Samir Aser
New Member
كاد أن يخرق الأرض
التف حوله الزملاء يهنئونه ؛ فهو الوحيد من بين دفعتهم الذى انتقل إلى تقييم ( طيار درجة ثانية ) ؛ وقف بينهم منتفشاً كالديك الرومى ، تملأه الثقة ويبدو الفخار على وجهه 0 ، كان من أمهر الطيارين وقد أظهر براعة فائقة فى تدريبات القتال الجوى ؛ تقدم إليه صديقه اللدود يقبله فى ودٍ ومداعباً : ( بس لو تشيل اسم يورى جاجارين من على الكراش ( خوذة الطيران ) 0 ضم خوذته إليه ورد : ( يا جاهل دا أول رائد فضاء )0
فانبرى له صديقه بلهجة ساخرة : ( دا مات فى حادث طائرة صغيرة تافهه )0 ثم أردف : (والبعيد كان ابن حرام ملحد ) 0 ثم مقلداً قائد السرب : ( الله يرحمه 000 كان حمار ! ) ؛ وارتفعت ضحكات باقى الزملاء من قلوبهم صافية بريئة 0 كانوا يعشقون قائد سربهم بطل حرب الإستنزاف ونجم حرب أكتوبر المجيدة ، كان كلما وقع حادث مميت لأحدهم - ولاتقل خسائر التدريب القتالى عن خسائر الحرب الحقيقية إلا قليلا - هب فيهم ؛ وأشلاء زميلهم لم تُلَم بعد قائلا : ( الله يرحمه 000 كان حمار ! ) ؛ ثم يطير منفرداً ويقدم عرضاً جوياً بارعاً لايستطيعه غيره برغم تقدمه فى السن ؛ وفور هبوطه يصيح بهم يالله 00 يالله 00 كل واحد على طيارته ؛ وهقعد لكم فى برج المراقبة ؛ وعايز اتفرج ) ؛ كان ، وهو الخبير، يعرف جيدا كيف يكسر الحاجز النفسى الذى تسببه مثل هذه الحوادث 0
تحسس الأيقونة الزرقاء التى تحمل رقم/2 يعلوها جناحى الصقر ؛ المثبتة على صدره ؛ ونظر إلى صديقه اللدود ، فلمح دبلة فضية تبرق حول بنصره الأيمن فوجه إليه الحديث قائلا : ( دا امتى حصل الكلام ده 000 ماعزمتناش يعنى )0 فرد عليه صديقه مبتسماً فى حرج الأمر تم بسرعه 00 العقبى لك )0 فرد مؤكدا لا 000 الطيارة هى معبودتى الوحيدة )0 فضحك صديقه وقال بس دى مش هتجيبلك عيال) 0 وتعالت ضحكات الزملاء مجلجلة ؛ إلا أنهم سادهم الصمت المطبق فجأة ؛ وهبوا وقوفاً عند دخول قائد السرب الذى أخذ مكانه أمام المدرج الصغير ؛ وأخذ يتفرس فى وجوههم ؛ ثم أشار إليهم للقعود ؛ وبدأ فى تلقين ماقبل الطيران : ( النهاردة إن شاء الله هنطير طلعة ارتفاعات عاليه High Levels ، علشان نجيب الـ Maximum Ceiling ، أقصى ارتفاع تصله الطيارة ، والوصول للسقف العملى فى أسرع وقت وبأقل كمية وقود ممكنة ؛ والتعود على التحكم فى الطائرة على الإرتفاعات العالية0000 ) ؛ ومضى قائد السرب فى التلقين ؛ ثم نكس رأسه صامتاً لثوانٍ ؛ ثم رفع رأسه وقال : ( الكلام ده يتنفذ بمنتهى الدقة ، ولازم تدى لنفسك براح ؛ يعنى بلاش توصل للحدود القصوى؛ الطيران تحت تسعة كيلومترات حاجة وفوقها حاجة تانية ؛ السرعة لو زادت عن المقرر أجنحة الطيارة هتستأذن وتسيبك ، وهتلاقى نفسك راكب ماسورة وبتغنى ظلموه ؛ وذى ماقولنا لو حد النوز بتاعه ( مقدم الطائرة ) نزل تحت الأفق بزاوية خمسة وعشرين درجة وسرعته أكثر من سرعة الصوت ؛ هيبقى من الصعب جدا انه يطلّع الطيارة من الوضع ده ؛ وهيرشق فى الأرض زى المسمار هيجيب بترول ؛ ويبقى الله يرحمه ) ؛ أمسك الطيارون شفاههم ؛ حتى لاتتسع ابتساماتهم وهم يكملون فى سرهم (000 كان حمار ) 0
نظر إليهم قائد السرب بعينيه الشبيهة بعينى الصقر هاتفا ( لا إله إلا الله ) ؛ ورد الطيارون بتلقائية جادة ( محمدٌ رسول الله ) 0
جاء طبيب السرب البدين ذو الوجه الأحمر ؛ يحمل له أحد الجنود حقيبته ؛ وأخذ فور وصوله فى اجراء الكشف الطبى ( فحص ماقبل الطيران ) ؛ وهو يمازح الطيارين فرداً فرداً ؛ فك رباط قياس الضغط عن ساعده وقال له : ( نبضك تمام ، ضغطك تمام ؛ كله تمام يابطل ؛ مبروك عقبال Category 1 تتعلّق على صدرك ) 0 رد عليه : ( شكرا دكتور )0
ابتسم الطبيب وقال له مازحا : ( اوعى يطلعلك عفريت فوق )0 وقهقه بطيبة 0 أما هو فابتسم فى برود 0
وبدأ فى ارتداء بدلة الطيران الخاصة بالارتفاعات العالية الشبيهة بملابس رواد الفضاء ؛ ثم نظر باعجاب واضح إلى صورته المنعكسة فى المرآة الكبيرة باستراحة أول الممر 0 وانطلق بالعربة الجيب إلى طائرته الحربية الحديثة 0 دار حول الطائرة بخُيلاء يتفحصها بوَلَهٍ وخبرة يطمئن إلى سلامة جسمها وأسطح التحكم الخارجية 0 أعتلى سلم الطائرة ، وأخذ مكانه فى الكابينة ؛ وبادر الفنى المختص بمعاونته فى ربط الأحزمة وهو يتأفف منه : (خلاص 00خلاص انزل وشيل السلم )؛ فرد عليه الفنى العجوز المخضرم : ( ترجع لنا بالسلامة يافندم )
فنظر إليه بعسكرية قاسية ؛ نزل العجوز وقال وهو يزيح السلم بعيدا : ( قل يااااااارب ) 0
أدار محرك الطائرة ؛ وبعد أن اختبر أداءات المحرك وعداداته طلب الإذن بالتدحرج لأول الممر ؛ ومن ثم طلب الإذن بالاقلاع 0 أمسك بفرامل الطائرة جيدا وفتح خانق الوقود حتى آخره ؛ وترك الفرامل ، ثم عاجل بفتح الحارق الخلفى الإضافى ليخرج لسانٌ طويلٌ من اللهب خلف الطائرة التى اندفعت بسرعة صاروخيةمتسارعة تلتهم الخطوط البيضاء التهاماً ؛ يرفع مقدمها بزاوية خاصة ؛ لترتفع الطائرة بعد ثوان فى الجو مزمجرة ؛ يرفع عجلاتها ؛ وبمهارة ينفذ كل ماتعلمه فى التلقين ؛ وقد ارتفع مقدم الطائرة فوق الأفق بزاوية تزيد قليلاً عن خمسة وأربعين درجة ؛ فشعر وكأنه يركب صاروخا يتجه به نحو السماء 0 وكان من الصعب عليه وهو فى هذا الوضع أن يرى الأرض إلا إذا أمال أحد الأجنحة 0 أخيرا وصل إلى أقصى ارتفاع عملى للطائرة واحد وعشرون كيلومترا محسوبا من فوق سطح البحر ؛ إلا أنه أخذه الحماس فاستمر فى الصعود حتى لم تعد الطائرة تستطيع الارتفاع سنتيمترا واحدا ؛ وبدأ يتجول بها على هذا الإرتفاع الشاهق بسرعة تتجاوز ضعف سرعة الصوت ؛ كانت الطائرة مائعة فى طيرانها ، واستجابتها بطيئة ، وتحتاج إلى أن يقبض على عصا القيادة باحكام 0 وعلى هذا الإرتفاع ومن مكان طيرانه ؛ زُوِِيَت له الأرض ؛ فشاهد البحرين الأحمر والأبيض المتوسط ؛ بل وأراضى المملكة العربية السعودية ؛ يكاد يرى مصر وكأنها مجرد خريطة رُسمت تحته ؛ وتبدو السحب تحته بعيدة وكأنها نتفاً من القطن بيضاء متناثرة 0
أمال طائرته قليلا وأخذ يتأمل الأرض ؛ إن الجبال لايميزها عن أرض البسيطة وتعجب فى نفسه ( أين الجبال ؟! إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا - هاأنذا قد جاوزتها بمراحل ) 0 أحس بطائرته تهتز ؛ لمح عداد السرعة ؛ وجد أن سرعته قد جاوزت السرعة العملية للطائرة 00 (أجنحة الطائرة ستنفصل) ؛ ويأتيه صدى صوت قائد السرب يتردد عبر الفضاء( هتلاقى نفسك راكب ماسورة ) ؛ اضطرب اضطراباً شديداً فهو يعلم أنه لو أغلق خانق الوقود سيقف المحرك ؛ ولايستطيع تقليل السرعة برفع مقدم الطائرة التى لن تستجيب له بعد أن تجاوز كل الحدود ؛ وبسرعة ضغط زر الفرامل الهوائية ؛ ليندفع بجسمه إلى الأمام بفعل القصور الذاتى وتكاد أحزمة الكرسى تخلع كتفيه ؛ وتفلت منه عصا القيادة ؛ ويتجه مقدم الطائرة نحو الأرض ؛ ويتناقص ارتفاعه بشكل رهيب ؛ قلت سرعته ولكنها مازالت تتعدى سرعة الصوت ؛ حاول تعديل وضع الطائرة من وضع الإنقضاض هذا إلا أن عصا القيادة تحجرت تماما ؛ ويدوى فى أذنيه صدى صوت قائد السرب ( وهيرشق فى الأرض زى المسمار ؛ هيجيب بترول ) ؛ مازال يهوى وتقترب الأرض وتتسع رقعتها 0
(إنه سيخرق الأرض 000 إنه سيخرق الأرض ) 0 غامت الدنيا فى عينيه ؛ ولم ير سوى حياته كلها تتتابع فى ثوانٍ أمام ناظريه فى شريط سينمائى طويل 000 وتتتابع وجوه زملائه وتأتى أصواتهم وكأنها تخرج من جهاز ستريو فضائى ضخم 00 ( ألف مبروك 000 البعيد كان ابن حرام ملحد 000 الله يرحمه كان حمار 0000 بس دى مش هتجيبلك عيال 0000 اوعى يطلعلك عفريت فوق 0000 ترجع لنا بالسلامة يافندم 000 قل يااااااارب )
وفى لحظة خاطفة أمسك بعصا القيادة بكلتا يديه ؛ وكل ذرة من كيانه تصرخ ( يااااااارب)
؛ فاذا بالطائرة تخرج من وضع الانقضاض ويرتفع مقدمها إلى أعلى ؛ وتبدو وكأنها قد انعدمت حركتها لثانية ليشاهد حوله غبارا كثيفا ؛ قبل أن تعلو الطائرة ببطء مبتعدة عن الأرض ؛ ( يا الله لقد خرجت الطائرة من هذا الوضع القاتل وهى تكاد تلامس الأرض ) 0
طلب الاذن سريعا بالهبوط ؛ وهبطت الطائرة تجرى على الممر 0 نزل من الطائرة وركب العربة الجيب التى أوصلته إلى استراحة أول الممر ؛ كانت خالية فلم يهبط زملاؤه بعد ؛ تهالك على أول فوتيه صادفه ؛ وقد توقف عقله عن التفكير ؛ وإذا بكل جسمه ينتفض بعنف ويرتعش لا إراديا بشدة وتصطك أسنانه بقوة وبصوت عال مسموع ، تكاد تتكسر ؛ قام بصعوبة مترنحاً متخبطاً فى الأشياء والجدران يخلع عنه خوذته ، ينحيها عنه ؛ يدلف إلى داخل الحمام ويفتح الدش البارد فوق رأسه وهو بكامل ملابسه الفضائية ينتحب بصوت متقطع مرتعش تتخلله الشهقات ويردد خلال أسنانه المصطكة ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهدأن محمداً رسول الله ) 0
سمير عصر
التف حوله الزملاء يهنئونه ؛ فهو الوحيد من بين دفعتهم الذى انتقل إلى تقييم ( طيار درجة ثانية ) ؛ وقف بينهم منتفشاً كالديك الرومى ، تملأه الثقة ويبدو الفخار على وجهه 0 ، كان من أمهر الطيارين وقد أظهر براعة فائقة فى تدريبات القتال الجوى ؛ تقدم إليه صديقه اللدود يقبله فى ودٍ ومداعباً : ( بس لو تشيل اسم يورى جاجارين من على الكراش ( خوذة الطيران ) 0 ضم خوذته إليه ورد : ( يا جاهل دا أول رائد فضاء )0
فانبرى له صديقه بلهجة ساخرة : ( دا مات فى حادث طائرة صغيرة تافهه )0 ثم أردف : (والبعيد كان ابن حرام ملحد ) 0 ثم مقلداً قائد السرب : ( الله يرحمه 000 كان حمار ! ) ؛ وارتفعت ضحكات باقى الزملاء من قلوبهم صافية بريئة 0 كانوا يعشقون قائد سربهم بطل حرب الإستنزاف ونجم حرب أكتوبر المجيدة ، كان كلما وقع حادث مميت لأحدهم - ولاتقل خسائر التدريب القتالى عن خسائر الحرب الحقيقية إلا قليلا - هب فيهم ؛ وأشلاء زميلهم لم تُلَم بعد قائلا : ( الله يرحمه 000 كان حمار ! ) ؛ ثم يطير منفرداً ويقدم عرضاً جوياً بارعاً لايستطيعه غيره برغم تقدمه فى السن ؛ وفور هبوطه يصيح بهم يالله 00 يالله 00 كل واحد على طيارته ؛ وهقعد لكم فى برج المراقبة ؛ وعايز اتفرج ) ؛ كان ، وهو الخبير، يعرف جيدا كيف يكسر الحاجز النفسى الذى تسببه مثل هذه الحوادث 0
تحسس الأيقونة الزرقاء التى تحمل رقم/2 يعلوها جناحى الصقر ؛ المثبتة على صدره ؛ ونظر إلى صديقه اللدود ، فلمح دبلة فضية تبرق حول بنصره الأيمن فوجه إليه الحديث قائلا : ( دا امتى حصل الكلام ده 000 ماعزمتناش يعنى )0 فرد عليه صديقه مبتسماً فى حرج الأمر تم بسرعه 00 العقبى لك )0 فرد مؤكدا لا 000 الطيارة هى معبودتى الوحيدة )0 فضحك صديقه وقال بس دى مش هتجيبلك عيال) 0 وتعالت ضحكات الزملاء مجلجلة ؛ إلا أنهم سادهم الصمت المطبق فجأة ؛ وهبوا وقوفاً عند دخول قائد السرب الذى أخذ مكانه أمام المدرج الصغير ؛ وأخذ يتفرس فى وجوههم ؛ ثم أشار إليهم للقعود ؛ وبدأ فى تلقين ماقبل الطيران : ( النهاردة إن شاء الله هنطير طلعة ارتفاعات عاليه High Levels ، علشان نجيب الـ Maximum Ceiling ، أقصى ارتفاع تصله الطيارة ، والوصول للسقف العملى فى أسرع وقت وبأقل كمية وقود ممكنة ؛ والتعود على التحكم فى الطائرة على الإرتفاعات العالية0000 ) ؛ ومضى قائد السرب فى التلقين ؛ ثم نكس رأسه صامتاً لثوانٍ ؛ ثم رفع رأسه وقال : ( الكلام ده يتنفذ بمنتهى الدقة ، ولازم تدى لنفسك براح ؛ يعنى بلاش توصل للحدود القصوى؛ الطيران تحت تسعة كيلومترات حاجة وفوقها حاجة تانية ؛ السرعة لو زادت عن المقرر أجنحة الطيارة هتستأذن وتسيبك ، وهتلاقى نفسك راكب ماسورة وبتغنى ظلموه ؛ وذى ماقولنا لو حد النوز بتاعه ( مقدم الطائرة ) نزل تحت الأفق بزاوية خمسة وعشرين درجة وسرعته أكثر من سرعة الصوت ؛ هيبقى من الصعب جدا انه يطلّع الطيارة من الوضع ده ؛ وهيرشق فى الأرض زى المسمار هيجيب بترول ؛ ويبقى الله يرحمه ) ؛ أمسك الطيارون شفاههم ؛ حتى لاتتسع ابتساماتهم وهم يكملون فى سرهم (000 كان حمار ) 0
نظر إليهم قائد السرب بعينيه الشبيهة بعينى الصقر هاتفا ( لا إله إلا الله ) ؛ ورد الطيارون بتلقائية جادة ( محمدٌ رسول الله ) 0
جاء طبيب السرب البدين ذو الوجه الأحمر ؛ يحمل له أحد الجنود حقيبته ؛ وأخذ فور وصوله فى اجراء الكشف الطبى ( فحص ماقبل الطيران ) ؛ وهو يمازح الطيارين فرداً فرداً ؛ فك رباط قياس الضغط عن ساعده وقال له : ( نبضك تمام ، ضغطك تمام ؛ كله تمام يابطل ؛ مبروك عقبال Category 1 تتعلّق على صدرك ) 0 رد عليه : ( شكرا دكتور )0
ابتسم الطبيب وقال له مازحا : ( اوعى يطلعلك عفريت فوق )0 وقهقه بطيبة 0 أما هو فابتسم فى برود 0
وبدأ فى ارتداء بدلة الطيران الخاصة بالارتفاعات العالية الشبيهة بملابس رواد الفضاء ؛ ثم نظر باعجاب واضح إلى صورته المنعكسة فى المرآة الكبيرة باستراحة أول الممر 0 وانطلق بالعربة الجيب إلى طائرته الحربية الحديثة 0 دار حول الطائرة بخُيلاء يتفحصها بوَلَهٍ وخبرة يطمئن إلى سلامة جسمها وأسطح التحكم الخارجية 0 أعتلى سلم الطائرة ، وأخذ مكانه فى الكابينة ؛ وبادر الفنى المختص بمعاونته فى ربط الأحزمة وهو يتأفف منه : (خلاص 00خلاص انزل وشيل السلم )؛ فرد عليه الفنى العجوز المخضرم : ( ترجع لنا بالسلامة يافندم )
فنظر إليه بعسكرية قاسية ؛ نزل العجوز وقال وهو يزيح السلم بعيدا : ( قل يااااااارب ) 0
أدار محرك الطائرة ؛ وبعد أن اختبر أداءات المحرك وعداداته طلب الإذن بالتدحرج لأول الممر ؛ ومن ثم طلب الإذن بالاقلاع 0 أمسك بفرامل الطائرة جيدا وفتح خانق الوقود حتى آخره ؛ وترك الفرامل ، ثم عاجل بفتح الحارق الخلفى الإضافى ليخرج لسانٌ طويلٌ من اللهب خلف الطائرة التى اندفعت بسرعة صاروخيةمتسارعة تلتهم الخطوط البيضاء التهاماً ؛ يرفع مقدمها بزاوية خاصة ؛ لترتفع الطائرة بعد ثوان فى الجو مزمجرة ؛ يرفع عجلاتها ؛ وبمهارة ينفذ كل ماتعلمه فى التلقين ؛ وقد ارتفع مقدم الطائرة فوق الأفق بزاوية تزيد قليلاً عن خمسة وأربعين درجة ؛ فشعر وكأنه يركب صاروخا يتجه به نحو السماء 0 وكان من الصعب عليه وهو فى هذا الوضع أن يرى الأرض إلا إذا أمال أحد الأجنحة 0 أخيرا وصل إلى أقصى ارتفاع عملى للطائرة واحد وعشرون كيلومترا محسوبا من فوق سطح البحر ؛ إلا أنه أخذه الحماس فاستمر فى الصعود حتى لم تعد الطائرة تستطيع الارتفاع سنتيمترا واحدا ؛ وبدأ يتجول بها على هذا الإرتفاع الشاهق بسرعة تتجاوز ضعف سرعة الصوت ؛ كانت الطائرة مائعة فى طيرانها ، واستجابتها بطيئة ، وتحتاج إلى أن يقبض على عصا القيادة باحكام 0 وعلى هذا الإرتفاع ومن مكان طيرانه ؛ زُوِِيَت له الأرض ؛ فشاهد البحرين الأحمر والأبيض المتوسط ؛ بل وأراضى المملكة العربية السعودية ؛ يكاد يرى مصر وكأنها مجرد خريطة رُسمت تحته ؛ وتبدو السحب تحته بعيدة وكأنها نتفاً من القطن بيضاء متناثرة 0
أمال طائرته قليلا وأخذ يتأمل الأرض ؛ إن الجبال لايميزها عن أرض البسيطة وتعجب فى نفسه ( أين الجبال ؟! إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا - هاأنذا قد جاوزتها بمراحل ) 0 أحس بطائرته تهتز ؛ لمح عداد السرعة ؛ وجد أن سرعته قد جاوزت السرعة العملية للطائرة 00 (أجنحة الطائرة ستنفصل) ؛ ويأتيه صدى صوت قائد السرب يتردد عبر الفضاء( هتلاقى نفسك راكب ماسورة ) ؛ اضطرب اضطراباً شديداً فهو يعلم أنه لو أغلق خانق الوقود سيقف المحرك ؛ ولايستطيع تقليل السرعة برفع مقدم الطائرة التى لن تستجيب له بعد أن تجاوز كل الحدود ؛ وبسرعة ضغط زر الفرامل الهوائية ؛ ليندفع بجسمه إلى الأمام بفعل القصور الذاتى وتكاد أحزمة الكرسى تخلع كتفيه ؛ وتفلت منه عصا القيادة ؛ ويتجه مقدم الطائرة نحو الأرض ؛ ويتناقص ارتفاعه بشكل رهيب ؛ قلت سرعته ولكنها مازالت تتعدى سرعة الصوت ؛ حاول تعديل وضع الطائرة من وضع الإنقضاض هذا إلا أن عصا القيادة تحجرت تماما ؛ ويدوى فى أذنيه صدى صوت قائد السرب ( وهيرشق فى الأرض زى المسمار ؛ هيجيب بترول ) ؛ مازال يهوى وتقترب الأرض وتتسع رقعتها 0
(إنه سيخرق الأرض 000 إنه سيخرق الأرض ) 0 غامت الدنيا فى عينيه ؛ ولم ير سوى حياته كلها تتتابع فى ثوانٍ أمام ناظريه فى شريط سينمائى طويل 000 وتتتابع وجوه زملائه وتأتى أصواتهم وكأنها تخرج من جهاز ستريو فضائى ضخم 00 ( ألف مبروك 000 البعيد كان ابن حرام ملحد 000 الله يرحمه كان حمار 0000 بس دى مش هتجيبلك عيال 0000 اوعى يطلعلك عفريت فوق 0000 ترجع لنا بالسلامة يافندم 000 قل يااااااارب )
وفى لحظة خاطفة أمسك بعصا القيادة بكلتا يديه ؛ وكل ذرة من كيانه تصرخ ( يااااااارب)
؛ فاذا بالطائرة تخرج من وضع الانقضاض ويرتفع مقدمها إلى أعلى ؛ وتبدو وكأنها قد انعدمت حركتها لثانية ليشاهد حوله غبارا كثيفا ؛ قبل أن تعلو الطائرة ببطء مبتعدة عن الأرض ؛ ( يا الله لقد خرجت الطائرة من هذا الوضع القاتل وهى تكاد تلامس الأرض ) 0
طلب الاذن سريعا بالهبوط ؛ وهبطت الطائرة تجرى على الممر 0 نزل من الطائرة وركب العربة الجيب التى أوصلته إلى استراحة أول الممر ؛ كانت خالية فلم يهبط زملاؤه بعد ؛ تهالك على أول فوتيه صادفه ؛ وقد توقف عقله عن التفكير ؛ وإذا بكل جسمه ينتفض بعنف ويرتعش لا إراديا بشدة وتصطك أسنانه بقوة وبصوت عال مسموع ، تكاد تتكسر ؛ قام بصعوبة مترنحاً متخبطاً فى الأشياء والجدران يخلع عنه خوذته ، ينحيها عنه ؛ يدلف إلى داخل الحمام ويفتح الدش البارد فوق رأسه وهو بكامل ملابسه الفضائية ينتحب بصوت متقطع مرتعش تتخلله الشهقات ويردد خلال أسنانه المصطكة ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهدأن محمداً رسول الله ) 0
سمير عصر