(الشيخ المحلاوي) والصمت الرهيب!
---------------------------------
الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
فالشيخ "أحمد المحلاوي" عَلَمٌ مِن أعلام الدعوة في العصر الحديث، تعتبره الحركات الإسلامية: "سلفيون، وإخوان، وجماعة إسلامية" أبًا روحيًا لها، وَسِعهم جميعًا بطيب خلقه، وحسن توجيهه.
وإذا كان الناس اليوم يتفاخرون بأيهم كان أسبق إلى ثورة "25 يناير"؛ فإن الشيخ المحلاوي -رغم هدوء طبعه، وطيبة ملامحه- كان رمزًا للثورة على كل أنواع الظلم والخروج عن شرع الله.
وقف أمام "السادات" وهو آنذاك قائد العبور -"وليس مجرد قائد سلاح كخليفته صاحب الضربة الجوية الأولى!"-، ولعل الوقوف أمام السادات لا يُعد شيئًا بجوار الوقوف أمام السيدة الأولى "جيهان السادات" في الوقت الذي كانت فـَرِحة فيه بهذا اللقب الذي وضعها مع "روزالين كارتر" في صف واحد!
كان الشيخ إمامًا لمسجد "سيدي جابر"، وجاءت السيدة "جيهان السادات"؛ لتفتتح بعض المشروعات الخيرية فيه؛ فاستنكر الشيخ عليها دخول المسجد بغير حجاب؛ مما أوغر صدر "السادات" عليه، ولكنه أجَّل الانتقام إلى حين!
انتقل الشيخ إلى مسجد "القائد إبراهيم"، وتحوَّل "السادات" من "قائد العبور" إلى "بطل الحرب والسلام"! وكان هذا اللقب الذي خلعته عليه إحدى الصحف الأميركية سببًا لقبوله بـ"معاهدة السلام" وسط استنكار شعبي بلغ مداه على لسان "الشيخ المحلاوي"؛ ليخصص "السادات" جزءًا كبيرًا من خطاب الغضب للشيخ "المحلاوي"؛ سبَّه فيه سبًا رفع الله به مقام الشيخ في قلوب محبيه، ورغم أنني كنت وقتها غلامًا حديث السن؛ إلا أن مرارة هذه الكلمة كانت تتجدد في صدري كلما تذكرتها.
دخل الشيخ السجن، وخرج منه في أول عهد "مبارك"؛ ليواصل كفاحه، فهو أول مَن يُدعى إلى مؤتمرات نصرة المسلمين في أي نكبة تصيبهم؛ لا سيما في "فلسطين"، وهو الذي يُشرف على الحفلات الكبرى للصحوة الإسلامية، وما زال السلفيون خاصة يذكرون له أنه تولى بنفسه عقد زواج الابنة الكبرى للشيخ "محمد إسماعيل" -حفظه الله-.
وما زال "الأمن" به حتى إذا بلغ الستين مِن عمره أحالوه على المعاش في وقت كان مسئولي الدولة كلهم فوق الستين! وبالمخالفة لقانون الأوقاف الذي ينص دون سائر أجهزة الدولة على بقاء الإمام في مسجده بعد سن الستين على أن يعين معه آخر!
وفي الجمعة الموعودة انتظر "ضباط الأمن" الشيخ أمام بيته؛ لينبِّهوا عليه ألا يذهب إلى مسجد "القائد إبراهيم" -ولو مأمومًا!-، ومِن باب الاحتياط أيضًا: منعوه أن يصلي في مسجد "سيدي جابر" -مسجده القديم-!
وبقي الشيخ فترة لا يصلي في مسجدٍ إلا أوذي اهله، بدعوى أنهم سوف يُمكِّنون الشيخ مِن خطبة الجمعة عندهم! فترك لهم الشيخ خطبة الجمعة حرصًا على إخوانه؛ ولكي يُوقف نزيف الاضطهاد، ولكنه لم يترك لهم الساحة؛ فمؤتمر هنا، وندوة هناك، وحفل عرس يتحول بحضور الشيخ إلى ندوة حافلة، وهاتف لا يُغلق في وجه متصل!
حتى آن أوان سقوط النظام؛ فيعود الشيخ إلى مسجده، يحرِّك منه الثورة، ويُلهب حماس شبابها.
وهذا طرف يسير مِن سيرة الشيخ؛ أردتُ به أن أرد على مَن يحاولون نسبة "ثورة شعب مصر" إلى أفراد لا يعدون أن يكونوا مِن رجال النظام السابق؛ إلا أنه لفظهم أو لفظوه، أو على أقصى تقدير؛ أدركوا أن العالم قد ملَّ منه.
إن الإعلام يمجِّد الآن رموزًا تحولوا إلى معارضين بعد سقوط النظام، وأمثلهم طريقة مَن بدأ معارضته للنظام منذ سنوات قليلة لما "هَرم النظام"، وفي ظل حماية دولية تمنع النظام مِن أن ينتقم من رموز المعارضة!
أحسبُ أن الشيخ على ما تعلمنا منه لا يريد مني، ولا مِن غيري ثناءً ولا شكورًا، ولكن إنما نطلب الإنصاف، والتزام حدود الأدب.
والشيخ بهذه السيرة أبعد الناس عن أن يُوصف بجبن أو خور، أو ممالأة لسلطان، ولكنه أيضًا حريص على مصالح البلاد والعباد، لا يمكن أن يسكت على مسلسل نشر الفوضى الذي يراه، ويراه غيره ماثلاً أمام الأعين، وليعتبره دعاة الليبرالية والحرية أنه -على أقل التقديرات- رأي شخصي لرجل أفنى عمره في التصدي لظلم الحكام بلا سند ولا معين؛ إلا الله -عز و جل-، ومِن بعده دعوات المحبين المخلصين.
ثارت ثائرة بعض الشباب الذين لا يعرفون الثورة؛ إلا ثورة على الأخلاق، وسبًا وبذاءة في وجه كل مَن قابلهم على ما ذكره الشيخ؛ فعقدوا العزم على منعه مِن الخطابة في مسجده، وحسنا فعل شباب الإسلاميين حينما أحاطوا شيخهم بأبدانهم، ومِن قبلها قلوبهم، معرضين عن السباب والشتائم التي انطلقت بها حناجر هؤلاء الشباب، والتي لم تتوقف احترامًا لأذان، ولا تعظيمًا لذكر، ولا توقيرًا لصلاة!
وانتهى الحدث...
وانتظرنا حملة كتلك التي ثارت عندما تعرض "البرادعي" لمضايقات، حينما شارك في الاستفتاء -وأيضًا حماه السلفيون من البلطجية حينها، ثم ألصقت بهم التهمة؛ حتى لا يقال: إننا لا نعرف الحقوق إلا للإسلاميين-، وكتلك التي ثارت عندما تعرض قس لإجراءات الأمن في فندق حيث طُلب منه أن يبحث بهدوء ووقار في ملابسه عن الشيء الذي يسبب انطلاق "صافرة الإنذار".
لمن نتوجه بهذا السؤال والشيخ له حقوق كثيرة باعتبارات متنوعة؟!
فيا ثوار.. هذا ثائر مِن قَبْلِ أن تثوروا؛ فلما لا تمنعون مَن ينتسبون إليكم مِن الإساءة إليه؟!
ويا "علماء الأزهر"..
ويا مَن تطالبون بقيام رجال الأزهر بدورهم.. هذا شيخ أزهري هو نعم النموذج للشيخ الأزهري الذي يخالط العامة، ويدعم الدعاة إلى الله.
ويا "وزارة الأوقاف".. مسجدك الأبرز في الإسكندرية تعرض لاعتداء، وخطيبك الأشهر كاد أن يُمنع من منبره! أم أن الوزارة لا تتذكر أنها مسئولة عن مساجدها؛ إلا إذا اعتلى المنبر داعية لسد غياب خطيب الأوقاف؟!
ويا "رجال الإعلام".. -"يبدو أن قلمي أفرط في التفاؤل أن يتبنى الإعلام يومًا قضية هادفة أو يُدافِع عن حقٍ لإسلامي؛ عمومًا فلنوجه النداء من باب: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55)، كما أن "رجال الإعلام الإسلامي" لا أظنهم يتركون هذه القضية تمر مرور الكرام"-.
وإذا كان الناس اليوم يتفاخرون بأيهم كان أسبق إلى ثورة "25 يناير"؛ فإن الشيخ المحلاوي -رغم هدوء طبعه، وطيبة ملامحه- كان رمزًا للثورة على كل أنواع الظلم والخروج عن شرع الله.
وقف أمام "السادات" وهو آنذاك قائد العبور -"وليس مجرد قائد سلاح كخليفته صاحب الضربة الجوية الأولى!"-، ولعل الوقوف أمام السادات لا يُعد شيئًا بجوار الوقوف أمام السيدة الأولى "جيهان السادات" في الوقت الذي كانت فـَرِحة فيه بهذا اللقب الذي وضعها مع "روزالين كارتر" في صف واحد!
كان الشيخ إمامًا لمسجد "سيدي جابر"، وجاءت السيدة "جيهان السادات"؛ لتفتتح بعض المشروعات الخيرية فيه؛ فاستنكر الشيخ عليها دخول المسجد بغير حجاب؛ مما أوغر صدر "السادات" عليه، ولكنه أجَّل الانتقام إلى حين!
انتقل الشيخ إلى مسجد "القائد إبراهيم"، وتحوَّل "السادات" من "قائد العبور" إلى "بطل الحرب والسلام"! وكان هذا اللقب الذي خلعته عليه إحدى الصحف الأميركية سببًا لقبوله بـ"معاهدة السلام" وسط استنكار شعبي بلغ مداه على لسان "الشيخ المحلاوي"؛ ليخصص "السادات" جزءًا كبيرًا من خطاب الغضب للشيخ "المحلاوي"؛ سبَّه فيه سبًا رفع الله به مقام الشيخ في قلوب محبيه، ورغم أنني كنت وقتها غلامًا حديث السن؛ إلا أن مرارة هذه الكلمة كانت تتجدد في صدري كلما تذكرتها.
دخل الشيخ السجن، وخرج منه في أول عهد "مبارك"؛ ليواصل كفاحه، فهو أول مَن يُدعى إلى مؤتمرات نصرة المسلمين في أي نكبة تصيبهم؛ لا سيما في "فلسطين"، وهو الذي يُشرف على الحفلات الكبرى للصحوة الإسلامية، وما زال السلفيون خاصة يذكرون له أنه تولى بنفسه عقد زواج الابنة الكبرى للشيخ "محمد إسماعيل" -حفظه الله-.
وما زال "الأمن" به حتى إذا بلغ الستين مِن عمره أحالوه على المعاش في وقت كان مسئولي الدولة كلهم فوق الستين! وبالمخالفة لقانون الأوقاف الذي ينص دون سائر أجهزة الدولة على بقاء الإمام في مسجده بعد سن الستين على أن يعين معه آخر!
وفي الجمعة الموعودة انتظر "ضباط الأمن" الشيخ أمام بيته؛ لينبِّهوا عليه ألا يذهب إلى مسجد "القائد إبراهيم" -ولو مأمومًا!-، ومِن باب الاحتياط أيضًا: منعوه أن يصلي في مسجد "سيدي جابر" -مسجده القديم-!
وبقي الشيخ فترة لا يصلي في مسجدٍ إلا أوذي اهله، بدعوى أنهم سوف يُمكِّنون الشيخ مِن خطبة الجمعة عندهم! فترك لهم الشيخ خطبة الجمعة حرصًا على إخوانه؛ ولكي يُوقف نزيف الاضطهاد، ولكنه لم يترك لهم الساحة؛ فمؤتمر هنا، وندوة هناك، وحفل عرس يتحول بحضور الشيخ إلى ندوة حافلة، وهاتف لا يُغلق في وجه متصل!
حتى آن أوان سقوط النظام؛ فيعود الشيخ إلى مسجده، يحرِّك منه الثورة، ويُلهب حماس شبابها.
وهذا طرف يسير مِن سيرة الشيخ؛ أردتُ به أن أرد على مَن يحاولون نسبة "ثورة شعب مصر" إلى أفراد لا يعدون أن يكونوا مِن رجال النظام السابق؛ إلا أنه لفظهم أو لفظوه، أو على أقصى تقدير؛ أدركوا أن العالم قد ملَّ منه.
إن الإعلام يمجِّد الآن رموزًا تحولوا إلى معارضين بعد سقوط النظام، وأمثلهم طريقة مَن بدأ معارضته للنظام منذ سنوات قليلة لما "هَرم النظام"، وفي ظل حماية دولية تمنع النظام مِن أن ينتقم من رموز المعارضة!
أحسبُ أن الشيخ على ما تعلمنا منه لا يريد مني، ولا مِن غيري ثناءً ولا شكورًا، ولكن إنما نطلب الإنصاف، والتزام حدود الأدب.
والشيخ بهذه السيرة أبعد الناس عن أن يُوصف بجبن أو خور، أو ممالأة لسلطان، ولكنه أيضًا حريص على مصالح البلاد والعباد، لا يمكن أن يسكت على مسلسل نشر الفوضى الذي يراه، ويراه غيره ماثلاً أمام الأعين، وليعتبره دعاة الليبرالية والحرية أنه -على أقل التقديرات- رأي شخصي لرجل أفنى عمره في التصدي لظلم الحكام بلا سند ولا معين؛ إلا الله -عز و جل-، ومِن بعده دعوات المحبين المخلصين.
ثارت ثائرة بعض الشباب الذين لا يعرفون الثورة؛ إلا ثورة على الأخلاق، وسبًا وبذاءة في وجه كل مَن قابلهم على ما ذكره الشيخ؛ فعقدوا العزم على منعه مِن الخطابة في مسجده، وحسنا فعل شباب الإسلاميين حينما أحاطوا شيخهم بأبدانهم، ومِن قبلها قلوبهم، معرضين عن السباب والشتائم التي انطلقت بها حناجر هؤلاء الشباب، والتي لم تتوقف احترامًا لأذان، ولا تعظيمًا لذكر، ولا توقيرًا لصلاة!
وانتهى الحدث...
وانتظرنا حملة كتلك التي ثارت عندما تعرض "البرادعي" لمضايقات، حينما شارك في الاستفتاء -وأيضًا حماه السلفيون من البلطجية حينها، ثم ألصقت بهم التهمة؛ حتى لا يقال: إننا لا نعرف الحقوق إلا للإسلاميين-، وكتلك التي ثارت عندما تعرض قس لإجراءات الأمن في فندق حيث طُلب منه أن يبحث بهدوء ووقار في ملابسه عن الشيء الذي يسبب انطلاق "صافرة الإنذار".
لمن نتوجه بهذا السؤال والشيخ له حقوق كثيرة باعتبارات متنوعة؟!
فيا ثوار.. هذا ثائر مِن قَبْلِ أن تثوروا؛ فلما لا تمنعون مَن ينتسبون إليكم مِن الإساءة إليه؟!
ويا "علماء الأزهر"..
ويا مَن تطالبون بقيام رجال الأزهر بدورهم.. هذا شيخ أزهري هو نعم النموذج للشيخ الأزهري الذي يخالط العامة، ويدعم الدعاة إلى الله.
ويا "وزارة الأوقاف".. مسجدك الأبرز في الإسكندرية تعرض لاعتداء، وخطيبك الأشهر كاد أن يُمنع من منبره! أم أن الوزارة لا تتذكر أنها مسئولة عن مساجدها؛ إلا إذا اعتلى المنبر داعية لسد غياب خطيب الأوقاف؟!
ويا "رجال الإعلام".. -"يبدو أن قلمي أفرط في التفاؤل أن يتبنى الإعلام يومًا قضية هادفة أو يُدافِع عن حقٍ لإسلامي؛ عمومًا فلنوجه النداء من باب: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55)، كما أن "رجال الإعلام الإسلامي" لا أظنهم يتركون هذه القضية تمر مرور الكرام"-.
كتبه الشيخ/ عبد المنعم الشحات
المصدر: (موقع صوت السلف)