Samir Aser
New Member
جَالَكْ الموت يا Sammora
لعلّى الآن أنظر إليكم من العالم الآخر ، وأنتم تقرأون هذه الحكاية .
ففى يوم ما ؛ وقد انتهت صلاة العشاء ؛ ولم أزلْ قابعاً فى مكانى تُحيطنى سحابة من الصفاء النفسى والروحانية الشفيفة ؛ لم أفق منها إلاّ على خادم المسجد ينبهنى بأن الوقت قد تأخر وعليه إغلاق المسجد . قمت متكاسلا ؛ لا أريد مغادرة المسجد ، والخروج إلى الحياة الفارغة التى أصبحت بلا طعم ؛ وقد شفّت نفسى ورقّت فى صوفية سامية .
خرجت من المسجد ؛ أمشى الهوينى ؛ غارقاً فى تأملاتى ؛ وكعادتى أسلك سبيلى فى الشوارع الخلفية الهادئة بعيدا عن صخب الشوارع الرئيسية . كم قطعنا هذه الشوارع ذهابا وإيابا أنا وآخر الأصدقاء ، نسير بهدوء نتناقش ونتحاور فى مجالات شتى وقد ارتدينا أردية الفلاسفة المشائين . وهاأنذا أقطعها بمفردى... لا ... فدائما مايلح علىّ آخر لقاء بينى وبين صديقى ؛ أراه بكل تفاصيله وكأنه يحدث أمامى الآن ..
نعم هاهنا فى هذه الزاوية من الطريق ضحك صديقى ليُخفف من حدة النقاش قائلا :
- يابنى انت كده مش هتلاقى حد يمشى فى جنازتك .
- مش عايز حد يمشى ف جنازتى ... أنا ما بَخَفْش من الموت ؛ بس مابَحِبِّش أروح المقابر .
- لأ انت كده بتخاف م الموت .
- موت ايه ؟!... هوه فيه موت ؟!... الموت ده فزّاعه للناس ؛ تمثيلية... الموت مجرد انتقال ؛ انتقال من حياه لحياه تانية لمستوى تانى ؛ يعنى لو أنا وقعت ع الأرض دلوقتى وفارقت الحياه ؛ انت هتشيل الجثه... مخلفاتى فى المستوى الردىء ده ؛ وانا هتفرج عليك وانا طالع لمستوى أعلى .
- الموت تمثيلية ؟! .
- أيوه تمثيلية... من قبيل ( ولكن شُبِّه لهم ) .
- يابنى سِيبك من نظرياتك دِى إللى هتوديك فى داهيه ...اصحى كده و عيش الواقع شويه ؛ ويالاّ تعالى علشان نلحق الجنازة و نصلى ع الميت .
- هيقول لى ميت !... أصلّى على مين ؟! ... أنا دعيت له بإخلاص من قلبى أول ماسمعت خبر موته..... وأكيد وصلته الرحمة دِى .
- انت باين عليك مُش ناوى تُخُش الجامع إلاّ على ضهرك .
- نعم ... ؟!
- ماتزعلش ، ماتزعلش .... محمولاً على الأعناق .
أتذكر هذا الحوار ؛ كلمة كلمة ؛ ساعتها انقطع الحديث فجأة على اثر اصطدام أحد الأشخاص بصديقى .. نعم هنا بالضبط فى هذا المكان ..
؛ وقد تراجع هذا الشخص قليلا إلى الوراء ثم هجم ناحية صديقى وقد جمع قبضة يده وسَدّد سبابته نحو وجه صديقى قائلا بلهجة تأكيدية سريعة لم تخلو من المرح :
- رضا مجاهد ..... بنك اسكندرية .
ورفع صديقى ذراعيه ؛ وارتفع صوته :
- ابعد عنى ياشيخ ثروت.... ياااا مُلحد .
ثم ضحك من قلبه ؛ وهو يحتضنه وقد لف ذراعيه حول رأس الشيخ ثروت فأزاح عمامته الأنيقة ؛ فقد كان رضا طويل القامة نحيلا ؛ بينما كان الشيخ ثروت ربعة يميل إلى القصر ، أبيض الوجه مستديره ، كحيل العينين طويل هُدبهما ، يرتدى جبة وقفطانا وتبدو عليه آثار النعمة والنظافة .
أخذ الإثنان يتضاحكان ويتحدثان سوياً فيما لا أعلمه وقد نسيانى تماما ؛ ولما مضى الشيخ ثروت إلى حال سبيله ؛ مال علىّ صديقى قائلا :
- تعرف الشيخ ثروت ؟
- لأ .
- دا مُلحد .
- مُلحد وشيخ ! ... انت هتهرج ؟! .
ضحك صديقى من قلبه واسترسل :
- هُوّه دا بعينه المُخرج بتاع التمثيلية بتاعتك ؛ دا إللى بيستلم مخلفات البشر.... هُوّه إللى بيجهز الميتين للدفن ؛ بيغسّلهم ويروّق عليهم ويكفنهم ؛ ويقوم بدفنهم .
- آآآآآآآآآآ ه .
والْتَفَتُّ خلفى بآلية انظر ناحية الشيخ ثروت الذى اختفى من الطريق .
وأكمل صديقى :
- أيوه ياخويا يابتاع ( شُبِّه لهم ) ..... بقول لك ايه ؟
- ايه ؟
- إللى يموت فينا الأول ييجى للتانى ويقول له بأى طريقه عن إللى حصل له... اتفقنا ؟
- اتفقنا .
- سلام لماّ ألحق صلاة الجنازة .
كان حواراً عجيباً ؛ والأغرب من ذلك ؛ أنه لم يمر يومان على هذا اللقاء حتى أتانى خبر موته ؛ خبر موت رضا آخر الأصدقاء .
يومها ملأ الجزع نفسى وأحاطنى هم ثقيل ؛ إلاّ أننى ابتسمت ابتسامة بلهاء ؛ فقد كان علىّ أن أنهى أعمالى لألحق بالجنازة . عُدت إلى المنزل ؛ واستحممت تجديدا لطهورى ؛ وامتلأت نفسى بخليط من الحيرة والحزن والسخرية ( ها أنت ياصديقى ستدخلنى المسجد لأول مرة منذ زمن ) .
خلعت نعلى على باب المسجد وأنا أنظر نحو الأرض و فى حالة يُرثى لها ؛ ودخلت صحن المسجد ؛ فلمحت النعش الخشبى المهيب يقف على قوائمه الأربعة فى آخر المسجد خلف المصلين ؛ ارتعش فؤادى ( معقوله... معقولة رضا مُسجّى فى هذا النعش الآن ؟! ) ؛ ويأتينى صوته ، يرن داخلى ( يابنى سيبك من نظرياتك دِى إللى هتوديك ف داهية.. اصحى كده و عِيش الواقع شويه ) .
صليت ركعتى تحية المسجد ؛ وأذن المؤذن لصلاة الظهر . وعقب الانتهاء من الصلاة ؛ نَوَّه الإمام بأن ينتظر المصلون لحين أداء صلاة الجنازة ؛ وحُمل النعش ووُضِع أمام المصلين ؛ ونبّه الإمام الغافلين من أمثالى لكيفية أداء صلاة الجنازة وكبّر..... لم يَجرْ على لسانى سوى دعاء واحد ( لا إله إلا الله واستغفر الله لذنبى وللمؤمنين والمؤمنات ) .
انتهت صلاة الجنازة ؛ وتعلقت عيناى بالنعش الخشبى ؛ وهم يحملونه برفق إلى خارج المسجد .
كانت المقابر لاتبعد كثيرا ؛ فحُمل النعش على الأكتاف ، ومضيت خلفه مع المشيعين وما زلت ألهج بالدعاء ( لا إله إلا الله واستغفر الله لذنبى وللمؤمنين والمؤمنات ) ؛ ( ها أنذا أمضى خلفك يا رضا إلى المقابر ) ؛ ووجدت داخلى يرفض الواقع أمامى وتصرخ نفسى ( ولكن شُبّه لهم .... ولكن شُبِّه لهم.... أنا عارف وعلى يقين إنك مش فى النعش ده دلوقتى يارضا.... دى تمثيلية.... تمثيلية ) ؛ وأحدُّ بصرى ناظراً فوق النعش لعلى أراه ؛ وإذا بدموعى تطفر من عينىّ ؛ تتقافز أمامى ؛ لا أستطيع إيقافها ؛ وخجلت أن أخرج منديلا يراه الناس ؛ فنكّست رأسى ؛ وبدأت أنشج نشيجاً مكتوماً ، أغالبه ويغالبنى ؛ وأخذ يعلو ويعلو ؛ لأنحرف بسرعة فى أحد الشوارع الجانبية الضيقة ، وأترك الجنازة ؛ وماإن بعدت خطوات حتى ارتفع نحيبى وعويلى وغامت الدنيا أمامى فى غلالة من الدموع ؛ وتنفتح النوافذ مطرقعة ؛ والنسوة ينظرن من شرفاتهن باستغراب ؛ يمصمصن بشفاههن فى تعاطف .... يبدو أنهن قد اعتدن على ذلك لقربهن من المقابر .
عدت إلى البيت مهدوداً محزوناً ؛ كاسف البال ؛ فلم تمكّنّى الأقدار أن أودع صديقى حتى مثواه الأخير .
غلبنى النوم ؛ وإذا بى أرى فيمايرى النائم ؛ وكأننى فى الفضاء الفسيح يلف المكان الضباب والغمام ؛ وينشق الغمام عن صديقى مُقبلاً نحوى حتى يقف قبالتى ؛ متجهم الوجه عابساً ؛ وينقبض صدرى وأتطلع إليه بنظرات آسفة ؛ وإذا به يبتسم ابتسامة ملائكية ، وتتبدل هيئته لصورة نضرة لايمكن لقلم وصفها ؛ ويمد يده إلىّ ؛ لأقبض عليها مصافحاً ؛ ويدور عائداً حيث يغيب فى الغمام دون أن ينظر خلفه .
يااااااااااااه ؛ يومها صحوت منشرح الصدر ، منتشياً مسروراً ، مرتاح البال .
وهكذا كلما مررت بهذه الشوارع الحبيبة ؛ أتذكر ذلك كله ؛ وقد أقف طويلا مبتسماً غارقاً فى أفكارى ؛ حتى يظن بى من يرانى الظنون .
انتهيت إلى آخر الطريق ووجدتنى أردّد ( كم أفتقدك ياصديقى ؟ ) ؛ والْتَفَتُ عائداً لأعاود الكرّة ؛ وإذا بشخص يصطدم بى ؛ وأتمالك نفسى حتى لا أقع ؛ وإذا به يجمع قبضة يده ويسدد سبابته نحو وجهى قائلا بلهجة تأكيدية سريعة لاتخلو من المرح :
- Sammora لأعمال الدفاع والمحاماه .
وأجدنى أقهقه ضاحكا :
- الشيخ ثروت ؟!..... المُلحد ؟!.... جَالَكْ الموت يا Sammora .
سمير عصر
تعقيب/
1- الكتابة للمنتديات تختلف عن الكتابة لقارىء الكتاب ؛ فلها أسلوبها الخاص حتى لا يفلت القارىء من القاص لحظة ؛ وقد انتهجت لنفسى أسلوب خاص ؛ وجعلت من Sammora بطلا لبعض القصص ؛ كنوع من الفنتازيا .
فإذا اعترض على ذلك معترض فيمكنه حذف Sammora ؛ ووضع مايشاء
من الأسماء .
2-صيغت لغة الحوار باللهجة الدارجة العامية ؛ ويرى الكاتب أنها هى اللغة الحية المتداولة ؛ والتى لاتبعد كثيرا عن الفصيحة ؛ ولكنها كلغة حوار تتفرد بكونها الأكثر ايحاءا ،وثراءا ، وايصالا للمعنى ، وتعبيرا صادقا عن الشخصيات المتباينة طبائعها وطبقاتها وثقافاتها .
هل لغة الحوار مفهومة لك ؟ شارك برأيك .
لعلّى الآن أنظر إليكم من العالم الآخر ، وأنتم تقرأون هذه الحكاية .
ففى يوم ما ؛ وقد انتهت صلاة العشاء ؛ ولم أزلْ قابعاً فى مكانى تُحيطنى سحابة من الصفاء النفسى والروحانية الشفيفة ؛ لم أفق منها إلاّ على خادم المسجد ينبهنى بأن الوقت قد تأخر وعليه إغلاق المسجد . قمت متكاسلا ؛ لا أريد مغادرة المسجد ، والخروج إلى الحياة الفارغة التى أصبحت بلا طعم ؛ وقد شفّت نفسى ورقّت فى صوفية سامية .
خرجت من المسجد ؛ أمشى الهوينى ؛ غارقاً فى تأملاتى ؛ وكعادتى أسلك سبيلى فى الشوارع الخلفية الهادئة بعيدا عن صخب الشوارع الرئيسية . كم قطعنا هذه الشوارع ذهابا وإيابا أنا وآخر الأصدقاء ، نسير بهدوء نتناقش ونتحاور فى مجالات شتى وقد ارتدينا أردية الفلاسفة المشائين . وهاأنذا أقطعها بمفردى... لا ... فدائما مايلح علىّ آخر لقاء بينى وبين صديقى ؛ أراه بكل تفاصيله وكأنه يحدث أمامى الآن ..
نعم هاهنا فى هذه الزاوية من الطريق ضحك صديقى ليُخفف من حدة النقاش قائلا :
- يابنى انت كده مش هتلاقى حد يمشى فى جنازتك .
- مش عايز حد يمشى ف جنازتى ... أنا ما بَخَفْش من الموت ؛ بس مابَحِبِّش أروح المقابر .
- لأ انت كده بتخاف م الموت .
- موت ايه ؟!... هوه فيه موت ؟!... الموت ده فزّاعه للناس ؛ تمثيلية... الموت مجرد انتقال ؛ انتقال من حياه لحياه تانية لمستوى تانى ؛ يعنى لو أنا وقعت ع الأرض دلوقتى وفارقت الحياه ؛ انت هتشيل الجثه... مخلفاتى فى المستوى الردىء ده ؛ وانا هتفرج عليك وانا طالع لمستوى أعلى .
- الموت تمثيلية ؟! .
- أيوه تمثيلية... من قبيل ( ولكن شُبِّه لهم ) .
- يابنى سِيبك من نظرياتك دِى إللى هتوديك فى داهيه ...اصحى كده و عيش الواقع شويه ؛ ويالاّ تعالى علشان نلحق الجنازة و نصلى ع الميت .
- هيقول لى ميت !... أصلّى على مين ؟! ... أنا دعيت له بإخلاص من قلبى أول ماسمعت خبر موته..... وأكيد وصلته الرحمة دِى .
- انت باين عليك مُش ناوى تُخُش الجامع إلاّ على ضهرك .
- نعم ... ؟!
- ماتزعلش ، ماتزعلش .... محمولاً على الأعناق .
أتذكر هذا الحوار ؛ كلمة كلمة ؛ ساعتها انقطع الحديث فجأة على اثر اصطدام أحد الأشخاص بصديقى .. نعم هنا بالضبط فى هذا المكان ..
؛ وقد تراجع هذا الشخص قليلا إلى الوراء ثم هجم ناحية صديقى وقد جمع قبضة يده وسَدّد سبابته نحو وجه صديقى قائلا بلهجة تأكيدية سريعة لم تخلو من المرح :
- رضا مجاهد ..... بنك اسكندرية .
ورفع صديقى ذراعيه ؛ وارتفع صوته :
- ابعد عنى ياشيخ ثروت.... ياااا مُلحد .
ثم ضحك من قلبه ؛ وهو يحتضنه وقد لف ذراعيه حول رأس الشيخ ثروت فأزاح عمامته الأنيقة ؛ فقد كان رضا طويل القامة نحيلا ؛ بينما كان الشيخ ثروت ربعة يميل إلى القصر ، أبيض الوجه مستديره ، كحيل العينين طويل هُدبهما ، يرتدى جبة وقفطانا وتبدو عليه آثار النعمة والنظافة .
أخذ الإثنان يتضاحكان ويتحدثان سوياً فيما لا أعلمه وقد نسيانى تماما ؛ ولما مضى الشيخ ثروت إلى حال سبيله ؛ مال علىّ صديقى قائلا :
- تعرف الشيخ ثروت ؟
- لأ .
- دا مُلحد .
- مُلحد وشيخ ! ... انت هتهرج ؟! .
ضحك صديقى من قلبه واسترسل :
- هُوّه دا بعينه المُخرج بتاع التمثيلية بتاعتك ؛ دا إللى بيستلم مخلفات البشر.... هُوّه إللى بيجهز الميتين للدفن ؛ بيغسّلهم ويروّق عليهم ويكفنهم ؛ ويقوم بدفنهم .
- آآآآآآآآآآ ه .
والْتَفَتُّ خلفى بآلية انظر ناحية الشيخ ثروت الذى اختفى من الطريق .
وأكمل صديقى :
- أيوه ياخويا يابتاع ( شُبِّه لهم ) ..... بقول لك ايه ؟
- ايه ؟
- إللى يموت فينا الأول ييجى للتانى ويقول له بأى طريقه عن إللى حصل له... اتفقنا ؟
- اتفقنا .
- سلام لماّ ألحق صلاة الجنازة .
كان حواراً عجيباً ؛ والأغرب من ذلك ؛ أنه لم يمر يومان على هذا اللقاء حتى أتانى خبر موته ؛ خبر موت رضا آخر الأصدقاء .
يومها ملأ الجزع نفسى وأحاطنى هم ثقيل ؛ إلاّ أننى ابتسمت ابتسامة بلهاء ؛ فقد كان علىّ أن أنهى أعمالى لألحق بالجنازة . عُدت إلى المنزل ؛ واستحممت تجديدا لطهورى ؛ وامتلأت نفسى بخليط من الحيرة والحزن والسخرية ( ها أنت ياصديقى ستدخلنى المسجد لأول مرة منذ زمن ) .
خلعت نعلى على باب المسجد وأنا أنظر نحو الأرض و فى حالة يُرثى لها ؛ ودخلت صحن المسجد ؛ فلمحت النعش الخشبى المهيب يقف على قوائمه الأربعة فى آخر المسجد خلف المصلين ؛ ارتعش فؤادى ( معقوله... معقولة رضا مُسجّى فى هذا النعش الآن ؟! ) ؛ ويأتينى صوته ، يرن داخلى ( يابنى سيبك من نظرياتك دِى إللى هتوديك ف داهية.. اصحى كده و عِيش الواقع شويه ) .
صليت ركعتى تحية المسجد ؛ وأذن المؤذن لصلاة الظهر . وعقب الانتهاء من الصلاة ؛ نَوَّه الإمام بأن ينتظر المصلون لحين أداء صلاة الجنازة ؛ وحُمل النعش ووُضِع أمام المصلين ؛ ونبّه الإمام الغافلين من أمثالى لكيفية أداء صلاة الجنازة وكبّر..... لم يَجرْ على لسانى سوى دعاء واحد ( لا إله إلا الله واستغفر الله لذنبى وللمؤمنين والمؤمنات ) .
انتهت صلاة الجنازة ؛ وتعلقت عيناى بالنعش الخشبى ؛ وهم يحملونه برفق إلى خارج المسجد .
كانت المقابر لاتبعد كثيرا ؛ فحُمل النعش على الأكتاف ، ومضيت خلفه مع المشيعين وما زلت ألهج بالدعاء ( لا إله إلا الله واستغفر الله لذنبى وللمؤمنين والمؤمنات ) ؛ ( ها أنذا أمضى خلفك يا رضا إلى المقابر ) ؛ ووجدت داخلى يرفض الواقع أمامى وتصرخ نفسى ( ولكن شُبّه لهم .... ولكن شُبِّه لهم.... أنا عارف وعلى يقين إنك مش فى النعش ده دلوقتى يارضا.... دى تمثيلية.... تمثيلية ) ؛ وأحدُّ بصرى ناظراً فوق النعش لعلى أراه ؛ وإذا بدموعى تطفر من عينىّ ؛ تتقافز أمامى ؛ لا أستطيع إيقافها ؛ وخجلت أن أخرج منديلا يراه الناس ؛ فنكّست رأسى ؛ وبدأت أنشج نشيجاً مكتوماً ، أغالبه ويغالبنى ؛ وأخذ يعلو ويعلو ؛ لأنحرف بسرعة فى أحد الشوارع الجانبية الضيقة ، وأترك الجنازة ؛ وماإن بعدت خطوات حتى ارتفع نحيبى وعويلى وغامت الدنيا أمامى فى غلالة من الدموع ؛ وتنفتح النوافذ مطرقعة ؛ والنسوة ينظرن من شرفاتهن باستغراب ؛ يمصمصن بشفاههن فى تعاطف .... يبدو أنهن قد اعتدن على ذلك لقربهن من المقابر .
عدت إلى البيت مهدوداً محزوناً ؛ كاسف البال ؛ فلم تمكّنّى الأقدار أن أودع صديقى حتى مثواه الأخير .
غلبنى النوم ؛ وإذا بى أرى فيمايرى النائم ؛ وكأننى فى الفضاء الفسيح يلف المكان الضباب والغمام ؛ وينشق الغمام عن صديقى مُقبلاً نحوى حتى يقف قبالتى ؛ متجهم الوجه عابساً ؛ وينقبض صدرى وأتطلع إليه بنظرات آسفة ؛ وإذا به يبتسم ابتسامة ملائكية ، وتتبدل هيئته لصورة نضرة لايمكن لقلم وصفها ؛ ويمد يده إلىّ ؛ لأقبض عليها مصافحاً ؛ ويدور عائداً حيث يغيب فى الغمام دون أن ينظر خلفه .
يااااااااااااه ؛ يومها صحوت منشرح الصدر ، منتشياً مسروراً ، مرتاح البال .
وهكذا كلما مررت بهذه الشوارع الحبيبة ؛ أتذكر ذلك كله ؛ وقد أقف طويلا مبتسماً غارقاً فى أفكارى ؛ حتى يظن بى من يرانى الظنون .
انتهيت إلى آخر الطريق ووجدتنى أردّد ( كم أفتقدك ياصديقى ؟ ) ؛ والْتَفَتُ عائداً لأعاود الكرّة ؛ وإذا بشخص يصطدم بى ؛ وأتمالك نفسى حتى لا أقع ؛ وإذا به يجمع قبضة يده ويسدد سبابته نحو وجهى قائلا بلهجة تأكيدية سريعة لاتخلو من المرح :
- Sammora لأعمال الدفاع والمحاماه .
وأجدنى أقهقه ضاحكا :
- الشيخ ثروت ؟!..... المُلحد ؟!.... جَالَكْ الموت يا Sammora .
سمير عصر
تعقيب/
1- الكتابة للمنتديات تختلف عن الكتابة لقارىء الكتاب ؛ فلها أسلوبها الخاص حتى لا يفلت القارىء من القاص لحظة ؛ وقد انتهجت لنفسى أسلوب خاص ؛ وجعلت من Sammora بطلا لبعض القصص ؛ كنوع من الفنتازيا .
فإذا اعترض على ذلك معترض فيمكنه حذف Sammora ؛ ووضع مايشاء
من الأسماء .
2-صيغت لغة الحوار باللهجة الدارجة العامية ؛ ويرى الكاتب أنها هى اللغة الحية المتداولة ؛ والتى لاتبعد كثيرا عن الفصيحة ؛ ولكنها كلغة حوار تتفرد بكونها الأكثر ايحاءا ،وثراءا ، وايصالا للمعنى ، وتعبيرا صادقا عن الشخصيات المتباينة طبائعها وطبقاتها وثقافاتها .
هل لغة الحوار مفهومة لك ؟ شارك برأيك .