قصة عن اللاجئين...بقلمي المتواضع.

هل أُعجبت بالقصة؟


  • مجموع المصوتين
    1
قصة عن اللاجئين:
جلست أفكر-وقد أنعم الله علي بأن عشت على ثرى أراضِ حبيبة في فلسطين- في رحلة من أغرب الرحل في الخيال,وهي:لو أنني كنت من الذين قهرهم الاحتلال وفرّقهم عن أعز ما يملكون,أراضيهم وبيوتهم,أزواجهم وآبائهم,أولادهم وبناتهم,ماذا كنت سأفعل؟ وكيف كنت سأتصرف؟ والى من سألجأ؟.
أذكر أنه في يوم من الأيام ضربت قذائف العدو بيت أحد الجيران وأرضه,التي لم تكن تحوي سوى شجرة زيتون شامخة-اعتقد أهلها أن اليهود يخافون من شجرة الزيتون- حيث رأيت أهلها هبّوا للهروب من البيت الذي يقصف,ليختبئوا تحت الشجرة التي كانت أيضاً أحد أهداف العدو.وتذكرت حينها كيف أن الجميع رغم خوفهم وهلعهم كانوا يبحثون عن أحد أبناءهم الذي لم يتجاوز السنتان, الذين تركوه خلفهم في البيت عندما بدأ القصف, وكيف أنهم فرحوا بنجاته فرحاً شديداً كاد ينسيهم مصيبتهم وهمهم بخراب البيت,وكأنهم كانوا يحتفلون بحصولهم على شباكٍ جديدٍ من صُنع القذائف.
أفكر انه كان يجب أن يعيش الطفل كما عاش الكثير من أطفال المدن والدول الأخرى! أفكر بأن شعبي يُهجّر يومياً!
فهاهم أولاد الجيران لا يملكون سقفاً يحتمون تحته من البرد القارص, ولا يجدون طعاماً يسدّون فيه جوعهم,حتى العطش كان حليفهم في كثير من أيام الشتاء, لأن الماء بارد لا تستحمله أفواههم وصدورهم.
إلا أنني أحببت ذلك الشعور النبيل من الجيران الذين تساعدوا معهم حتى أعادوا البيت إلى ما كان عليه وأجمل.
وهنا أخذني الفكر لأكثر من 60 عاماً في الماضي,إلى من خرّجوا من بيوتهم تحت قهر وظلم الاحتلال,منهم من ترك خلفه أبنائهم,فضلاً عن ذلك العائلات التي تشتت وتفرقت,كلهم يبحثون عن جيرانهم(الدول العربية المجاورة), وذهبوا يطرقون كلّ باب يسألون عن مأوى لهم ولأولادهم,يبحثون عن لقمة عيش تسد جوعهم, أو عن شربة ماء لم يجدوها أصلا ليفكروا هل هي باردة أم دافئة!
لم يكونوا بيتا أو بيتان,ولم يكونوا عائلة أو عائلتان,أو حتى قرية أو قريتان,كلهم خرجوا مقهورين, ورغم ذلك كانوا يفكّرون ويقولون في أنفسهم:غدا سنعود ونبني فلسطين!!!
الأطفال الصغار ما ذنبهم؟ عاشوا حياتهم في المخيمات لا ينامون ولا يستريحون, محرومين من أرضهم,من الزيتونة التي كانوا يخرجون ليلعبون تحت ظلها, ومن لمست جدتهم التي لا يعرفون أين يجدونها, وحتى من كتبهم ودفاترهم التي كانت تشع في آذانهم الآمال, كل حياتهم شقاء وتعب,لكن الصمود ما زال دربهم, فجعلوا من الخيام مدارس, ومن جلودهم دفاتر,ومن الجوع عزيمة وإصرار,ومن العطش همّة وأمل,فلسطين الحبيبة لم تغب عن أذهانهم يوماً,مفتاح بيتهم ما زال مربوطاً بحبلِ معلّق في أعناقهم,نصبوا خيماتهم لتواجه برد الشتاء الذي لا يُواجه,مثل الذي وضع قدراً من الماء على شجرة وأشعل أسفلها شمعة,لكن حرارة إيمانهم وعزيمتهم وإصرارهم كانت تُدفئ قلوبهم, أمّا عن حر الصيف والظمأ والعطش فحدث ولا حرج...
الإذاعة والأخبار والجرائد كانت تنتشر في المخيم مثل النار في الهشيم,الجميع يتابع ينتظر أن يسمع أن الاحتلال قد خرج مدحورا من أرضه ليعود لها, أو على أمل ان يسمع اسم شخص عزيز قد غابت أخباره واختفت آثاره...
أحمد الذي كان طالبا مجتهدا ذكيا مميزا, رأى أباه أنه مميز فأخذ على عاتقه توصيله يوميا الى مدرسة المدينة البعيدة عن المخيم والتي كانت تختلف عن مدارس المخيم:بأنها مدرسة(بناية,درج,لوح,ساحات حتى أيضا أساتذة ومدير)لكن ما زالت كلمة لاجئ تطارده,ففي البداية لم يكن يرفع يده للإجابة عن أسئلة الأستاذ –رغم معرفته لها- لكن خوفا من نظرة الطلاب الآخرين له,لكن سرعان ما كان الأمل للعودة الى فلسطين حافزاً يكسر الحديد ويزيل العوائق,فأصبح الطالب الذي لا يرفع يده,أصبح لا يخفضها.
أمّا أبو أحمد فرغم عمله المتواضع وقروشه القليلة التي يحصل عليها,فقد كان يقسمها بين البيت,ومصروفات مدرسة أحمد التي كانت تُصرف على الزيّ المدرسيّ والكتب والدفاتر, حيث كان أبو أحمد دائما يسعى لأن يكون ابنه متفوقاً في كل شيء ويريد دائما أن يبعده عن الشعور بالنقص وأنه أقل من الآخرين ولو كان على حساب صحته التي ضيّعها في المناوبات الليلية والصباحية.
أمّا سعيد ابن الخامسة والعشرون الذي يعمل أستاذاً في خيمات المخيم فلم ينقص من شأنه أن رفضته الفتاة التي أحبها من المدينة,لا لشيء إلا لأنه ابن مخيم,ووجد ابنة عمه سلمى الشريكة الحقيقة لحياته,فوقفت بجانبه وصبرت عليه وعاشا في الخيمة تحت حلم وأمل العودة إلي فلسطين.
سارة بنت عشر سنوات لم تكن تفهم لماذا يعيشون في خيمة,بينما بيتهم موجود في فلسطين, فتتساءل:هل نحن في رحلة تخييم؟ وهل سنعود بعدها الى بيتنا سعيدين فرحين؟! أم أن الخيمة أفضل من البيت؟!
لم تكن هذه الأسئلة تأخذ وقتها, الذي كانت تقضيه باللعب والركض حول الخيمة, وأحياناً في الجلوس بحض جدتها التي كانت تحدثها عن بطولاتِ أباها الذي استُشهِد في الدفاع عن أرضه فلسطين.
أمّا الحاج سمير الذي كان دائما يأتي إلى تلّة قرب المخيم,وفي يديه ظرفه الذي يضع فيه أوراق الكوشان والطابو-الذي لم يكن يفارقه-, حيث كان يتأمل بأشجار الزيتون المجاورة,لعله يتذكر ابنه الوحيد الذي فقده عندما هاجروا الى فلسطين, حيث أنه لم يترك مخيماً من مخيمات اللاجئين إلا وسأل عنه,لعله يجتمع شمله مرة أخرى,لكن للأسف حتى الآن لم يجد له أثر.
ما زال فكري حائرا,ماذا كنت سأفعل؟ هل كنت سأستطيع أن أكمل دراستي التي كان أخي يشوشها دائما عندما يرفع صوت التلفاز الى أعلى ما يمكن, أم أني كنت سأستطيع أن أستغني عن فراشي الدافئ وخزانتي ملكة أسراري, أو حتى وجبة الغذاء التي دائما أشطرت أن تكون حسب مواصفاتي ومقاييسي الخاصة, التي بكل تأكيد تختلف عن مواصفات طعام أخي!,
لكني ما زلت أثق بنفسي, حيث أعتقد أني كنت سأصمد وكنت دائما سأحلم بالعودة.
مازال اليهود يحاولون إخراجنا من أرضنا, لم يكتفوا من إخراج أهلنا في عام 1948 ولا من عام1967, لكنهم ما زالوا يضيّقون على أهل فلسطين الذين لا يقبلون الذل والاهانة, لأن الكرامة والحرية هما اللذان يبحثان عنهما ولكن لم يجدوهما لأنهما مغموران تحت حجارة, لا وليس فقط حجارة بل صخور كبيرة تحتاج إلى أيادي قوية لكي تزول, ولكن بعض من الناس لا يوجد لديهم الصبر, فهم يُحرمون منهما طوال حياتهم.
بقلمي:لينا الأغبر
 
عودة
أعلى