mohamadamin
حكيم المنتدى
: ترجمة عثمان بن عفان رضي الله عنه
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأُموي، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أسلمت، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمير المؤمنين، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه رقية ثم أم كلثوم، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وممّن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، أسلم بعد البعثة بقليل، وهو ممن أسلموا بدعوة الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان غنيًا شريفًا في الجاهلية وبعدما أسلم، ومن أعظم أعماله تجهيزه جيش العُسْرة بماله، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، ما ضر ابن عفان ما فعل بعد اليوم»، صارت إليه الخلافة بعد استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين بمشورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، افتتحت في أيامه أرمينية والقوقاز، وخراسان وكرمان وسجستان وقبرص وغيرها، أتم جمع القرآن، وجمع المسلمين على مصحف واحد عندما كادت تحدث بينهم الفتن باختلافهم في القراءة، وشاء الله تعالى أن ينقم عليه بعض المفسدين، فحاصروه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهد وهو يقرأ القرآن صبيحة عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين من الهجرة، رضي الله عنه وأرضاه. فكانت مدة خلافته اثنتي عشرة سنة.
ثانيًا: بعض ما ورد في فضائل عثمان رضي الله عنه:
رغم أنف الروافض
لقد ورد في فضل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه أحاديث كثيرة جدًا، فقد أوردالإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه في كتاب فضائل الصحابة نحوًا من تسعة وخمسين حديثًا ومائة حديث ما بين صحيح وحسن وضعيف، هذا بالإضافة إلى ما ورد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في عموم فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو داخل فيهم بلا شك على رغم أنف الروافض الذين نشأوا وتربوا على سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، فهم في ذلك شر من اليهود والنصارى، فإنه لم يرد أن اليهود سبوا أصحاب موسى ولا تنقصوا أحدًا منهم، كما أنه لم يرد أن النصارى سبوا أصحاب عيسى ولا تنقصوهم، فالروافض في أمر عجيب تجاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعجب منهم أمر من يهون من سبهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ولعنهم، وتصويرهم بصورة من يتناحرون من أجل السلطة والإمارة، وهم الذين فدوا دينَ الله ورسوَل الله صلى الله عليه وسلم بأغلى ما يملكون، فدوه بآبائهم وأمهاتهم وبأرواحهم، شهد الله لهم بذلك في كتابه وشهد لهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن سنقتصر على بعض ما ورد في فضائل عثمان بن عفان أمير المؤمنين ولا سيما الصحيح منه، وبالله التوفيق، فمن ذلك: فضائل عثمان رضي الله عنه:
1- ثبوت الهجرتين لذي النورين رضي الله عنه:
نصح عبيد الله بن عدي بن الخيار عثمان رضي الله عنه وهو خليفة للمسلمين، فتشهد عثمان رضي الله عنه ثم قال: أما بعد؛ فإن الله عز وجل بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، فكنتُ ممن استجاب لله ولرسوله، وآمن بما بُعث به محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ثم هاجرتُ الهجرتين كما قلتَ، ونلتُ صِهْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما عصيته ولا غشتته حتى توفاه الله عز وجل، ثم أبو بكر مثله، ثم عمر مثله، ثم استُخلِفْتُ...» الحديث. [أخرجه الإمام أحمد في المسند مختصرًا هكذا، كما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه مطولاً].
2- بشارتان لذي النورين رضي الله عنه:عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: «ائذن له وبشره بالجنة»، فإذا أبو بكر رضيالله عنه، ثم جاء آخر يستأذن فقال: «ائذن له وبشره بالجنة»، فإذا عمر رضي الله عنه،ثم جاء آخر يستأذن فسكت النبي صلى الله عليه وسلم هنيهةً ثم قال: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»، فإذا عثمان بن عفان رضي الله عنه. [أخرجه الشيخان والترمذي، وأحمد]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد». [أخرجه مسلم والترمذي وأحمد].
3- حياء ذي النورين رضي الله عنه:
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعثمان بن عفان رضي الله عنه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابسٌ مِرْط عائشة (كساؤها التي تتلفع به) فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: «اجمعي عليك ثيابك». فقضيتُ إليه حاجتي، ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله، ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عثمان رجلٌ حَيِيٌّ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليَّ في حاجته». [أخرجه مسلم وأحمد].
4- الملائكة تستْحِييْ من ذي النورين عثمان رضي الله عنه:عن عائشة زوج النبي رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوَّى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تَهْتَشَّ له ولم تباله، ثم دخل عمر عمر فلم تَهْتَشَّ له ولم تبالِه، ثم دخل عثمان فجلستَ وسوَّيت ثيابك! فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا أسْتَحِي من رجل تستحي منه الملائكة». [أخرجه الإمام مسلم].
5- شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لذي النورين أنه على الهدى والحق:
عن مُرَّةَ بن كعب - ويقال: كعب بن مرة - قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنةً فَقرَّبها فمرَّ رجلٌ مُتَقَنِّعٌ فقال: «هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى»، فقلت: هذا يا رسول الله؟ وأقبلتُ بوجهه إليه، فقال: «هذا». فإذا هو عثمان رضي الله عنه. [أخرجه الإمام أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه الترمذي وقال عقبه: هذا حديث حسن، وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة]، وعن ابن حَوَالةَ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالسٌ في ظل دَومة وعنده كاتب له يملي عليه، فقال: «ألا أكتبك يا ابن حَوَالَة؟» قلت: فيمَ يا رسول الله؟ فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه، ثم قال: «أنكتبك يا ابن حَوَالةَ؟» قلت: فيم يا رسول الله ؟ فأعرض عني وأكبَّ على كاتبه يملي عليه، فنظرت فإذا في الكتاب عمر، فقلت: إن عمر لا يُكْتَبُ إلا في خير، ثم قال: «أنكتبك يا ابن حوالة؟» قلتُ: نعم. فقال: «يا ابن حوالة كيف تفعل في فتن تخرج في أطراف الأرض كأنها صَيَاصِي بَقَرٍ، قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسولُهُ،
قال: «وكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأن الأولى فيها انتفاجة أرنب؟» (أي وثبة أرنب) قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: «اتبعوا هذا» قال: ورجل مُقَفٍ حينئذٍ، قال: فانطلقتُ فسعيتُ، وأخذتِ بمَنكبَيْهِ، فأقبلتُ بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا؟ قال: «نعم». قال: وإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. [أخرجه الإمام أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة].
6- عفاف ذي النورين رضي الله عنه:
عن أبي أمامة بن سهل قال: كنا مع عثمان وهو محصور في الدار، وكان في الدار مَدْخلٌ، من دخله سمع من على البلاط، فدخله عثمان رضي الله عنه فخرج إلينا وهو متغير لونه فقال: إنهم ليتواعدونني بالقتل آنفًا. قال: قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين، قال: ولِمَ يقتلونني؟ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كُفْرٌ بعدَ إسلامٍ، أو زِنًا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام قط، ولا أحببت أن لي بديني بدلاً منذ هداني الله، ولا قتلت نفسًا، فبمَ يقتلونني؟». [أخرجه الإمام أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة وأصحاب السنن الأربعة].
7- ذو النورين والمبادرة إلى الجنة وما يقرب إليها من عمل:
عن أبي عبد الرحمن - هو السُّلميُّ - أن عثمان رضي الله عنه حين حوصر أشرف عليهم وقال: «أنشدكم الله، ولا أنشُدُ إلا أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم: أَلَسْتُمْ تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر رومة فله الجَنةُ فحفرتها؟ أَلَسْتُمْ تعلمون أنه قال: مَن جَهَّز جَيْشَ العُسْرَةِ فله الجَنةُ فجهَّزتهُ؟ قال: فصدقوه بما قال». [أخرجه الإمام البخاري تعليقًا، وقال الحافظ: وصله الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما].
8- قصة الاتفاق على بيعة ذي النورين وفيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو عنه راضٍ:
أخرج الإمام البخاري في صحيحه القصة بتمامها وفيها مقتل أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وما حدث له من طعن أبي لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة له وهو في الصلاة، إلى أن قال له بعض الصحابة: أوصِ يا أمير المؤمنين، اسْتَخْلِفْ، فقال رضي الله عنه: ما أحدٌ أحقَّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر - أو الرهط - الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، فسمَّى عليًا وعثمان والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ - كهيئة التعزية له - فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستَعن به أيُّكم مَا أمِّر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة، وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرًا الذين تبوءا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم وأن يعفي عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا، فإنهم ردءُ الإسلام وجُباة المالِ وغيظُ العَدُوِّ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيرًا، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام أن يؤخذ حواشي أموالهم وتردَّ على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال: فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى عليّ، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن بن عوف: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه؟ واللهُ عليه والإسلامُ لينظرنَّ أفضلهم في نفسه؟ فأُسْكتَ الشيخان.فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليَّ واللهُ عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدمُ في الإسلام ما قد علمتَ، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلنَّ، ولئن أمَّرْتُ عثمان لتسمعنَّ ولتطعينَّ، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، وبايع له عليٌّ، ووَلَجَ أهلُ الدار فبايعوه.
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأُموي، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أسلمت، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمير المؤمنين، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه رقية ثم أم كلثوم، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وممّن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، أسلم بعد البعثة بقليل، وهو ممن أسلموا بدعوة الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان غنيًا شريفًا في الجاهلية وبعدما أسلم، ومن أعظم أعماله تجهيزه جيش العُسْرة بماله، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، ما ضر ابن عفان ما فعل بعد اليوم»، صارت إليه الخلافة بعد استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين بمشورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، افتتحت في أيامه أرمينية والقوقاز، وخراسان وكرمان وسجستان وقبرص وغيرها، أتم جمع القرآن، وجمع المسلمين على مصحف واحد عندما كادت تحدث بينهم الفتن باختلافهم في القراءة، وشاء الله تعالى أن ينقم عليه بعض المفسدين، فحاصروه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهد وهو يقرأ القرآن صبيحة عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين من الهجرة، رضي الله عنه وأرضاه. فكانت مدة خلافته اثنتي عشرة سنة.
ثانيًا: بعض ما ورد في فضائل عثمان رضي الله عنه:
رغم أنف الروافض
لقد ورد في فضل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه أحاديث كثيرة جدًا، فقد أوردالإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه في كتاب فضائل الصحابة نحوًا من تسعة وخمسين حديثًا ومائة حديث ما بين صحيح وحسن وضعيف، هذا بالإضافة إلى ما ورد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في عموم فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو داخل فيهم بلا شك على رغم أنف الروافض الذين نشأوا وتربوا على سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، فهم في ذلك شر من اليهود والنصارى، فإنه لم يرد أن اليهود سبوا أصحاب موسى ولا تنقصوا أحدًا منهم، كما أنه لم يرد أن النصارى سبوا أصحاب عيسى ولا تنقصوهم، فالروافض في أمر عجيب تجاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعجب منهم أمر من يهون من سبهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ولعنهم، وتصويرهم بصورة من يتناحرون من أجل السلطة والإمارة، وهم الذين فدوا دينَ الله ورسوَل الله صلى الله عليه وسلم بأغلى ما يملكون، فدوه بآبائهم وأمهاتهم وبأرواحهم، شهد الله لهم بذلك في كتابه وشهد لهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن سنقتصر على بعض ما ورد في فضائل عثمان بن عفان أمير المؤمنين ولا سيما الصحيح منه، وبالله التوفيق، فمن ذلك: فضائل عثمان رضي الله عنه:
1- ثبوت الهجرتين لذي النورين رضي الله عنه:
نصح عبيد الله بن عدي بن الخيار عثمان رضي الله عنه وهو خليفة للمسلمين، فتشهد عثمان رضي الله عنه ثم قال: أما بعد؛ فإن الله عز وجل بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، فكنتُ ممن استجاب لله ولرسوله، وآمن بما بُعث به محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ثم هاجرتُ الهجرتين كما قلتَ، ونلتُ صِهْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما عصيته ولا غشتته حتى توفاه الله عز وجل، ثم أبو بكر مثله، ثم عمر مثله، ثم استُخلِفْتُ...» الحديث. [أخرجه الإمام أحمد في المسند مختصرًا هكذا، كما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه مطولاً].
2- بشارتان لذي النورين رضي الله عنه:عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: «ائذن له وبشره بالجنة»، فإذا أبو بكر رضيالله عنه، ثم جاء آخر يستأذن فقال: «ائذن له وبشره بالجنة»، فإذا عمر رضي الله عنه،ثم جاء آخر يستأذن فسكت النبي صلى الله عليه وسلم هنيهةً ثم قال: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»، فإذا عثمان بن عفان رضي الله عنه. [أخرجه الشيخان والترمذي، وأحمد]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد». [أخرجه مسلم والترمذي وأحمد].
3- حياء ذي النورين رضي الله عنه:
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعثمان بن عفان رضي الله عنه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابسٌ مِرْط عائشة (كساؤها التي تتلفع به) فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: «اجمعي عليك ثيابك». فقضيتُ إليه حاجتي، ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله، ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عثمان رجلٌ حَيِيٌّ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليَّ في حاجته». [أخرجه مسلم وأحمد].
4- الملائكة تستْحِييْ من ذي النورين عثمان رضي الله عنه:عن عائشة زوج النبي رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوَّى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تَهْتَشَّ له ولم تباله، ثم دخل عمر عمر فلم تَهْتَشَّ له ولم تبالِه، ثم دخل عثمان فجلستَ وسوَّيت ثيابك! فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا أسْتَحِي من رجل تستحي منه الملائكة». [أخرجه الإمام مسلم].
5- شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لذي النورين أنه على الهدى والحق:
عن مُرَّةَ بن كعب - ويقال: كعب بن مرة - قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنةً فَقرَّبها فمرَّ رجلٌ مُتَقَنِّعٌ فقال: «هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى»، فقلت: هذا يا رسول الله؟ وأقبلتُ بوجهه إليه، فقال: «هذا». فإذا هو عثمان رضي الله عنه. [أخرجه الإمام أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه الترمذي وقال عقبه: هذا حديث حسن، وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة]، وعن ابن حَوَالةَ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالسٌ في ظل دَومة وعنده كاتب له يملي عليه، فقال: «ألا أكتبك يا ابن حَوَالَة؟» قلت: فيمَ يا رسول الله؟ فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه، ثم قال: «أنكتبك يا ابن حَوَالةَ؟» قلت: فيم يا رسول الله ؟ فأعرض عني وأكبَّ على كاتبه يملي عليه، فنظرت فإذا في الكتاب عمر، فقلت: إن عمر لا يُكْتَبُ إلا في خير، ثم قال: «أنكتبك يا ابن حوالة؟» قلتُ: نعم. فقال: «يا ابن حوالة كيف تفعل في فتن تخرج في أطراف الأرض كأنها صَيَاصِي بَقَرٍ، قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسولُهُ،
قال: «وكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأن الأولى فيها انتفاجة أرنب؟» (أي وثبة أرنب) قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: «اتبعوا هذا» قال: ورجل مُقَفٍ حينئذٍ، قال: فانطلقتُ فسعيتُ، وأخذتِ بمَنكبَيْهِ، فأقبلتُ بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا؟ قال: «نعم». قال: وإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. [أخرجه الإمام أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة].
6- عفاف ذي النورين رضي الله عنه:
عن أبي أمامة بن سهل قال: كنا مع عثمان وهو محصور في الدار، وكان في الدار مَدْخلٌ، من دخله سمع من على البلاط، فدخله عثمان رضي الله عنه فخرج إلينا وهو متغير لونه فقال: إنهم ليتواعدونني بالقتل آنفًا. قال: قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين، قال: ولِمَ يقتلونني؟ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كُفْرٌ بعدَ إسلامٍ، أو زِنًا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام قط، ولا أحببت أن لي بديني بدلاً منذ هداني الله، ولا قتلت نفسًا، فبمَ يقتلونني؟». [أخرجه الإمام أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة وأصحاب السنن الأربعة].
7- ذو النورين والمبادرة إلى الجنة وما يقرب إليها من عمل:
عن أبي عبد الرحمن - هو السُّلميُّ - أن عثمان رضي الله عنه حين حوصر أشرف عليهم وقال: «أنشدكم الله، ولا أنشُدُ إلا أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم: أَلَسْتُمْ تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر رومة فله الجَنةُ فحفرتها؟ أَلَسْتُمْ تعلمون أنه قال: مَن جَهَّز جَيْشَ العُسْرَةِ فله الجَنةُ فجهَّزتهُ؟ قال: فصدقوه بما قال». [أخرجه الإمام البخاري تعليقًا، وقال الحافظ: وصله الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما].
8- قصة الاتفاق على بيعة ذي النورين وفيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو عنه راضٍ:
أخرج الإمام البخاري في صحيحه القصة بتمامها وفيها مقتل أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وما حدث له من طعن أبي لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة له وهو في الصلاة، إلى أن قال له بعض الصحابة: أوصِ يا أمير المؤمنين، اسْتَخْلِفْ، فقال رضي الله عنه: ما أحدٌ أحقَّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر - أو الرهط - الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، فسمَّى عليًا وعثمان والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ - كهيئة التعزية له - فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستَعن به أيُّكم مَا أمِّر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة، وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرًا الذين تبوءا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم وأن يعفي عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا، فإنهم ردءُ الإسلام وجُباة المالِ وغيظُ العَدُوِّ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيرًا، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام أن يؤخذ حواشي أموالهم وتردَّ على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال: فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى عليّ، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن بن عوف: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه؟ واللهُ عليه والإسلامُ لينظرنَّ أفضلهم في نفسه؟ فأُسْكتَ الشيخان.فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليَّ واللهُ عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدمُ في الإسلام ما قد علمتَ، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلنَّ، ولئن أمَّرْتُ عثمان لتسمعنَّ ولتطعينَّ، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، وبايع له عليٌّ، ووَلَجَ أهلُ الدار فبايعوه.