اليقين بالله

ashdom

Active Member
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
من أعظم الزاد للسائر إلى الله عز وجل اليقين بالله، فهو المثبت على صراط الله المستقيم حتى يلقى العبد ربه.
ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقاوانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم
فامتلأ محبة لله وخوفا منه ورضي به وشكرا له وتوكلا عليه وإنابة إليه
واليقين في اللغة:العلم الذي لا شك معه.
وفي الاصطلاح: (استقرارُ العِلْمِ الذي لا ينقلِبُ ولا يُحوَّلُ ولا يتغيَّرُ في القلْبِ )و قيل أنه (طُمأنينة القَلْب، علىحقيقة الشيءِ وتحقيق التصديق بالغَيْب، بإزالة كلِّ شكٍّ ورَيْب )
و تدورُ كلمةُ اليقينِ في الكتابِ والسنةِ على معنيينِ
أولهما: العِلمُ الجازمُ الذي لا يَقبلُ الَشك
كما قالَ تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ [الواقعة: 95]، وقال أيضًا: ﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ [الحاقة: 51]
الثاني: الموت
كما قال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99].كما جاءَ في التفسيرِ أي الموت
درجات اليقين
وهو على ثلاث درجات
1- علم اليقين
2- عين اليقين
3- حق اليقين
قال تعالى( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍعَنِ النَّعِيمِ ) سورة التكاثر
فيه دلالة على علماليقينوعيناليقين
قال تعالى(إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) سورة الواقعةو قال تعالى(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (سورة الحاقةفيه دلالة على حقاليقين
الدرجة الأولى: علم اليقين
هو التصديق الكامل الجازم، الذي لا تردد فيه، بحيث لا يعرض له شك، ولا شبهة، ولا ريب بحالٍ من الأحوال
وهو قبول ماظهر من الحق وقبول ما غاب للحق والوقوف على ما قام بالحق
قبول ماظهر من الحق تعالى والذي هو أوامره ونواهيه وشرعه ودينه الذيظهر لنا منه على ألسنة رسله فنتلقاه بالقبول والانقياد والإذعان والتسليم
و قبول ما غاب للحق وهو الإيمانبالغيب الذي أخبر به الحق سبحانه على لسان رسله من أمور المعاد وتفصيلهوالجنة والنار وما قبل ذلك: من الصراط والميزان والحساب وما قبل ذلك: منتشقق السماء وانفطارها وانتثار الكواكب ونسف الجبال وطي العالم وما قبلذلك: من أمور البرزخ ونعيمه وعذابه فقبول هذا كله إيمانا وتصديقا وإيقانا
الوقوف عل ما قام بالحق سبحانه منأسمائه وصفاته وأفعاله
فاليقين هوالوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته ونعوت كماله وتوحيده وهذهالثلاثة أشرف علوم الخلائق: علم الأمر والنهي وعلم الأسماء والصفاتوالتوحيد وعلم المعاد واليوم الآخر
الدرجة الثانية: عين اليقين
وهو أن يرى المعلوم عيانا ، فليس الخبر كالعيان .
والفرق بين هذه المرتبة والتي قبلها هو كالفرق بين العلم وبين المشاهدة،وقد جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَيْسَ الْخَبَرُكَالْمُعَايَنَةِ]رواه أحمد
الدرجة الثالثة: حق اليقين
وهي مباشرة الشيء بالإحساس فعلاً، و أن تكون ملابساً له
فعلمنا الآن بالجنة والنار: علم يقين
فإذا أزلفت الجنة فيالموقف للمتقين وشاهدها الخلائق وبرزت الجحيم للغاوين وعاينها الخلائقفذلك: عين اليقين
فإذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: فذلك حق اليقين
من ثمراتُ اليقينِ بالله
1- الانتفاعُ بالآياتِ والبراهينِ
فقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: 75].
2- الهُدى والفلاح
كما قالَ تعالى: ﴿ وَالَّذِينَيُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَوَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْوَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 4 - 5].
3- إحرازُ الإمامةِ في الدِّينِ
و بتحقق الصبر واليقين تكون الإمامة فيالدين
قالَ - تعالى -: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَالسجدة: 24
4- الرِّضا بأحكامِ اللهِ عَزَّ وجلَّ
ولا يمكن أن تثبت قدم الرضا إلا على قاعدة اليقين ودرجته، فمن لا يقين عندهلا يمكن أن يصبر، فضلاً أن يرتقى إلى درجة الرضا بما قدر الله عز وجل عليهمن الآلام والمصائب والمحن والبلايا، وما قدر الله عليه من الفقر والمرض،وما أشبه ذلك
ولهذا لا تحصل هداية القلب والرضا والتسليم إلاباليقين
يقول الله تعالى ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِاللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) سورةالتغابن [11]
. يقول ابن مسعود:' هو العبد تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عندالله؛ فيرضى ويُسلّم'.
قالَ اللهُ تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50].
أي : ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه ، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين ،وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها ، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء ، العادل في كل شيء .
5- التوكل على الله عز وجل
قال تعالى ( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ) سورةالنمل 79
والحق هنا هو اليقين- كما قال ابن القيم رحمه الله [مدارجالسالكين 2/398].
6- يحمل صاحبه على الجد في طاعة الله عز وجلّ والتشمير والمسارعة والمسابقة في الخيرات:
7- أنه يجعل صاحبه ثابتاً على الحق الذي اتبعه وعرفه
لهذا لما سأل هرقل أبا سفيان عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم:أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قال: لا، قال: وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ.
8- اجتنابُ الظُّلم بشتى صورهِ
وأنَّهُ لا شيءَ يمنعُ النَّفسَ منْ ظلمِغيرها في نفسٍ، أو مالٍ، أو عرض كاليقين بالرجوع إلى الله -عز وجل-،وإعطاء كل ذي حق حقه، وإنصاف المظلوم ممن ظلمه، فإذا تذكَّرَ العبد هذاالموقف العصيب الرهيب، وأنه لا يضيع عند الله شيء، كما قال تعالى:﴿وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُنَفْسٌ شَيْئًا وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَابِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47]
وقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه: 111]
إذا تذكر هذه المواقف واتعظ بهذه الآيات، وأيقن بتحققها، فلاشك أن ذلك سيمنعه من التهاون في حقوق الخلق، والحذر من ظلمهم في دم أو مالأو عرض
9- تقصير الأمل وحفظ الوقتفلا تتعلق نفسه بها، ولا يتشبث بُحطامها، وإنما يكون زاهداً فيها؛ لأنهيعلم أنها ليست موطناً له، ولأنه يعلم أنها دار ابتلاء، وأنه فيها كالمسافريحتاج إلى مثل زاد الراكب، ثم بعد ذلك يجتاز ويعبر إلى دار المقام، فهوبحاجة إلى أن يشمر إليها، وأن يعمل لها
ولهذا لما قال النبي صلى الله عليهوسلم لأصحابه: [ قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُوَالْأَرْضُ] فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَارَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ: نَعَمْ] قَالَ: بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ] قَالَ: لَاوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْأَهْلِهَا قَالَ: [فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا] فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْقَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُحَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ فَرَمَىبِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. رواهمسلم .
10 - دخول الجنة
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم قَالَ( أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُاللَّهِ، لا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّادَخَلَ الْجَنَّةَ)

كيف نحقق اليقين
أن نعلم أن التوفيق بيد الله عز وجل، فما علىالعبد إلاّ أن يلتجأ إليه، وأن يصدق في الإقبال عليه، فيسأل ربه أن يرزقه الإيمان الكامل، واليقين الجازم الراسخ الذي لا يتزعزع. [انظر: مدارج السالكين 2/302] .
ومع ذلك أيضاً يبذل الأسباب التي توصله إلىهذه المرتبة، ومن هذه الأسباب:
الأول: وهو أول درجات اليقين: العلم
وهذا العلم يشمل: العلم باللهعز وجل، ويشمل العلم بالله عز وجل: علمه بأنه المعبود وحده لاشريك له، وأنه لا يستحق العبادة أحد سواه فلا يلتفت قلبه إلى أحد من الخلق، ولا يتعلق بهم
وهو يعلم أيضاً ربوبيةالله عز وجل للكائنات، وأنه مدبر هذا الكونومُصَرِّفه، وأن الخلق عبيده يربهم ويتصرف بهم، إذا علم العبد ذلك اطمأنإلى رزقه؛ لأن الأرزاق بيد الله، وإذاعلم العبد ذلك اطمأن إلى أجله؛ لأن الآجال بيد الله عز وجل، وإذا علم العبدربوبية الله عز وجل؛ اطمأن إلى أقداره، وإلى عطاءه ومنعه، فلا يعترض علىالله
والعلم بالله يشمل أيضاً: العلم بأسمائه وصفاته، يعلم أن الله هو الرقيب، فلا تمتد عينه إلىالحرام، ولا تمتد يده إلى الحرام، ولا تخطو رجله إلى الحرام؛ لأن يقينهراسخ بأن الله هو الرقيب، وأن ما يخفى على المخلوقين لا يخفى على الله جلجلاله؛ فتسكن جوارحه، وتلتزم طاعة ربها ومليكها، فلا يصدر منه شئ ينافي هذاالإيمان، وهذا اليقين الذي وقر في قلبه بمعرفته بأوصاف الله عز وجلالكاملة
وهذا العلم أيضاً كما أنه علم بالرب المعبود أيضاً هو علم بالنفس وبالخلق: فيعلم قدر نفسه وضعفه وعجزه، فلا يركن إلى نفسه، ولا يركن إلى المخلوقين؛لعلمه أنهم مربوبون، وأن الله عز وجل يصرّفهم ويدبّرهم، وأنه بيده ملكوت كلشئ، فالمخلوق ضعيف عاجز لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فكيف يملك لغيره؟!
الثاني: دفع الواردات والخواطر والأمورالمنافية له
ولهذا كان جهاد الشيطان على مرتبتين اثنتين: جهاده فيمايُلقيه من الشبهات والوساوس ، فهذا لا يسلم منهإلا إذا دفعه العبد، وجاهد هذا الشيطان بدفع هذه الخواطر والوساوس والشُبه
و جهاد الشيطان في باب الشهوات؛ فإن ذلك يُورثه صبراً
ولهذا كانت الإمامةفي الدين تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة،واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
الأمر الثالث: العزم الجازم الذي لا تردد فيه في العمل بمرضاة الله عز وجل
وأمر رابع: مفارقة الشهوات والحظوظالنفسانية:
و اعلم أن كل ما من شأنه أن يقوي إيمانك من قراءة القرآن، وزيارة القبور، والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وفيما بث الله في الأرض من دابة، وفي أحوال الناس واختلاف ألسنتهم وألوانهم، وإنزال الغيث، وتصريف الأمر وتدبيره، كل ما من شأنه أن يقوي إيمانك من الآيات والعبر فهو بإذن الله يقوي اليقين.
منقول بتصرف من
1- اليقين
2- اليقين ... أعمال القلوب فضيلة الشيخ د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي .
3- مفهومُ اليقينِ بالله
4- ما هـــو اليقيـــــــن؟
5- اليقين بالله للشيخ محمد مختار الشنقيطي
6- اليقين بالله لأبن القيم من كتاب مدارج السالكين
7- اليقين - للشيخ خالد السبت
8-تفسير ابن كثير
 
عودة
أعلى