بين السؤال والجواب في التفلسف

الموضوع في 'نزهة الفكر والخاطر' بواسطة جيلالي بوبكر, بتاريخ ‏أغسطس 23, 2014.

  1. جيلالي بوبكر

    جيلالي بوبكر New Member

    إنضم إلينا في:
    ‏أغسطس 22, 2014
    المشاركات:
    20
    الإعجابات المتلقاة:
    1
    نقاط الجوائز:
    1
    الجنس:
    ذكر
    الوظيفة:
    كاتب وأستاذ جامعي
    مكان الإقامة:
    مدينة الشلف


    بين السؤال والجواب في التفلسف

    السؤال في التفلسف وفي البحث عامة أهم وأخطر وأكبر من الجواب بكثير، لأنّ السؤال مهما كانت طبيعته، سؤال الماهية أو سؤال الكيفَ أو سؤال لماذا، فهو منطلق التفكير وبداية البحث وفي الفلسفة والتفلسف هو بداية كل نهاية ومنطلق كل نتيجة توصل إليها البحث، أما الجواب فهو تعطيل للفكر وإيقاف للبحث، لذا ينبغي استحالة الجواب إلى سؤال جديد، وفعل استحالة كل جواب إلى سؤال جديد هو عين الفلسفة وروح التفلسف.

    أهمية السؤال في فعل التفلسف لا تعني أبدا أنّ الفلسفة لا يهمّها الجواب فالجواب على كل سؤال فلسفي يُشكل نقطة انطلاق للفكر، وأرضية الإقلاع للبحث، وحيّز فكري وثقافي تشغله سفينة التفكير والتأمل والتفلسف منه تتحرك نحو الإبحار، وذلك لضمان أكبر عدد ممكن من الأجوبة هي بدائل فكرية وثقافية وفلسفية يجتهد العقل في اختيار أفضلها ولا يقف عند أفضلها وإلاّ يتعطّل الفكر ويتوقف البحث ويزول التفلسف وتنتهي الفلسفة.

    فالتفكر الفلسفي مدين للسؤال الفلسفي في المنبع والمصب، في المنبع لأنّ منطلق أي تفلسف مشكل فلسفي فرعي في إطار إشكالية رئيسية والمشكل أو إطاره يلبس الثوب اللغوي الاستفهامي الماهوي أو الكيفي أو الاستدلالي، وفي جميع الحالات يحتاج السياق الجامع بين الفكر كفعل عقلي بقدرات شتى نفسية وعقلية وثقافية وتاريخية والموضوع إلى كافة شروط ولوازم العملية الفكرية الفلسفية، فينتقل الحال من السياق إلى النسق ومن التاريخ إلى النص
    .

    السؤال في الفلسفة وفي التفلسف ليس مطلوبا لذاته أبدا وإلاّ يُصبح فعل الفلسفة والفلاسفة عملية صورية وشكلانية لا تُجدي نفعا في الحياة الثقافية وفي حياة الإنسان عامة، فالفلسفة كان لها الدور الريادي في تمثيل الثقافة وفي التأثير على حياة الأمم القديمة، لدي اليونان ولدي الرومان ولدي المسلمين وفي العصر الحديث، وحتى في عصرنا، بحيث لا نجد في حاضرنا فضاء معرفيا وعلميا وثقافيا لا يستند إلى أصول فلسفية تحدد هويته ومنابعه وغاياته، والأمر نفسه مع أي مشروع فكري وثقافي وحضاري عرفه الإنسان، وعندها فالسؤال وسيلة لا غاية لعينها، هو أداة ومنهج وسبيل في اتجاه تحريك التفكير الفلسفي والإثراء الثقافي والازدهار العلمي وتطوير البحوث عامة وتقدّمها باستمرار.

    فالسؤال في التفلسف يُطرح ليُصورن ويُطرح ليُمشكل ويُطرح ليُبرهن ويستدل، وفي الحالات المذكورة السؤال الفلسفي منبته الشك والحاجة إليه الحيرة والدهشة والقلق فيقوم الشعور بأهمية طرحه والبحث عن الإجابة مصحوبا بتفعيل سائر قدرات المتفلسف النفسية والعقلية والثقافية، وتكون الحال هنا فعلا دافعا صوب التفكير الفلسفي التحليلي النقدي الاستدلالي ألاستنتاجي، ومنتهى السؤال الفلسفي سؤال آخر يُعمق البحث والتفكير في الموضوع ويفتح آفاق النظر العقلي التي لا نهاية لها ولا حدّ.

    ففعل التفلسف ينطلق من السؤال كأداة للممارسة الفلسفية من خلال أفعالها- المَشكلة والصَورنة والبرهنة ومنهج تأملي تحليلي نقدي برهاني استنتاجي- وما تتطلبه هذه الأفعال من شروط ولوازم لغوية ومعرفية ومنهجية ومنطقية تستخدم جميعا دفعة واحدة وفي وضعية مشكلة فلسفية ووضعية إدماجية فلسفية بعيدا عن التصدع والانشقاق والانقسام، وإلا لا يتحوّل فعل التفكير إلى تفلسف ولا تظهر الفلسفة.
     

مشاركة هذه الصفحة