mohamadamin
حكيم المنتدى
المذاهب الهندية والفارسية وأثرها في الصوفية
جناية الفكر الصوفي أنه شرب من النصرانية وتأثر بالرهبنة وفكرها وسلوكها، رغم تأكيد القرآن الكريم أنها رهبانية مبتدعة، لم يفرضها الله عليهم، كما تأثر الفكر الصوفي، في تعاليمه وفلسفته, أوراده وأذكاره, وطرقه في الوصول إلى المعرفة, ونظريته في الفناء .. إلخ ـ تأثر في كل ذلك بالمذاهب الهندية والمانوية والزرادشتية، ولا ينكر ذلك أحد، لدرجة أن كبار الكتاب عن التصوف والباحثين فيه من المستشرقين والمسلمين ـ وحتى الصوفية ـ أقروا بذلك لوضوح القضية وجلائها وعدم خفائها.
فالمستشرقون يقرون بأن التصوف يستمد أصوله من الفكر الهندي, خاصة بعد تحليل تصوف الحلاج والبسطامي, ويؤكدون أن التصوف الإسلامي في القرن الثالث الهجري كان مشبعًا بالأفكار الهندية, وأن الأثر الهندي أظهر ما يكون في حالة الحلاج، ويرون أنه ببحث المصطلحات الصوفية الفارسية بحثًا فيلولوجيًّا، تأكد لديهم أن التصوف الإسلامي هو بعينه مذهب الفيدانتا الهندية.
باحثون مسلمون تبين لهم من البحث في تصوف مشايخ خراسان وتصوف مدرسة نيسابور خاصة, أنه وإن كانت له صبغة محلية إلى حد ما, إلا أنه متأثر بتيارات غير محلية، وصلت إليه من مراكز التصوف الأخرى في العراق والشام، وقد سبق البيروني المستشرقين والقائلين بهذا الرأي من الباحثين, حيث قارن بين العقائد الهندية والعقائد الصوفية في كتابه المشهور "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة".
وأوجه الشبه التي ذكرها البيروني بين العقائد الهندية والعقائد الصوفية هي تتلخص في أمور ثلاثة هي: الأرواح، وطريق الخلاص، وإلغاء التمايز ومحو الإشارة.
أما الإنسان العادي القارئ لأقوال الصوفية, والعارف بأحوالهم ورياضاتهم ومجاهداتهم، فإنه يلاحظ بنفسه تشابهًا كبيرًا بين هؤلاء وأولئك, وخاصة في تعذيب النفس, وتحمل المشاق, والتجوع, وحبس النفس, وإماتة الشهوات, والهروب من الأهل والأولاد, والجلوس في الخلوات, ومراقبة صورة الشيخ, وطرق الذكر, وكثير من العادات والتقاليد والرسوم, حيث لا يرى فيها إلا مشابهة تامة بتلك المذاهب وأصحابها, كما لا يرى فيها أي أثر للإسلام وتعاليمه.
فالشعراني ينقل في طبقاته عن أبي محمد عبد الله الخراز أنه قال: "الجوع طعام الزاهدين"، والغزالي ينقل عن سهل بن عبد الله التستري أنه قال: "ما صار الإبدال إلا بإخماص البطون, والسهر, والصمت, والخلوة"، وقال السهروردي: "قد اتفق المشائخ على أن بناء أمرهم على أربعة أشياء: قلة الطعام, وقلة المنام, وقلة الكلام, والاعتزال على الناس" [عوارف المعارف، السهروردي، ص 223]، ثم بيَّن طريق التدرب على الجوع , وهي تشبه تمامًا طريقة اليوجا الهندية حذو القذة بالقذة.
وكذلك التعري؛ لم يأخذه الصوفية إلا من البوذية والجينية، حتى إن طائفة من طوائف الجينية تسمى "ويجامبرة" ـ أي أصحاب الزي السماوي, الذين لم يتخذوا كساء لهم غير السماء ـ وهم الذين يقولون: "إن العرفاء الكاملين لا يقتاتون بشيء, وإن من يملك شيئًا من متاع الدنيا ولو كان ثوبًا واحدًا يستر به عورته لا ينجو" [فلسفة الهند القديمة، محمد عبد السلام الأمبوري، ص 64].
وقد ذكر عدد من العلماء أن كثيرًا من الصوفية ـ ويسمون المجاذيب ـ كانوا يتجردون عن الثياب البتة, ويمشون في الأسواق, ويجلسون في الخانقاوات كما خلقهم الله، ويتحدث الشعراني في طبقاته عن أحد هؤلاء فيقول: "الشيخ إبراهيم العريان، كان رضي الله عنه إذا دخل بلدا سلم على أهلها كبارًا وصغارًا بأسمائهم, حتى كأنه تربى بينهم "يعني كأن يعلم الغيب", وكان رضي الله عنه يطلع المنبر ويخطب عريانًا".
وأما هجر الأهل والأولاد, والخروج إلى الغارات والجبال, والجلوس في البراري والحفر والسرادي, والمكوث مع الحيات والثعابين فليست منقولة إلا من الديانات الهندية، التي عُرفت واشتهرت بمثل هذه الأمور.
وقد كان ترك المال والخروج منه, وحتى القوت الذي يحتاج إليه الإنسان لإبقاء الحياة, ثم التسول أمام الناس, والاستجداء منهم، من سلوك الصوفية وأقطابهم، كما ذكر أبو طالب المكي عن أحد الصوفية أنه دفع إليه كيس فيه مئون دراهم في أول النهار ففرقه كله, ثم سأل قوتًا في يده بعد عشاء الآخرة.
وأورد الطوسي في "اللمع" عن أبي حفص الحداد أنه كان أكثر من عشرين سنة يعمل كل يوم بدينار وينفقه على الصوفي, ثم يخرج بين العشاءين فيتصدق من الأبواب.
والمعروف أن التسول والاستجداء والوقوف على أبواب الناس, وحمل المخلاة والكشكول من لوازم الديانة البوذية, ومن نصائح بوذا الثمانية المشهورة التي نصح بها دراويشه ورهبانه, كما أنه ألزمهم سير البراري, وقطع الصحاري, أو المكوث في الخانقاوات, والانشغال فيها بالذكر.
ولقد أخذت الصوفية هذا النظام بكامله من البوذية, وألزموا أنفسهم به, كأنهم هم الذين نصحهم بوذا بذلك، فيقول الطوسي في "اللمع": "الأكل بالسؤال أجمل من الأكل بالتقوى"، وينقل السهروردي في "عوارف المعارف" عن إبراهيم بن أدهم أنه كان معتكفًا بجامع البصرة مدة, وكان يفطر في كل ثلاث ليال ليلًا, وليلة إفطاره يطلب من الأبواب.
وأما الجلوس في الخانقاوات, وملازمة الربط والتكايا والزوايا فهو من لوازم التصوف, فإن الصوفية خصصوا أبوابًا مستقلة في كتبهم لبيان فضائل ملازمتها, والمكوث فيها, كما أنهم بينوا فيها آداب الخلوة والدخول إليها والمكوث فيها، فيقول السهروردي في "عوارف المعارف": "اعلم أن تأسيس هذه الربط من زينة هذه الملة الهادية المهدية, ولسكان الربط أحوال تميزوا بها عن غيرهم من الطوائف, وهم على هدى من ربهم".
وأما التشابه بين الذكر الصوفي وذكر الطوائف الهندية؛ فهو كما ذكر القشيري في رسالة ترتيب السلوك من "الرسائل القشيرية": "المبتدئ في الأحوال يجب أن يسكن حواسه ولا يتحرك أنفاسه ولا يحرك بدنه, ولا يحرك جزء منه ولا يردد طرفه ولا شيئًا, ويكون مراعيًا لهمته, ولا يحرك البتة جزء من نفسه ولا من بدنه ولا من باطنه حتى تبدو الأحوال له بعد طول المراعاة، ثم يجب ألا ينظر إليها ولا إلى ما يبدو له البتة؛ لئلا يحجب عنها, فلا يزال في المزيد منها إن شاء الله تعالى".
وأما قضية وحدة الوجود والحلول والاتحاد, التي نادى بها الحلاج وابن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهم ممن سلك مسلكهم, فلم يشك أحد في كونها مأخوذة مقتبسة بتمامها من "فيدانتا" الهندية.
ومن قرأ آراء "شري شنكر أجاريا" في فلسفة "فدانتا" عرف جيدا أنها عين ما قاله الحلوليون والاتحاديون وأصحاب وحدة الوجود, وأن ما بينه "شنكر", وفصَّل القول فيه في شرح فلسفة وحدة الوجود "فيدانتا" هي التي توجد في كتب الوجوديون بكلياتها وجزئياتها.
هذا هو التصوف المأخوذ عن المذاهب الهندية، أما التصوف الإسلامي الحقيقي فإن مبناه على الكتاب والسنة وعلى أحوال الرسول النبي العربي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأحوال معروفة ومبسوطة يدركها القاصي والداني والصغير والكبير.
جناية الفكر الصوفي أنه شرب من النصرانية وتأثر بالرهبنة وفكرها وسلوكها، رغم تأكيد القرآن الكريم أنها رهبانية مبتدعة، لم يفرضها الله عليهم، كما تأثر الفكر الصوفي، في تعاليمه وفلسفته, أوراده وأذكاره, وطرقه في الوصول إلى المعرفة, ونظريته في الفناء .. إلخ ـ تأثر في كل ذلك بالمذاهب الهندية والمانوية والزرادشتية، ولا ينكر ذلك أحد، لدرجة أن كبار الكتاب عن التصوف والباحثين فيه من المستشرقين والمسلمين ـ وحتى الصوفية ـ أقروا بذلك لوضوح القضية وجلائها وعدم خفائها.
فالمستشرقون يقرون بأن التصوف يستمد أصوله من الفكر الهندي, خاصة بعد تحليل تصوف الحلاج والبسطامي, ويؤكدون أن التصوف الإسلامي في القرن الثالث الهجري كان مشبعًا بالأفكار الهندية, وأن الأثر الهندي أظهر ما يكون في حالة الحلاج، ويرون أنه ببحث المصطلحات الصوفية الفارسية بحثًا فيلولوجيًّا، تأكد لديهم أن التصوف الإسلامي هو بعينه مذهب الفيدانتا الهندية.
باحثون مسلمون تبين لهم من البحث في تصوف مشايخ خراسان وتصوف مدرسة نيسابور خاصة, أنه وإن كانت له صبغة محلية إلى حد ما, إلا أنه متأثر بتيارات غير محلية، وصلت إليه من مراكز التصوف الأخرى في العراق والشام، وقد سبق البيروني المستشرقين والقائلين بهذا الرأي من الباحثين, حيث قارن بين العقائد الهندية والعقائد الصوفية في كتابه المشهور "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة".
وأوجه الشبه التي ذكرها البيروني بين العقائد الهندية والعقائد الصوفية هي تتلخص في أمور ثلاثة هي: الأرواح، وطريق الخلاص، وإلغاء التمايز ومحو الإشارة.
أما الإنسان العادي القارئ لأقوال الصوفية, والعارف بأحوالهم ورياضاتهم ومجاهداتهم، فإنه يلاحظ بنفسه تشابهًا كبيرًا بين هؤلاء وأولئك, وخاصة في تعذيب النفس, وتحمل المشاق, والتجوع, وحبس النفس, وإماتة الشهوات, والهروب من الأهل والأولاد, والجلوس في الخلوات, ومراقبة صورة الشيخ, وطرق الذكر, وكثير من العادات والتقاليد والرسوم, حيث لا يرى فيها إلا مشابهة تامة بتلك المذاهب وأصحابها, كما لا يرى فيها أي أثر للإسلام وتعاليمه.
فالشعراني ينقل في طبقاته عن أبي محمد عبد الله الخراز أنه قال: "الجوع طعام الزاهدين"، والغزالي ينقل عن سهل بن عبد الله التستري أنه قال: "ما صار الإبدال إلا بإخماص البطون, والسهر, والصمت, والخلوة"، وقال السهروردي: "قد اتفق المشائخ على أن بناء أمرهم على أربعة أشياء: قلة الطعام, وقلة المنام, وقلة الكلام, والاعتزال على الناس" [عوارف المعارف، السهروردي، ص 223]، ثم بيَّن طريق التدرب على الجوع , وهي تشبه تمامًا طريقة اليوجا الهندية حذو القذة بالقذة.
وكذلك التعري؛ لم يأخذه الصوفية إلا من البوذية والجينية، حتى إن طائفة من طوائف الجينية تسمى "ويجامبرة" ـ أي أصحاب الزي السماوي, الذين لم يتخذوا كساء لهم غير السماء ـ وهم الذين يقولون: "إن العرفاء الكاملين لا يقتاتون بشيء, وإن من يملك شيئًا من متاع الدنيا ولو كان ثوبًا واحدًا يستر به عورته لا ينجو" [فلسفة الهند القديمة، محمد عبد السلام الأمبوري، ص 64].
وقد ذكر عدد من العلماء أن كثيرًا من الصوفية ـ ويسمون المجاذيب ـ كانوا يتجردون عن الثياب البتة, ويمشون في الأسواق, ويجلسون في الخانقاوات كما خلقهم الله، ويتحدث الشعراني في طبقاته عن أحد هؤلاء فيقول: "الشيخ إبراهيم العريان، كان رضي الله عنه إذا دخل بلدا سلم على أهلها كبارًا وصغارًا بأسمائهم, حتى كأنه تربى بينهم "يعني كأن يعلم الغيب", وكان رضي الله عنه يطلع المنبر ويخطب عريانًا".
وأما هجر الأهل والأولاد, والخروج إلى الغارات والجبال, والجلوس في البراري والحفر والسرادي, والمكوث مع الحيات والثعابين فليست منقولة إلا من الديانات الهندية، التي عُرفت واشتهرت بمثل هذه الأمور.
وقد كان ترك المال والخروج منه, وحتى القوت الذي يحتاج إليه الإنسان لإبقاء الحياة, ثم التسول أمام الناس, والاستجداء منهم، من سلوك الصوفية وأقطابهم، كما ذكر أبو طالب المكي عن أحد الصوفية أنه دفع إليه كيس فيه مئون دراهم في أول النهار ففرقه كله, ثم سأل قوتًا في يده بعد عشاء الآخرة.
وأورد الطوسي في "اللمع" عن أبي حفص الحداد أنه كان أكثر من عشرين سنة يعمل كل يوم بدينار وينفقه على الصوفي, ثم يخرج بين العشاءين فيتصدق من الأبواب.
والمعروف أن التسول والاستجداء والوقوف على أبواب الناس, وحمل المخلاة والكشكول من لوازم الديانة البوذية, ومن نصائح بوذا الثمانية المشهورة التي نصح بها دراويشه ورهبانه, كما أنه ألزمهم سير البراري, وقطع الصحاري, أو المكوث في الخانقاوات, والانشغال فيها بالذكر.
ولقد أخذت الصوفية هذا النظام بكامله من البوذية, وألزموا أنفسهم به, كأنهم هم الذين نصحهم بوذا بذلك، فيقول الطوسي في "اللمع": "الأكل بالسؤال أجمل من الأكل بالتقوى"، وينقل السهروردي في "عوارف المعارف" عن إبراهيم بن أدهم أنه كان معتكفًا بجامع البصرة مدة, وكان يفطر في كل ثلاث ليال ليلًا, وليلة إفطاره يطلب من الأبواب.
وأما الجلوس في الخانقاوات, وملازمة الربط والتكايا والزوايا فهو من لوازم التصوف, فإن الصوفية خصصوا أبوابًا مستقلة في كتبهم لبيان فضائل ملازمتها, والمكوث فيها, كما أنهم بينوا فيها آداب الخلوة والدخول إليها والمكوث فيها، فيقول السهروردي في "عوارف المعارف": "اعلم أن تأسيس هذه الربط من زينة هذه الملة الهادية المهدية, ولسكان الربط أحوال تميزوا بها عن غيرهم من الطوائف, وهم على هدى من ربهم".
وأما التشابه بين الذكر الصوفي وذكر الطوائف الهندية؛ فهو كما ذكر القشيري في رسالة ترتيب السلوك من "الرسائل القشيرية": "المبتدئ في الأحوال يجب أن يسكن حواسه ولا يتحرك أنفاسه ولا يحرك بدنه, ولا يحرك جزء منه ولا يردد طرفه ولا شيئًا, ويكون مراعيًا لهمته, ولا يحرك البتة جزء من نفسه ولا من بدنه ولا من باطنه حتى تبدو الأحوال له بعد طول المراعاة، ثم يجب ألا ينظر إليها ولا إلى ما يبدو له البتة؛ لئلا يحجب عنها, فلا يزال في المزيد منها إن شاء الله تعالى".
وأما قضية وحدة الوجود والحلول والاتحاد, التي نادى بها الحلاج وابن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهم ممن سلك مسلكهم, فلم يشك أحد في كونها مأخوذة مقتبسة بتمامها من "فيدانتا" الهندية.
ومن قرأ آراء "شري شنكر أجاريا" في فلسفة "فدانتا" عرف جيدا أنها عين ما قاله الحلوليون والاتحاديون وأصحاب وحدة الوجود, وأن ما بينه "شنكر", وفصَّل القول فيه في شرح فلسفة وحدة الوجود "فيدانتا" هي التي توجد في كتب الوجوديون بكلياتها وجزئياتها.
هذا هو التصوف المأخوذ عن المذاهب الهندية، أما التصوف الإسلامي الحقيقي فإن مبناه على الكتاب والسنة وعلى أحوال الرسول النبي العربي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأحوال معروفة ومبسوطة يدركها القاصي والداني والصغير والكبير.