الاكتئاب و الابتلاء

الموضوع في 'المنتدى الإسلامي' بواسطة قصي حمدان, بتاريخ ‏ديسمبر 4, 2006.

  1. قصي حمدان

    قصي حمدان New Member

    إنضم إلينا في:
    ‏نوفمبر 20, 2006
    المشاركات:
    1,872
    الإعجابات المتلقاة:
    609
    نقاط الجوائز:
    0
    الوظيفة:
    دكتور
    مكان الإقامة:
    سوريا - حلب


    الاكتئاب و الابتلاء
    مقدمة طبية
    الحقيقة أن هذا الموضوع من المواضيع التي يعاني منها الكل ولا يوجد إنسان مهما كبر ومهما صغر ومهما ازداد علماً أو ديناً أو مالاً أن يتخلص من موضوع الاكتئاب، الإشكالية الأساسية في هذا الموضوع أو في هذه القضية أننا نظل نعاني نفكر في القضايا وتتعارض طموحاتنا وآمالنا مع الواقع الذي نعيش فيه ولذلك كثير من الأحيان من حاولوا تعريف الاكتئاب والهم، اعتبروه أنه حالة عقلية انفعالية ذاتية التقدير تدفع الإنسان إلى الحزن والكآبة، اعتبروه كأنه أسلوب في التفكير يدفع بالإنسان منا إلى أن يفكر بالصورة السالبة، نحن نعرف أن تفكير الإنسان بشكل عام يتأثر بالعاطفة فكلما ازدادت العاطفة إيجابا يعني عندما يدخل الحب كما يقول الشاعر "وإن الرضا عن كل عين كليلة" يفقد الإنسان النظر إلى الشيء بصورة موضوعية كما نشبه الاكتئاب أو الحزن والقول أن الاكتئاب يعتبر حالة مرضية هو بأقل حالاته يعتبر حالة مرضية، ولكن البعض يعتبروه كأنه توعك كتوعك المريض يضعون له بعض العلامات، والدلائل يعتبرون أن هناك علامات سلوكية أو تصرفات، على سبيل المثال الشعور بالتعب الجسدي بدون مبرر، الاضطراب في النوم، الحساسية أو سهولة الألم والحزن على أقل شيء فالأشياء التي ليس لها أهمية فهو يكبِّرها، هناك بعض الأعراض مثل الصداع، فقدان الرغبة أو الاستمتاع بالأمور والقضايا العادية، صعوبة في التركيز، عدم الشعور بالفائدة فهو يشعر أنه ليس ذا أهمية في الحياة، رغبة في الانتقام، قلق، هي في الحقيقة أعراض كثيرة.
    القرضاوي
    لاشك أن كل إنسان معرَّض في هذه الحياة الدنيا للابتلاء، حياته نفسها قائمة على الابتلاء (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه) والله تعالى يقول (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أي في مكابدة ومعاناة منذ يولد الإنسان والحياة فيها مفاجآت كثيرة، يفقد عزيزاً يصاب بشيء كثير لديه، يفقد مالاً، يفقد أهلاً، يفارق وطناً، طبيعة الحياة الدنيا كطبيعة الإنسان أيضاً، هي بالبلاء محفوفة وبالكَدَرِ موصوفة، هذه هي الدنيا، قيل للإمام علي رضي الله عنه: صف لنا الدنيا، فقال للسائل: وماذا أصف لك من دار أولها بكاء وأوسطها عناء وآخرها فناء. هذه هي الدنيا، فطبيعة الإنسان أنه معرض للابتلاء، طبيعة الدنيا أنها لا تخلو من الآفات، الإنسان المؤمن أشد بلاءاً من غيره لأنه صاحب رسالة، وهذه الرسالة تعرضه للأذى، ومن هنا أقسم الله في هذه الآيات وكان الخطاب للمؤمنين لأنه تعالى قبلها يقول: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) ثم قال بعد ذلك (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) وعلماء اللغة يقولون (لنبلونكم) اللام للقسم والنون للتوكيد كما قال تعالى (لتبلوُن في أموالكم وأنفسكم ولتسمعُون من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أدنى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) فإذا كان الإنسان معرضاً للابتلاء فإن المؤمن أكثر عرضةً للابتلاء ولذلك جاء في الحديث الشريف "أشرُّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاءً وإن كان في دينه رقَّة ـ يعني ضعف ـ ابتُلي على قدر دينه وما يزال البلاء ينـزل بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" ومن هنا القرآن المكي حينما استكثر المؤمنون ما نزل بهم من بلاء وتعذيب وتشديد من الكفار عليهم نزلت أوائل سورة العنكبوت، يقول الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (ألم، أحَسِبَ الذين آمنوا أن يُترَكوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون) أهناك إيمان بلا فتنة وابتلاء (ولقد فتـنَّا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) هذا في العهد المكي، في العهد المدني أيضاً حينما استقر الحال بالمسلمين وظنوا أنه قد سلمت لهم الأمور جاءتهم ابتلاءات .. غزوة أحد، ابتلاء غزوة الخندق (هناك ابتُلي المؤمنون وزُلزِلوا زلزلاً شديداً) فنـزل قول الله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مَثَلُ الذين خلوا من قبلكم مسَّتهم البأساء والضراء وزُلزِلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) يستبطئون النصر "متى؟" والتعقيب (ألا إن نصر الله قريب) ولذلك إذا نظرنا إلى حياة الأنبياء نجد أن حياة الأنبياء كلها سلسلة من المحن والابتلاءات .. انظر إلى حياة سيدنا يوسف عليه السلام، حلقات دامية، حلقة تتصل إلى حلقة أخرى، في أول الأمر أخوته من أبيه تآمروا عليه وقالوا (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً) وقال قائل منهم أرق وأرأف (لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجُب) وألقوه في غيابة الجُب كما تُلقى الأحجار، ثم بيع هذا النبي الكريم بعد ذلك كما تباع الشياه (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) وخدم في البيوت كما يخدم العبيد واتُهِم وأُلقِي في السجن كما يُلقى المجرمون، ولبث في السجن بضع سنين، وهناك محنة أخرى وهي محنة امرأة العزيز وهي محنة من نوع آخر فهذه سلسلة من المحن، لو نظرت إلى موسى عليه السلام وُلِد في المحنة، وهو من يوم أن وُلِد وفرعون مستعد للذبح، فأوحى الله إلى أمه ألقيه في اليم (ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) وترى حياة موسى عليه السلام هرب إلى مدين وهكذا..، هذه حياة الأنبياء ولذلك لا ينبغي للإنسان المؤمن أن ينتظر حياة سالمة من كل هم وغم وكرب، فهذه ليست طبيعة الحياة الدنيا إنه يريد الجنة في الدنيا والجنة لم تأت بعد فلابد أن يوطِّن نفسه على الصبر والاحتمال (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور).
    هل هناك أدعية مأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة يستفيد منها المسلمين إذا أصيبوا باكتئاب نفسي ؟.
    هذا السؤال مهم جداً، وهو الأدعية والأذكار التي يستعين بها المسلم إذا نزل به الكرب أو أصابته المحن وأحاطت به البلايا، عندنا مجموعة من الأذكار هي أسلحة في يد الإنسان المسلم يقاوم بها هذه الكروب التي تنـزل به ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" في أدعية الكرب، منها ما جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في دعاء الكرب: "لا إله إلا الله العليم الحليم لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش العظيم" منها دعوة ذي النون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة أخي ذي النون حينما دعا في بطن الحوت: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" ما دعا بها مكروب إلا فرَّج الله بها عنه)، القرآن ذكر هذه الدعوة (ذا النون إذ ذهب مغاضباً فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، (الظلمات) هي ظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة بطن الحوت، هذا الدعاء على قصره فيه التوحيد (لا إله إلا أنت)، والتنـزيه (سبحانك)، والاعتراف (إني كنت من الظالمين)، (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) أيضاً الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها أن تقول: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" وكذلك الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة أن يقول "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدَين وقهر الرجال" والدعاء أيضاً الذي رواه ابن مسعود "اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فِيَّ حكمك عدل في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي" يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء "ما قاله مسلم إلا اذهب الله حزنه وأبدله ترحه فرحاً" كذلك "الله ربي ولا أشرك به شيئاً" والاستغفار أيضاً، من لَزِم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، أدعية كثيرة أنصح الأخوة أن يراجعوها في كتاب "زاد المعاد" وهي في هدية صلى الله عليه وسلم في الطب ومنها الطب في هذه الحالات فهذه الأدعية تقوي الإنسان المسلم لأنها تجعله يلجأ إلى ركن ركين، ويعتصم بحبل متين وبحصن حصين، يعوذ بالله ويلوذ بجنابه سبحانه وتعالى.
    سؤال: لو أصيب شخص باكتئاب ولم يعالج هذا الاكتئاب فهل عليه جزاء؟
    العلاج كما قلت هو الإيمان والله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) الصبر هو قوة الإرادة، أنه يقوي إرادته في مواجهة هذه المحن ويقويها بمجموعة من المفاهيم أعطاها له الإسلام، وقد قال الله (وبشِّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإنا إليه راجعون) بعد أن قال لنبلونكم بكذا وكذا، كما قالت أم سليم حينما مرض أحد أطفالها وأدركه الأجل أي مات وجاء زوجها أبو طلحة الأنصاري وسألها عن الطفل قالت له: قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون قد استراح ففهم أنه شفي وهو مات، وأصابها في تلك الليلة وبعد هذا قالت له: أرأيت لو كان عندنا متاع لجيراننا ائتمنونا عليه ثم طلبوه منا قال: من حقهم هذه أمانتهم وطلبوها، قالت له: فإن الله أعطانا ابننا فلان هذا وديعة ثم استرده منا، فغضب وشكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلت أم سليم فأثنى النبي عليها ودعا لهما بالبركة ورزقهما الله في هذه الليلة بطفل وكان من هذا الطفل تسعة بعد ذلك منهم إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة أحد المحدثين المشهورين، المهم إن الإنسان يقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) أي سنرجع إلى الله فيكافئنا ويجازينا لا يضيع شيء عند الله، فالإنسان عليه أن يعالج نفسه بمثل هذه المفاهيم الإسلامية وإن الصبر وراءه خير الدنيا والآخرة، عزَّى سيدنا علي رجلاً في وفاة ابنه فقال له: يا أبا فلان إنك إن صبرت نفذت فيك المقادير وأنت مأجور وإن جزعت نفذت فيك المقادير فأنت مأزور، العوام عبروا عن هذا فقالوا: "إن صبرتم أجرتم وسهم الله نافذ وإن ما صبرتم كفرتم وسهم الله نافذ" أي أن سهم الله نافذ في كلا الحالتين ومادام سهم الله نافذاً فلماذا لا يصبر الإنسان، فهذه المفاهيم مطلوبة حتى يستطيع الإنسان أن يتغلب على همومه وأحزانه، الصبر والصلاة، الصلاة أيضاً مدد، كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة يجد فيها عون على مصائب الدنيا، أيضا الإنسان لا يعتزل بل يخالط المؤمنين لأنه إذا بقي وحده يستوحش، والوحدة أحياناً تكون قاتلة، يشتغل مع المؤمنين يسلي نفسه بعمل الخير يشارك في جمعية يحسن إلى الناس فيدعون له، يشعر بسرور إنما بعض الناس إذا أصابه شيء اعتزل، العزلة نفسها خطر بمثل هذه الأمور ينبغي أن يعالج الإنسان نفسه، فهناك شيء في مقدور الإنسان وربنا يحاسبه لماذا قصرت فيه، وهناك شيء فوق طاقة الإنسان (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).

    و الحمد لله رب العالمين
     
  2. 4islam

    4islam New Member

    إنضم إلينا في:
    ‏أغسطس 21, 2006
    المشاركات:
    1,011
    الإعجابات المتلقاة:
    234
    نقاط الجوائز:
    0
    السلام عليكم يا اخي... جزاك الله خيرا و وضع مشاركتك هذه في ميزان حسناتك ...ننتظر المزيد
     
  3. عصام زايد

    عصام زايد New Member

    إنضم إلينا في:
    ‏يناير 15, 2006
    المشاركات:
    2,066
    الإعجابات المتلقاة:
    139
    نقاط الجوائز:
    0
    مشكووووووووووووووووووور يعطيك العافية
     
  4. قصي حمدان

    قصي حمدان New Member

    إنضم إلينا في:
    ‏نوفمبر 20, 2006
    المشاركات:
    1,872
    الإعجابات المتلقاة:
    609
    نقاط الجوائز:
    0
    الوظيفة:
    دكتور
    مكان الإقامة:
    سوريا - حلب


    مع الشكر الجزيل لكل من مر على هذا الموضوع
     

مشاركة هذه الصفحة