهادتين في الصلاة مرتين وحسب فماذا يمنعني في أثناء قعودي أو ذهابي أو إيابي أو نومي من تحريك اللسان بذكر الله قال صلَّى الله عليه وسلَّم {ما عمل آدمي عملاً قط أنحى له من عذاب الله من ذكر الله }[3] من يا رسول الله من أصحابك في المكانات العالية؟ قال {سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ الله وَمَا المُفَرِّدُونَ؟ قالَ المُسْتَهْتِرُونَ في ذِكْرِ الله. يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهمْ فَيَأْتُونَ يَوْمَ القيامَةِ خِفَافاً }[4]
يتبـــــــــــــــع إن شاء الله

[1] صحيح مسلم ، عَنْ أَبِي ذَرَ
[2] الترغيب وفى الإرواء عن ثوبان
[3] عن معاذ بن جبل ـمسند الإمام أحمد بن حنبل
[4] سنن الترمذى عَن أبي هُرَيْرَة
 
الصيام المسنون
أوله وأعظمه ما أشار إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله { من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر }[1] والدهر يعني السنة فإذا صام الستة متتابعين يجوز ذلك ولو صامهم متفرقين يجوز أيضاً المهم أن يصومهم خلال الشهر وبعد ذلك يوجد حد أدنى وحد أعلى للصيام المسنون أحد الصالحين فصل ذلك فقال: " الحد الأعلى لصيام النوافل هي صيام يوم وافطار يوم وهو صيام داود عليه السلام وسيدنا عبد الله بن عمر قال له رسول الله عندما صام الدهر{ قال: فصُمْ يوماً وأفطرْ يوماً، فذلك صِيامُ داودَ عليه السلامُ، وهو أفضلُ الصيام. قلت: إني أطيقُ أفضلَ من ذلك، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا أفضلَ من ذلك } [2] وهذا كلام رسول الله والحد الأوسط صيام الإثنين والخميس وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يتعهده في بداية دعوته وكان يقول { تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم }[3] وفي آخر حياته وعندما كبر سنه ولكي يسن للضعفاء والمرضى كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وهذا هو الحد الأدنى ويقول فيه صلَّى الله عليه وسلَّم { ثَلاَثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ. فَهذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ }[4] ولذلك قالوا: "ولا يقل المؤمن عن ذلك" أى لا يصح أن يمر عليه شهر بدون صيام الثلاثة أيام فإذا صام الاثنين أو الخميس من كل أسبوع فإن ذلك يبلغه وإذا صامهم متتابعين فلا بأس المهم أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر والأهم أن يحافظ على ذلك فلا يصوم سنة ثم يأخذ بقية عمره في سِنَه هذا بالنسبة لأصحاب الأعذار أما بالنسبة للشباب فعلى الشاب التقي أن يصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع أو يصوم يوما ويفطر يوما وخاصة الشاب الذي لم يتزوج فلا يقل عن الاثنين والخميس والأفضل له أن يصوم يوما ويفطر يوما لأنها وصية الحبيب التي يقول فيها {يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء }[5] وجاء أى وقاية - هل يصوم الثلاثة أيام فقط؟ لا بل عليه صيام الإثنين والخميس أو يصوم يوما ويفطر يوماً أو يصوم الاثنين والخميس والثلاثة أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر الهجري وهذا هو الحد الأدنى للشباب لكن أصحاب الأعذار عليهم المحافظة على الثلاثة أيام من كل شهر لأن هذا ما تعهده رسول الله ونحن نعمل بقول الله [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً]
يتبــــــــــــــــــــــــــــــع إن شـــــــــــــــــــــــــــاء الله

[1] عن أبى أيوب ، صحيح الإمام مسلم
[2] عن عبد الله بن عمر فى صحيح البخارى .
[3] عن أبي هريرة تخريج المشكاة التعليق الرغيب والإرواء .
[4] صحيح مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ و تمامه«....صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَىٰ الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنةَ الَّتِي بَعْدَهُ. وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَىٰ الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتِي قَبْلَهُ. ).
[5] عن عبدالله بن مسعود رواه البخارى وبقية الستة .
 
صدقة التطوع
والركن الرابع هو الزكاة لمن عليه الفريضة ومن ليس عليه زكاة عليه نفلها وهو الصدقة والصدقة يا اخواني هي باب القرب وسر كل عطاء وقد قال الله عزَّ وجلَّ ( يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ») [1] ولذلك لو جاء عبد بعبادة الثقلين وكان شحيحا في الإنفاق فقل له ليس لك نصيب في كرم المليك الخلاق [وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] وكان أحد الصالحين يقول "تصدق ولو بنصف تمرة كل يوم تكتب في ديوان المتصدقين وصلي ولو ركعتين في جوف الليل كل ليلة تكتب في ديوان القائمين" إنها دواوين تفتح كل يوم ويلزم للإنسان أن تكون له صدقة دائمة لله عز وجل [للْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً] ومن لم يتمرن على الإنفاق لا يطمع في كرم الخلاق عزَّ وجلَّ " ( يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ») لأن خلق الله الكرم و اسمه الكريم ليس من أخلاقه أو أسمائه البخيل وهو كريم يحب كل كريم لأن الله يحب من خَلقه من كان على خُلقه (السَّخَاءُ شَجَرَةٌ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ ، أَغْضَانُهَا مُتَدَليَاتٌ فِي الدُّنْيَا ، فَمَنْ أَخَذَ بِغُصُنٍ مِنْهَا قَادَهُ ذٰلِكَ الْغُصْنُ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَالْبُخْلُ شَجَرَةٌ مِنْ أَشْجَارِ النَّارُ ، أَغْصَانُهَا مُتَدَليَاتٌ فِي الدُّنْيَا ، فَمَنْ أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا قَادَهُ ذٰلِكَ الْغُصْنُ إِلَى النَّارِ »[2] ومن يريد أن يكون من أهل الغرف العالية في الجنة ماذا يفعل يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه و سلم { إنَّ في الجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنَها، وَبَاطِنُها مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّها اللَّهُ لِمَنْ أَطعَمَ الطَّعَامَ، وَ أَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى باللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ }[3] وهذه يا إخواني هي أبواب الإكرام يكفي أن ( والصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفِىءُ الماءُ النَّارَ )[4] ومن منا بغير خطيئة وأسرع شيء لمحو الخطيئة هو الصدقة وربما يكون الاستغفار بغير حضور قلب يزيد الأوزار لكن ما يطفئ هذه النار وهذه الأوزار هي الصدقة.. فمن يريد أن يحبه الله عليه أن يكون من المتصدقين والمكرمين والعطاءين .


[1] عن أبى هريرة صحيح مسلم ، قال رسول الله ( قال الله تعالى ...)
[2] جامع الأحاديث و المراسيل عن أَبي هُرَيْرَةَ
[3] صحيح ابن حبان عن أبي مالك الأشعري
[4] مجمع الزوائد ، عن معاذ بن جبل .
 
تلاوة القرآن

إن الإنسان لكي يحبه العلي الكبير لابد وأن يديم تلاوة كتاب الله، لأنه لا يديم تلاوة كتابه إلا أحبابه والله عز وجل يسَّر لنا هذا الأمر، وإذا كنت غير قادر على القراءة فاستمع وإذا لم يكن لديك وقت على الإطلاق فعليك بجهاز تسجيل صغير وأحضر مصحف مرتل واستمع بترتيب المصحف مثلا أثناء إفطارك في الصباح وأثناء ارتدائك لملابسك عليك أن تستمع إليه فمثلا ستستمع إلى ربعين فلا بأس وعند عودتك استمع أثناء الغذاء ستستمع إلى ربعين بذلك يكون نصف جزء أما إذا كان عندك سيارة فهي فرصة عظيمة وتستطيع في هذه الحالة أن تسمع كل يوم جزء في الذهاب وجزء في العودة على مسجل السيارة وبالترتيب وقال في ذلك أحد الصالحين :​
يجب أن لا يقل ورد المؤمن عن تلاوة جزء من القرآن في كل يوم بحيث يختمه في كل شهر مرة
لأن الحد الأدنى أن يختم القرآن في كل شهر مرة والحد الأوسط أن يختمه مرة كل أسبوعين والحد الأعلى كل أسبوع مرة والأرقي كل ثلاثة أيام مرة فعلى الأقل يقرأ في كل يوم جزء بتدبر وتمعن وتفكر فإن الله عزَّ وجلَّ يناجي التالي لكتابه قال صلَّى الله عليه وسلَّم:​
{ إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُحَدثَ رَبَّهُ فَلْيَقْرَإِ الْقُرْآنَ } [1]
فالقرآن الكريم تلاوة وسماعا يشفي الأمراض بنسبة 95% فقد أجريت في أحد مستشفيات إيطاليا دراسة عجيبة حول إمكانيات العلاج من المرض عن طريق سماع آيات من القرآن الكريم أحضروا شريطا مسجل عليه آيات قرآنية تتلى بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وأحضروا مجموعة من المرضي الإيطاليين فأسمعوهم القرآن بصوت القارئ العربي ماذا كانت النتيجة؟ وجدوا نسبة الشفاء بين هؤلاء المرضى وصلت إلى 95% في حين كان سماع الموسيقي الصاخبة التي سمعها الآخرون من الفئة المعدة لهذا الغرض عادية جدا ولا يوجد تحسن في عينة البحث فقاموا بوضع شريط مسجل عليه آيات قرآنية بصوت قارئ عربي مسلم أسفل شجرة مثمرة وشريط آخر به أو مسجل عليه موسيقي صاخبة ماذا كانت النتيجة؟وجدوا أن الشجرة التي سمعت القرآن الكريم كانت ثمارها أسرع نضجاً وأحلى مذاقا ً أما الشجرة الأخرى فكانت أبطأ نضجاً وأقل حلاوة في المذاق والطعم !! وما قصة الفتاه المغربية ببعيدة فقد كانت مصابة بالأورام السرطانية، وذهبت إلى العديد من الأطباء من ذوي التخصصات الطبية المعنية بالأورام وكانت النتيجة بالطبع سيئة الكل يحاول دون فائدة لكن فجأة هداها تفكيرها حيث شعرت برغبة جارفة لأداء العمرة ذهبت إلى مكة وعكفت هناك في الحرم المكي فقامت بتلاوة وتدبر آيات القرآن الكريم وشرب ماء زمزم استمرت على هذا الحال ما يقرب من شهر وإذا بها تشعر بتحسن شديد في القوى والحيوية والنشاط كانت المفاجأة العظيمة أنها شفيت بفضل القرآن الكريم.​
وقد جاء أيضاً أحد الأبحاث الأمريكية في جامعة هارفارد كما ذكرت صحيفة (العرب أون لاين) تؤكد أن تلاوة القرآن الكريم لها أثر مهدئ وذلك بعد أن أجرت بحثاً على مجموعة مكونة من ألف رجل وامرأة من العرب الأمريكيين الذين يجيدون العربية ومن المسلمين الأمريكيين الذين لا يجيدون اللغة العربية فوجدوا أن سماع القرآن الكريم المرتل يعمل على تغيرات فسيولوجية لا إرادية في الجهاز العصبي ويساعد على تخفيف حالات التوتر النفسي الشديد ويخفف حالات الكرب والحزن ويبعث بالنفس إلى الهدوء والراحة والطمأنينة وقد وجد الباحثون أن لتلاوة القرآن الكريم أثراً مهدئاً على أكثر من 79% من مجموع الحالات التي قرأت القرآن الكريم وتم رصد تغيرات لا إرادية في الأجهزة العصبية للمتطوعين الذين تم الاختبار عليهم مما أدى إلى تخفيف درجة التوتر لديهم بشكل ملحوظ بالرغم من وجود نسبة 50% منهم لا يعرفون العربية جيداً وتبين أيضاً من البحث أن قراءة القرآن تعمل على تنشيط وظائف الجهاز المناعي للجسم كما لاحظ الباحثون أن الأشخاص غير المتحدثين بالعربية شعروا بالطمأنينة والراحة والسكينة أثناء الإستماع لآيات القرآن رغم عدم فهمهن لكثير من المعاني وأظهرت الدراسة أن الاستماع إلى التعبيرات الهادئة ذات الإيقاع البطيء الحنون والنغمات التي يخشع لها الوجدان كترتيل الآيات القرآنية يؤثر بطريقة إيجابية على الإنسان وصحته النفسية وأوضح الباحثون أن هذه النغمات تعمل على تهدئة الأعصاب وهو ما يؤدي بدوره إلى إبطاء التنفس وعدد ضربات القلب بصورة متوازنة فيفيد أصحاب مرضى القلب والأزمات القلبية بعكس سماع النغمات الصاخبة المرتفعة من موسيقى ذات إيقاعات سريعة التي تساعد على سرعة التنفس وتحدث التوتر والانفعال وعدم التركيز وأشار دكتور سيفن لوك الأستاذ بجامعة هارفارد إلى أن نشاط الخلايا القاتلة بالجهاز المناعي والمسئولة عن التصدي للأمراض السرطانية يقل بشكل حاد مع انخفاض تأثير المواد المناعية المهمة التي لها دور في التصدي لهذا المرض أثناء تعرض الإنسان للانفعالات الحادة أو المستمرة والقلق والتوتر العصبي فلماذا إذن لا نجعل لأنفسنا فرصة للاستمرار والمداومة على قراءة القرآن الكريم أو سماعه لمن لا يجيدون القراءة ولو لوقت قصير كل يوم فالنفس كما تشتهي الشهوات مع ضياع العشرات من الساعات على جلسات السمر والجلوس على المقاهي والتسوق ومشاهدة القنوات الفضائية التي تحتوي على الكثير من اللهو فضلا عن أن معظم أغاني الفيديو كليب الراقصة التي تحرك رغبات الشباب وتساعد على الإثارة والفتنة نقول لماذا لا نتحصن بكتاب ربنا ونحاول أن نمنحه جزء قليل من وقتنا؟ فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول فى معنى حديثه أنه من أراد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن ويقول:​
{مَنْ قَرَأَ حَرْفَاً مِنْ كِتَابِ الله فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ آلم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْف ولامٌ حَرْفٌ وَميمٌ حَرْفٌ } [2]

يتبع إن شاء الله
[1] أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، جامع الأحاديث و المراسيل

[2] سنن الترمذى .عنُ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ​
 
الحج قـــربة
كيف نتقرَّب إلى الله بالحج علما بأنه فريضة مرة واحدة وعالية التكاليف ومعظمنا لعدم الاستطاعة تسقط عنه هذه الفريضة فمن لا يملك الاستطاعة فليس عليه حج لكن الصالحون قالوا في ذلك أن سيدنا رسول الله أعطانا فرصة للحج في كل يوم.. كيف؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثة الصحيح:
{منْ صلّى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكرُ اللَّهَ حتى تطلُعَ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانتْ له كأجر حجّةٍ وعمرة} قال الراوي: قال رسول الله {تامّةٍ تامّةٍ تامّةٍ}[1]
ولذلك فإن هناك وقتان لا يزال الصالحون في كل زمان ومكان يحافظون عليهما اقتداء بالنبي العدنان وهما وقت السحر والوقت ما بين الفجر وطلوع الشمس فلا ينامون في هذا الوقت لأنه وقت لله ولأن الله قال جل في علاه:
( يَا ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ سَاعَةً أَكْفِكَ مَا بَيْنَهُمَا)[2]
لكن تأتي النفس وتحدثك وتقول أنك مازلت صغيرا في السن عندما تخرج على المعاش أفعل ما تريد فأقول لها: ومن أين لي أن أضمن ذلك؟ أو تحدثه نفسه بأنك ذاهب إلى العمل ولو فعلت ذلك ستنام في العمل أجِّل هذا العمل ليوم الجمعة وعندما يأتي يوم الجمعه تحدثه أنك متعب وهذا هو اليوم الوحيد الذي ترتاح فيه هذا يا إخواني هو حديث النفس لكي تكسل الإنسان وتجمده لكن اعلم علم اليقين أنك لو أقبلت على الله بيقين فإن الله يبارك في كل شيء لك فأقل جرعة من النوم تكفيك سيدنا الإمام عمر بن الخطاب عندما تولى الحكم قال :
إن نمت نهارا ضيعت رعيتي وإن نمت ليلا ضيعت نفسي فسألوه ماذا ستفعل؟ قال: جعلت النهار لرعيتي والليل لربي
متى كان ينام إذن؟ كان ينام بعد شروق الشمس لأنه عندما كان يجد بعض أصحابه يحيون الثلث الأخير من الليل وينامون بعد الفجر قال لهم:
والله لَلَّذي تنامون عنه أفضل من الذي تقومون فيه
وكان رضي الله عنه بعد أن تشرق الشمس بثلث ساعة يصلي سنة الإشراق ثم يضع رأسه بين ركبتيه ويخفق خفقات فيقوم وكأنه نام طوال الليل بل أحيانا كان يمسك الدرة ويضرب نفسه ويقول يا نفس طالما نمت
لأن المسافر يا إخواني دائما مستعجل حتى أن المسافر أحيانا عند عودته يمكث يومين أو ثلاثة لا ينام ويقول عندما أرجع سأنام ونحن كذلك فكلنا مسافرون إلى الله عزَّ وجلَّ وسننام نومة طويلة إذن على الإنسان ألا يسلم لحديث النفس لأنه عندما يمشي مع الله فإن الله عزَّ وجلَّ يجعل له مددا في نومه فلو كان قاعدا وغفا غفوة يقوم وكأنه نام يوما وليلة لأن الله عزَّ وجلَّ بارك له في هذا النوم وورد أن كثير من الأئمة كانوا يصلون الصبح بوضوء العشاء مثل الإمام أبو حنيفة ألم يكن يعمل؟ بل كان له عملان فقد كان تاجرا لينفق على عياله وينفق على تلاميذه - لأن العالِم في ذلك الوقت هو الذي كان ينفق على تلاميذه ولا يأخذ منهم - وكان معلما يعلم الفقه والدين ابتغاء وجه الله متى كان ينام إذن الإمام أبو حنيفة؟ كان ينام بعض ساعة بعد صلاة الظهر فقد قال صلى الله عليه و سلم:
(اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ)[3]
وكأنه نائم طوال الليل لكننا الآن ننام طوال الليل ونصلي الصبح وننام وانتابنا الكسل والوخم لماذا؟ لأننا استسلمنا للنفس ولا بد من جهاد النفس ويقول في ذلك أحد الصالحين :
و ما النوم إلا الموت قهر لطيفتي....حرام عليها النوم ليست من الترب
فالروح لا تنام وإذا انتبهت الروح تأخذ الجسم معها وأقل النوم يكفيها فإذا أشفقنا على الجسم وتركناه يستسلم للنوم والكسل هنا يكون الجسم هو المتحكم والنفس وبذلك لا تصحوا الروح إلا يوم ينادي المنادي:
[وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ]
ولا يصح ذلك إذاً يجب على الإنسان أن يعلي عزيمته لأن علو الهمة من الإيمان
علو عزائمكم هيا و اعشقوا....لتشاهدوا عدن الجنان وحورها
وكان الصحابة ومن بعدهم الصالحين كانت تحدث لهم أحوال غريبة في هذا الباب لأنها أحوال عالية لا يعلمها إلا واهبها عزَّوجلَّ فإن الروح هنا علت وسمت والروح إذا علت وسمت تريح الجسم من المنام والمنام المقصد منه إراحة الأعضاء وتعويض الأعضاء وعمل صيانة شاملة لها وذلك كله يقوم به الله عزَّ وجلَّ ويأمر به الأعضاء وأنت في هذه اللحظات لأن أمر الله عزَّ وجلَّ بين الكاف والنون
[إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]
فمن يهتم بالنوم ويبحث عنه سينام لكن الصالحين غير ذلك كان الرجل منهم يسهر طوال ليله بين يدي مولاه فإذا أصبح الصباح وضع زيتا على شعره ووضع كحلا في عينه وغسل وجهه حتى يظن من يراه أنه اغتسل وخرج بعد نوم طويل ولا يريد أن يعرف الناس أنه كان سهران وإذا ربك وفق وأعان فأعلم علم اليقين أن هذا الكيان سيطويه الله عزَّ وجلَّ ويمنحه القوة والعون من الرحمن ومادامت القوة والعون من الرحمن فإن فضل الله عزَّ وجلَّ لا يحصيه زمان ولا يحده مكان فاستمد العون من الله وهذه يا اخواني هي أحوال الصالحين في هذا الباب – وهذا هو المنهج الذي يمشون عليه لكي يعينهم الله ويقويهم الله جل في علاه ولذلك نسمع عنهم أنهم يبارك الله لهم فى الزمان والمكان ويبارك لهم في الطعام ويبارك لهم في المنام ويبارك لهم في القراءة ويبارك لهم في الكتابة لماذا؟ لأنهم عزموا عزما أكيدا على طاعة الحميد المجيد عزَّ وجلَّ لعلنا نحافظ على هذا المنهج ونديم عليه لكي يحبنا الله جل في علاه
يتبــــــع إن شــــاء الله

[1] مشكلة المصابيح (971) ـ 2( 13 ) .
[2] جامع الأحاديث و المراسيل( 15120) .
[3] عن ابن عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا فى جامع الأحاديث و المراسيل

 
حمدى السيد;190080 قال:
بشــائر المحبين​

إذا داوم المؤمن على هذه الأعمال السابقة، وحافظ على هذا المنهج أحبّه الله ورزقه حبه وجعله من المحبوبين لحضرته وبشائر المحبين ليس لها حدُّ ولا عدُّ
فقد ورد أن سيدنا حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وكان من الذين حضروا غزوة بدر لما أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابه بفتح مكة كتب كتابا بذلك إلى أهل مكة وجاء بجارية عنده وأعطاها الكتاب وقال لها إذا أبلغتيه لأهل مكة فأنت حرة لوجه الله وسارت في الطريق ونزل جبريل وأخبر الحبيب فأرسل خلفها سيدنا الإمام علي وسيدنا الزبير بن العوام فلحقاها بعد خروجها من المدينة فقال لها الإمام علي أخرجي الكتاب الذي معك .قالت: ليس معي شيء قال : والله ما كذبنا ولا كُذِّبنا لتخرجن الكتاب أو لأكشفن عن سوءتك - يعني أفتشك وكان تفتيش النساء عيبا في ذلك الوقت - فأخرجته من شعرها فأخذوه وذهبوا إلى حضرة النبي فأحضر النبي حاطبا وذلك لأنها تعتبر خيانة عظمى وقال له : ما الذي دعاء لذلك يا حاطب ؟ فقال سيدنا عمر: يا رسول الله دعني أقطع عنق هذا المنافق - وكان سيدنا عمر شديدا في الحق - فقال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(إنهُ شهد بدراً وما يُدريك لعلَّ الله عزَّ وجلَّ اطَّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شِئتم فقد غَفَرتُ لكم) [1]
وفى رواية أخرى ( فقال: اعملوا ما شئتم. فهذا الذي جَرَّأَه)
وهنا يدور سؤال ومن جاء بعد بدر من أمثالنا إلى يوم القيامة ما نصيبهم من ذلك ؟ والإجابة عن ذلك نجدها في هذا الحديث:
{إذا احب الله عبدا لم يضره ذنب}
كيف يتم ذلك ؟ يقول في ذلك كتاب الله:
[أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ]
ولذلك أعطانا الصالحون ميزانا نزن به الرجال ما هذا الميزان؟ قال أحدهم :
إذا رأيت الرجل تغلب عليه الحياة الروحانية فلا تعبأ بسيئاته
أي لا تقف عند سيئاته لأن هؤلاء يقول الله عزَّ وجلَّ فيهم
[أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ]
وإذا رأيت الرجل تغلب عليه الحياة الحيوانية فلا تعبأ بحسناته لأن هؤلاء يقول الله عزَّ وجلَّ في شأنهم
[وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً]
المهم غلبة الحياة الروحانية نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من عباده المحبوبين المقربين الآنسين بحضرته المشغولين بالكلية بطاعته وعبادته وأن يعيننا بعون ذاتي منه على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يوفقنا في كل أوقاتنا وكل أنفاسنا بدوام ذكره والحضور بين يدي حضرته وأن يجعلنا دوما مع الحبيب المختار ملحوظين منه بالأنوار وأن يقذف في قلوبنا من ذاته البهية خالص الأسرار وأن يجعلنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
يتبــــــــع إن شــــــــــاء الله
[1] عن سيدنا على رضى الله عنه رواه البخارى .
 
[q
يِحُبُّ التَّوابين و يحبُّ المتطهرين
خرج النبى على أصحابه ذات يوم وهم يتحدثون عن أنبياء الله السابقين وكان أصحابه ملهمين فما تحدثوا به هو الحقيقة التي اختارها الله ونزلت في كتابه المبين فقال بعضهم: عَجَباً إنَّ الله عزَّ وجلَّ اتّخَذَ مِنْ خَلْقِهِ ابراهيم خَلِيلاً وَقالَ آخَرُ: مَاذَا بِأَعْجَبَ مِنْ كَلاَمِ مُوسَى كَلَّمَهُ تَكْلِيماً وقَالَ آخَرُ: فَعِيسَى كَلِمَة ُالله وُروحُهُ وَقالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ الله.- فسمع الحبيب وهو في داره هذا الحوار فانشرح صدره وارتاح فؤاده لأنه علم أنهم يستكنهون الغيوب ويستلهمون العلوم من حضرة علام الغيوب عزَّ وجلَّ وهذا هو المطلوب فخرج عليهم فَسَلَّمَ وقال :
«قَدْ سَمِعْتُ كَلاَمَكُمْ وَعَجَبَكُمْ إنَّ إِبْرَاهِيمَ خَليلُ الله وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيُّ الله وَهُوَ كَذَلِكَ وَعِيسَى رُوحُ الله وَكَلِمتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وآدَمُ اصْطَفَاهُ الله وَهُوَ كَذَلِكَ أَلاَ وَأَنَا حَبِيبُ الله وَلاَ فَخْرَ)[1]
فمقام المحبوبية أغلى ما نحرص عليه وأثمن ما نقدم كل غالٍ وكل ضنين في سبيله لأننا نتمنى جميعاً أن نفوز بمحبة الله حتى نكون من أهل وراثة حبيب الله ومصطفاه صلَّى الله عليه وسلَّم ومن فضل الله علينا ومن كرمه لنا أجمعين أنه فتح لنا أبواباً لا عد لها كل باب منها إذا دخله الإنسان وصدق فيه يكون نصيبه أن يحبه الله والذي يريد أن يحبه الله ماذا يفعل؟هناك أبواب كثيرة لذلك لكن الباب الأعظم والذي عليه المدار والذي هو أُسّ حياة الصالحين والأخيار والأبرار فلا يستغني عنه واصل ولا يستطيع أن يتركه عارف أو متمكن هذا الباب يقول فيه الكريم الوهاب عز وجل:
[إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ]
من الذي يريد أن يحبه الله ؟هذا هو الباب أن يكون من التوابين أو من المتطهرين لأنه كلام الله وقد بدأ الله كلامه بـ "إن" للتأكيد وإن كان كلام الله كما نعلم جميعاً هو كلام أكيد لأنه كلام الحميد المجيد عز و جل " التوابين والمتطهرين" ومن لطف الله بنا وإكرامه لنا أنه لم يقل أن الله يحب التائبين لأن كلمة التائبين تعني أن التوبة مرة واحدة ويُغلق الباب لكن " التوابين" بصيغة المبالغة معناها أن باب التوبة مفتوح فكلما أذنب العبد ورجع إلى الله وجد الله فرحاً به ويخلع عليه ثياب محبته المهم أن يدّثر دائماً بلباس التوبة والظالم لنفسه هو الذي يظن أنه تجاوز مقام التوبة ولم يعد له نصيب في التوبة فيشتغل بأمر آخر ولا يرجع للتوبة والتوبة لا تفارق أي مقام ولا أي درجة ومنزلة لأن الحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقول فيها:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَغْفِرُوا الله وَتُوبُوا إِلَيْهِ فَإني أَسْتَغْفِرُ الله وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ }[2]
وأرجو أن يلفت إخواني أنظارهم إلى هذا الحديث ويفهموه بعقل حثيث فإن أغلب الخلق فهموا من الحديث أن يستغفر الله في اليوم مائة مرة والحديث لم يشر إلى ذلك فقط ماذا قال حبيبي وقرة عيني ؟ اسمعوا وعوا: أيها الناس توبوا إلى الله – وهذا شق- واستغفروه – وهذا شق آخر- ثم بين فعله وحاله فقال : فإني أتوب إلى الله عزَّ وجلَّ – وهذا شق- وأستغفره في اليوم مائة مرة فالتوبة غير الاستغفار لأن الاستغفار عمل من أعمال الجوارح أو من أعمال القلب يتوجه به العبد إلى مولاه يستغفر الله عزَّ وجلَّ وله بكل استغفار عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ويزيد الله لمن يشاء لكن التوبة لها أركانها ولها أحوالها ولها جمالاتها التي يجب على التائب أن يتجمل بها ليحبه الله فإن الله لم يقل إن الله يحب المستغفرين وإنما قال:
[إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ]
صحيح أن التوبة في كل مقام من مقامات السير والسلوك إلى حضرة الله عزَّ وجلَّ لها معناها ولها أحوالها ولها متعلقاتها لكنها توبة فمن الناس من يتوب من سيئاته ومن الناس من يتوب من طاعاته ومنهم من يتوب من غفلاته ومنهم من يتوب من وجوده ومنهم من يتوب من شهوده أحوال عالية ومقامات راقية والتوبة لا تفارق كمل الصالحين طرفة عين ولا أقل حتى المقام الأعظم الذي فيه الحبيب الأكرم يبين سر هذه التوبة التي يتوبها فيقول صلَّى الله عليه وسلَّم في مقامه:
{إنَّهُ لَـيُغَانُ علـى قَلْبِـي وإنِّـي لأَسْتَغْفِرُ الله فـي الـيومِ مِائَةَ مَرَّةٍ } [3]
وهذا حديث آخر غير الحديث الأول يبين لماذا يتوب إني ليغان على قلبي فاستغفر الله عزَّ وجلَّ وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة أحد الصالحين قال: تحيرت في هذا الحديث وقلت في نفسي وما الغين الذي يغان به على قلب رسول الله ؟ وكلمة الغين يعني الغطاء فنحن قد يغطي على قلوبنا الشهوات أو الحظوظ والأهواء أو الأوزار فقد بين الحبيب حالنا وقال في شأننا
{إِنَّ الـمؤمنَ إِذَا أَذْنَبَ ذنباً كانتْ نُكْتةً سوداءَ فـي قَلْبِهِ فَإِنْ تابَ ونَزَعَ واسْتَغْفَرَ صُقِلَ مِنْهَا قَلْبُهُ فَإِنْ عادَ زَادَتْ حَتَّـى يَعْلَقَ بِهَا قَلْبُهُ فذلكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ الله عزَّ وجلَّ فـي كِتَابِهِ}[4]يعني الغطاء ثم تلى قول الله[ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ]
فالران أو الغطاء الذي على قلوبنا سببه الذنوب كلما أذنب العبد ذنباً كان نكتة سوداء على قلبه ونكتة مع نكتة مع نكتة يكون الران أو الغطاء فيحجب العبد عن أنوار ذي الجلال والإكرام فيكون في الغفلة أو في وادي التيه أو في أرض القطيعة أو في مهاوي العصيان المهم أنه يكون في بعد عن حضرة الله لأن الوصلة التي بينه وبين مولاه غطاها بالذنوب التي ارتكبتها نفسه ولم يتب منها إلى حضرة الله عزَّ وجلَّ في هذه الحياة لكن رسول الله ليس له ذنوب والله هو الذي شهد بذلك وقال في كلامه المكتوب
[ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ]
فاحتار الرجل الصالح ما الذي سيتوب منه رسول الله ؟ فالصغار يتوبون من الذنوب ومن تاب وأناب وسلك طريق الأوبة إلى حضرة التواب وأخذ يتعبد ويتقرب بالنوافل لمولاه قد يتوب من تقصيره في الطاعات فلا يوجد من يستطيع أن يعبد الله حق عبادته حتى الملائكة الذين خلقهم الله فمنهم الراكع أبدا ومنهم الساجد أبدا ومنهم الذاكر سرمداً يقوم الساجدون يوم القيامة من سجدة واحدة منذ أن خلقهم الله وهم سجود فيها فيقولون سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فمن منا يا إخواني من يعبد الله حق عبادته؟ إذا فهو يتوب من التقصير كحال أصحاب البشير النذير صلَّى الله عليه وسلَّم كما أخبر الله عنهم وقال في شأنهم:
[كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ]
يستغفرون من رؤية التقصير في الطاعات لأنهم رأوا أنفسهم لا يستطيعون الإخلاص كل الإخلاص ولا الصدق كل الصدق ولا التوجه بالكلية بحضور الأرواح والقلوب والأجسام والهمم كلها في مناجاة رب البرية عند طاعته وعبادته عزَّ وجلَّ ومن يستطيع ذلك أحد الصالحين وقع في ذنب فخرج سائحاً في صحراء المقطم وهو يردد ويقول :
من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط
فسمع قائلاً يقول:
محمد الهادي الذي ... عليه جبريل قد هبط
فلا يوجد غيره لكن الباقين كلهم ذنوب وعيوب وظلمات وأوزار ومنهم من يتوب من نسبة الطاعات إلى نفسه لأنه لو رأى نفسه أنه عبد أو فعل ولم ينظر إلى توفيق الله ومعونة الله وحول الله وطول الله فهذا ذنب يحاسب عليه الله جل في علاه لأنه أمرنا أن نقول في كل ركعة من ركعات الصلاة مقرين ومعترفين
[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]
نستعين على العبادة بقوة الله وحول الله وطول الله فلو تخلى الله بعنايته ومعونته عنا طرفة عين هل يستطيع واحد منا أن يقول سبحان الله ؟ من يستطيع بدون معونة من مولاه هل يستطيع أن يكيف جهازه ونفسه ويقف بين يدي الله ويتجه إلى القبلة ويستحضر ألفاظ الصلاة وكلمات الحمد لله رب العالمين ويناجي بها مولاه ؟ كيف بغير معونة من الله وحول من الله وقوة من الله ؟ ولو تُرك الإنسان ومهارته وشطارته وتخلت عنه القوة الإلهية والمعونة الربانية ماذا يفعل؟لن يستطيع أن يفعل قليلاً ولا كثيراً بل إنه لن يستطيع أن يحرك قدماً أو يرفع إصبعاً أو يطرف طرفة أو ينطق اللسان منه بكلمة لأن كل ذلك لا يتحرك إلا بأمر من يقول للشيء كن فيكون ولذلك فإن هؤلاء الذين يزعمون أنهم يعبدون الله بأنفسهم وأنهم هم الذين يعبدون ويطيعون ربما يختبرون يوم الدين في قول الله
[وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ]
لأنه لا معونة هناك فكيف يسجد؟ وكيف يعبد الله؟ ويلزم للإنسان الذي وصل لأعلى درجات العبادة أن يتوب من نسبة العبادة إلى ذاته ومن المباهاة بها ومن الفخر بفعلها لأنه يرى أن الفاعل هو الله ويكفيه شرفاً وفخراً أن الله أجرى عليه حركات العبادات وجعله محلاً للوقوف بين يدي الله فيكفيني فخراً أن يوقفني بين يديه ويوجهني لمناجاته بكلامه أو يأخذني إلى بيته ويهيئ لي الأسباب لأطوف حول حضرته وأنا أطوف حول بيته المبارك ماذا لي في ذلك كله إلا معونة الله وتوفيقه كل ما ذكرناه هي مقامات في التوبة يتوب منها الصالحون ومنهم كذلك من يتوب من وجوده بالكلية لأن الإنسان إذا رأى لنفسه وجود مستمد من ذاته فقد وقع في شرَك في التوحيد لله عزَّ وجلَّ فنحن نستمد منه القوة ونستمد منه الحياة ونستمد منه القدرة ونستمد منه الإرادة ونستمد منه العلم ولولا ذلك ما استطاع واحد منا أن يصنع بنفسه أو بجسمه شيئاً قليلاً أو كثيراً ولذلك يروى أن رجلاً من الصالحين دخل مسجد فوجد إخوانه السابقين في العبادة والطاعة يرون أنفسهم على غيرهم فوقف بينهم عند إقامة الصلاة وقال بصوت ليسمعهم الحقيقة
"بك... لك.... أصلي"
وبك يعني بقوتك ومعونتك وتوفيقك لك أصلي
علمت نفسي أني كنت لا شيء فصرت لا شيء في نفسي وفي كلي
به تنزه صرت الآن موجـوداً به وجودي وإمدادي به حـولي
ومن أنــا عدم الله جملنى فصرت صورته العليا بلا نيل
فهناك من يتوب من طاعاته وهناك من يتوب عن وجوده وهناك من يتوب من شهوده وهناك حتى من يتوب من التوبة إذا رأى نفسه هو الذي تاب ومثل هذا يحتاج أن يراجع نفسه بين يدي الكريم الوهاب – ويقول في ذلك رجل للسيدة رابعة العدوية :
إني إرتكبت ذنوباً كثيرة فهل لو تبت يتوب الله عزَّ وجلَّ عليَّ قالت: لا بل لو تاب الله عليك لتبت قال:وما الدليل؟قالت: قول العزيز الحكيم [ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ]
كيف يتوب عليهم ليتوبوا؟وما الذي يجعل الإنسان يتوب إلى الله؟إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء فالخواطر التي تتوارد على القلب من الذي يرسلها ويمررها عليه؟ هو الله عزَّ وجلَّ فإذا مرر على قلبي خواطر طيبة شعرت بها أنني قصرت أو أنني أخطأت أو أنني غفلت هنا تتحرك نفسي ويتحرك جسمي للرجوع إلى الله والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى إذاً الفضل في هذه التوبة لمن؟ لمن أورد عليَّ الخواطر الإلهية التي أشعرتني وجعلتني أجزم أنني غير طبيعي وأنه يجب عليَّ أن أرجع إلى الله عزَّ وجلَّ إذاً البداية من الله لكن هل أنا الذي آتي بالخواطر إلى قلبي وأمررها عليه إن الخاطر من الله وكم في الوجود من يرتكب الذنوب ويفتخر بها بين أقرانه ويرى أنها ليست عيوب بل أحياناً يتباهى بها ويتفاخر بها بين الأنام وهذا لشدة غضب الله عزَّ وجلَّ وسخطه عليه ولذلك قال حبيبي وقرة عيني صلَّى الله عليه وسلَّم:
{يَا أَبَا ذَرَ إِنَّ المُؤْمِنَ يَرى ذَنْبَهُ كَأَنَّهُ تَحْتَ صَخْرَةٍ يَخَافُ أَنْ تَقَعَ عَلَيْهِ وَالْكَافِرُ يَرى ذَنْبَهُ كَأَنَّهُ ذُبَابٌ يَمُرُّ عَلى أَنْفِهِ}[5]
فالثاني لم يتوب ؟ فإنه لا يرى ذنبه أما الأول قد لا ينام ولا يذوق طعام ولا يشعر بأي حلاوة على مدى الأيام إذا قال كلمة أحزنت شخصا حتى يعلم أن هذا الشخص قد رضي عنه أو أخذ حقاً من عبد من عباد الله ولم يرده إليه ما الذي يشعر القلب بالوجل والخوف؟ الله عزَّ وجلَّ هو الذي يقول:
[فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا]
هو الذي يورد هذه الموارد على النفس فالرجل الصالح عندما احتار في أمر النبي المختار لما تحدث عن نفسه وقال فى الحديث الذى مرَّ ذكره
{ إنَّهُ لَـيُغَانُ علـى قَلْبِـي وإنِّـي لأَسْتَغْفِرُ الله فـي الـيومِ مِائَةَ مَرَّةٍ }
قال:
نمت وأنا في حيرة من هذا الحديث وإذا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأتيه في المنام ويقول له : غين الأنوار لا غين الأغيار
ما هو غين الأنوار؟ سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كل نفس له درجات ومقامات لا يعلمها إلا رفيع الدرجات عزَّ وجلَّ فكلما ارتقى إلى مقام رأى أن المقام الذي كان فيه كان غواش أو حجاب حجبه عن الله عزَّ وجلَّ أو عن جمال من جمالات الله أو عن كمال من كمالات سيده ومولاه فيتوب من المقام الذي كان فيه عندما يدخل هذا المقام الذي يقيمه مولاه عزَّ وجلَّ فيه إذاً فإنه لا يتوب من الذنوب أو من الأوزار أو من الغفلة وهل غفل عن الله طرفة عين أو أقل؟ لم يحدث حتى ما حدث له في الصلاة لم يكن نسياناً أو سهوا بمعنى النسيان والسهو المتعارف عليه والموجود في أذهان كثير من الخلق ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم في شأنه:
{ إِنِّي لأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لأَسُنَّ}[6]
لماذا؟ليسَّن لنا سجود السهو لأنه لو لم يحدث فممن سنتعلم سجود السهو إذا لم يفعله سيد الأولين والآخرين؟ وهو الذي قال:
{ صلُّوا كما رَأَيْتُـمُونـي أُصَلِّـي}[7]
فسهوه ليس كسهونا وإنما كما قال الرجل الصالح:
يا سائلي عن رسول الله كيف سها ... والسهو من كل قلب غافل لاه
قد غاب عن كل شيء سره فسهى ... عما سوى الله فالتعظيم لله
سها عما سوى الله – سها بجمال مولاه عن جميع خلق الله وهو العبد الأكمل الذي لا يغيبه الجمال ولا الكمال عن الخلق طرفة عين ولا أقل لأنه مقام الحبيب الأكمل ومثلنا قد يغيب عن الله لحظات وليس هناك ما يمنع ذلك لكن رسول الله مقامه مقام العبد الأكمل الفارق الجامع فمع الخلق يرونه في وسطهم كأنه أحدهم ومع الحق لا يغيب عن حضرته طرفة عين ولا أقل لأنه صاحب المشهدين وصاحب المقامين وصاحب العينين ولذلك يقول:
{ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّـمُ عَلَـيَّ إِلاَّ رَدَّالله عَلَـيَّ رُوحِي حَتَّـى أَرُدَّ عَلَـيْهِ السَّلاَمَ }[8]
من أين يردها؟ من الحضرة لأنها في السدرة مشغولة بالحضرة ولا يوجد نفس إلا وهناك مسلمين يسلمون على سيد الأولين والآخرين إذاً هو في حضور تام مع الحق وفي تواصل تام مع الخلق لأنه الإمام الجامع الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لا يبغي هذا على ذاك ولا ذاك على هذا
[مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ]
فهو البرزخ الذي جمع الله فيه البحرين، بحر الحقيقة وبحر الشريعة فهو في أكمل التواصل مع مولاه وهو كذلك مع خلق الله يرونه كأحدهم حتى يقول قائلهم كما أخبر القرآن:
[وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ] [أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ]
إنه لا يختلف عنا في شيء في حين أنه لا يغيب عن مولاه وعن جمال وكمال مولاه بعين بصيرته طرفة عين ولا أقل وهذا هو الكمال الأعظم الذي كان عليه الحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم والكمال لانهاية له وكلما ارتقى في درجات الكمال وفي مقامات الوصال من لدن الواحد المتعال ينظر إلى الدرجة التي كان فيها فيستغفر الله منها ويتوب إلى الله عزَّ وجلَّ من رؤيتها أو الوقوف عندها عن حضرته عزَّ وجلَّ لأنه كما قال الله في شأنه
[ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ]
وبمعنى بسيط فلم يشغله مقام عن الله طرفة عين ولا أقل فيتوب إلى الله ويستغفر الله تنزيهاً لله أن يكون المقام الذي كان فيه شغله عن مولاه طرفة عين لأنه لا ينشغل إلا بـالله في الدنيا والآخرة
يتبـــع إن شـــاء الله

[1] سنن الترمذى عن ابن عباس وتمامه (وأنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ الله لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخَرِينَ وَلاَ فَخْرَ ))
[2] جامع الأحاديث و المراسيل ، عن أَبي بردةَ عن الأَغر
[3] سنن البيهقى الكبرى عن الأَغَرِّ الـمُزَنِـيِّ ورواه مسلـم فـي الصحيح عن يحيـى بن يحيـى وأبـي الربـيع الزهرانـي.
[4] صحيح ابن حبان عن أبي هريرة
[5] جامع الأحاديث و المراسيل والديلمى عن أَبي ذَرَ وتمامه (يَا أَبَا ذَرَ كُنْ لِلْعَمَلِ بِالتَّقْوٰى أَشَدَّ اهْتِمَاماً مِنْكَ بِالْعِلْمِ، يَا أَبَا ذَرَ إِنَّ الله إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً جَعَلَ الذُّنُوبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُمَثَّلَةً ._ الحديث أعلاه._ ، يَا أَبَا ذَرَ لاَ تَنْظُرْ إِلٰى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ، وَلٰكِن انْظُرْ إِلٰى عِظَمِ مَنْ عَصَيْتَ، يَا أَبَا ذَرَ لاَ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ المُتَّقِينَ حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ أَشَدَّ مِنْ مُحَاسَبَةِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ، فَيَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ، وَمِنْ أَيْنَ مَشْرَبُهُ، وَمِنْ أَيْنَ مَلْبَسُهُ؟ أَمِنْ حِلَ ذٰلِكَ، أَمْ مِنْ حَرَامٍ؟».
[6] موطأ الإمام مالك : (222)
[7] رواه البخاري فـي الصحيح عن مـحمد بن الـمُثَنَّى عن عبد الوهاب و عن أبي سلـيـمانَ مالكُ بن الـحويرث فى سنن البيهقى الكبرى .
[8] الفتح الكبير عن أبـي هريرة وأبو داوود و البيهقى فى الدعوات المبير.
 
جزاكِ الله خيراً أختنا الفاضلة وبيض وجهكِ يوم القيامة
واصلي هذا الإبداع والإمتاع بارك الله فيكِ
تحياتي وشكري وتقديري
 
دوام التوبة
التوبة مقام عظيم يجب على كل مؤمن كريم أن يجعل له نصيباً فيه طالما كان في العمر بقية ولا يوجد واحد من المقربين أو من الواصلين أو من العارفين يترك مقام التوبة طرفة عين ولا أقل بل إن التوبة تلازم جميع المقامات لكن بحسب المقام الذي أنا فيه تكون التوبة وحتى ينال الإنسان بالتوبة حب الله شرطها أن تتغير أحوال التائب من الأحوال التي كان عليها إلى الأحوال التي يحبها الله ولكن يقول إني تبت وهو على ما هو عليه لا ينفع والدكتور عبدالحليم محمود رحمة الله عليه كان له تعليق لطيف في هذا الموضوع قال فيه:
بدأ الإمام القشيري تراجمه (وتراجم يعني سير الصالحين) بسيرة إبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وغيرهم ممن كانوا في أوحال الذنوب حتى يفتح الباب للمريدين ويبسط المقام للمحبين ليعلموا أن الله عزَّ وجلَّ إذا شاء يبدل السوء بحسنات
وكان إبراهيم بن أدهم ابن ملك خوارزم في بلاد فارس وخرج يوماً للصيد وبينما هو يركب فرسه ويجري وراء أرنب بري لصيده إذا بالسرج ينطق ويقول: يا إبراهيم ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟- وذلك حتى نعلم أن التوبة تأتي من الله وإذا أراد الله فلا راد لقضاءه - فنزل من على الفرس وقد وجد حارساً يعمل عند أبيه فأعطاه بزته أي بدلة الأمراء وملابسه وسلاحه ولبس حلته وهاجر إلى أرض الشام وبدأ توبته إلى الله وله من الأحوال الخارقة والكلمات الصادقة ما تتحير فيه العقول ولا وقت لسرد ذلك الآن لكن حبذا لو اطلعتم على سير هؤلاء الرجال فقد قال أحد الحكماء:
حكايات الصالحين جند من جنود الله تسوق المؤمنين إلى حضرة الله جل في علاه
وقد استنبط ذلك من كتاب الله ، فلِمَ قص الله قصص الأنبياء والمرسلين؟
[لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ]
وكذلك الفضيل بن عياض هو الرجل الذي ذهب إليه هارون الرشيد في مكة ليستأذنه في زيارته فرفض ماذا كانت بداية أمره؟كان قاطع طريق وله عصابة يرأسها وفي يوم ذهبوا للسطو على منزل ووقف على سطح المنزل يوجههم فسمع قارئاً يقرأ قوله تعالى:
[أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ]
فخارت قواه وجلس في مكانه وقال: "آن يا رب"وخرج تائباً وذهب إلى مكة وظل حتى استأذن الرشيد عليه ليزوره فلم يأذن له
فلماذا سرد القشيري هذه الحكايات ؟لأن التوبة هنا صاحبها بدل حاله وغير وضعه لأن شرط التوبة أولاً أن يندم على ما فعل ويشعر قلبه بالوجل والخوف من الله وأن يقلع عن الذنب فوراً لكن يتوب ثم يرجع للذنب إن هذا استهزاء بحضرة الربوبية لكن عليه أن يقلع فوراً عن الذنب ويعزم عزماً أكيداً أن لا يرجع إلى هذا الذنب مرة أخرى إذا كان هذا الذنب بينه وبين مولاه أما إذا كان هذا الذنب حقاً من حقوق العباد فلا بد أن يرده إلى صاحبه إن كان مالاً وصاحبه حي أو له ورثة فعليه أن يرده له أو لورثته وإن كان لا يعرف أين ذهب ولا يعرف له ورثة فيتصدق عنه وإن كان اغتابه في مجلس فلا بد أن يمدحه ويثني عليه في نفس المجلس حتى تُذهب الحسنات السيئات مصداقاً لقول الله
[إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ]
فكل مجلس قدحه وذمّه فيه يسارع إلى مدحه والثناء عليه فيه ليكفر هذا الذنب الذي فعله وكان أحد الصالحين حاكماً لولاية من ولايات العراق ورزقه الله نضرة الصالحين وأسرار المقربين وعندما وافته المنية أخذ يبكي بكاءاً شديداً فسألوه لم تبكي؟ قال: والله ما أبكي لذنب فما فعلت ذنباً قط قالوا: إذاً لم تبكي؟ قال: لأني أخذت درهماً غصباً من رجل وأنا في ولايتي فبحثت عنه سنين فلم أجده فتصدقت عنه بألوف ولكني أخــاف أن يطالبني صاحب هذا الدرهم بدرهمه يوم القيامة
وهذه هي أحوال العارفين فهل تريد أن تكون من الصالحين و العارفين وأنت تأكل حقوق العباد والمساكين هنا وهناك؟ لا يجوز هذا ولكن يجب أن نمشي خلف رسول الله فإن الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم بذاته وقف قبل المعركة بين أهله وأحبابه وأتباعه وقال لهم:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِني قَدْ دَنَا مِني حُتُوفٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرَاً فَهذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِني ، أَلاَ وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضَاً فَهٰذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِني وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالاً هذَا مَالِي لِيَسْتَقِدْ مِني }[1]
إذا كان رسول الله الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم والذي كان يقول في حديثه الآخر
{اللهم إني أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْداً لَنْ تُخْلِفْنِيهِ إنَّما أنا بَشَرٌ فأيُّ المؤمِنِينَ آذيْتُهُ أوْ شَتَمْتُهُ أوْ جَلَدْتُهُ أوْ لَعَنْتُهُ فاجْعَلْهَا لَهُ صَلاَةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ }[2]
ودعاؤه مستجاب ومع ذلك يطلب من إخوانه أن يتحلل وأن يحللوه وأن يسامحوه فما بالنا نحن ؟ إن الإقتداء بهديه صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك أوجب علينا لأن حقوق العباد شرط لمحبة رب العباد:
[إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ]
إذاً فقوله تعالى:
[فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ]
تفسيرها أن سيئة يرجو المرء غفرانها فعليه أن يعمل الحسنة التي بها يتم غفران الله عزَّ وجلَّ له وذلك كما قلنا فإذا اغتاب رجلا في مجلس فعليه أن يثني عليه ويمدحه في نفس المجلس ولا يكون ذلك كما يفهم البعض أن يبدل الله السيئات بحسنات دون أن يرد حقوق العباد فهذا لا يكون ولكن عليه إذا أخذ حقاً من إنسان أن يرد هذا الحق لهذا الإنسان لكي يبدل الله سيئاته بحسنات وإذا شتم عبداً يطلب منه أن يصفح عنه وأن يعفو عنه ويسامحه فعلى الإنسان عند كل ذنب يريد أن يتوب منه أن يحدث له عملا صالح يجعل الله عزَّ وجلَّ يعفو عن هذا الذنب فيبدل الله سيئاتهم حسنات لأن البعض يفهم خطأ أن الله يأتي بالصحيفة إذا كان فيها مثلا خمسمائة سيئة يبدلها بخمسمائة حسنة كيف يكون ذلك؟ لكن أنت الذي تغير:
[إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ]
فإذا أغضبت واحداً واشتكى لحضرة الواحد وتبت وأنبت إلى الله وحججت بيت الله لكنك لم تصلح هذا العبد ولم ترجع إليه ليسامحك كيف يبدل الله هذا الذنب بحسنة وهو مصر على حقه؟ لا بد أن تعمل له حسنة تجعله يصالحك ويسامحك والله ينظر إليك فيبدل الذنب بحسنات لأنك فعلت الحسنات التي بها يتم غفران هذا الذنب عند الله وعندما يلاحظ التوابون هذه المعاني يلاحظ الواحد منهم نفسه وحركاته وسكناته فيعقل كلماته ويقنن أفعاله وحركاته حتى لا يقول كلاماً يغضب الأنام فيتحير في هذا الأمر في الدنيا ويوم الزحام ولا يفعل فعلاً لا يستطيع رده ولا مراجعته ما الذي يجعل الصالحين يمشون على الصراط المستقيم؟أن الرجل منهم يحاسب نفسه على الأقوال وعلى الأفعال وعلى النوايا وعلى الطوايا لأنه إذا
استحدث نية سيئة فهذا ذنب ولكي يتوب إلى الله من هذا الذنب:
[وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ]
فلا بد أن يستحدث نية طيبة لكي يغفر الله النية السيئة الأولى بالنية الطيبة وهذا هو حال الصالحين لكن هل بمجرد أن يقول تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت تتم التوبة؟ لا ولكنها تتم لمن يكون أساساً ملفه خالي من أي قضية أو جنحة أو جناية أو ما شابه ذلك والمؤمنون الصادقون يحاولون دائماً أن يغيروا ما بأنفسهم ولذلك إذا نظرت إلى مجاهدات الصالحين تجد فيه العجب العجاب لماذا؟لأنهم يجاهدون في مراجعة الذنوب والعيوب ويحاولون أن يفعلوا الأحكام والأفعال التي يستوجبون بها رضى علام الغيوب عزَّ وجلَّ فيحكموا على أنفسهم بهذه الأعمال لكي يستوجبوا رضا الواحد المتعال عز وجل
يتبـــــع إن شــــــــاء الله
[1] جامع الأحاديث و المراسيل وَالأَوْسط بنحوِهِ وَأَبُو يعلٰى بنَحْوِهِ عَنِ الْفضل بن عبَّاس إكماله ( لاَ يَقُولَنَّ رَجُلٌ إِني أَخْشٰى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ الله أَلاَ وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي وَلاَ مِنْ شَأْنِي أَلاَ وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ أَوْ أَحْلَلَنِي فَلَقِيتُ الله وَأَنَا طَيبُ النَّفْسِ أَلاَ وَإِني لاَ أَرٰى مُغْنِيَاً عَني حَتىٰ أَقُولَ مِرَارَاً يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَرُدَّهُ ، وَلاَ يَقُلْ فُضُوحُ الدُّنْيَا ، أَلاَ وَإِنَّ فُضوحَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآْخِرَةِ
[2] مسند الإمام أحمد عن هَمّام بن منبِّه قال: هٰذا ما حدثنا به أبو هريرة
 
جمال التوابين
لكي أتجمل بأحوال الصالحين لا بد على الفور أن أترك أحوال الجاهلين والبطالين والعصاة والمذنبين والغافلين جملة واحدة واقبل على الله بالكلية فالعبد الذي يريد أن يحبه الله عزَّ وجلَّ عليه أن يحاسب نفسه أولاً ويتوب من الذنوب ثم يطهر نفسه من العيوب ويجمل نفسه بجمال الحبيب المحبوب ومن ينظر لعيوبه فلن ينظر لعيوب غيره
"طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس"
ويقيس نفسه بالحبيب ولذلك فلن يجلس في أي مجلس ويفتش في عيوب إخوانه ويقول أحد الصالحين في ذلك:
"تبصرك فيما فيك يكفيك"
فإذا تاب من العيوب وتجمل بجمال الحبيب المحبوب يحاسب نفسه على الغفلات واللحظة التي تمر عليه وهو في غفلة يحاسب نفسه عليها حساباً شديداً ثم يحاسب نفسه على الخطرات والخاطر الذي يمر بغير ذكر الله يقول فيه أحد الحكماء:
وإن خطرت لي في سواك إرادة ..... على خاطري نَفَساً حكمت بردتي
والردة هنا معناها أن يرجع مرة أخرى لأول الطريق فشتان بين مؤمن يتوب من زلاته وبين مؤمن يتوب من رؤية التقصير في طاعاته وبين مؤمن يتوب من نسبة الطاعات إلى ذاته وبين مؤمن يتوب من غفلاته ومؤمن يتوب من خطراته وكل هذه اسمها توبة لكن هذه غير هذه إذاً فإن مقام التوبة لا ينتهي أبداً وطالما أن الإنسان يريد الله فلا يترك التوبة طرفة عين ولا أقل لأن الله يقول:
[إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ]
وليس المقصود من المتطهرين من يطهرون الجسم بالماء و فقط ولكن هناك حكمة عالية قد فسرها لنا أحد الحكماء فقال:
إن ما يطهر الإنسان أن يتذكر أصله
ما أصله؟ ماء مهين أو سلالة من طين فعندما يتذكر أصله ويرجع له يتبين له أنه تراب وهل التراب يسمع أو يبصر أو يتكلم ؟ أبداً فأنت من ماء مهين أو من تراب وطين وكل ما زاد عن الماء المهين وعن التراب والطين فهو جمال رب العالمين فلماذا تنسبه لنفسك ؟ إنه من الله فلا تقول صوتي ولا علمي ولا نظري ولاعقلي ولا فكري فكل ذلك يجب أن تكون نسبته لله جل في علاه إذاً الطهارة ليست طهارة الجوارح بالماء ولكن طهارة القلب بالكلية من جميع الأمراض التى نعى الله على أهلها في الآيات القرآنية وقال في شأنهم:
[فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً]
فهناك طهارة للصلاة وهناك طهارة للصلة بالله وطهارة الصلة بـالله هي طهارة القلب من كل ما سواه فيطهر القلب من الأحقاد والأحساد والغل والكره والأثرة والأنانية وكل الذنوب والصفات على إختلاف أنواعها والذنوب أنواع فهناك ذنوب إبليسية وهناك ذنوب حيوانية وهناك ذنوب جبروتية وهناك ذنوب سبعية والذنوب الحيوانية هي التي يتشبه فيها الإنسان بالحيوان وهي والعياذ بـالله الزنا وعمل قوم لوط وما شابه ذلك من هذه الذنوب والذنوب الإبليسية كالمكر والخديعة والإيقاع بين خلق الله والمشي بين الناس بالغيبة والنميمة وما شابه ذلك والذنوب السبعية هي كالإختيال بالقوة والفخر بالأحساب والأنساب والتطاول على خلق الله تارة بلسانه وأحياناً بيده وأحياناً بماله وأشدها وألعنها وأقواها الذنوب الجبروتية وهي التي يشارك فيها الإنسان الذات العلية في الأسماء التي لها خصوصية كأن يتكبر على خلق الله أو أن يتعالى على كل ما سواه ولا يكون عنده تواضع للفقراء والمساكين من عباد الله لأن الله يقول في حديثه القدسي:
(الكِبْرِيَاءُ رِدَائي، والعظَمَةُ إزارِي، فَمَنْ نَازَعَني واحِداً منهما، قَذَفْتُهُ في النَّارِ)[1]
ويقول أحد الصالحين :
ألا من يكن في قلبه بعض ذرة .... من الكبر والأحقاد ما هو ذائق
فيلزم للإنسان أن يتطهر من كل هذه الصفات وكل هذه الفعال فيطهر القلب ثم يطهر السر من جميع الأغيار حتى لا يكون فيه إلا العزيز الغفار ويطهر الروح من الوقوف حتى مع الفتوح يعني لو فتح الله عليه بالعلم مثلا ووقف مع الفتح فقد ضيع نفسه لأنه سيرى أنه من أهل الفتح ويريد من الناس أن تثني عليه بسبب الفتح وتقبل عليه بسبب الفتح ونسي أن الفتح من الفتاح إن شاء أبقاه وإن شاء زاده وأغناه وإن شاء خلاّه وهي إرادة الله جل في علاه إذن الطهارة هنا ليست طهارة الظواهر فقط ولكنها طهارة الظواهر وطهارة البواطن وهي ما يريدها الله ولذلك قال الله في المتطهرين الذين يتطهرون من كل هذه الأشياء:
[فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ]
يتبـــــــــــع إن شــــــــــــــاء الله

المصدر: كتاب كيف يحبك الله للأستاذ فوزي محمد أبوزيد

[1] صحيح ابن حبان عن أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال : فيما يَحْكِي عن ربِّه جَلَّ وعلا
 

أوصاف المحبوبين
لِمَ حبّب الله عزَّ وجلَّ المؤمنين في مجالسة بعضهم؟ بل وبين الدرجات العالية والمقامات الراقية التي أعدها لهم حتى قال عزَّ شأنه وهو الغني ونحن الفقراء إليه في حديثه القدسي المشهور:​
( وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتباذلين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ)
الله عزَّ وجلَّ الذي لا يُسأل عما يفعل والذي يهيمن ولا يهيمن على قراره ولا على فعله ولا تصرفه أحد لأنه وحده هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له في فعله ولا معاون له في تصريف أمره ولا راد لحكمه لأنه حكم عدل قيوم قوي لطيف خبير يوجب على نفسه أن يحب قوماً ما أوصافهم؟ وما سماتهم ؟ وما علاماتهم ؟ قد أجملها الله عزَّ وجلَّ في هذا الحديث القدسي العظيم​
(المتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ والمتحابين فيّ)
أربعة أوصاف وأربعة علامات وضعها الله ومن يتجمل بها فإن الله لا بد وأن يحبه ومن يحبه الله ما الذي له عند مولاه؟يكفيه تيهاً وشرفاً وفخراً قول حبيبه ومصطفاه:​
{ إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب}[1]
فإن الله يقول في شأنه:​
[أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ]
يتقبل الله منهم أطيب الأعمال وأفضل الأقوال ويتجاوز عما سوى ذلك لأنه وعد بذلك وهو عزَّ وجلَّ لا يخلف الميعاد، من هم هؤلاء القوم؟ إن أول أوصافهم وأهم علاماتهم أنهم يتحابون في الله لا لعلة ولا لغرض ولا لمصلحة عاجلة أو آجلة وإنما محبتهم لبعضهم في الله ولله​
"وجبت محبتي للمتحابين فيّ"
أي المتحابين في الله ولله يا بشراهم بقول حبيب الله ومصطفاه صلوات ربي وتسليماته عليه إذ يقول ( إن لله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء لمكانتهم وقربهم من الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة) فقال أصحابه رضوان الله عليهم : يا رسول الله أناس ماهم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء صفهم لنا وفي رواية جلّهم أي وضحهم لنا فقال حبيبي وقرة عيني صلَّى الله عليه وسلَّم:​
( هم أناس من أمتي من قبائل شتى وبلدان شتى توادوا بروح الله على غير أرحام بينهم) _ فلا نسب بينهم ولا عائلة – ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم فلا تجارة ولا مصلحة ولا منفعة -( تواودوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم)[2]
وأقسم حضرة النبي وهو الذي يقسم ويقول:​
( فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور قدام عرش الرحمن يوم القيامة يفزع الناس وهم الآمنون ويخاف الناس ولا يخافون)
ثم تلا قول الله تعالى:​
[أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ]
فيا بشرى لمن يتحابون في الله فإن لهم هذه المنزلة العظيمة يكونون على منابر من نور قدام عرش الرحمن ومعهم لواء الأمان لأنهم تحابوا في الله على غير أرحام ولا نسب ولا منافع ولا أي أمر من أمور الدنيا وإنما محبتهم في الله ولله هذه المحبة بين الأحبة حتى تتوثق رابطتها ويقوى شأنها ويجمع الله الأحوال الطيبة التي كانت في أصحاب الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم لأهلها يلزم عليهم أن ينفذوا بقية الحديث : للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ أي لا بد أن أن يتجالسوا ليتعاونوا على البر والتقوى وليعين بعضهم بعضاً على طاعة الله وتقوى الله في ظلمات هذه الحياة فإن المؤمن وخاصة في هذه الظلمات الحالكة التي قال فيها الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم:​
{ألا إنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم}[3]
يحتاج لمن يقوي عزيمته ويحتاج لمن يشد أزره ويحتاج لمن يقوي شكيمته في الحق ويحتاج لمن يحبب له طريق الصدق ويحتاج لمن يحبب إليه الفضائل والمكرمات التي كان عليها سيد السادات.فلا بد له من مجالسة الإخوة الصالحين الذين يعضدونه ويشدون أزره حتى يتغلب على متاعب هذه الحياة وإلا هوى في واد سحيق فإن الدنيا مليئة بالحظوظ والأهواء والمنافقين والكاذبين وغيرهم من الذين يزينون الباطل ويبخسون الحق ويجعلون أهل الحق إذا لم يجالسون بعضهم ويقوي بعضهم بعضاً يرتج عليهم حالهم والواحد منهم يتزلزل في نفسه وربما من شدة زلزلته يحتجب في بيته يظن أنه على الباطل وغيره على الحق لأنه يرى الباطل لجلج فالباطل هو الظاهر وهو القوي فلا بد أن يتجالسوا ليشدوا أزرهم.​
يتبع إن شاء الله
[1] حلة الأولياء وشعب الإيمان للبيهقي عن عاصم عن الشعبي

[2] مسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داود والترمذي الجامع الصحيح عن عمر بن الخطاب وأبي مالك الأشعري​
[3] المعجم الكبير للطبراني ومسند أبو يعلى الموصلي عن جندب بن سفيان​
 
منهاج الأخوة في الله

وضع الحبيب المنهاج لهذه الأخوة فقال في شأنها صلوات ربي وتسليماته عليه:​
{أخوك من إذا نسيت ذكرك وإذا ذكرت أعانك }[1]
وهو بذلك يشرح كتاب الله فإن الله عندما بين للأمة كلها من بدء البدء إلى نهاية النهايات سبب خطيئة آدم التي بها أُخرج من الجنة فإنه أُخرج من الجنة بذنب واحد فكيف يطمع غيره ونطمع نحن أن ندخلها على الرغم من أننا نرتكب قناطير من الذنوب في كل يوم والذنب الذي ارتكبه تاب عليه الله وقبل منه توبته ونحن ربما نسهو عن الذنوب ولا نتوب منها بل ربما بعضنا أن ذنوبه حسنات ويفتخر بها ويتباهى بفعلها بين خلق الله فذكر الله خطيئة آدم وذكر سببها وبين علة فعلها حتى لا نقع فيها فقال عزَّ شأنه عن آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام:​
[وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً]
ما هو سبب الذنب؟ النسيان وفتور العزيمة، فجاء الحبيب وهو الطبيب الأعظم والمعلم الأكرم بالروشتة التي تعالج هذه الأدواء فقال:​
{ خوك من إذا نسيت - وهذا علاج النسيان [فنسي..]- من إذا نسيت ذكرك – وعلاج وخور العزيمة وضعف العزيمة – وإذا ذكرت أعانك }​
إذاً فعلاج هذه الأدواء هو الأخ الصالح الناصح الذي يقول فيه الإمام عمر بن عبد العزيز "عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم عدتك عند البلاء وعونك عند الرخاء" عند البلاء تجدهم معك يشدون عضدك وأزرك حتى لا تقع في سخط الله بل تتجمل بما يحبه الله ويرضاه وعند الرخاء يطلبون منك ألا تقف عند النعمة وتنسى المنعم فـ​
(إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى)
بل يطلبون منك كلما توافرت النعم أن تزيد من شكر المنعم حتى تدخل في قول الله:​
[لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ]
إذاً لا بد من المجالسة والمجالسة يقول فيها الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم ما معناه:​
{يسأل المرء عن صحبة ساعة}
يعني بذلك أنك لو صحبت رجلاً في الله ولله لمدة ساعة فإنك تسأل عن هذه الصحبة يوم القيامة إذا مرض ولم تعده وإذا غاب عنك ولم تزره ولم تتفقده وإذا احتاج ولم تعنه وإذا كان مسرورا ولم تشاركه وإذا كان مهموماً مغموماً ولم تخفف عنه كل هذه مسئوليات أوجبها عليك الله وحقوق سنّها لنا حبيب الله ومصطفاه لأنها حقوق الإخوان والإخوة في الله جل في علاه فلا بد من المجالسة والمجالسة تحتاج إلى التزاور -- والمتزاورون فيّ – لا بد أن نزر بعضنا بعضاً والزيارة وما أدراك ما الزيارة قل فاعلها في هذا الزمان وظن الناس أنهم استغنوا بمالهم وبمناصبهم وبجيوبهم وبأولادهم عن الإخوان في الله وهذا لا يكون أبداً يكفي لمن يزور في الله قول حبيب الله ومصطفاه فى الحديث المشهور الذى معناه وقد ورد بطرق عديدة و روايات متعددة:​
{ زر في الله فإن من زار أخاً في الله شيعّه سبعون ألف ملك يقولون له طبت وطاب ممشاك وطابت لك الجنة }
سبعون ألف ملك يحفون بالعبد إن ذهب لزيارة أخ له في الله من مثلهم؟ لا يوجد حتى في زعماء الوجود من يمشي في ركابه سبعون ألف من هؤلاء الجنود الذين عينهم الواحد المعبود وطاقاتهم وقدراتهم بغير حدود فإن واحداً منهم حمل على ريشة واحدة من جناحه وله سبعون ألف جناح مدائن لوط كلها وهي سبع مدائن بما عليها من رجالها ونسائها وبيوتها وحيواناتها إلى السماء السابعة وقلبها في الأرض وصارت بحراً ميتاً إلى يومنا هذا وهو جندي واحد من هؤلاء الجنود​
{زر في الله فإن من زار أخاً في الله شيعه سبعون ألف ملك يقولون له طبت وطاب ممشاك وطابت لك الجنة}
ألا تريد أن تقال لك هذه الكلمات في كل يوم أو في كل اسبوع على الأقل مرة ولا يجب أن يترك المؤمن هذا العمل لأن معه هذا الأمل يريد أن يسمع دعوات ملائكة الله الذين استجاب لهم الله ويستجيب لهم عندما يدعون للرحماء من خلق الله بل إن الله يقيض لمن يذهب لزيارة أخ له في الله ملائكة يعترضون سبيله وإن كنا لا نراهم بأعيننا لكن أهل الحقائق يرونهم بأبصارهم ويسمعون عذب كلماتهم ويقول في شأنهم الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم فمعنى الحديث​
{ زار أخ أخاً له في الله فاعترضته ملائكة الله وقالوا له أين تذهب؟ فقال: لزيارة أخى في الله فلان فقالوا له: هل لك عليك من نعمة تربها يعني تطلبها؟ قال: لا قالوا له:أبشر فإن الله يخبرك أنه يحبك كما أحببته في الله}
يبشرونه بأن الله يحبه لأنه يعمل العمل الذي يحبه الله وهو التآخي في الله وتنفيذ قول الله:​
[إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ]
هذه هي الإخوة التي حببها وعضدها كتاب الله وعززها وفعلها وعمل بها ومدح صانعيها وأهلها سيدنا رسول الله وثواب الإخوة في الله لا يستطيع واحد من الأولين والآخرين أن يبين مداه لأنه في الله ولله وأجره على الله يكفيهم أنهم يوم الدين يجمعهم الله على رؤوس الخلائق أجمعين ويناديهم كما قال في قرآنه العزيز وكلامه العذب الوجيز:​
[يا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ]​
لا تخافون على شيء ولا من شيء وإذا أمر بهم إلى دار النعيم فإن من كمال التكريم من الرب الرؤوف الرحيم أن يدخلهم معاً يذهبون فوجاً واحداً

{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً }​
والتفت إلى معنى الآية فإنهم لا يحشرون إلى الموقف ولا لأرض الحساب ولا للميزان ولا للصراط وإنما يحشرون للرحمن هم وفود الرحمن عزَّ وجلَّ الذين يجلسون على منابر من نور قدام عرش الرحمن لا شأن لهم بالحساب ولا بالميزان ولا بالصراط ولا ما سوى ذلك لأن الله شملهم برعايته وجعلهم في الدنيا من أهل عنايته وفي الآخرة من أهل سعادته وفي الجنة من أهل النظر إلى جمال طلعته فإذا أكرموا بنظرة منه وأمر بهم على تمام التكريم في دار النعيم المقيم:​
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)
كذلك يمشون مع بعضهم حتى ورد أن الحبيب صلوات ربي وتسليماته عليه قال فيمن كانوا متآخين في الدنيا ويتجالسون ويتزاورون فيما بينهم عندما يقال لأحدهم ادخل الجنة، فيقول يا رب أين أخي فلان؟ فيقول الله تعالى: إنه لم يعمل مثل عملك فيقول: يا رب إني كنت أعمل لي وله "يعني إقسم عملي بيننا نحن الإثنين" فيقول الله تعالى: خذ بيد أخيك وادخلا معاً الجنة، وهذا ما جعل الصالحين قديماً وحديثاً يقولون الناجي منا يأخذ بيد أخيه فإن هذه الجلسات هي التي يقول فيها الله لملائكته من فوق السبع طباق​
"هم القوم لا يشقى جليسهم" [2]
فمن يجلس معهم لا يشقى أبداً يعطيهم الله ما يطلبون ويؤمنهم مما يخافون فيقولون: يا ربنا إن فيهم فلاناً ليس منهم وإنما جاء لحاجة فيقول الله تعالى:​
{ هم القوم لا يشقى جليسهم }
فمن يجلس معهم يسعد بسعادتهم ولذلك كان القوم يقولون اللهم لا تجعل في حضرتنا شقياً ولا محروماً لأن الخير الذي ينزل من الله والعطاء الذي يتنزل من فضل حبيب الله ومصطفاه يعم الجميع لأن الكريم كرمه واسع لا يحد.​
يتبع إن شاء الله
[1] الأخوان لإبن أبى الدنيا عن الحسن .

[2] صحيح مسلم عن أبى هريرة ,​
 
البذل فى الله

"والمتباذلين فيّ"
ورد عنهم أنهم كانوا إذا اجتمعوا لم يتفرقوا إلا على ذواق أي شيء يذوقونه قد يكون تمراً وقد تكون فاكهة وقد يكون طعاماً المهم أنهم يجتمعون على شيء يتذوقونه فيما بينهم لأن الرحمة تتنزل عليهم وهم يتناولون أقوات الله لأنهم يشكرون الله على عطاياه وفيهم يقول حبيب الله ومصطفاه من أكل مع قوم مغفور لهم غفر الله له وكان هدفهم نوال مغفرة الله وليس من اجل الأكل والشرب وهؤلاء القوم من أجل ما بيّن الله تآخوا في الله لكي يحوزوا هذه المكرمات وينالوا هذه الدرجات العظيمات ويكونون من المعنيين بقول الله:​
( الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )
ومن أجل أن تتحقق الإخوة يجب كما قلنا أن تكون المحبة في الله ولله وأن يكون هناك تجالس في الله وتزاور في الله وأن يكون هناك عمل بقول حبيب الله ومصطفاه:​
{تهادوا تحابوا}[1]
وفى الرواية الأخرى:​
( توادوا تحابوا )
يجب أن يكون هناك مودة لكي تنتشر المحبة بين الأحبة توادوا تحابوا وكذلك يلزم البذل لأن أهل المدينة فازوا وجازوا ببذلهم وإيثارهم ووقايتهم لشح أنفسهم وقد قال الله في شأنهم:​
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)
ما صفاتهم؟​
(وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)
ثم حكم الله لهم بالفلاح فقال في شأنهم:​
(وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
لماذا حبب الله عزَّ وجلَّ ورغب رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في مجالسة المؤمنين لبعضهم ؟ إذا كان نبي الله وكليم الله سيدنا موسى عليه السلام عندما توجه إلى مولاه وناجاه وفتح الله له باب الإجابة وأمره أن يعرض طلباته ويتحقق أنها مستجابة ماذا طلب من الله ؟ لم يطلب داراً ولاعقاراً ولا مالاً ولا شيئا من طغام الدنيا وحطامها الفاني لأنه يعلم أن هذه الأمور انتهى منها الله قبل خلق الكائنات فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم:​
{ إن الله خلق الدنيا وقدر فيها أقواتها قبل خلق آدم بألفي عام }[2]
وكل واحد له رزقه المقسوم والمعلوم الذي خصصه له الحي القيوم ماذا طلب؟اسمعوا إلى أعز طلب طلبه من الله:​
[قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي]
كل طلب مما سبق كلمة واحدة لكن انظروا إلى الطلب القادم​
[وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي]
من الوزير؟​
[ هَارُونَ أَخِي]
وأخذ يذكر المبررات لكن الطلبات السابقة كان يطلب الطلب وحسب مثل اشرح لي صدري ويسر لي أمري وحسب لكنه هنا جاء بالمبررات هارون أخي لماذا ؟​
[اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراًوَنَذْكُرَكَ كَثِيراً]
إذاً سر الأخوة التي طلبها سيدنا موسى وفقط من أنبياء الله ثلاثة : شد أزر الإنسان ويشارك الإنسان في أمره ويشاوره في آرائه وفي أحواله فيستبين وجه الصواب:​
[وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]
وكذلك يساعد الإنسان على ذكر الله والتسبيح لله أيحتاج كليم الله إلى أخ يعينه على ذكر الله ؟ نعم إذاً ماذا نحتاج نحن ونحن الضعفاء؟​
[وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى]
لأنه قد فتح له باب الإجابة ولذلك سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نور الوجود وباب السعود لكل موجود وكنز الحق المشهود والرحمة العظمى التي هي أغلى لنا وعندنا من الآباء والجدود والذي أعطاه الله كنوز العطاء وأمره أن يتصرف فيها بغير حدود ومع ذلك جاء بإخوانه وأمرهم أن يتآخوا على أن يكون لكل واحد أخ على الأقل في الله وهو بينهم وذلك عندما هاجر إلى المدينة ألم يأمر أن يكون لكل واحد أخ ؟ ماذا يفعل الأخ؟ قال: يشاركه يحضر واحد منهم المجلس مع رسول الله ويكون الآخر في عمله أو في راحته ثم بعد ذلك يذهب هذا لعمله ويحضر الآخر لكي لا يفوت الاثنين شيء ويخبر الشاهد الغائب في أثناء غيابه بما شاهد وما سمع من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ويعينون بعضا ويشدون أزر بعض وقد قام بمؤاخاتهم إلى أن بقى سيدنا الإمام علي ولم يتبق له أخ فقال لسيدنا علي:​
{أنت أخي في الدنيا والآخرة أنت مني بمنزلة هارون من موسى }[3]
إذا كان من رفعه الله ورفع شأنه وقدره وقال له في صريح القرآن​
[وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ]
جعل لنفسه أخاً يؤاخيه في الله فكيف بالواحد منا يعيش في هذا العصر عصر الظلمات والحظوظ والأهواء من غير أخ إذاً سيسقط في أقل فخ من التي ينصبها الشيطان ومن التي تعينه فيها النفس التي وصفها الرحمن بأنها أمارة بالسوء من الذي سينبه الإنسان؟ إنه الأخ المذكر وهو من إذا نسيت ذكرك وإذا ذكرت أعانك، سيدنا عمر ذهب الأخ الذي آخاه في الله إلى بلاد الشام فسأل عنه فجاء من يخبره بأنه يتعاطى الخمر فقال عمر: أعطوني ورقة وقلماً وكتب إليه:​
بسم الله الرحمن الرحيم [حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ]
وتحت الآية كتب إذا بلغك كتابي هذا فانزع عما أنت فيه وتب إلى ربك عز وجل، لماذا؟ كانوا جميعاً يقولون​
"أخذ علينا العهد من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن ننصح لكل مؤمن"
لماذا نتآخى إذاً؟ لكي ننصح بعض هل ننصح بعض بالدنيا؟إن الدنيا لا تحتاج من أحد أن ينصح الآخر فيها فلو ترك الإنسان أمر الدنيا لنفسه فإن نفسه تعرف حيل الدنيا وخدعها جيداً ، لكن يجب أن تكون النصيحة في التعريف بالدنيا حتى لا تضحك علينا وتشغلنا عمن يقول للشيء كن فيكون ونقول كما قال الله في شأن قوم :​
[لعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ]
أو يقول الإنسان عند خروجه من الدنيا​
[أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ]
فالمهم أن تعرف منزلتك عند خروجك من الدنيا؟ فإذا كان معك خمسين دكتوراه من الدنيا فإنها كلها زائلة وباطلة لكنك عند خروجك من هنا وعند باب جمارك البرزخ تجد مكتوباً​
[هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ]
ما درجة هذا القادم لكي يستقبلوه ؟يا ترى هل يأتي الجماعة المخبرين لكي يقبضوا عليه؟وهذا واردأو يا ترى هل سيأتي جماعة من ملائكة الرحمة ليستقبلوه؟أو يا ترى هل سيأتي زعماء الملائكة لكي يعظموه؟أو يا ترى هل سيأتي الصالحين والنبيين لكي يبشروه ؟ أو يا ترى سيأتي الأمين جبريل والحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لكي يهنئوه؟وكل واحد على حسب درجته ومنزلته:​
[هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ]
فدرجتك هي ما قدمت يداك وما قدمته لمولاك:​
[وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ]
فقد أخذوا العهد على بعضهم أن ينصحوا بعضهم البعض لكن من يقول لا شأن لي فهذه ليست إخوة في الله ولله ولكنها أحوال البطالين وقريباً والعياذ بالله من أحوال المنافقين ولكن أحوال المؤمنين هي "الدين النصيحة" ومن لا يقبل النصيحة فليس منهم:​
[وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ]
فإن هذا والعياذ بالله ليس من صفوف المؤمنين لأن المؤمن يقبل النصيحة من أخيه حتى ولو كان أقل منه وكان سيدنا عمر يقول:​
"رحم الله امرءا أهدى إليّ عيوب نفسي"
ولذلك عندما ذهبت النصيحة لمن يتعاطى الخمر قال: جزى الله عمر عني خيراً تبت إلى الله ورجعت إلى الله وأنبت إلى الله وعاهد الله ألا يعود لهذا الذنب مرة أخرى أبداً وهذه كانت أحوال أصحاب رسول الله ولهم في هذا المجال أمثلة لا تعد ولا تحد يضيق عن ذكرها المقال ولكنها موجودة في صحف السيرة العطرة وطبقات الصحابة.​
يتبع إن شاء الله
[1] عن أيى هريرة ، سنن البيهقى الكبرى .

[2] المستدرك على الصحيحين للحاكم عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما​
[3] المستدرك على الصحيحين للحاكم ، عن ابن عباس​
 
منافع مجالس الإخوان

لما جاء السلف الصالح أداموا هذا الأمر وقالوا نمشي على العهد عملاً بقول الله جل في علاه:​
[أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ]
ماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يجلسون مع بعضهم وهذه المجالس كانت تخلو من الغيبة والنميمة ولا تجد فيها قيل ولا قال ولا ذكر الدنيا ولا الأمور الفانية إنما تذكير بالآخرة والأعمال الصالحة والأخلاق الراقية ليعينوا بعضهم البعض على السير إلى الله لكي يخرج الواحد منهم من الدنيا ومعه شهادة تقدير من العلي القدير ماذا كان يفعل أصحاب رسول الله ؟ تروى لنا كتب السيرة أن رسول الله كان يدخل المسجد فيجد مجالس متعددة فمنهم مجلس أهله يقرءون القرآن ومجلس أهله يذكرون الله فكان يقول كلاهما على خير وكان سيدنا عبد الله بن رواحة يهتم بمن يدخلون حديثاً في دين الله من الأغراب ويجمعهم في المسجد ويقول تعالوا نؤمن بـالله ساعة يشرح لهم قواعد الإيمان وأركان الإيمان الصحيح الذي يؤدي إلى مقام المراقبة لحضرة الرحمن عزَّ شأنه لأن الإيمان لن يصح إلا إذا وصل الإنسان لمقام المراقبة لحضرة الرقيب أما إذا كان الإيمان في الكتب وانعدمت المراقبة في القلب يكون الإيمان هش وضعيف أما الإيمان القوي فهو:​
[وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ]
كإيمان أصحاب رسول الله وكذلك الصالحون لوا على أنفسهم أن يسيروا على هذا المنهج فماذا يفعلون؟ قالوا نحب بعضنا في الله ومن يحبون بعضهم في الله لا بد أن يجلسوا مع بعضهم مجلس خير وبركة قد يكون مرة في الأسبوع أو مرتين في الأسبوع ونجعلها مواعيد ثابتة لكي نعين بعضنا على طلب الآخرة ماذا نفعل في هذه المجالس؟ إما أن نتلوا آيات من كتاب الله أو نستغفر الله أو نصلي على حبيب الله ومصطفاه أو نذكر الله أو نسمع العلم من عبد فتح عليه مولاه أو نروح النفوس ببعض الحكم الدينية التي أقرها الصالحون وكانت في عصر رسول الله وسمع مثلها حبيب الله ومصطفاه وهذه هي المجالس التي وظفوها وجعلوها لكي يدخل الإنسان في قول الله:​
(وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ)
ولذلك سموها مجلس كما قال الله (للمتجالسين فيّ) وسيدنا رسول الله قالوا عنه وجد مجلساً للعلم إذاً فهي مجالس العلم أو مجالس القرآن وإذا كانت هذه المجالس تشمل كل ما سبق وهذا ما جعل الصالحين يحافظون على هذه المجالس لماذا؟ لأنه لا بد للإنسان من جلسات يقوى فيها قلبه وينقي فيها نفسه ويصفي فيها صدره لكي يستطيع أن يواجه أعباء هذه الحياة لكن لو أن الإنسان كرس حياته من العمل إلى المشاكل للمتاعب للأحاديث التي تعكر البال وتكدر صفو القلب ما الذي سيحدث؟ ستنتابه الأمراض وتتوالى عليه الأعراض كما نرى خلق الله الآن والذين ابتعدوا عن نهج المصطفى عليه الصلاة والسلام ولكن آباءنا رحمة الله عزَّ وجلَّ عليهم أجمعين والذين كانوا يسيرون على هذا النهج من منهم كان يذهب للدكتور؟لا أحد لأنه كان يفرغ هذه الشحنات مرتين في الأسبوع يذهب إلى المجلس فيفرغ شحنات الدنيا والمشاكل والمشاغل إلى حضرة الله والله عزَّ وجلَّ كان يتولى ببركة هذه المجالس تفريج الكروب واستجابة الدعاء وتحقيق الرجاء لكن الناس في هذا الزمان ولأنهم تعلموا العلوم الدنيوية هُيئ لكل واحد منهم أنه يستطيع أن يعمل بنفسه لنفسه كأن يستطيع أن يسعد نفسه أو يبني نفسه ويستطيع أن يؤمن أولاده فكان ما نحن فيه الآن فقد تجتهد إلى أن تجعل ابنك مهندساً أو طبيباً أو غيره وبعد ذلك أين يعمل وكيف ومن أين يتزوج؟وأين يسكن؟وذلك لأنك حملت نفسك الهم أما آباؤنا فقد تركوا الأمر على الله ولذلك لم يتعب منهم أحد أبداً وقد كنا ماشين بـالله وراضين عما يفعلوه معنا ولم يكن منا من يستطيع أن يتبرم أو يتضايق أو يطلب كذا أو كذا كما يفعل أبناؤنا الآن معنا وكانوا في راحة البال وعندما ينتهي إبنه من الدراسة يقول له تحمّل نفسك وأعطينا من دخلك ما يساعدنا على تربية إخوتك والله كان يعين الجميع لأنهم رموا الحمول على الله فتولى الأمور حضرة الله لكننا الآن أصبحنا شُطار:​
[إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي]
فيقول أحدهم أنا شاطر وماهر وأعرف السوق وأعرف كذا وكذا وهذا موجود الآن إذاً اجتهد يا شاطر ماذا تفعل يا شاطر ؟لكن لو توكلنا على الله ومشينا على النهج الذي وضعه لنا سيدنا رسول الله سندخل جميعاً في قول الله:​
[وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ]
وحسبه يعني كافيه ويكفيه الله عزَّ وجلَّ كانت هذه أحوالهم وكانت البركات تعم البلاد لأن رب العباد وخالق البلاد قال:​
[وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ]
البركة ستنزل من فوق وتخرج من تحت لكن ستأتي الخيرات بدون بركات ماذا تفعل؟ فلن تسد ولن تمد لذلك كان آباؤنا الأولين الماشين على نهج الصالحين مسرورين وكانت أحوالهم دائماً في رضى وفي تقى وفي عزة بسر اعتمادهم وتوكلهم على رب العالمين عز وجل وكما قال الإمام علي وهذه روشتته "من أراد غنىً بغير مال وعزاً بغير عشيرة وعلم بغير تعلم فعليه بتقوى الله عز وجل"وهذا هو السلاح الأقوى الذي نستطيع به أن نواجه ظلمات هذه الحياة وكيف تأتي التقوى؟ من مجالسة الأتقياء ومن مجالسة العلماء ومن مجالسة الحكماء ومن مجالسة الأصفياء وهذه المجالسات تنزع من النفس فطرها وعواهنها وتجعل المرء مؤهلاً لأن يسير مع الله ومن سار مع الله عزَّ وجلَّ كفاه الله سبحانه وتعالى كل مؤنة وكانت أحوال البلاد في تحسن وكانت الأخلاق فيها محبة ومودة وألفة لكن عندما قلت هذه المجالس رأينا الأضغان والأحقاد والأحساد وانتشرت الشرور بغير حد في كل ربوع البلاد حتى أن الإنسان الكريم الحليم ذو الخلق العظيم يحتار في قضاء مصالحه لأنه لن يجد من يقدر هذا الخلق ويقدر هذه المكارم لأن الناس الآن كأنهم في غابة وقد يكون لسكان الغابة بروتوكولات بينهم لكننا ليس مثلهم فسلطان الغابة وهو الأسد علمه الله بسجيته وفطرته مكارم الأخلاق فإنه لا يأكل من صيد غيره فلا يأكل إلا من صيد نفسه وإذا وجد شيئاً صاده غيره تأبى عليه عزته أن يأكل منه ولا يأكل مما صاده إلا مرة واحدة ويترك باقي ما صاده للعجزة من الحيوانات التي حوله لكي يقتاتوا أين هذه الأخلاق حتى بين عظام البشر الآن؟ فحتى أخلاق أهل الغابة لم نصل إليها إلى الآن من أين يأتي مثل ذلك ؟فإن يوم الجمعة التى تكون فيه الموعظة لا يدخل أحد الجامع إلا عند إقامة الصلاة لكي لا يسمعوا الخطبة وإذا جاء حديث ديني في التليفزيون لا يسمعه أحد لأنهم يريدون المسلسل أو الفيلم ولا وقت عندهم للأحاديث الدينية مع إن الحديث دقائق معدودة ولكن لا يجد من لديه الوقت ليسمعه وإذا اشترى الصحف يكون كل همه في الكرة والتليفزيون والكلام الذي لا ينفع ولكنه قد يضر أين إذاً من يقرأ كتابه لكي يسير إلى الله ويحسن أخلاقه وأحواله مع عباد الله ؟ ولم يعد الصغير يحترم الكبير ويسمع منه النصيحة ولا الكبير يستطيع أن يقدم النصيحة لأنه ربما يواجه بشتيمة وفضيحة فأصبحت الأمور لا مرد لها إلا بالرجوع إلى أحوال السلف الصالح وأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه الكرام العظام فلا بد أن تنتشر مجالس الهدى من جديد مجالس الخير مجالس النصيحة مجالس البر مجالس الذكر الذي يرقق القلب والفؤاد مجالس الرحمة مجالس المودة وهذا هو السر في أن الله عزَّ وجلَّ أمنا ووجه الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم النصائح والأحاديث المتتالية إلينا للمداومة على هذه المجالس والمداومة على سماع هذه النصائح لكي نجدد أحوالنا ونستغرق أوقاتنا في طاعة الله وننتشل أنفسنا من ظلمات ومشاكل ومتاعب وعناء هذه الحياة فنكمل المسيرة إلى الله فإذا خرجنا من الدنيا فرحنا وقلنا كما قال كتاب الله:​
[الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ]
يتبع إن شاء الله
 
عودة
أعلى